نشر بتاريخ: 25/08/2015 ( آخر تحديث: 25/08/2015 الساعة: 16:46 )
جنين- معا - نظمت وزارتا الإعلام والحكم المحلي ندوة حول آليات الوقاية والحد من مخاطر الهزات الأرضية والكوارث الطبيعية وتفعيل الكود الزلزالي في المباني، واستعرض فيها مدير مركز التخطيط الحضري والحد من الكوارث الطبيعية في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس الهيئة الوطنية للحد من الكوارث، د. جلال الدبيّك واقع المباني في فلسطين ودرجات قدرتها على مواجهة الهزات الأرضية والكوارث الطبيعية. وشرح أسباب حدوث الزلازل، ومخاطرها، وتصنيفاتها، وأكد أن الهزات القوية لا تعني بالضرورة ارتفاع الخسائر، ولكنها مرتبطة بتقييم المخاطر للكوارث، ضمن منهجية شاملة، تحسب على أساس مصدر الخطر، وقابلية الإصابة، مقسومة على الجاهزية.
وأضاف الدبيك: الزلازل ظاهرة جيوفيزيائية بالغة التعقيد، تظهر كحركات عشوائية للقشرة الأرضية على شكل ارتعاش وتموج عنيفين، وذلك نتيجة لإطلاق كميات هائلة من الطاقة في باطن الأرض، وهذه الطاقة تتولد نتيجة لحصول انكسارات أرضية في طبقات الأرض السطحية.
وتتبع الدبيك الاستعدادات الفلسطينية لمواجهة الهزات الأرضية، والتي تفتقر لوجود جيش وطني، وفرق إسناد، وغرف عمليات مركزية، ومروحيات، ووصفها بالقدرات المحدودة. وقال إن المشكلة ليست في الزلزال نفسه، وإنما في قابلية الإصابة وفي المباني، والتي تستند إلى تقليل المخاطر بناء على دراسة الهزات الأرضية والاستعداد لها، وإنشاء البنية التحتية والأبنية المقاومة للهزات الأرضية، إضافة إلى رفع القدرات.
وأوضح أن الزلزال يحدث في القشرة الأرضية، وعلى الصفائح أو "الأحزمة الزلزالية" التي هي كائن حي، وقطع متجاورات تتحرك مقتربة ومبتعدة من بعضها البعض، كما يحدث بين أفريقيا وأمريكيا الجنوبية. وهي "كسر في طبقات الأرض، نتيجة حركة القشرة الزلزالية. وأكد أن فلسطين مرتبطة بالصفيحتين العربية والأفريقية، تتأثر بحركتهما من الشمال والشرق، متسببة باتساع البحر الأحمر، الذي يزداد سنوياً بمعدل 2 سم سنوياً، فيما تبتعد فلسطين عن الأردن بمعدل 5 إلى 7 مليمتر سنوياً، في وقت تقول دراسات علمية إن مدينة الخليل ستتحرك بعد 10 مليون سنة لتحل مكان مدينة العقبة، تمامًا كما حدث مع الهند التي كانت أسفل الكرة الأرضية.
ورسم الدبيك الخريطة الزلزالية لفلسطين، والتي تنقسم إلى أربعة ألوان: الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر. موضحاً أن المنطقة الأولى والقريبة من نهر الأردن، تتعرض مبانيها الصخرية لـ 30 % من وزنها، أما البرتقالية فتتأثر بـ 20 % من ثقل مبانيها، و15% للأصفر، الذي يضم بعض مناطق رام الله، في حين يكون المشهد في غزة بـ 7,5 % من وزن المباني المقامة على الصخر. وصنف المدن والمناطق الفلسطينية إلى مناطق حسب التهديد، الذي يعتمد على قوة الزلازل وعمقه وبعده عن التجمعات السكانية ومركزه، وتربة الموقع.
وقال إن الخبراء يعتمدون في دراستهم على توقع الهزات الأرضية بناءً على موقع المنطقة والصدوع الأرضية فيها، ولدينا في فلسطين 11 صدعا أرضيا، 9 منها نشطة، وتاريخنا الزلزالي أظهر تعرضنا لها في أوقات مختلفة، عدا عما تسجله أجهزة الرصد باستمرار.
وتابع: العلم يقول أن الزلزال حاصل لا محالة، ولا يستطيع أحد معرفة ساعة ولحظة وقوعه، ويمكن أن يحدث في أية لحظة، اليوم، أو غداً أو بعد شهر أو سنة أو عدة سنوات، والأمر مسألة وقت، وليس يقيناً. ونوه إلى ضرورة توخي وسائل الإعلام الدقة في التعاطي مع الزلزال. وقال إن مسألة حدوث الهزات الأرضية ليست مهمة، بمقدار أهمية ما أعددنا لمواجهتها، وكيفية استعدادنا لها.
ومضى يقول: إن الحد الأقصى الذي قد يقع يتراوح بين زلزال بقوة 6,5 درجة على مقياس ريختير، إذا كان مركزه البحر الميت ( يكسر هذا الصدع مرة كل 80 إلى 100 سنة)، و7 درجات إذا تمركز في شمال فلسطين( يتكرر ذلك مرة كل 200 إلى 250 سنة). وأشار إلى أن آخر هزة وقعت في أصبع الجليل العام 1756، وأودت بحياة أربعين ألف في بلاد الشام.
وذكر بأن محافظات الوطن ستتضرر بنسب مختلفة، تعتمد على موقع الهزة؛ فإذا ما حدثت في أصبع الجليل، فإن المناطق الشمالية ستتضرر أكثر من غيرها، وإذا ما كان مركزها البحر الميت، فإن بيت لحم وحتى نابلس ستتأثر بشكل أكبر، أما إذا كان المركز في الجنوب، فالأضرار ستكون في غزة وبيت لحم.
وفرق الدبيك بين الحال الذي ستكون عليه المناطق المجاورة قياساً بفلسطين في حال وقعت هزات أرضية، قائلاً: ليس لدينا مطارات، ولا جيوش، ولا طائرات، ولا بنى تحتية، وسندفع ثمن احتلالنا في كارثة طبيعية .وأشار إلى إطار عمل "هيوجو" الذي ركز على ضرورة اعتماد الهزات الأرضية أولوية وطنية، وتحديد أماكن الخطر، وتطوير المعرفة والثقافة، والحد من المخاطر، وتقوية دعم الاستجابة للطوارئ.
وتطرق الدبيك إلى المساعي التي بذلتها نقابة المهندسين، ومركز علوم الأرض وهندسة الزلازل، ووزارتا الأشغال العامة والحكم المحلي، لتطبيق الكود (الأردني) العربي الموحد لمقاومة الزلازل. وأشار إلى حاجة القرار الحكومي، الذي وقعه رئيس الوزراء إلى خلق آليات لتطبيقه، وعندها لن يتم وصل أي منزل بالكهرباء والمياه، دون اجتيازه لإجراءات السلامة العامة.
وذكر أن الصدوع الأرضية في فلسطين لم تحدد أو توضع لها خرائط، كتحول التربة الرملية إلى مياه، عدا عن التضخيم الزلزالي، الذي يتعاظم في المباني المقامة على الأراضي الطينية.
ومما كشفه الدبيك، عدم استجابة الهيئات المحلية كلها التي خاطبها لوضع مثل هذه الخرائط، بدعوى كلفتها المرتفعة. وقال: وضعنا لبعض المناطق في نابلس( 17 نقطة من أصل 100 نحتاج إليها)، ووجدنا أن قسماً منها يضخم الزلازل من 6 إلى 8 مرات، وينبغي منع البناء عليها، أو تحويلها إلى متنزهات عامة.
واستعرض الديبك حجم الكارثة التي قد تضرب فلسطين، لا قدر الله، بهزة قوتها 7 درجات على مقياس ريختير، ما سيسبب انهيار نحو 10 % من المباني بشكل كلي، فيما توقع تضرر بين 20-30 % منها بشكل جزئي، وفي وقت سيتراوح عدد الضحايا بين 5 إلى 8 آلاف قتيل، وأكثر من عشرين ألف جريح، مقدراً جاهزية استعدادنا بنحو 25 %.
وتابع: تتعرض المنشآت عادة إلى أنواع مختلفة من الأحمال، وتصنف هذه الأحمال استنادا لطبيعة تأثيرها إلى: استاتيكية وديناميكية، فتأثير الأحمال الاستاتيكية يكون عادة ثابتَا ولا يتغير مع الزمن، مثل: أوزان عناصر المبنى الحاملة والمحمولة، والأحمال الدائمة وشبه الدائمة كأثاث المباني، والأحمال الحبية الناتجة عن الأشخاص الذين يستخدمون المباني.
وتطرق لسياسة استخدام الأراضي وتخفيف مخاطر الزلازل. كما تتبع التضخيم الزلزالي لتربة الموقع، الانزلاقات الأرضية، وتميؤ الأرض (تحول التربة إلى سائل لزج)، وتأثير تربة الموقع وسياسة استخدام الأراضي.
وقدّم مشاهد انزلاقات أرضية حصلت في الخليل ونابلس، عدا عن عرض صور من تركيا واليابان للظواهر ذاتها. وتحدث عن أنماط المباني الدارجة في فلسطين وقدرتها على مقاومة الهزات الأرضية، ومعايير تخفيف المخاطر، والسلوك الزلزالي المتوقع للمباني في فلسطين، والتقييم الزلزالي للمباني وقابلية الإصابة.
وبيّن مفهوم المدن الآمنة، والنقاط العشر المعتمدة دولياً، والواجب على الهيئات المحلية القيام بها، للاستعداد للكوارث. وأوضح طبيعة العلاقة بين التقدم وإدارة الكارثة، مشيراً إلى النموذج الياباني المتقدم، إذ ضربت منطقة من اليابان هزة أرضية عام 1923 أوقعت 240ألف قتيل، وتكرر الزلازل بالقوة نفسها في المنطقة ذاتها ليوقع 6 جرحى فقط. ما يؤكد ارتفاع الجاهزية وتقدمها.
وأوضح إن المخاطر ترتبط بمصدر الخطر نفسه، وبقابلية الإصابة، وبالقدرة على مواجهته وفق معادلة رياضية ليست سهلة، لكنها تشير إلى ضرورة رفع القدرة وتقليل قابلية الإصابة. وأضاف إن تقليل المخاطر يبدأ بمعرفة مصدر التهديد، كما أن الحكم الرشيد والقوانين والتشريعات وآليات التنفيذ تساهم كلها في رفع الجاهزية.
واستعرض نتائج المسح الزلزالي الذي أجرته جامعة النجاح، على عينة من1360 شخصاً أظهر وجود وعي بشأن حدوث الهزات الأرضية، وقابلية إصابة المباني، والاستعدادات اللازمة، والجهات المسؤولة عن إدارة الكوارث.
وأوصى الدبيك بضمان اعتبار الحد من مخاطر الكوارث أولوية وطنية ومحلية، قائمة على قاعدة مؤسسية صلبة للتنفيذ. بجوار تحديد وتقييم ورصد مخاطر الكوارث وتعزيز نظم الإنذار المبكر، واستخدام المعرفة والابتكار والتعليم لبناء ثقافة الأمان والقدرة على مجابهة الكوارث على جميع المستويات، عدا عن الحد من العوامل الرئيسة للمخاطر، إضافة إلى تعزيز الاستعداد للكوارث بغية التصدي الفعال والتعافي منها على جميع المستويات.
بدوره، أشار ممثل وزارة الإعلام وزارة عبد الباسط خلف، أن الندوة سعت إلى الدفع بإدارة الكوارث الطبيعية والزلازل إلى الواجهة، من خلال نشر الوعي بها وتطويره، وصولاً إلى إدارة فعّالة للأزمة قبل حدوثها.
وأضاف أن هذه النقاشات جاءت للتوعية والتدريب، في ظل تكرار الحديث عن الهزات الأرضية ومخاطرها، وتقديرات الجاهزية لها، وما يتصل حول خسائرها من توقعات، وطرق الاستعداد لها وتقليل تداعياتها، وغيرها من قضايا.
فيما ذكر مدير عام الحكم المحلي رائد مقبل أن الندوة تأتي في إطار مساعي الوزارة لرفع الوعي بالكوارث بين المهندسين والأقسام المختصة في الهيئات المحلية، وتشجيع البحث في طرق تقليل خسائرها، ومعرفة الطرق الحديثة في التعامل مع خطر الزلازل والكوارث الطبيعية وما تفرزه من خسائر وتداعيات.
وناقش المشاركون الذين مثلوا نقابة المهندسين والمكاتب الهندسية والبلديات والهيئات المحلية أهمية تطوير الوعي بين المواطنين، وتأهيل المهندسين وإلزامهم بالكود الزلزالي، وإيجاد قوانين وتشريعات للحد من الكوارث، وإعادة النظر في الكثير من الممارسات الخاطئة في قطاع الإنشاءات.