رسالة مفتوحة الى رئيس الوزراء المقال بقلم المحامي راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
نشر بتاريخ: 23/09/2007 ( آخر تحديث: 23/09/2007 الساعة: 19:33 )
رسال الى :دولة الأستاذ إسماعيل هنية حفظه الله رئيس الوزراء الحكومة الفلسطينية المقالة بتاريخ 13 سبتمبر
الموضوع: بواعث قلقنا إزاء بعض التجاوزات والانتهاكات من عناصر القوة التنفيذية وكتائب الشهيد عز الدين القسام
كل عام وانتم بخير بمناسبة شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وقد التأمت جراحنا وتوحد صفنا الوطني وتحررت أراضينا. يهديكم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أطيب تحياته، ويثمن عالياً جهودكم المتواصلة في قطاع غزة لتسيير الأعمال في الإدارات الحكومية المختلفة بالرغم من الظروف العصيبة التي نعيشها وبالرغم من استمرار الأزمة السياسية الطاحنة التي تعصف بالسلطة الوطنية وتهدد بتدمير القضية الوطنية، في ظل الشرخ القائم في السلطة التنفيذية وما تلاه من شرخ في السلطة التشريعية وشلل شبه كامل في عمل السلطة القضائية.
ولقد آثرنا التوجه لدولتكم بهذا الخطاب القانوني، مقدرين لكم مواقفكم والتزامكم الذي سبق وأن عبرتم عنه في أكثر من مناسبة باحترام وحماية حقوق الإنسان. وعلى قاعدة المصارحة والمكاشفة والحرص على المصلحة العامة، وانطلاقاً من عملنا المهني كمنظمة مستقلة تسخر نفسها لحماية حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون، فإننا نضع أمامكم عدداً من الانتهاكات والتجاوزات التي تكررت على أيدي أفراد من القوة التنفيذية وكتائب الشهيد عز الدين القسام.
ونحن على يقين بأنكم لن تذخروا جهداً لمعالجة هذه الانتهاكات، وأنكم ستتخذون الإجراءات اللازمة لوضع حد لها ومحاسبة المسؤولين عنها. 1) الاعتداء على حرية التعبير والحريات الصحفية: رافق أحداث يونيو اعتداءات عديدة على وسائل الإعلام في قطاع غزة والضفة الغربية اقترفها طرفا النزاع (حركتا حماس وفتح وأذرعهما العسكرية والأجهزة الأمنية المحسوبة عليهما). ومع خطورة تلك الانتهاكات، كنا نتوقع فتح صفحة جديدة في قطاع غزة بعد أن انتهت الأعمال القتالية بين الجانبين، وأن تتم ترجمة تصريحاتكم وتوجهاتكم بحماية حرية التعبير والحريات الصحفية على أرض الواقع. ولكن ما يزال يساورنا قلق كبير في هذا الجانب خاصة في ضوء بعض التطورات السلبية من قبل الجهات المختصة، والتي كان أحدثها الاعتداء على 14 صحفياً على الأقل بتاريخ 7/9/2007، أثناء تغطيتهم لاعتداءات القوة التنفيذية على المواطنين الذين حاولوا الصلاة في الساحات العامة. وسبق ذلك اعتداءات مماثلة نفذتها القوة التنفيذية بتاريخ 25/8/2007 على عدد من الصحفيين أثناء تغطيتهم لمسيرة نظمتها حركة فتح في غزة. ووثق المركز اعتداءات أخرى، كان أبرزها:
الاعتداء على عدد من الصحفيين وعلى مكتب قناة العربية في غزة من قبل أفراد القوة التنفيذية بتاريخ 13/8/2007؛
استمرار وقف بث تلفزيون فلسطين من قطاع غزة، ومنع بث أحد برامجه (برنامج خط ساخن الذي يقدمه الأستاذ حسن الكاشف) من خلال استوديوهات وكالة رامتان بتاريخ 1/8/2007؛
عرقلة دخول الصحف الصادرة في الضفة الغربية واحتجاز موزعيها بتاريخ 30/7/2007؛
والاعتداء على ثلاثة من الصحفيين أثناء تغطيتهم الصحفية للمسيرة الجماهيرية التي نظمتها القوى الوطنية في خان يونس بتاريخ 12/7/2007، وإجبارهم على مسح أفلام الفيديو والصور قبل إخلاء سبيلهم.
ويشدد المركز على ضرورة مضاعفة الجهود وإعطاء التعليمات الواضحة للجهات التنفيذية لحماية واحترام حرية التعبير والحريات الصحفية، باعتبارها من حقوق الإنسان الأساسية، وأنها حقوق دستورية يكفلها القانون الأساسي الفلسطيني.
2) الاعتداء على المشاركين في الصلاة في الساحات العامة: للأسبوع الثالث على التوالي، رصد المركز اعتداءات قامت بها القوة التنفيذية، وأحياناً كتائب عز الدين القسام على عشرات المواطنين على خلفية أداء صلاة الجمعة في الساحات العامة تلبية لدعوة من حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
وقد شملت هذه الاعتداءات استخدام القوة بما في ذلك الأسلحة النارية والضرب وغيره من صنوف المعاملة القاسية واللاإنسانية لمنع المواطنين من التواجد في الساحات المخصصة للصلاة وتفريقهم بالقوة على الرغم من الطابع السلمي لنشاطاتهم. كما تم اعتقال عشرات المواطنين على هذه الخلفية، حيث تعرضوا خلال احتجازهم للضرب وأعمال التنكيل أيضاً.
يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشدة قيام القوة التنفيذية بمنع المواطنين بالقوة من أداء الصلاة في الساحات العامة في قطاع غزة. كما يدين المركز بشدة حملة الاعتقالات والاعتداءات التي نفذتها القوة التنفيذية على هذه الخلفية، وفي مقدمتها اعتقال الدكتور زكريا الأغا، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأستاذ إبراهيم أبو النجا، رئيس لجنة المتابعة العليا للقوة الوطنية والإسلامية، وغيرهم من قادة وكوادر ونشطاء حركة فتح وفصائل منظمة التحرير. ويطالب المركز الحكومة المقالة بالتراجع عن موقفها بمنع المواطنين من أداء الصلاة في العراء، ويؤكد على حقهم الكامل والمشروع بأداء الصلاة في العراء وفي تنظيم الاعتصامات والمسيرات السلمية كوسائل للتعبير والاحتجاج مكفولة بموجب القانون الأساسي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
3) القيود على الاجتماعات العامة: لم يكن منع المصلين من الصلاة في الساحات العامة إلا أحدث أشكال الاعتداء على الحق في التجمع السلمي. وقد سبق وأن رصد المركز عدداً من الحالات التي فرقت فيها القوة التنفيذية مسيرات سلمية بالقوة وهو ما يعد انتهاكاً للحق في التجمع السلمي، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان يكفله القانون الأساسي لعام 2003 وقانون الاجتماعات العامة لعام 1998. وقد تم تعزيز هذا الانتهاك بقرار القوة التنفيذية الصادر بتاريخ 13/8/2007، والذي جاء فيه "أنه انطلاقاً من المصلحة العامة وحفاظاً على الأمن ومن منطلق سيادة القانون فإنه يمنع منعاً باتاً الخروج بأي مسيرة دون الحصول على إذن رسمي من القوة التنفيذية." ويذكر هذا القرار بالإعلان الصادر بتاريخ 29 فبراير 2000 عن مدير عام الشرطة الفلسطينية آنذاك اللواء غازي الجبالي، الذي منع عقد اجتماعات عامة بدون موافقة مسبقة منه.
وفي حينه انتقد المركز هذا الإعلان بشدة باعتباره انتهاكاً صارخاً لقانون الاجتماعات العامة نصاً وروحاً. وبعد إصدار القرار وثق المركز حالتين على الأقل تم فيهما الاعتداء على الحق في التجمع السلمي من قبل القوة التنفيذية، وهما:
1) تفريق اعتصام سلمي وسط مدينة غزة دعت له فصائل منظمة التحرير بتاريخ 13/8/2007؛
2) تفريق مسيرة سلمية نظمها أنصار حركة فتح في غزة بتاريخ 24/8/2007.
ينظر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بخطورة بالغة إلى قرار وممارسات القوة التنفيذية، ويطالب بالتراجع عنها ويؤكد على أن الشرطة لا تملك أي حق قانوني بترخيص أو منع مسيرة سلمية أو غيرها من أشكال التجمع السلمي، وأن القانون ينص فقط على "إشعار" الشرطة من قبل المنظمين، وأن للشرطة أن تضع ضوابط على مدة أو مسار المسيرة "بهدف تنظيم المرور."
4) استمرار الاعتقالات غير القانونية: في الوقت الذي أبدى فيه ارتياحه للإفراج عن عدد من الأشخاص الذين كان يجري احتجازهم خلافاً للقانون، ينظر المركز بقلق إلى استمرار اعتقال مواطنين خلافاً للقانون على أيدي القوة التنفيذية.
ووفقاً لما يتوفر لدينا من معلومات فإن هنالك أشخاص محتجزين مضى على احتجازهم أكثر من شهر دون مراعاة للإجراءات التي ينص عليها القانون. ويجدد المركز مطالبته الالتزام بالإجراءات المحددة وفقاً للقانون التي تنظم عمليات الاعتقال، وضمان حق المحتجزين في التمثيل القانوني من خلال محام ٍ وكذلك ضمان الزيارات العائلية.
5) التعذيب وغيره من صنوف المعاملة القاسية واللا إنسانية: وثق المركز عدداً من الحالات تعرض فيها مواطنون للتعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية، بما في ذلك الضرب بأساليب وبأدوات مختلفة، خلال اعتقالهم والتحقيق معهم من قبل القوة التنفيذية. واشتكى عدد من هؤلاء المواطنين من التعامل معهم بطريقة ثأرية خاصة وأنهم من نشطاء وكوادر حركة فتح. وقد جرت عمليات التعذيب هذه في مراكز شرطة ومواقع تابعة للقوة التنفيذية في أنحاء مختلفة من قطاع غزة، خاصة في محافظات الشمال، خان يونس ورفح. ونود التذكير هنا بأن التعذيب محظور بموجب القانون وبموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وهو جريمة لا تسقط بالتقادم، وأنه ينبغي ملاحقة كافة المتورطين في جرائم التعذيب واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.
6) المهام غير القانونية لكتائب الشهيد عز الدين القسام: رصد المركز ووثق الكثير من الحالات التي تعمل فيها كتائب الشهيد عز الدين القسام كقوة شرطية وهو ما يعد تجاوزاً جسيما ينبغي تداركه ووقفه. وفي مقدمة ذلك إشراف كتائب القسام على عدد من مراكز الاعتقال وتنفيذها اعتقالات بحق مواطنين والتحقيق معهم وإخضاعهم أيضاً للتعذيب وغيره من صنوف المعاملة القاسية واللا إنسانية. وما يدعو للقلق أكثر قيام عناصر القوة التنفيذية في عدد من الحالات بتسليم مواطنين بعد إلقاء القبض عليهم إلى كتائب القسام واحتجازهم في المراكز التي تشرف عليها. وقد سبق وأن أدان المركز هذه الممارسات غير القانونية التي أفضت في إحدى الحالات إلى وفاة أحد المعتقلين في مركز اعتقال المشتل، شمال غرب مدينة غزة. ويجدد المركز مطالبته بوقف هذه الممارسات غير القانونية. 7
) التوظيف المفرط للقوة وتهديد السلامة الشخصية للمواطنين: وثق المركز عدداً من الحالات تم خلالها توظيف القوة المسلحة بشكل مفرط خلال مهمات القوة التنفيذية، مما أدى إلى وفاة وإصابة عدد من المواطنين بجراح، بمن فيهم أطفال ونساء. ومع إدراكنا لما تقوم به القوة التنفيذية من مهام أساسية في فرض النظام العام، خاصة في ظل غياب الشرطة المدنية، فإنه ينبغي التشديد على ضرورة وجود تعليمات واضحة تنظم استخدام القوة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية، وفقاً للمعايير الدولية ذات الصلة.
8) الاعتداءات على منظمات من المجتمع المدني: رصد المركز عشرات الاعتداءات على منظمات من المجتمع المدني في قطاع غزة والضفة الغربية خلال الأحداث الأخيرة وبعدها، بما في ذلك مؤسسات إعلامية وجمعيات خيرية واتحادات وغيرها، وهو ما سبق وانتقده المركز بشدة وطالب بضرورة تحييد منظمات المجتمع المدني والحفاظ على استقلالها وحمايتها. ومن أبرز المؤسسات التي تعرضت وما تزال للاعتداء كان الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين الذي سيطرت على مقره الرئيس القوة التنفيذية وكتائب عز الدين القسام منذ 13/6/2007. وبدلاً من الاستجابة لمطالبنا المتكررة بإخلائه وتسليمه إلى قيادة الاتحاد، امتدت الاعتداءات لتطال المقرات الاتحاد الفرعية في قطاع غزة، وروضة أطفال تابعة له في محافظة الشمال. ويجدد المركز مطالبته بإخلاء عناصر القوة التنفيذية من المقر الرئيس للاتحاد وتسليمه وكافة المقرات الفرعية إلى قيادة الاتحاد من أجل استئناف عمله في خدمة مصالح العمال. ويؤكد المركز على أن الحق في تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية هو حق دستوري يكفله القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. 9
) توقيف النائب العام عن مباشرة عمله والاعتداء على مقر النيابة العامة واحتجاز النائب العام: منذ بداية الأحداث الأخيرة، واظب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على المطالبة بتحييد عمل النيابة العامة وعدم الزج به في أتون الصراع بين حماس وفتح، وطالما طالب النائب العام ومعاونيه بالعمل في محافظات قطاع غزة، حفاظاً على مصالح المواطنين.
وقد فوجئنا بقرار د. يوسف المنسي، وزير العدل المكلف في الحكومة المقالة، توقيف النائب العام عن مباشرة مهام عمله على خلفية الادعاء بعدم استكمال إجراءات تعيينه كنائب عام حسب الأصول القانونية. يؤكد المركز أن النائب العام كان وما يزال يمارس عمله وفقاً للقانون وأن لا صلاحية لوزير العدل أياً كان للمساس باختصاصه وبصفته، وأن قرار الوزير يشكل مساساً خطيراً بالسلطة القضائية ويعرقل نظام العدالة. إمعاناً في الإجراءات غير القانونية ضد النائب العام من خلال قرار وزير العدل المكلف بوقفه عن العمل، وفي اعتداء سافر على شخصه وصفته وحصانته وحصانة معاونيه، أقدمت القوة التنفيذية يوم 16/8/2007 على اقتحام مقر النيابة العامة في غزة والاعتداء على النائب العام واحتجازه ووكلاء ورؤساء النيابة. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان اذ يدين بشدة هذا الاعتداء فإنه يطالب بملاحقة مقترفيه وتقديمهم للعدالة ويجدد مطالبته للحكومة المقالة ووزير العدل المكلف بالتراجع عن القرار غير القانوني بوقف النائب العام عن عمله وضرورة اتخاذ إجراءات جدية للحفاظ على هيبة وحصانة النائب العام ومعاونيه.
10) غياب جهة المخاطبة: أمام هذه الاعتداءات والتجاوزات فإننا ما نزال نواجه مشكلة جدية كمنظمة لحقوق الإنسان في مخاطبة الجهات الرسمية، فيما يخص الجوانب القانونية (على سبيل المثال ما يتعلق بالشكاوى نيابة عن الضحايا.) ورغم وعينا وإدراكنا بسهولة الوصول إلى القيادة السياسية، بما في ذلك مخاطبة رئيس الوزراء مباشرة، إلا أننا نأمل منكم إعلامنا بالجهة المختصة المخولة بالمتابعة القانونية. دولة رئيس الوزراء، مرة أخرى، نقدر لكم جهودكم والتزامكم باحترام وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة. ولكن ذلك يواجه تحديات وصعوبات ميدانية، نرى أنه ينبغي تداركها ومعالجتها بصورة آنية، تعكس ترجمة عملية لالتزامكم من ناحية، وتستجيب لبواعث قلقنا كمنظمة لحقوق الإنسان من ناحية أخرى. ونرى أن من الضرورة بمكان، بل وينبغي، الحفاظ على الموازنة الدقيقة بين الحاجة لفرض القانون والنظام العام والأمن وبين واجب حماية واحترام حقوق الإنسان. ونحن على يقين بأنكم لن تذخروا جهداً لمعالجة هذه الانتهاكات، وأنكم ستتخذون الإجراءات اللازمة لوضع حد لها ومحاسبة المسؤولين عنها وذلك ضمن أطر واضحة وشفافة ومعلنة للجمهور. مع تقديرنا واحترامنا،،،