السبت: 28/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

المشهد الثقافي داخل فلسطين في الألفية الثالثة.. كيف سيبني الفلسطينيون مشروعهم الثقافي في مواجهة التطبيع ورواية الآخر

نشر بتاريخ: 20/09/2007 ( آخر تحديث: 20/09/2007 الساعة: 22:32 )
رام الله -معا - تحقيق عايد عمر- ما زلنا كعرب عموماً وفلسطينيين خصوصاً نعيش على أوهام غابرة، ونتباكى على تراث عظيم كبير ضيعناه، مازلنا نستذكر مثقفينا وكتابنا ومفكرينا وفلاسفتنا الذين مضوا، بعد أن أناروا بإبداعاتهم وكتاباتهم طريق العلم في شتى مناحي الحياة.‏

وسنبقى إلى أمد بعيد نقرأ وننبش في هذا التراث، فلا تخلو مكتباتنا من بعض إن لم يكن جل هذه الأعمال الخالدة، ما زلنا مشدوهين بسحر البيان في أعمالهم، وأشعار المتنبي والمعري والصعاليك وأبي نواس، لا زلنا نقرأ ونقلد ابن عربي ولم نستغني بعد عن رحلات ابن بطوطة التي كتبها ووثقها من على ظهر (فرسه أو جمله) رغم المسافات، مثلما لم نستغن أيضاً عن التراث الديني والتفاسير للقرآن الكريم (القرطبي) السيوطي، وغيرهم... لا زلنا معتمدين على الأئمة الأربعة أو الخمسة في الفقه).‏

لقد مرت الأمة بانكسارات كثيرة، وأحبط الجميع، مما ساعد على تكالب الثقافات الغازية, ومحاصرة الثقافة العربية والإسلامية في زاوية حادة لم تستطع الخروج منها إلا في مدد قليلة ولمدة محدودة وفي القرن المنصرم لم تستطع الثقافة أن تشكل نفسها من جديد، ولم تستطع أن تواكب عصر التكنولوجيا والمعلومات، ولم تستفد أيضاً من إمكانياتها الطبيعية العظيمة، لمواجهة والوقوف في وجه الثقافات الغازية، وفي طليعتها المشروع الصهيوني.‏

في أواسط القرن الماضي، واجه المشروع الثقافي العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً تحدياً كبيراً وذلك من خلال بروز المشروع الثقافي "الصهيوني الاستعماري"، وقيام دولة إسرائيل، واستمر المثقفون بترديد كلمة إسرائيل وكأن إسرائيل (مجرد لغة) ونسي أو تناسى المثقفون أن إسرائيل دبابة ومدفع وحدود وطائرات وصواريخ وعلم ونشيد وقنابل نووية، وإسرائيل هذه ما فتأت تطور مشروعها الثقافي، إسرائيل التي نرددها تدعي بأن عمرها (4000)سنة من التوراة، و(1000) سنة من "الصهيونية" ونصف قرن أو يزيد على إنشائها.‏

كل ذلك يأتي في ظل (انصهار الثقافات المتعددة الوافدة إليها من مواطني الشتات، ويوجد فيها ما يقارب 70 جماعة ثقافية وعرقية).‏

لقد استفادت إسرائيل من هذا التنوع الثقافي، إضافة إلى تعدد اللغات فيها، مما أعطاها ميزة تنافسية ثقافية ممثلة في إمكان التعامل مع الجمهوريات الإسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي بعد تفكيكه.‏

ويضيف د.نبيل علي في كتابه (الثقافة العربية وعصر المعلومات -سلسلة عالم المعرفة-260) أن إسرائيل ترتكز على مرتكزات أخرى، فهي صاحبة خبرة واسعة في إنشاء الأسلحة الثقافية خلال مراحل صراعها مع العرب وكثرة العلماء والمفكرين والفلاسفة اليهود في الجامعات العالمية، وعلماء الآثار، منهم على سبيل المثال، إميل دوركايم مؤسس علم الاجتماع الحديث وتشومسكي صاحب أكبر مدرسة في علم اللسانيات، وجاك دريدا رائد الفكر الفلسفي مابعدالبنيوي، إضافة إلى علاقات ثقافية واسعة مع العالم.‏

إن إسرائيل فيها حركة تعليمية نشطة، من خلال رعاية الطلاب بدءاً من الحضانة، وحتى ما بعد المرحلة الجامعية، وفيها نشاط إعلامي مميز، فمراكز الانترنت منتشرة في طول البلاد وعرضها وفي المهاجر، وفيها بنية فنية ثقافية قوية، من دور للنشر ومراكز للدراسات والتوثيق ومتاحف ومعارض متنقلة ومسارح. يقول د.نبيل علي: إن إسرائيل تأتي في مرتبة متقدمة عالمياً بعد الدانمارك في معدل نشر الكتب، إضافة إلى وجود حركة ترجمة قوية من اللغات الحية والمنتشرة إلى العبرية، وشبكة متاحفها مرتبطة مع 120 ألف شبكة متاحف في العالم، وهناك اعتناء بالموسيقى الكلاسيكية والشعبية إضافة لمحافظتها على موروثها الديني والأعياد اليهودية.‏

على الجانب الآخر/ العربي الفلسطيني ماذا يوجد؟‏

في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) لا يوجد سوى مركزين ثقافيين كبيرين (رشاد الشوا في غزة، وقصر الثقافة /العلي في رام الله)، لا يوجد أي دار للسينما، ولا حتى مسرح سوى مسارح غير وطنية (غير تابعة للسلطة)، وهي مسارح ممولة وتنظر للتطبيع مع إسرائيل، لا يوجد في فلسطين مكتبة وطنية، أو دار نشر وطنية، أو مؤسسة توزيع، لا يوجد فيها حماية للملكية الفكرية، ولا ضمان للكاتب والمثقف، لا يوجد كتب تنشرها المؤسسة الرسمية تعنى بالتاريخ والثقافة الفلسطينية، وكل ماهو منشور ماهو إلاَّ جهد شخصي على نفقة الكاتب الخاصة، وانتشرت في فلسطين (الدكاكين، والبقاليات والسوبر ماركت، والميني ماركت)، الثقافية، ولا يوجد هناك استراتيجية ثقافية وطنية، فالاستراتيجيات الثقافية محمولة على إقصاء الرأي الآخر، وهي عبارة عن مشاريع مكتوبة على ورق، تناقش من قبل واضعيها، مع عدم وضوح في الرؤية، وعدم مشاركة أغلبية المثقفين والشعب، لأن (التناحر) على المناصب العليا جعل من الثقافة جسراً لكل راغب في الحصول على تقاعد مبكر!!..

لم تستطع الثقافة الفلسطينية من التنوع الذي حصل في المشهد الثقافي خصوصاً بعد أوسلو 1993، ولم تصل الثقافة الفلسطينية إلى حيث أماكن تواجد الفلسطينيين في الشتات، إذ ما عرفنا أن ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني يعيش في الشتات، ولم تطبع المؤسسة الثقافية الرسمية أي كتاب لأي مثقف فلسطيني يعيش في الشتات بعد 11 عاماً على قيام السلطة الفلسطينية سوى (خمسة كتب)، أحجم عن نشر الأسماء بسبب حساسية الموضوع، والطباعة في فلسطين ليست قائمة على قوة النص بل قائمة على قوة العلاقة بين المسؤول والكاتب وعلى طريقة (حكلي لأحك لك)!!، وهناك مثقفون فلسطينيون في الشتات لا يعرف عنهم شيء حتى من المثقفين أنفسهم في الداخل، والإقصاء موجود، فكل من يخالف أي مسؤول ثقافي يدفع الثمن والثمن معروف الحرمان من النشر وتغييبه عن الفعاليات والمهرجانات المحلية والعربية والعالمية، و(وتشويه السمعة) والاتهامات التي أصبحت في خانة النسيان.‏

في فلسطين يستبعد المثقف الوطني الملتزم بالثوابت، ويقدم عليه المثقف المدفوع له، والمستثقف، والدعيّ، وهناك مثقفون يحملون شهادات عليا لا يجدون عملاً لهم والأسماء في القائمة تطول.‏

*في ظل هذا الخراب، عن أي مشروع ثقافي نتحدث؟...‏
*نحن الفلسطينيين مثقفين وشعراء وكتاب وباحثين وصحفيين، أين نحن من كل هذا الموجود الآن في إسرائيل؟..‏

من هنا توجهنا بعدة أسئلة صغناها في سؤال واحد على جمهرة من المثقفين والكتاب الفلسطينيين، الفاعلين في المشهد الثقافي الفلسطيني ومنهم صاحب القرار، وربما السؤال قد طرح في ساحات أخرى، ولكنني ارتأيت أن أطرحه هنا في فلسطين لأننا كفلسطينيين أول المتأثرين والمؤثرين بالمشهد الثقافي الإسرائيلي، وذلك بحكم الصراع الطويل معه، وتشابكنا الديمغرافي العجيب، وتأثرنا به سلباً وإيجاباً، بشكل مباشر أكثر من أي ساحة أخرى وطرحنا السؤال الكبير: كمثقفين وشعراء ومفكرين وباحثين وكتاب وصحفيين ونحن نعيش الآن في الألفية الثالثة، كيف لنا أن نبني المشروع الثقافي الفلسطيني، وأن نخرجه من دائرة الفراغ والتمني إلى واقع الحقيقة؟.. وكيف يمكن لهذا المشروع أن يواجه المشروع الثقافي الغربي و"الصهيوني" الغازي، وماهو تعريفكم لمصطلح التطبيع ومعرفة الآخر، النقيض وقراءة روايته والرد عليها، هذه الرواية التي كتبها على أشلاء الشعب الفلسطيني؟...‏

المتوكل طه -شاعر- رام الله‏

الشاعر المتوكل طه يرى ابتداء أنه لا بد أن تكتمل تسمية ومواصفات الأدلة في اللحظة التي تتبلور فيها المؤسسة الرسمية والأهلية، حتى يتمكن العاملون على مختلف الصعد من تأصيل استراتيجية قادرة على الإحاطة والتكامل وتحقيق الاختراق المطلوب.‏

واضاف طه: في حالتنا الفلسطينية، فإن كلتا المؤسستين الرسمية والأهلية لم تتبلور إلى الحد الذي تستطيع فيه أن تضع استراتيجية قادرة على النهوض بالمشهد الثقافي في فلسطين، لكننا نمتلك من التراث الثقافي والعمل والحراك في هذا المجال، ما يكفي لكي نبلور إرهاصات أولية واجبة الوجود، لتمتين الجدار الثقافي المتبقي لمواجهة الاستلاب والتطبيع ومحو العالم، حيث باستطاعة وزارة الثقافة والمراكز الثقافية الرسمية من الاجتماع غير مرة على أسس أهمها:‏

1-عدم الخضوع للتقسيم السياسي الجغرافي للمناطق الثقافية الفلسطينية، بل وحدة الثقافة الوطنية الفلسطينية.‏
2-مواجهة التطبيع بكل أشكاله، ومنع هرولة بعض المؤسسات والأفراد لهدم الجدار الثقافي الباقي.‏
3-تهيئة البنية التحتية والآليات الكافية، لخلق أجواء مواتية للإنتاج الثقافي من قبل المثقفين والمؤسسات الأهلية.‏
4-تعميم النص الثقافي بعد تحقيقه ونشره من خلال كل التقنيات والمناهج والمنابر في الداخل والخارج.‏

واكد الشاعر طه أن هذه الأسس كافية الآن على الأقل لبلورة ملامح الاستراتيجية المطلوبة، لمواجهة الاستراتيجية الاحتلالية.‏

أما بخصوص التطبيع فيرى طه أن ثمة لبساً حول هذا المصطلح، الذي هو بحاجة إلى تحديد في المعنى والدلالة، لأن التطبيع هو قبول رواية الآخر/الاحتلال، عن نفسه وعنا، مضيفا وبهذا المعنى، فإن المطبعين قليلون، غير أن التطبيع بهذا المفهوم يختلف عن معرفة الآخر الضرورية، التي يجب أن تتم بصورة حذرة ومحددة لا توحي بالتعاطي الطبيعي مع الاحتلال.‏

وتابع يقول "كما أن التطبيع بهذا المفهوم، يختلف عن العلاقة القسرية الإجبارية المفروضة علينا، نحن الفلسطينيون في الضفة والقطاع والقدس وأراضي 1948، حيث أن العلاقة مابين الاحتلال وبيننا هي علاقة غير طبيعية بل إجبارية، فهي علاقة مابين السجين والسجان، ومابين الجلاد والضحية، ولهذا على الأشقاء العرب أن لا يأخذوا علينا أننا قمنا بتطبيع علاقاتنا مع الاحتلال، حتى يعطوا لأنفسهم الحق في إقامة علاقة معه، على اعتبار أن (أصحاب الشأن) قد سبقوهم في التطبيع ويستدرك الشاعر طه بقوله: إلاَّ أن الكثير من المؤسسات غير الحكومية، وقعت بشكل ساذج أو بسوء نية في شرك إقامة علاقة تبادلية، مع مؤسسات مشابهة إسرائيلية، كشرط مسبق، ليتم دعمها من قبل الدول الأوروبية".

أما عن كيفية رواية الاحتلال، فأعتقد بأن المناداة بإقامة جبهة عربية من المحيط إلى الخليج لمواجهة التطبيع بكل أشكاله، هو الحل اللحظي، الأكثر عافية ومناسبة، إضافة إلى أن يتنطح النص الثقافي لكل الأشكال الداعية إلى قبول هذا الآخر، اقتصادياً وسياساً وأمنياً وجعله جسماً (طبيعياً) في المنطقة.‏

عبد الله تايه -روائي- غزة‏

بانت وسائل الألفية الجديدة لكل من يريد العبور، نشتكي من هيمنة الإعلام الغربي على وسائل الإعلام، ونشتكي من الرقابة في بلادنا العربية، الألفية الثالثة رسخت وسائلها لنشر النمط الثقافي، الفضائيات، الانترنت، المؤتمرات، الترجمة، دخول المعاهد ومراكز الدراسات واستطلاعات الرأي والجامعات إلى مراكز جذب وتوجيه واستقطاب، منظمات عالمية وغير عالمية للثقافة والعلوم تشجع أنماطاً ثقافية فتبرزها، وتستهين بأنماط أخرى من الثقافات الإنسانية التي تنتجها شعوب لا توافق على سياستها في عالم السوق والاستهلاك ووصل الأمر لمحاولة فرض شروط ثقافية في اتفاقية منظمة التجارة الحرة العالمية (الجات)، بهدف سيطرة نمط ثقافي واحد على أنماط سائدة بما يحقق التبعية الثقافية الغربية على العالم، وتحديداً لصالح الولايات المتحدة حتى على النمط الأوروبي.‏

وقال :"المشروع الثقافي الفلسطيني يقع ضمن المشروع الثقافي العربي، نحن جزء من الثقافة العربية ومن الأمة العربية، وعلينا أن نطور علاقاتنا الثقافية مع العالم العربي وقد كنا ولا نزال فاعلية ثقافية، وقدمنا في المجال الإبداعي عدداً من الكتاب والمبدعين لكن المشروع الثقافي الفلسطيني هل هو المجال الإبداعي في الأدب فقط؟. وحتى هذا المجال ماذا قدمنا فيه على صعيد حركة النشر المحلي داخل فلسطين خلال أعوام السلطة الفلسطينية؟ وماذا قدمنا فيه على صعيد التعاون مع دور النشر العربية، لتصل مساهماتنا إلى القراء العرب؟، وأين نحن من حركة الترجمة؟ ترجمة الكتاب الفلسطيني -الذي يستحق- إلى اللغات الأخرى، وأين نحن من الدخول بصفحات أدبية وثقافية إلى الانترنت؟.. وأين نحن من تسوية الكتاب محلياً وعربياً من خلال شبكات التوزيع والتسويق على الانترنت، منذ عامين طرحنا مبادرتنا الشخصية بتشكيل الهيئة العامة للكتاب، لنقفز بموضوع الطباعة والنشر والترجمة والتسويق إلى الدول العربية، فاشتغل علينا (البعض) من دافع أنها فكرة يمكن أن تحقق لهم مطمحاً شخصياً، ومطامع في الوظائف والامتيازات، لم يستطع أحد إقامة مؤسسة ذات وزن في هذا المجال، وظل طالبو الطباعة من المتنفذين قادرين على الوصول إلى دور الطباعة والنشر من الدول المجاورة هم هم.. من ثلاثين عاماً.. اللهم لا حسد... ومنهم ليس لمجرد قدراتهم الإبداعية فقط ولكن لأن لهم قدرات أخرى".

من يريد بناء مشروع ثقافي عليه أولاً أن ينجح في عمل برامج إعلامية تثقيفية وجوائز تشجيعية، فما بالنا إذا كنا نتحدث عن ثقافة شعب يتصدى لقضية وجود منذ أوائل القرن الماضي حتى الآن ونحن ندخل قرناً جديداً.‏

إن دور الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات والتوثيق هام في هذا المجال، ووسائل الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون عليها تبعة ثقيلة في الموضوع الثقافي بحيث يقوم به متخصصون ذوو كفاءة، إن الدول تكرس كثيراً من الوقت والجهد والمال لمختلف المجالات ولكنها مقصرة تجاه الثقافة، التي تشتكي دوماً من ضعف الموازنات، وكذلك المؤسسات الثقافية وعلى رأسها اتحاد الكتاب.‏

الكتاب والمثقفون الفلسطينيون يقومون بدور فاعل ويواجهون الرواية الاسرائيلية المزورة بكشف زيفها طوال فترة الصراع، هم مستمرون في ذلك، وهم يرفضون التطبيع، متمسكون بالثوابت الوطنية، ولم تثنهم الاتفاقيات السياسية عند ذكر قراهم ومدنهم والمطالبة بالعودة إلى يافا وحيفا وحمامة وبيت دراس، إن الصراع مع الآخر/ النقيض يفرض علينا أن نعرف ما يقول وكيف ينظر إلينا لنتمكن من فضحه.‏

أحمد رفيق عوض-روائي وإعلامي- رام الله‏

في الألفية الثالثة، في الأدب لا إشادة بالبطولة، ولا إشادة بالمقاومة ويتحول الأدب إلى جلد الذات، وصدى حقيقي للهزيمة، اختفاء الإيديولوجيا من أجل الذات، وسيادة الايروتيكيا مقابل الهموم المجتمعية، وحصلنا على أدب ضعيف متردد خائف، لا يوجد هناك سؤال، ولا إجابة.‏

قرأت رواية (....)، لروائية ما، تتحدث عن القدس وعن مدينتها، وكأن الاحتلال غير موجود، حصلنا على أدب غني أفقياً فقير عامودياً، ولا أحس أن هذا الأدب فلسطينياً، هذا أدب يليق (بهامبورغ) على سبيل المثال، وليس أدباً لرام الله! الدم يسيل في الشوارع ولكن الأدب هنا هو أدب خيبة الأمل والتقصير.‏

وتابع يقول :"في أدبنا اختلفت فكرة الضحية والجلاد، اختفت فكرة تمجيد الضحية، لا يوجد هناك استراتيجية ثقافية، هناك حكومة ظل اسمها NGOS، الثقافة في فلسطين يتوزعها اثنان الحكومة والـNGOS، فعن أي ثقافة وأية استراتيجية نتحدث، وثقافة الـNGOS، تفرض علينا فرضاً" .‏

د.علي الخواجه -ناقد- رام الله‏

السياسة محرك أساسي في عملية الحراك الثقافي الفلسطيني في الألفية الثالثة، على خلفية تداعيات اتفاقات أملتها رؤية (حق القوة) في فرض هيمنة قوامها "دئمنة" تماسكات فكرية واجتماعية باتت علامة فارقة في نهج أصيل معاصر تتبناه شريحة مثقفة مؤدلجة في قوالب مرنة مطواعة تتحدى نشوء تعالقات تبعية وخنوع، تتموضع في خندق منافع ذاتية ضيقة، تنكر على نفسها موروثها الثقافي وإمكاناته المختلفة في تقرير مبدأ التأصيل ورفده بمعطيات جديدة عبر تلاقحات موضوعية مستوعبة مما يحقق منظوراً ثقافياً معتماً.‏

يجب استنهاض عقلية الفلسطيني فرداً وجمعاً، بما يولد ما يسمى "تنمية ثقافية" تراعي جذورها وامتداداتها، وتتفتح على غيرها هاضمة ما يلبي ذوقها ويحقق احتياجاتها، في بلورة نسق ثقافي يواصل حراكه في المنظمة الاجتماعية كقاعدة رئيسة في بناء مجتمع دينامي يماسك منظومة قيمه العليا التي تمحو من معجمه دال الهزيمة وتعضد نقيضه، وتضمن ثقافة تحرر وطني أولاً وقومي ثانياً وإنساني ديني آخراً، وفق نهج مقاوم للتطبيع، ومتصد لثقافة العولمة، ومتحصن بشفافية شعارها الـ(نحن)، قبل الـ(أن).‏

رجب أبو سرية -روائي- غزة‏

حتى نقترب من تحديد ملامح وطبيعة المشروع الثقافي الفلسطيني، لا بد أولاً من أن ندرك الأهمية الاستثنائية لهذا المشروع في هذا الوقت بالذات ليس بالنسبة لنا نحن المثقفين وحسب. ولكن بالنسبة لنا جميعاً، مواطنين ومؤسسات، وأن ننطلق من حقيقة كون هذا المشروع في الوقت الذي يحدد فيه شكل ومضمون وطبيعة الثقافة الفلسطينية حاضراً ومستقبلاً، فإنه في الوقت نفسه، يحدد جوهر وإطار الهوية الوطنية ذاتها.‏

أكثر من ذلك يعتبر دعامة وركيزة أساسية للذات الوطنية، وتزداد أهمية ذلك، في الوقت الراهن حيث الصراع على أشده على جوهر وشكل هذه الذات التي سيحدد الصراع السياسي الدائر الآن صورتها الأساسية على الأقل.

وقال :"شخصياً أعتقد أنه منوط بالمثقف الفلسطيني في هذه اللحظة مهمة جسيمة للغاية، تتمثل في إعادة تنشيط المشهد الثقافي ليلعب دوراً فاعلاً ورائداً في المجتمع والتجمعات الفلسطينية أينما وجدت، وإطلاق المبادرة لكل الفعاليات الممكنة، عبر الجماعات والمنتديات والمراكز والاتحادات المختلفة، بصرف النظر عن كون هذه المبادرات ذات طبيعة فردية أو جماعية، المهم أن تكون غير انتظارية، ولا زالت مسكونة بهاجس المشاريع العامة والوطنية، وما زالت ترى تحقيق الذاتي والفردي أمراً ممكناً في إطار العام والجمعي".

واعتقد ان مشروعنا الثقافي يجب أن يعتمد على ركيزتين: الأولى ذات طبيعة تأصيلية، الهدف منها تثبيت الهوية الوطنية الثقافية، من خلال تأصيل المنجز منها، وتجميعه في إطار إقامة المكتبة الوطنية والمكتبات العامة، وعبر التأكيد على الانتماء العربي الإسلامي التنويري، والثانية ذات طبيعة تنويرية حداثية، يكون هدفها بعد أن توضع الثقافة المعاصرة على طريق التواصل مع الأصول، فتح الآفاق لتطور هذه الثقافة، انسجاماً مع متطلبات العصر والتحديث والإجابة على أسئلة الواقع، ولمواجهة استحقاقات المستقبل والتبشيرية.‏

ويمكن من خلال عملية التأصيل أن يجد الجيل الثقافي الشاب، الذي سيقوم بمهمته في الحاضر والمستقبل، من خلال المكتبات الوطنية والعامة، كل ما أنجزته الأجيال عبر المئة عام الماضية، على الأقل، حتى يجد هذا الجيل وعيه وذاكرته ويؤسس عليهما، وحتى تتحول بذلك الذاكرة إلى سند ثقافي منيع في وجه ثقافة التغريب والاستلاب العولمي المترافق مع الغزو الثقافي الاسرائيلي.

بالنسبة لي أنا أقرأ مصطلح التطبيع ضمن إطار معنى واحد لا ثاني له، وهو أن يتحول اليهود الإسرائيليون إلى أناس طبيعيين، وهذا يتطلب منهم أن يتحرروا من آرائهم وثقافتهم العدوانية، وأن يتخلوا عن دولتهم اليهودية، وأعتقد بالمقابل بأن مفهوم التطبيع القائم على قبولهم، بالصورة الحالية التي هُم عليها الآن، إنما هو وصفة للتصالح بين المتناقضات، وهذا أمر مستحيل بالطبع، فضلاً عن أنه اقتراح لاستمرار الصراع إلى ما شاء الله، لأنه يشترط التحول والتغيير في طبيعة وثقافة وإرث كل المحيط ، ليتكيف مع الجزء الطارئ بدلاً من أن يطالب هذا الجزء بالتكيف مع المحيط، حتى يمكن قبوله.‏

معرفة الآخر بالنسبة لي، هي تندرج في إطار المجابهة الثقافية الواجبة، على المثقفين الفلسطينيين والعرب باعتبارهم يدافعون عن الجوهر الإنساني للثقافة.‏
في مواجهة ثقافة التزوير والتزييف، التي تتطلب متابعة وقراءة كل ما ينتج عن المجتمع (الإسرائيلي)، من إنتاج ثقافي، يكتشف ويدلل في الوقت ذاته على الطبيعة العنصرية والاختلالية لدولة الكيان الإسرائيلي.‏

محمد نصار -روائي- غزة‏

لعل أحد أهم الأسباب التي أدت بنا كفلسطينيين وعرب إلى الولوج في هذا النفق المظلم، هي حالة انعدام الوزن التي تمثلها على الصعيد الدولي، فالانهزام السياسي الذي تعيشه الأمة ككل أدت إلى حالة من الإفلاس الثقافي -بما ترقى إلى نوع من التبعية الثقافية.‏

وهذا أمر واضح يمكن تلمسه في كافة مناحي الحياة.. نحن نعيش في حالة انحدار ثقافي شبيهة بتلك التي سادت أيام العهد المملوكي... لا شيء سوى كوننا أمة مهزومة.. وما ينطبق على الأمة ينطبق علينا نحن الفلسطينيين... بل الصورة عندنا أكثر سوداوية خصوصاً أننا نواجه عدواً يمتلك كافة المقومات التي تؤهله للانقضاض على ما تبقى من أنقاض مشروعنا الثقافي العربي والفلسطيني على السواء.‏
أما كيف نقاوم ذلك فالأمر ليس بالهين نظراً للمعطيات التي أشرنا إليها سابقاً، إضافة إلى ما يمارسه المتآمرون من ظلاميين ومطبعيين وغيرهم، من هدم لما تبقى من تلك الأنقاض.

ويستدرك بقوله: غير أن الأمر لن يكون على هذا النحو من القتامة لو تكاتفت جهود الشرفاء في هذه الأمة محاولة إيقاف هذا الزحف المدمر والذي إن استمر على نفس الشاكلة سيجعلنا في القريب العاجل أمة بلا ثقافة وبلا هوية التطبيع لا يبتعد كثيراً عن العمالة، وكل الدعاوي التي يتسلح بها أولئك النفر للنفاذ من خلالها إلى تحقيق تلك الغاية هي دعاو زائفة يراد بها التضليل والتستر على جرم يرتكب في حق الأمة وتاريخها، فقراءة الآخر أياً كان لا تشترط التطبيع معه، وروايته لا تحتاج لأكثر من التعامل معها بحذر يوازي حذر التعامل مع رصاصه".‏

زياد خداش -قاص- رام الله‏

لا جديد يشي بتطور على صعيد البناء الثقافي والعكس تماماً هو الصحيح، فقد تعمقت أمراض الثقافة الفلسطينية، واتخذت طابعاً كاريكاتورياً، لا أتخيل أن الشاعر الفلسطيني "مثلاً" الموظف في دائرة حكومية يمكن أن يساهم في إنتاج مشروع ثقافي جاد وجديد، لا أتخيل أن المشروع الثقافي المحلوم به يمكن أن يخرج من مكاتب الأدباء... المدراء العامين (وهم كثر والحمد لله على هذا السخاء الحكومي)!... إلا إذا كان المقصود بالمشروع الثقافي الجاد هو فعاليات ثقافية تتمثل في طباعة دواوين شعر، إصدار مجلات، توزيع جوائز، توقيع عرائض. تبادل ثقافي مع دولة أجنبية، حملات اعتصام تضامن... لا يمكن أن نبني مشروعاً ثقافياً حقيقياً طالما نحن نتعامل مع هذه الكلمة المقدسة الشفافية على أنها منزل شخصي لكل منا. نمارس فيه مصالحنا الضيقة، نحقق أغراضنا اليومية العابرة، ونستغله لإشباع نهمنا المريض للمجد الشخصي. لا يمكن أن نبني مشروعاً ثقافياً حقيقياً يستنهض روحنا الحضارية الدائرة، يشكل جبهة دفاعية منيعة ضد المحاولات المستميتة لاستلاب هويتنا وتقيم ضياعنا التجديدي على مدى تاريخنا‏ .

واضاف :"تاريخنا الإبداعي وقتل ثقتنا بطاقاتنا الفكرية الأدبية طالما نحن نتعامل مع الثقافة على أنها ميدان رحب للعلاقات العامة وعقد الصفقات وحبك المؤامرات وتبادل المنافع الشكلية والعائلية والسياسية".

ما زلت أذكر بمرارة كيف تعامل المثقفون مع انتفاضات شعبنا العظيم، الفعاليات لم تتعد الاعتصامات والمناشدات وتوقيع العرائض، وما زالت تدور في عيني صورة شديدة البريق لأطفال شديدي الرفاهية والترف يتكئون على الأرض بركبهم السمينة وتظهر من الخلف أحذيتهم الرياضية الفاخرة كانوا يرسمون لوحة قماشية عريضة لوحات تعبر عن تضامنهم مع شهداء وجرحى الانتفاضة... وعندما سألت منظم حفل التضامن عن أطفال المخيمات الذين يشاركون بأجسامهم الصغيرة في القتال دفاعاً عن مستقبل وطنهم. مستفسراً عن سر غيابهم لم يستطع الإجابة وتلعثمت كلماته.‏

لا أظن أن سلوكاً كهذا يمكن أن يصنع مشروعاً ثقافياً ولا أعتقد أن هؤلاء الفنانين الذين نظموا هذا الحفل ا لتضامني مع الانتفاضة في (مركز بلدنا) في رام الله يعرفون عناصر ومكونات وأسس المشروع الثقافي المحلوم به، كما أنني لا أعتقد أن سكوت الكتاب والمثقفين والفنانين عامة على ذبح (سينما دنيا) في رام الله وتحويلها ببساطة إلى مرآب للسيارات لا يعني غير عدم وجود رغبة أو نية لإنتاج مشروع ثقافي جديد نحترم فيه تاريخنا وهويتنا وآثارنا.‏

إننا شعب مخترق ومباح للجميع، لا أحد يجادل في ذلك، قد يُفهم عجز وصمت السياسيين وقد تبرز تناقضاتهم وألا عيبهم لكني لا أستطيع فهم تقاعس وتواطؤ ومراوغات بعض المثقفين. الذين يجب أن يتحسسوا الأوجاع مبكراً ويتعمقوا أمراض المرحلة ويحثوا على الرفض والمقاومة والتصدي للبليد والمبتذل والفاسد والمزيف والمتآمر والعابر والضحل. لا أدري كيف سنواجه مشروع الغرب الاستعماري الثقافي قبل أن نواجه أمراضنا. كيف نتصدى لمشروع الصهيونية الثقافية ونحن نتجاهل أقدس أبعاد المشروع الثقافي الفلسطيني، وهو البعد القومي، وطالما نحن نقتات على ولائم رموزنا السياسية.‏

إن إحدى إشكاليات وأمراض مشروعنا هو تخبطه وعجزه عن تحديد المفاهيم حتى الآن، ما زالت كلمة ا لتطبيع تحمل أكثر من معنى ما زال المثقفون يهيمون كل في صحراء معناه، رأيي الشخصي أن العلاقة الطبيعية مع الإسرائيلي الإنسان الذي يعترف بحقي في أرضي والحياة هي ضرورية جداً.‏

أما العلاقة مع منكري حقوقي فهي محرمة أخلاقياً ووطنياً ودينياً وحسب كل شرائع العالم، ونحن بذلك نعري رواية الآخر إلى جانب التمسك بروايتنا، والدفاع عنها بالأسنان قبل الوجدان.‏

ماجد أبو غوش -شاعر- رام الله‏

إن من أشد ما لمسته في المشهد الثقافي، هو تعثر هذا المشروع الذي يتحدث عنه الجميع، فالمشروع الثقافي أي مشروع يحتاج إلى آليات وروافع، عندنا لا يوجد آليات ولا روافع فكل يغني على ليلاه، حتى في مجال الطباعة للكتاب لا يوجد هناك استراتيجية واضحة للطباعة، علاوة على العلاقات الشخصية التي تحكم الأشياء هنا، كنا قبل أوسلو نكتب عن حلم، وبعد أوسلو اكتشفت أن الحلم قد سرقه أوسلو.‏
الإستراتيجية الثقافية غير موجودة في فلسطين، في ظل غياب/ تغييب المثقف عن المشاركة في اتخاذ القرار الثقافي، القرار الثقافي ليس بيد المثقف والمبدع الحقيقي بل هو في يد موظفين رسميين، يتماشون في طرحهم مع الخطاب السياسي الرسمي، الذي هو أيضاً خطاب متعثر.‏

الرواية الفلسطينية من يكتبها؟... هنا لا أحد مهتم بالرواية الفلسطينية، وكل ماهو منشور لا يتعدى أشعار وحكايات مكرورة لا تغني ولا تسمن من جوع، على ذكر الرواية الفلسطينية، أرى أن المتلقي مهتم بشكل جيد، وأذكر كيف أنني طبعت كتاباً للزميل عايد عمرو بعنوان (معركة الحزام الأخضر)، هذا الكتاب لم يستقر في السوق، بل إن هناك من جاء وطلبه من المطبعة، لأن مثل هذه الروايات ليست موجودة في السوق المحلي الفلسطيني، أيضاً رواية الزميل حسن حميد(جسر بنات يعقوب) وهي رواية مهمة في الرد على الرواية الصهيونية، إلاَّ أن الحاصل والمؤسف رغم أهمية هذه الرواية لم يكتب عنها هنا في فلسطين سوى مرة واحدة، عكس ما هو متعارف عليه، لأن العلاقات كما قلت هي التي تحكم المشهد الثقافي هنا.‏
للأسف انتشرت هنا ظاهرة الدكاكين الثقافية، فهل هذه الدكاكين قادرة على خلق مشروع ثقافي فلسطيني؟.. أشك في ذلك لأن جلّ هذه الدكاكين ملك شخصي للمسؤول عنها ولحاشيته.‏
في ظل تشرذم الكتاب لا أرى أية فرصة لنجاح مشروع ثقافي فلسطيني، أما التطبيع فهو كما تعرف محاولة من المطبعين للمماهاة والانحياز إلى الحل السلمي المفقود برأيي إن التطبيع لا يمكن له النجاح هنا، وإن المطبعين لا يشكلون حيزاً مهماً في المشهد الثقافي، وهم منبوذون...‏

باسم أبو سميه -صحفي- رام الله‏

اقترح لبناء مشروع ثقافي فلسطيني أساسين مهمين:‏
1-تجمع حقيقي للكتاب والمثقفين يقوم بأرشفة الثقافة الفلسطينية وتجميعها منذ ما قبل التاريخ، ضمن أسلوب علمي مدروس.‏
2-أن يكون هناك اهتمام إعلامي في احترام الذات أي احترام المثقف نفسه، لتعميم إنتاجه، لأنه لا يجب أن تبقى الثقافة الفلسطينية في دائرة محدودة ومغلقة، من خلال تقييمها عربياً وعالمياً، وترجمة الأدب الفلسطيني إلى لغات العالم الحية.‏

ويرى أبو سمية أن ثمة مشكلة تتمثل في عدم الاعتراف بثقافتنا المحلية، حيث لا إعجاب بالثقافة، في ظل غياب حركة نقدية جادة.‏

وحول مواجهة المشروع الثقافي "الصهيوني"، يرى أبو سمية أنه يجب الاتفاق على مصطلح ثقافي فلسطيني واحد، وحقيقي، حيث أنه على كافة المثقفين التعامل معه بصورة جادة، ويجب أن تكتب الرواية الفلسطينية الحقيقية الغائبة، أي تجسيد الرواية الشفوية وتوثيقها على الانتباه من عدم السقوط في المصطلحات السائدة الموسومة فنحن نستخدمها مثل (الأماكن)، وأن نكرس جزءاً كبيراً من هذا الإنتاج للتعريف بها، بعيداً عن الشعارات والواقع المعيش. أما بخصوص التطبيع، فيرى أنه يعني الاندماج بالمفهوم الإسرائيلي، والتعامل معه بشكل مسلم فيه، في الوقت الذي لا يوجد فيه ثقافة إسرائيلية على الإطلاق، بل هنالك كتابات مفبركة وغير صادقة ومبتعدة عن الحقيقة وبالتالي التطبيع ليس لقاء أو أكثر هنا وهناك، فهذا لا يعني تطبيعاً، والتطبيع فكرة ابتدعتها إسرائيل أو النظام العالمي الجديد، لتفريغ الإنسان العربي من فكرته، التي يجسد من خلالها هويته وثقافته العربية.‏
ويضيف: تهدف إسرائيل من وراء التطبيع الدخول إلى فكر الشخص متماهية بأكذوبة أهمية السلام، والرفاه الاقتصادي، ومحاربة العنف وفي النهاية تصب كلها في القناة السياسية.‏

فيصل قرقطي -ناقد وشاعر- رام الله‏

المشروع الثقافي لا ينبني بمقالة أو قصيدة أو بوصفة سحرية، بل هو تكثيف لحالات تراكمية عبر عشرات السنين والذي من شأنه أن يخلق آليات فهم وصوغ كتابي جديد، ويعزو قرقطي خصوصية المشروع الثقافي وتميزه عن غيره إلى كونه يخوض منذ قرن وأكثر معركة المصير الوطني الفلسطيني، بحيث ظل مرتبطاً بحالة من التنوير الشعبي والوطني، بحيث أنه إذا تم إفراغ الميزة الوطنية من هذا المشروع فإنه لن يبقى منه إلا القليل وتأسيساً على ذلك يقول قرقطي بأن المشروع الثقافي يتخبط بين التقليدية الوطنية والعشائرية، التي تطغى على المفهوم بل وتجسد مفاهيمها الخاصة التي تأسر هذا المشروع.‏

ويضيف: هذا الارتهان جعل وضعنا الثقافي بكامله أشبه بنملة ما زالت تحبو لالتقاط قوتها.. وينسحب هذا الأمر حتى على التفكير السياسي والاجتماعي والإبداعي عموماً.‏

"نحن مأزومون في علاقتنا مع الثقافة... ومع الكتاب... بل ومع القراءة... نحن لا نقرأ أنفسنا... إلاَّ في المناسبات وعبر محفزات المحدث ليس إلاَّ... أين هم المثقفون عندنا؟!.... انهم في أحسن أحوالهم قراء نشيطون ومن هم في التصنيفات كتاب ومفكرون هم في أحسن الأحوال أيضاً قراء جادون.".

هذا الوضع غير الطبيعي الذي يمر به مجتمعنا على الصعيد الثقافي يشير بوضوح أي أننا بحاجة إلى تحديدات وتعريفات أساسية للانطلاق منها والبناء عليها لأن المشروع الثقافي مجموع التراكمات الاجتماعية والسلوكية والنفسية الهائلة منذ مئات السنين.‏

والعملية الثقافية لا تقتصر على الكتاب والمبدعين والشعراء وإنما تمتد لتطال كافة قطاعات المجتمع، وكيف هذه القطاعات كونت رأيها وأرسلت طريقة التعامل فيما بينها لذلك لا أجد أن دخولنا الألفية الثالثة سيغير من الأمر شيئاً، إلا هذا النبض شبه الميت والذي يلهث في دروب التطور كلهاث عدو السلحفاة.‏

أما بخصوص مواجهة المشروع الثقافي "الغربي والصهيوني"، أعتقد أن الإرث الذي راكمه مشروعنا الثقافي الوطني العام خلال مئات السنين والطريقة والفهم اللتين ناضل الإنسان الفلسطيني عبرهما مكنته من البرهان على ذاته... وجعلته أكثر اهتماماً لمصيره والعمل على حريته للوصول إلى مصير ومستقبل أفضل وأهم مسألة برأيي يجب على المشروع الثقافي الفلسطيني أن يكثف من صياغتها وصيانتها هي تجذر هذا المشروع في إطار تاريخانية المشروع الثقافي العربي كجزء أساسي لا ينفصل البتة عنه ولا بأي حال من الأحوال. إضافة إلى الربط الممنهج تحليلاً وتركيباً واستنتاجاً بروحية الخطاب الميثولوجي العربي.‏

أما مصطلح التطبيع فهو بحاجة إلى إعادة نظر جذرية لما أثارته من طروحات ومفاهيم وبالتالي إعادة النظر لهذا المصطلح من الزاوية الطبيعية له... وليس معنى هذا الكلام سوى الرفض التام للتطبيع ليس على أساس الخوف من الآخر وروايته، وإنما لأن الظروف الطبيعية لم تنضج بعد.‏

يوسف قزاز- إعلامي- رام الله‏

إن المشروع الثقافي يتأتى من خلال الارتقاء بالوعي، لأن الثقافة بمجملها وتعريفاتها الزائدة والكثيرة هي الوعي أي الوعي بقضيتنا الوطنية دون أن نتكئ عليها كملهم وحيد في عملنا الثقافي. أتمنى أن نبني أركان المشروع الثقافي الفلسطيني على أعمدة التوثيق، ذلك أن التوثيق هو الذاكرة أي أن لا ننسى أن فلسطين بلد له أبعاد ثقافية كونية، بحكم أنه وطن الميلاد ووطن الإسراء والمعراج، وهذا شد العالم لهذه البقعة.‏

نستطيع أن نواجه المشروع الثقافي الغازي، بأن نخرج ونوسع دائرة ثقافتنا المكتوبة، إذ إن معظمها شفاهي، وهذا ما أثر على انتشارها، وحصرها قط باللغة العربية الأم، علينا التوجه للعالم بلغاته الحية لمواجهة العولمة التي ترسل وتبث لنا ثقافات عديدة.‏

أما موضوع التطبيع فيخلص إلى القول: أن تكون حالتنا الفلسطينية متوائمة مع الحالة الإسرائيلية التي ترفض روايتنا رواية الحرية والاستقلال.‏