نشر بتاريخ: 11/06/2015 ( آخر تحديث: 15/06/2015 الساعة: 19:00 )
شارك
بيت لحم - معا - شكك الكثيرون ولا زالوا بقوة الصمود الفلسطيني في بيروت الغربية خلال الحصار الإسرائيلي القاسي الذي استمر لأكثر من ثلاثة اشهر دامية متذرعين بأن إسرائيل لم تكن تنوي احتلال بيروت وإنها لو أرادت لفعلت ذلك دون ان تحسب حساب قوات المقاومة الفلسطينية واللبنانية داخل المدينة المحاصرة.
اليوم "الخميس" سمحت وزارة الجيش الإسرائيلية بنشر وثائق كانت طيلة الأعوام الـ 33 الماضية مصنفة تحت بند "سرّي للغاية" أثبتت ان هدف الغزو لم يكن مطلقا كما أعلنت إسرائيل إبعاد قوات منظمة التحرير مسافة 40 كم من حدود الجليل بل "خلق وضع استراتيجي جديد وثوري" وان وجود "مناحم بيغن" في رئاسة الحكومة و "رفائيل ايتان" في رئاسة الأركان سمح لوزير الجيش في ذلك الوقت "ارئيل شارون" ان يفعل ما يشاء لانجاز الوضع الاستراتيجي الجيد.
وتناقض الوثائق التي نشرها أرشيف الجيش الإسرائيلي ووزارة الجيش إعلان حكومة "بيغن" في الخامس من حزيران عام 1982 حيث انطلقت ما أسمتها إسرائيل في البداية بعملية سلامة الجليل قبل ان تتحول رسميا إلى اسم "حرب لبنان الأولى" الذي جاء فيه " تهدف العملية إلى إبعاد جميع بلدات الجليل من عن مرمى نيران الإرهابيين المتمركزين هم وقياداتهم في لبنان" لكن في نهاية المطاف حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت واحتلها بعد انسحاب القوات الفلسطينية منها لينسحب منها في أيلول بعد ارتكابه مجزرة صبرة وشاتيلا التي أثارت غضب العالم اجمع في حينه.
وجاء في وثيقة مؤرخة في ابريل 1982 قبل شهرين من الغزو بكل وضوح " بعد أربعة أيام من انطلاق العملية سيحتل الجيش الإسرائيلي بيروت وسيدمر الجيش المخربين وبالبنية التحتية التابعة لهم حتى نهر الأولي والحاصباني وكوكبة ومنطقة الجبل وبعد 24 ساعة من العملية ستتواصل قوات الجيش مع القوات المسيحية في بيروت وبعد 48 ساعة من ذلك سيتم احتلال بيروت وبعد ذلك بـ 96 ساعة سيكون الجيش متأهبا وجاهزا لتدمير وإبادة الجيش السوري في منطقة البقاع ".
وحدد أمر العملية التي كانت حتى هذه اللحظة تحمل الاسم "اورانيم" شرط تنفيذها كما جاء في الوثيقة سابقة الذكر " على ضوء تصاعد العمليات الإرهابية المعادية في المناطق- الضفة وغزة" وداخل إسرائيل وفي الخارج سيرد الجيش الإسرائيلي بتدمير المخربين في لبنان عبر هجمات جوية مع الاستعداد لتنفيذ عملية "اورانيم" على ان يقوم الجيش الإسرائيلي أولا باحتلال بيروت بعد اتصاله بالقوات المسيحية بـ 48 ساعة " وفقا لما جاء في نص أمر تنفيذ العملية " اورانيم".
قبل عام تقريبا من كتابة الأمر سابق الذكر وتحديدا في شهر تموز 1981 تعرض الجليل الأعلى لقصف مدفعي مكثف تخلله إطلاق 1200 قذيفة وصاروخ ما أدى لمقتل 6 إسرائيليين وجرح 59 آخرين فيما فر الكثيرون من "كريات شمونة" ومحيطها وعززت حركة فتح وجودها وقواتها في منطقة "فتح لاند".
وقال الجنرال احتياط والمؤرخ العسكري "يهودا فغمان" بأن للحرب كان هدفين الأول مخفي والثاني معلن مضيفا " في وضع تولى فيه شارون وزارة الجيش ورفائيل ايتان رئاسة الأركان وبيغن رئاسة الحكومة فان هذا الوضع هو الأمثل بالنسبة لشارون ليفعل ما يريد فهذه الحالة لا تشبه وضع 1967 حين أصر ليفي اشكول على موقفه ضد هيئة الأركان مجتمعة".
وأكد "فيغمان" في مقالة نشرها في نشرة "معارك" ان الهدف المعلن للحرب كان إخراج بلدات الجليل من مرمى المدفعية التابعة لمنظمة التحرير وهذا الهدف حظي بتأييد جارف لدى الجمهور الإسرائيلي ولكن مع تعمق الحرب وازدياد حدة القتال تبين للجمهور ان هدف الحرب كان "إقامة حكومة شرعية في لبنان تكون جزء من العالم الحر وتعيش بسلام مع إسرائيل" وهذه المقولة مقتبسة من أقوال "ارئيل شارون" نفسه.
وعلى هذا الأساس تم في آذار 1982 صياغة أمر عمليات جديد خاصة بعملية "اورانيم مصغرة" والتي لا تتضمن احتلال بيروت أو الوصول الى طريق بيروت- دمشق جاء فيه " نتيجة لإطلاق النار على بلداتنا او وقوع عملية إرهابية معادية فإننا قد نطلب من الجيش ان يشرع بتنفيذ هذه العملية خلال 24 ساعة بهدف إبعاد مصادر نيران المخربين قدر الإمكان عن بلداتنا".
وتعتبر صايغة أمر "اورانيت المصغرة" متواضعا جدا قياسا بأمر العمليات الذي ستتم صياغتها بعد شهر من ذلك وجاء فيه " ان هدف العملية هو تدمير المخربين وإبادتهم وتدمير البنية التحتية حتى خط نهر الزهراني، كوكبا، حاصبيا، جبل ستاني، ومحاصرة محور النبطية واحتلال منطقة الليطاني وفتح لاند".
وقال المؤرخ العسكري "فيغمان" افترض وزير الجيش في ذلك الوقت "ارئيل شارون" وهو محق في ذلك ان تصوره الاستراتيجي بعيد المدى سيواجه معارضة داخل الحكومة وحتى داخل الجيش ليس فقط بسبب ثمن الدم المطلوب لتنفيذ هذا احلم إذا ما تم طرح حجم هذا الثمن أمام الحكومة والجيش بشفافية وصدق".
وأضاف فيغمان " لهذا السبب اكتفى شارون بالحديث بعبارات تحتمل أكثر من تفسير وبالتلميح لحلمه الاستراتيجي وذلك اثناء قيامه بإنتاج منظومة قادرة على تجاوز القيود التي قد تفعلها الحكومة لمنعه من تحقيق حلمه الاستراتيجي وتنفيذ خطته وكانت الوسيلة الرئيسية التي استخدمها "شارون" لتجاوز القيود الحكومية منع وصول المعلومات من الجيش إلى الحكومة وبالعكس وتحول هو شخصيا بصفته وزيرا للجيش إلى نقطة الاتصال الوحيدة الرابطة بين الجيش والحكومة وبالعكس ما جعله يتحكم وبكل سهولة بتدفق المعلومات بين الجهتين "الحكومة والجيش" وخداع هما والمناورة عليها بما يساعده على تحقيق وتنفيذ مخططه وبهذا لم يبلغ الوزراء بوجود إمكانية لتجاوز الجيش الإسرائيلي خط الـ 40 كم التي حددته كهدف للعملية ".
وتثبت الوثائق التي سمح اليوم بنشرها ما ذهب إليه الكثير من الكتاب والجهات والمؤسسات طيلة السنوات الماضية مثل ما قاله الكاتب والخبير العسكري الشهير "زئيف شيف" في كتابه "حرب امضللة" اذلي كتبه بالاشتراك مع " ايهود يعاري " تحدثوا خلال جلسة الحكومة المنعقدة في الخامس من حزيان 1982 عن خط 40 كم الذي يتوجب على الجيش ان يتوقف عنده داخل لبنان حتى يتمكن من إخراج البلدات الإسرائيلية من مرمى نيران منظمة التحرير الفلسطينية هذا بالضبط هو الخط والمدى الذي طلب وزير الجيش ورئيس الأركان من الحكومة المصادقة عليه ".
وكتب الاثنان وفقا لكتاب "شيف" للحكمة قائلين " لم يتم الحديث حتى بالتلميح بأن هناك إمكانية قد يضطر فيها الجيش إلى التقدم بعد خط الـ 40 كلم ولم يتم الإشارة مطلقا لسعي الجيش الإسرائيلي إلى التواصل والالتقاء بالقوات المسيحية " الكتائب" وبالتالي لم تمنح الحكومة مصادقتها على تنفيذ عملية "اورانيم الكبيرة".
وكتب "زئيف شيف" ومحلل الشؤون العربية "ايهود يعاري" ان الشخص الوحيد داخل الحكومة الذي أعرب عن مخاوفه من نوايا شارون كان وزير الاتصالات "مردخاي تسيبوري" صاحب الخبرة العسكرية الكبيرة وهو الوزير الوحيد الذي يمتلك مثل هذه الخبرة في الحكومة الإسرائيلية إلى جانب شارون. وقال الوزير "تسيبوري" خلال جلسة الحكومة سابقة الذكر " ان مصطلح نبعد المخربين 40 كم هو مصطلح مبسّط وعام لذلك اطلب ان اعرف بالضبط ما هي الخطوط التي يتوجب لقوات الجيش ان تصل إليها وتتوقف عندها".
وفي نهاية المطاف كانت الكلمة للصمود الفلسطيني حيث خاض ابطال الثورة الفلسطينية بمختلف فصائلها وقوات الحركة الوطنية اللبنانية تحت اسم "القوات الشمرتكة" معارك ضارية افقدت شارون توازنه وافشلت مشروعه وجعلته يقف على ابوب بيروت لاكثر من ثلاثة اشهر دون ان يتقدم فيها مترا واحدا.
نجحت القيادة الفلسطينية المحاصرة في ذلك الوقت في افشال مشروع شارون عبر تحقيق انجاز عسكري توهمه سريعا وسهلا ينتهي باحتلال بيروت واقتياد ياسر عرفات وجورج حبش وقيادات العمل الوطني الفلسطيني في قفص الى ساحات تل ابيب كما صرح "شارون" اكثر من مرة ليجد نفسه امام دائرة النار والصمود التي اجبرته على خوض مفاوضات مضنية عبر الموفد الامريكي "فيليب حبيب" انتهت باتفاق يقضي بخروج مشروف لقوات الثورة من بيروت وانسحاب قوات الغزة عن حدود المدينة.
وكعادته لم يلتزم شارون بذلك ودفع بقوات الكتائب والحلفاء الاخرين من المنطقة المسيحية الشرقية الى شوارع بيروت الغربية فقامت هذه القوات بمحاصرة مخيمات بيروت "صبرا وشاتيلا" القربين من مطار بيروت الدولي وكان ذلك يوم 15-16-17 - 18 - 1982 حين تكشفت فظائع المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها القوات الانعزالية بقيادة سمير جعجع وايلي حبيقة وغيرهم من رموز الاجرام ضد سكان المخيمين مدعومين بقوات شارون التي احالت سماء المنطقة نهارا بواسطة القنابل المضيئة لتسهيل عمل القتلة داخل المخيمات كما فرض قوات شارون حصارا خانقا على المخيمين منعت فيه الناس من مغادرتها هربا من سوق الحقد التي طالب رقاب السكان واعملت فيهم ذبحا لدرجة ان بعض جنود شارون هالهم الموقف وفضحوا امره عبر تسريبهم نبأ المجرزة للصحف الاسرائيلية لاجبار شارون على وقفها.