بيت لحم - معا - وكالات - حذر علماء الاجتماع من العزل الاجتماعي الذي قد يمارسه بعض الآباء على أطفالهم، بسبب رغبتهم المفرطة في حمايتهم من الأخطار التي يمكن أن يتعرضوا لها خارج المنزل.
وأشاروا إلى أن طوق الحماية المبالغ فيه على الصغار قد يكون سببا في حرمانهم من اكتساب العديد من المهارات التي لها تأثير كبير في تحديد مسار حياتهم.
ودعوا إلى حث الأطفال على ممارسة اللعب واللهو مع الأقران، وخاصة في السنوات الأولى من أعمارهم، لأن ذلك سيكسبهم الثقة بالنفس ويشجعهم على التفاعل مع الآخرين.
وأكدوا أن خيار الآباء تمضية أبنائهم أوقات الفراغ أمام التلفزيون أوالكمبيوتر بدلا من إتاحة الفرصة لهم للتنزه بصفة دورية أو اللعب في الهواء الطلق، سيعيق نموهم النفسي والعاطفي، ويجعلهم في مراحل متقدمة من العمر عاجزين عن تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، وقد يتفاقم الأمر ليصل إلى حد العزلة التامة عن العالم الخارجي.
ورجح باحثون أمريكيون أن انشغال الأطفال بمهام متعددة أثناء استخدام الأجهزة الرقمية الحديثة قد يعيق تطور مهاراتهم الاجتماعية، ويجعلهم عاجزين عن الاندماج في المجتمع.
وعلى الرغم من أن دراستهم قد اقتصرت على الفتيات فقط إلا أن كليفورد ناس الباحث المشرف على الدراسة -التي أجريت بجامعة ستانفورد- بيّن أن نتائجها يمكن أن تنطبق كذلك على الفتيان.
وقال "على الأطفال التعلم بشأن العاطفة، والطريق الأمثل للقيام بذلك هو إيلاء اهتمام خاص لأشخاص آخرين بالنظر مباشرة إلى أعينهم. وأضاف لا نتعلم أشياء مهمة فحسب بالتواصل المباشر مع البشر، بل نتعلم مهارات اجتماعية، ونتعلم ما يخص العاطفة أيضا".
ووجد الباحثون بعد متابعتهم 3461 طفلة تراوحت أعمارهن بين 8 و12 عاماً أن الفتيات اللاتي يتفاعلن مع الأصدقاء والعائلة أقل احتمالا بأن يواجهن خللاً في التأقلم مع المجتمع.
وأوضحوا أن المهارات الاجتماعية يتعلمها الأطفال من خلال التفاعل المباشر مع المحيطين بهم وليس عبر التحادث مع البعض على شبكات التواصل الاجتماعي أو باللهو بالأجهزة الإلكترونية الحديثة.
ونبه خبراء في علم النفس إلى أن الآباء الذي يفرطون في الحرص على أبنائهم ويستمرون في إدارة شؤونهم حتى رغم وصولهم مرحلة البلوغ، يمكن أن يتسببوا لهم في ضرر أكثر من النفع، لأن هؤلاء الأبناء يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب وعدم الرضا عن الحياة، وبالتالي يدخلون في دائرة العزلة الفردية.
وقالت الباحثة الأميركية هولي شيفرين "كنا نتوقع أن يكون الآباء الذين لديهم أبناء صغار هم الأكثر حرصا، لكن المشكلة أن هؤلاء الأبناء كبار بما يكفي للاعتناء بأنفسهم ولا يكف آباؤهم عن الاهتمام بهم".
وأضافت "أن تجد آباء يهتمون بشكل مكثف بحياة أبنائهم حتى في سن الجامعة.. أمر جديد وآخذ في التزايد. ولكن هذا لا يسمح لهم بالاستقلالية وفرصة التعلم من الأخطاء".
وأكد بحث علمي طويل المدى أجرته جامعة دينكين في ملبورن، ومعهد مردوخ الأسترالي لبحوث الأطفال، أن طبيعة العلاقات التي يمر بها الإنسان خلال مرحلة الطفولة هي المسؤولة بشكل مباشر عن سعادته في المستقبل.
وليست شبكة العلاقات الاجتماعية من وجهة فريق من الباحثين الأميركيين سببا للسعادة فحسب، فالوقت الممتع الذي يقضيه الأشخاص مع الأهل والأصدقاء يمكن أن يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 50 بالمئة.
وأشارت الباحثة شيريل كارمايكل، من جامعة روشستر في نيويورك، إلى أن ضعف العلاقات الاجتماعية قد يكون دافعا كبيرا للإدمان على التدخين والكحول، ويزيد أيضا فرص الإصابة بالسمنة، في ما يترتب على التواصل الاجتماعي في سن الـ20 والعلاقات الجيدة في سن الـ30 ارتفاع مستويات السعادة فى سن الـ50، بالإضافة إلى التمتع بصحة جيدة على جميع الأصعدة.
وحذر الخبراء من أن تتحول الوحدة إلى وباء خلال السنوات المقبلة، بعد أن اكتشفوا في أبحاثهم الأخيرة أن الوفيات المرتبطة بالشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية أكثر شيوعًا بين الشباب وكبار السن.
وأثبتت دراستان حديثتان أن المعاناة من الوحدة، يقصّر عمر الإنسان، ويزيد من خطر الوفاة نتيجة أمراض القلب. وأظهرت أن مرضى القلب الذين يعيشون وحدهم أكثر عرضة للموت من نظرائهم المصابين بالمرض والذين لا يعيشون بمفردهم. وقال الطبيب ديباك بهات، من مستشفى النساء في بوسطن، إن العيش وحيداً قد يكون عامل خطر يؤدي إلى نتيجة سيئة.
ولكن بهات أشار أيضا إلى أن عدة أسباب تؤدي إلى ازدياد الوفيات بأمراض القلب عند الأشخاص الذين يعيشون وحدهم، وأبرزها غياب أشخاص يسعفونهم عند التعرض لأزمة أو يحضرون الأدوية لهم.
كما أن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ولا يهتمون بصحتهم كثيراً، ما يجعلهم أكثر عرضة للموت بأسباب مختلفة.