نشر بتاريخ: 30/07/2015 ( آخر تحديث: 30/07/2015 الساعة: 17:47 )
غزة- تقرير معا- من يمشي في شارع الرشيد غرب مدينة غزة قد يشعر انه لا يعيش في القطاع.. فهذا الشارع يضم بين جانبيه أفخم فنادق القطاع شرقا وعشرات المقاهي الشبابية غربا، تدب فيه الحياة على طول الساحل البحري على عكس باقي المناطق التي قد يطفو عليها انقطاع الكهرباء.
فنادق فخمة وعشرات السيارات من احدث الموديلات التي تصطف خارجها حتى ساعات متأخرة ليلا ومقاه تعج بالشباب، تعكس واقعا مختلفا عن واقع الحصار والفقر والبطالة، فغزة المظلمة المحاصرة تنتعش فيها الحياة في هذا الشارع ليلا وبأقل الأثمان.
الشاب فارس الغول اعتاد أن يخرج برفقة زملائه بعد يوم عمل شاق، يمضي ساعات وساعات في احد مقاهي شارع الرشيد الذي يرى فيه مكانا مختلفا عن أي مكان في قطاع غزة.
يقول الغول: "الحركة المرورية وازدحام الشارع بالناس يجعلك تشعر انك لست في غزة، فهذا المكاني مختلف عن كل مناطق القطاع التي تبدو للوهلة الأولى مدمرة، ولكن هنا تشعر بالحركة والازدحام والعائلات التي تجلس على الكورنيش ومنظر البحر من على المقاهي كل هذا يعطيك شعورا ابعد من واقع قطاع غزة".
وعن الأسباب التي تدفع الغول وأصدقاءه للخروج يوميا إلى هذه المقاهي، قال إن انقطاع الكهرباء بشكل يومي يدفعهم للبحث عن مكان تتوفر فيها الكهرباء من اجل التسلية والترويح عن النفس.
ويتابع الغول: "هذه الأسعار الرمزية بسيطة مقارنة بالأسعار التي تفرضها الفنادق الفخمة الأخرى لذلك تزداد عدد مرات الإقبال على المقاهي ولا نرتبط بالراتب".
انتشار العشرات من المقاهي الشعبية في هذا الشارع يجعله منطقة لا تنطفئ فيها الأنوار بتاتا، حيث تعكس الانارات التي تعمل على المولدات الكهربائية بنورها على الشارع فلا تنطفئ تلك المولدات حتى يغلق المقهى أبوابه إلى ما بعد الثانية فجرا.
وما يجذب الشباب إلى هذه المقاهي هي الطريقة الحديثة في البناء عكس النمط التقليدي للمقاهي، كما أنها تطل على شاطئ البحر المتنفس الوحيد لقطاع غزة بحثا عن الهواء البارد في ظل موجة الحر التي تضرب المنطقة بالإضافة إلى أسعارها الشعبية.
واقع غزة يعكس نفسه خلال الجلساتالمواطن محمد الاسطل يرى أن الحياة الليلية لشارع الرشيد ليلا لا تعكس الحياة اليومية لقطاع غزة التي تعاني من حصار إسرائيلي منذ تسع سنوات، مبينا أن هذا الشارع الذي يعتبر من أفخم المناطق في القطاع يجمع في جنباته بين الفقير والغني، فالأسعار اقل من أي مكان يمكن أن تزوره في الضفة الغربية ويتناسب مع مستوى الدخل المتوسط في القطاع.
وعلى الرغم من أن الاسطل وأصدقاءه يهربون من انقطاع الكهرباء في بيوتهم وموجة الحر الشديدة إلى هذه المقاهي، إلا أن واقع قطاع غزة يعكس بظلاله على أحاديث الشباب ويقول الاسطل: "الكبت والاكتئاب ما زال يسيطر على المواطن بسبب استمرار الحصار والكهرباء وشح المواد الأساسية".
ويتابع "هذه المقاهي وسيلة لتفريغ هموم الحياة اليومية فلا نبتعد كثيرا عن هذه الهموم فنتذكر أن المكان هو (هنا غزة)".
مقاهٍ شبابية لا مكان للإناث فيهااللافت في انتشار هذه المقاهي أنها مخصصة لفئة الذكور فقط على عكس المقاهي في الدول المجاورة التي تكون في الغالب مخصصة لجميع الفئات فنادرا ما يحدث أن تجد مجموعة من الإناث والذكور تجتمع في هذه المقاهي الشعبية، وتبقى مقتصرة على فئة الشباب والرجال فقط بينما تخصص الأماكن الاغلى سعرا للإناث.
ويتساءل الاسطل لماذا لا يكون هناك مقاهٍ شعبية للمتزوجين وبأسعار رمزية كتلك التي تنتشر في الدول المجاورة".
الشكل العصري في المقاهي
وبدأت المقاهي تأخذ شكلا عصريا في طريقة تصميمها وإضافة أنماط حديثة لجذب الشباب إليها مع إضافات أخرى مثل شاشات "ال سي دي" لحضور المباريات وتوفير خدمات الانترنت المجانية.
ويقسم كل مقهي في هذا الشارع الى قسمين قسم مفتوح يعمل في الصيف والقسم الأخر مغطى حيث يمكن استيعاب الزبائن صيفا وشتاء.
همام اليازجي صاحب مقهى "قهوتنا" المطل على شارع البحر يرى ان موقع القهوة في هذا المكان لعب دورا كبيرا في إعطائه التميز والإقبال الكبير، مبينا ان أي مقهى على البحر يعطي قيمة إضافية للمنافسة على عكس وسط المدينة.
وأشار اليازجي إلى أن الناس في غزة يحبون كل شي جديد لذلك كان افتتاح المقهى بهذه الطريقة العصرية التي تواكب وسائل التواصل الاجتماعي في ديكوراته الخشبية قائلا: "كل المقاهي في غزة تقدم نفس الخدمات والنظام فرأينا أن نصمم شيئا جديدا لجذب الزبائن بأسعار شعبية جدا اقل من المطاعم الموجودة في شارع الرشيد".
واتفق اليازجي مع الاسطل أن أوضاع البلد والبطالة والفقر والحصار كلها تعكس نفسها على أي جو يحاول الشباب العيش فيه حتى لو كان المكان ذات أسعار تناسب الوضع العام.
يجمع الفقراء والأغنياء معافي الجهة الغربية لشارع الرشيد حيث كورنيش البحر ينتشر العشرات من بائعي الذرة والسكاكر والبوظة، عائلات تتسامر ونساء ورجال يمارسون رياضة المشي بينما يحب الأطفال ركوب السيارات، أما في الجهة الشرقية فتنتشر عشرات المطاعم والمقاهي التي ترتفع أسعارها ولا يمكن لمحدودي الدخل التمتع بخدماتها.
يقول المواطن أكرم أبو عامر "على الرغم من أن هذا الشارع بتصميمه الواسع ووجود البحر فيه إلا أنه يحتاج إلى بعض الإضافات حتى تشعر انك تعيش في مدينة متقدمة".
ويضيف ابو عامر: "ما يميز هذا المكان انه المتنفس الوحيد في غزة ويمكن للطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل أن تلجا إليه بدون تكلفة مادية".
تقرير: هدية الغول