الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الطحاوي.. غضب النساء سيغيِّر العالم الإسلامي

نشر بتاريخ: 29/07/2015 ( آخر تحديث: 30/07/2015 الساعة: 13:40 )
الطحاوي.. غضب النساء سيغيِّر العالم الإسلامي

القاهرة - معا - ترى الصحافية المصرية منى الطحاوي المثيرة للجدل في كتابها "الحجاب وغشاء البكارة" أن المرأة تبقى مواطنة من الدرجة الثانية في البلدان الإسلامية طالما لم يكن هناك ثورة حقيقية، رافضة أخذ "الخصوصيات الثقافية" بعين الاعتبار.

تُعتَبَرُ حريَّة المرأة مقياسًا لمدى تحقُّق مفهوم الحريَّة في المجتمع. ويُقصد بالحريَّة دائمًا حريَّةً للجميع - سواء كانت للرجل أو المرأة. لذا كان من المشجِّع في سياق الربيع العربي أنْ صارت المرأة أيضًا تعبِّر عن آرائها بشكلٍ متزايدٍ. بيد أنَّه كان من المحبط أيضًا، أنْ يجري الانتقاص من حقوق المرأة بسرعة، وتحديدًا في تلك البلدان التي علا فيها نداء من أجل الحريَّة بعد فترة طويلة من الاضطهاد الذي ما زال مستمرًا.

سبق أنْ أكَّدت الصحافيَّة المصريَّة شيرين الفقي في العام الماضي 2014 في كتابها "الجنس والقلعة" على ضرورة أنْ تواكب ثورةٌ اجتماعيَّةٌ الثورةَ السياسيَّة، ما يعني في نهاية المطاف ثورة جنسيَّة. منى الطحاوي، وهي أيضًا صحافيَّة مصريَّة أيضًا، تذهب في كتابها "الحجاب وغشاء البكارة؟" الذي تُرْجِم إلى اللغة الألمانيَّة وحمل عنوان "لماذا تكرهوننا إلى هذا الحد؟"، أبعد من شرين الفقي وتقول بجرأةٍ إنَّ الشرق الأوسط بحاجة إلى ثورةٍ جنسيَّةٍ، حيث ترى أنَّ الثورة الجنسيَّة وحدها يمكن انْ تجعل حريَّة المرأة ممكنةً، فتضمن بالتالي تحقيق الحريَّة المنشودة في هذه البلدان.

كرهٌ متأصِّلٌ للنساء

الكتاب استفزازي بدءا من الجملة الأولى: "يجب من حيث المبدأ أنْ نتكلَّم دون مُوَاربة"، هكذا تبدأ منى الطحاوي حديثها في ما تراه كرهًا متأصِّلًا للنساء في العالم العربي. وتضيف: "نحن النساء العربيات نعيش في ثقافةٍ معاديةٍ لنا من حيث المبدأ، ثقافةٌ تتسم باحتقار الرجال للنساء. وهم لا يكرهوننا بسبب حرياتنا، كما تريد أنْ تقول الصيغة الأمريكيَّة المبتذلة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. بل العكس، إذ ليس لدينا حرِّيات لأنهم يكرهوننا".



تتكلم منى الطحاوي عن تجارب عايشتها شخصيًا، فقد وُلِدت في مصر، بيد أنَّ عائلتها انتقلت إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة وهي في السابعة من العمر، وتقول بهذا الصدد: "كأننا انتقلنا إلى كوكبٍ آخرَ، أشدُّ رغبات سكَّانه عدم وجود النساء".

لذا يركِّز تقويمها النقدي على مصر والسعوية – حتى وإنْ أدخلت غير مرةٍ أرقامًا ومعطياتٍ من دولٍ عربيَّةٍ أو إسلاميَّةٍ أخرى، مثل اليمن ولبنان وسوريا أو السودان.

هوس العفـَّة والإفراط في مَحْوَرَة الجنس

هذه الأرقام والمعطيات دامغة ومحبِطة في نفس الوقت – يود القارئ في بعض الأحيان الاعتراض بعبارة "نعم، ولكن". بيد أنَّ المؤلفة ترفض بالذات هذ العبارة، فلا تعفي دينها من مسؤوليته عن القمع الذكوري (وهي ذاتها التي ارتدت الحجاب طويلًا عن قناعة)، كما ولا تقبل بالأخذ بـ "الخصوصيات الثقافيَّة" بعين الاعتبار.

الحديث عن هذه الخصوصيات لا يدعم بحسب الطحاوي سوى المتشددين والأصوليين الذين يجعلون جسد الأنثى "حاملا ثقافيًا"، فيُلبِسُونه التصورات الذكوريَّة للثقافة. وهكذا تُخْتَزَل النساء إلى مجرَّد غشاء بكارةٍ وحجابٍ، أما العفـَّة والطهارة فهما المذبح الذي تجري عليه التضحية بحياة المرأة إذا اقتضى الأمر من أجل السِمْعة الحسنة فقط: جرائم الشرف، وزواج الأطفال، وتعدد الزوجات، وختان الإناث في مصر، والعنف المنزلي، والتأثير المتبادل بين العنف المنزلي وعنف الدولة. انظروا على سبيل المثال إلى عمليات الاغتصاب في ميدان التحرير وما يسمى باختبارات العذريَّة التي تـُجرى في مصر.

السيطرة الشاملة

تقول منى الطحاوي بوضوحٍ لا لَبْسَ ولا غموض فيه إنَّ الأمر لا يتعلق بالعفـَّة التي يروَّج لها، فقد وقع التحرّش بها جنسيًا وهي شابة حتى في مكة أثناء الطواف حول الكعبة بالرغم من ملابسها المحتشمة. ولم يكُن مسموحًا لها بالحديث عن ذلك. فالأمر يتعلق أساسًا بالسيطرة وبحريَّة تنقُّل الإناث.

تنعت منى الطحاوي ما يسمى قوانين الأحوال الشخصيَّة في المملكة العربيَّة السعوديَّة بسياسة الفصل العنصري بين الجنسين، فالنساء الراشدات يحتجن إلى وليِّ أمرٍ -حتى وإنْ كان الابن القاصر- يتيح لأمه مثلاً الزواج مجددًا؟ وليس لديها للتعليق على هذا إلا كلمات لاذعة: "المتديِّنون المتشدِّدون يُسَخِّفونَ المملكة العربيَّة السعوديَّة. بلدٌ شقَّ في خلال ستة عقودٍ طرقَا سريعةً وعريضةً عِبرَ الصحراء ولديه أفضل شبكات الإنترنت، يسجن نساءه في أجواءٍ قروسطيَّة، والعالم يصمت إزاء ذلك".

ينتمي الغرب وكذلك البقيَّة المسلمة الصامتة إلى هذا العالم. وهي توجِّه إليه كتابها في المقام الأول، حتى وإنْ أشارت بسخريةٍ إلى ازدواجيَّة المعايير الغربيَّة، بحيث سُمِحَ بالذات للمملكة العربيَّة السعوديَّة المعادية للنساء (ولم يسمح لإيران) من شراء حصتها في هيئةٍ مثل "هيئة الأمم المتحدة للمرأة"، التي تعِد بدعم وتشجيع الرياضة النسائيَّة.

تتكلم منى الطحاوي عن تجارب عايشتها شخصيًا، فقد وُلِدت في مصر، بيد أنَّ عائلتها انتقلت إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة وهي في السابعة من العمر، وتقول بهذا الصدد: "كأننا انتقلنا إلى كوكبٍ آخرَ، أشدُّ رغبات سكَّانه عدم وجود النساء".

معايير مزدوجة

ومع ذلك ليس هدفها "أن يأتي الإنقاذ على يد الغرب". بل ترغب في أنْ يصغي الغربُ لتلك النساء ويمنحهن منبرًا. نساءٌ يخاطرن بحياتهن في الكثير من الأحيان، لكي يحصل جنسهن على ما يبدو بديهيًا للرجال: حريَّة التنقّل والعيش كما يردن.

تناولت منى الطحاوي حالات نساءٍ شجاعاتٍ، مثل موكب تلك النساء اللاتي احتججن على حظر قيادة السيارات عليهن في المملكة العربيَّة السعوديَّة، واللاتي أُودِعن إثر ذلك السجن وسُحبت منهن جوازات سفرهن، حالاتٌ تتقاطع مع تجربة المؤلفة الذاتيَّة، ما يضفي على الكتاب لمسةً شخصيَّةً وحيويَّةً. ورسالة الطحاوي للنساء: تحدثن بأنفسكن عن شؤونكن.

ولا تدع منى الطحاوي الرجال جانبًا بالرغم من ذلك، فهي تعلم أنَّ كثيرين منهم أيضًا يعانون من المعايير المزدوجة المتزمتة والمنافقة التي تفرضها ثقافتهم. لذلك ترى أنَّ هناك ضرورةً ماسَّةً للتنوير الجنسي، وذلك للجنسين على عكس (العنوان كما جاء باللغة الألمانيَّة)! لكن إلى حينه سيزداد غضب النساء باضطراد. هذا الغضب، إذا صدَّق القارئ المؤلفة، صار الآن كبيرًا إلى حدٍّ مهول، وسوف يغيِّر الدول الإسلاميَّة عاجلًا أم آجلًا بشكلٍ جذري.

كتاب منى الطحاوي "الحجاب وغشاء البكارة"، ترجمة عنوانه الألماني: "لماذا تكرهوننا إلى هذا الحد؟" من أجل ثورة جنسيَّة للنساء في العالم الإسلامي"، نقلته أورسولا هيلد عن الإنجليزيَّة الأمريكيَّة، النسخة الألمانية صادرة عن دار نشر بيبر 2015 ، 203 صفحات.

المصدر : DW