أطفال غزة يجمعون الرصاص الذي خلفه الاحتلال في مستوطنات القطاع لتوفير مصروفهم اليومي
نشر بتاريخ: 17/09/2005 ( آخر تحديث: 17/09/2005 الساعة: 10:51 )
غزة -معا- المشهد يكاد يكون أقرب إلى العبث الطفولي بالتراب، ولكن لا شيء يدل على اللعب، فحركة الأيدي دؤوبة والمنظر أقرب للترتيب والنظام، وكل طفلين أو ثلاثة تحلقوا حول كومة تراب مشكلين مجموعة هائلة قوامها عشرات الأطفال فوق الأراضي المحررة.
السؤال كان بديهياً ما الذي يفعله الأطفال بالتراب، أما الإجابة فكانت أكثر سهولة من السؤال وأصعب على الاستيعاب، فحركة هؤلاء الأطفال بدأت منذ خرج المحتلون عن الأرض، حيث سارع مئات الفتية للبحث عن الرصاص بالقرب من مكان إطلاقه لعل أحدهم يعثر على خزين كامل منه أو لعله يجد رصاصة أو اثنتين فيبيع الواحدة بـ 17 شيكلاً وبذلك ينتهي يوم عمله الأول ليبحث في يوم آخر عن مكان جديد.
في اليوم الأول للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وبالتحديد من مواقع المستوطنات الإحدى والعشرين انطلق أبناء الشعب الفلسطيني ليشاهدوا عن كثب مكان المحتل وآثاره ويقضوا على بقاياه بعد أن أذاقهم ويلاته وتعذيبه وأصناف المعاناة، لكن الأمر الأكثر غرابة كيف انطلق هؤلاء الأطفال الذين عرفوا طعم القصف والقتل والدماء كيف انطلقوا ليبحثوا عن مسبب موت 766 طفلا دون الثامنة عشر في الأراضي الفلسطينية خلال أعوام انتفاضة الأقصى فقط، فيما تركت رصاصات وقذائف أخرى آلاف الأطفال بإعاقات دائمة وكاملة أو جزئية ومؤقتة، وجرح الآلاف منهم.
الأطفال الذين عرفوا معنى الرعب والخوف يحلمون اليوم بنقل الصورة بشواهدها ودلائلها القاطعة إلى أطفالهم في المستقبل فيقول الطفل آدم الباشا من احد حلقات الأطفال المنتشرة في مستوطنة نتساريم المحررة :" أنا ما بفتش عليه عشان أبيعه او شيء زي هيك أنا بدي احتفظ فيه وأقول لأطفالي وزوجتي إنو هاد الرصاص أنا أول واحد جمعه من المستوطنة وهاد الرصاص هو اللي قتل الابطال والمقاومين وكثير من الرجال والأطفال، وهدول بذلوا روحهم ودمهم لتحرير هاي الأرض المقدسة".
أما الطفل محمد حمادة من قرية المغراقة فلم يكن متواجداً في منزله، وعادة يذهب إليها فقط للتزود بالماء والغذاء لإكمال عملية البحث، تقول والدته:" والله ابني حمادة البركة جابلي امبارح نص دلو رصاص وفي منو فشك ورصاص فاضي، وما بدخل البيت إلا إذا بدو ياكل".
غريب ان الاحتلال لم يورث الأطفال سوى الرعب ومسبباته والنار والرصاص، فعملية البحث لم تزل جارية على قدم وساق بجانب الجدران المدمرة او أسفل المواقع والثكنات العسكرية أو بجانب الأشجار وتحت التراب، اما عملية البيع فهي سهلة بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يؤكدون انهم جاءوا بأنفسهم للمباشرة بهذا العمل الشاق دون دفع من أحد فكانوا أقرب لتشبيه إحدى الصحفيات بانهم شكلوا مخيماً صيفياً منتظماً دون تدخل من احد.
يقول الطفل محمد "12" عاماً انه انطلق برفقة صديقيه بعد انتهاء الدوام المدرسي عندما سمع ان أبناء المدارس يذهبون كل يوم إلى أماكن المستوطنات ويعودون إلى منازلهم وفي حوزتهم عدد من حبات الرصاص التي يبيعونها إما بثمنها الحقيقي او أرخص بشيء قليل وبذلك يغطون مصروفهم لعدد من الأيام او يساهم بعضهم في مصروف عائلاتهم البسيطة.
سألت الطفل محمد ألا تخاف على ملابس المدرسة أن تمزق أو تتسخ فقال لي : " طبعا حتتوسخ بس شو أعمل بدي أحصل يوميتي زي الباقيين وبعدين بغسلهم".
ولدى بعض الأطفال أحلام أخرى من جمعهم لهذا الرصاص فيقول الطفل سامي "10" اعوام" :" بدي أروح بهاد الرصاص على الضفة والقدس الشريف إنشاء الله ونحررهم انا وصحابي".