الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

عميد أسرى جنين يدخل عامه الـ 27 في سجون الاحتلال

نشر بتاريخ: 29/08/2015 ( آخر تحديث: 29/08/2015 الساعة: 12:28 )
جنين -معا - يعد الأسير رائد السعدي عميد أسرى جنين؛ وهو أقدم أسير من محافظة جنين شمال الضفة المحتلة؛ وقد انضم الأسير المجاهد رائد السعدي لقائمة "جنرالات الصبر" قبل عامين؛ وجنرالات الصبر هو مصطلح يطلق على من أمضى في سجون الاحتلال ما يزيد عن ربع قرن من الزمان؛ ويدخل اليوم عامه الـ(27) في سجون الاحتلال؛ وهو عميد أسرى حركة الجهاد الإسلامي في سجون الاحتلال.

الميلاد والنشأة
ولد الأسير رائد السعدي في بلدة سيلة الحارثية قضاء جنين شمال الضفة المحتلة؛ وبالتحديد يوم الأحد الموافق 20/02/1966م؛ لأسرة مكونة من خمس شقيقات وأربعة أشقاء؛ وكانت أسرته تسكن بالقرب من المسجد الكبير وسط بلدة السيلة الحارثية؛ والتحق بالمدرسة وأنهى تعليمه الثانوي في مدارس جنين.

الاعتقال الأول
على خلفية التظاهرات والفعاليات التي كانت تسود أنحاء متفرقة من الضفة الغربية وقطاع غزة بين الحين والآخر؛ كان الأسير السعدي لا يتوانى في المشاركة بكافة هذه الفعاليات الشعبية؛ منذ أن كان طالباً في المدرسة الثانوية؛ وحتى بعد أن أنهى دراسته الثانوية استمر في المشاركة بمثل هذه الفعاليات والاحتجاجات المختلفة؛ لتعتقله قوات الاحتلال على خلفية تلك الفعاليات؛ وقيامه برفع العلم الفلسطيني على أحد أعمدة الكهرباء في قريته؛ وكان ذلك في العام 1984م؛ ومكث في سجون الاحتلال ستة أشهر؛ لم تنل منه ومن عزيمته ومعنوياته في مواصلة مشواره الجهادي.

مواصلة المشوار الجهادي

بعد خروج رائد من سجون الاحتلال الصهيوني؛ قرر أن يلتحق بالجامعة؛ إلا أن المقاومة ومقارعة الاحتلال في كل الشوارع والقرى والمخيمات؛ سيطرت على وجدانه ونتيجة لأعماله الجهادية التي نكل بها في الاحتلال وجنوده بأكثر من مرة؛ لاسيما مع انفجار الانتفاضة الأولى نهاية العام 1987م؛ حاولت قوات الاحتلال الصهيوني اعتقاله بشتى الطرق والوسائل إلا أنها فشلت؛ وكضغط عليه وللنيل منه ومن معنوياته قاموا باعتقال والدته وأشقائه لعدة أشهر؛ إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته وإصراره على إتمام الطريق الذي سلكه؛ ونظراً لاستهداف عائلته المستمر من قبل قوات الاحتلال؛ قام السعدي بزيارة لعائلته للاطمئنان عليهم لاسيما والدته التي نالت الويلات في الاعتقال والتحقيق المستمر من قبل مخابرات الاحتلال؛ إلا أن الوحدات الصهيونية الخاصة والمتنكرة في ثياب المستعربين حاصرته واعتقلته في مكان قريب من منزله؛ وكان ذلك بتاريخ 28/08/1989م.

التحقيق القاسي
يتحدث الوالد أبو عماد السعدي عما تعرض له ولده رائد في بداية اعتقاله: "تعرض رائد لتحقيق قاسي، لمدة زادت عن ثلاثة أشهر، وتناوب على التحقيق معه عدد من ضباط الشاباك وتم نقله بين عدة سجون، وذاق صنوف من العذاب وألوان من أجل إذلاله؛ فكَسروا أنفه وأصابوه بقدمه اصابة بالغة، وكان معظم الوقت مقيّد اليدين وجالساً على كرسي خشبيٍ مؤلم لأيام؛ إلا أن رائداً أصر على عناده وتحديه للمحتل".

وبسبب التحقيق القاسي الذي تعرض له أصيب رائد بعدة أمراض مازال يعاني من بعضها حتى الآن وعلى مدار ربع قرن من الاعتقال والحرمان؛ وليصبح رائد أحد ضحايا سياسة الإهمال الطبي المتعمد والذي تنتهجه إدارة مصحة السجون الصهيونية بحق الأسرى في سجون الاحتلال؛ وأصبح يعاني من عدة أمراض يذكرها الوالد باقتضاب: "يعاني رائد من قرحة في المعدة، وخفقان القلب المستمر، وآلام في مفصل القدم؛ وهو لا يتناول إلا طعام خاص محدد يتضمن بعض التمر والعسل حسب العلاج المقرر له لأنه ممنوع عن الكثير من الأطعمة بسبب سوء وضعه الصحي".

المحكمة والحكم الجائر

يقول الحاج أبو عماد لمهجة القدس مستذكراً المحكمة الصهيونية التي أصدرت حكماً على ابنه بالسجن المؤبد مرتين: "رفض رائد الوقوف لهيئة المحكمة الصهيونية؛ في حين وقف جميع الأسرى الذين كانوا معه في ذات القضية؛ وبعد مشاحنات مع ضباط ورجال الشرطة الصهيونية؛ أصر رائد على عدم الوقوف في إشارة منه لعدم الاعتراف بهيئة المحكمة؛ ولما توجه القاضي بتعنيف رائد لعدم احترامه للمحكمة؛ وقال القاضي الصهيوني لرائد من الطبيعي أن تقف لهيئة المحكمة؛ رد عليه رائد لكن الطبيعي أن أكون في مكانك وأنت وأمثالك الصهاينة في مكاني؛ وأُحكامكم على جرائمكم ضد أبناء شعبي".

وأصدرت المحكمة الصهيونية حكماً مشدداً على الأسير السعدي بالسجن المؤبد مرتين؛ بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في عمليات للمقاومة ضد قوات الاحتلال الصهيوني؛ فلم يكن من رائد إلا أن طلب من المرحومة والدته إطلاق زغرودة فلسطينية تعبيراً وابتهاجاً بالحكم؛ وردد أن الحكم لله أولاً وأخيراً.

أسرى الدفعة الرابعة وأمل الأم الأخير

ما إن تكشفت الأنباء عن نية دولة الاحتلال اطلاق الأسرى القدامى ما قبل أوسلو؛ كحسن نية في مقابل عودة السلطة للمفاوضات؛ كبرت آمال أهالي جميع الأسرى ومنهم عائلة الأسير السعدي ووالدته المريضة التي علقت كل آمالها بتكحيل عينيها برؤية ابنها واحتضانه؛ لكن الاحتلال أبى إلا وأن ينغص على العائلة؛ وقسم الأسرى المنوي الافراج عنهم على دفعات؛ وليكن نصيب الأسير السعدي ضمن الدفعة الرابعة؛ ونَكَل الاحتلال بوعوده كعادته فقرر الغاء الافراج عن أسرى الدفعة الرابعة؛ لتتحطم آمال الوالدة التي عانت منذ ربع قرن على فقدانها لولدها بين ردهات السجون وزنازين الاحتلال؛ ورحلت الأم عن هذا العالم في يونيو 2014م؛ بعد أن رحل الأمل الأخير باحتضان ولدها حراً من سجون الاحتلال الصهيوني.

وفي حديث لمؤسسة مهجة القدس يقول والده الذي بلغ الثمانين من العمر وبمرارة بالغة: "منذ ما يزيد عن العام لم أستطع زيارة ابني؛ حيث شهدت حالتي الصحية تدهوراً حاداً فأعاني من آلام في المفاصل؛ ونقص الدم وحالة تُسمى كسل في انتاج الدم ولا أمشي إلا بمساعدة آخرين؛ مما لا يسمح لي بعناء السفر والانتظار لزيارة رائد؛ وعرض علي الصليب الأحمر استقدام اسعاف خاص والقيام بتنسيق مع إدارة مصلحة السجون لأقوم بزيارته إلا أن رائد وما إن وصله الخبر رفض ذلك؛ طالباً راحتي؛ ومتمنيا لقاء قريبا بي في بيتي؛ وبسبب المنع الأمني لا يتمكن إخوته من زيارته إلا مرة واحدة في السنة".

ويضيف الحاج أبو عماد: "كان قلب المرحومة والدته ينفطر ألما وشوقا لرؤية رائد؛ إلا أنها فارقت الحياة في يونيو الماضي؛ وذلك بعد أن فقدت النظر حزنا على فلذة كبدها؛ وتأملت وحلمت لآخر لحظة أن تحضر حفل زفافه".

وكتب الوالد أبيات شعر يفخر بها بابنه المغيب في سجون الاحتلال:

"ولدي لِمثلكَ تنحني الأبطال *** وبنور دربك تهتدي الأجيال

قد كنت رائدهم ليوم كريهة *** وبفضل رائد تعظم الأفعال

أبطالنا فخـــــر لأمة يعرب *** وبعزم رائد يفخر الأبطال"

رحيل الأحبة

لا يكاد أن ينجوا أي أسير في سجون الاحتلال من معاناة فقدانه لأحبته وأقاربه والعزيزين على قلبه؛ وهو مغيب في غياهب السجون؛ وهذا ما تكرر مع رائد السعدي الذي فقد شقيقه الأكبر عماد ووالدته وهو في سجون الظلم والعدوان الصهيوني.

أصيب شقيق الأسير المجاهد رائد السعدي "عماد" بمرض السرطان؛ وخلال علاجه بين الأردن والقدس كانت أمنية عماد أن يرى شقيقه رائد؛ ورغم تقديمه لطلب تصريح زيارة مرفقا بعشرات التقارير الطبية التي تثبت خطورة حالته الصحية؛ إلا أن سلطات الاحتلال رفضت منحه تصريح؛ ليرحل عن هذا العالم في أغسطس/ آب 2010م؛ وقلبه معلق على آخر أمل برؤية لرائد والتي حرمه الاحتلال منها.

وهذا ما تكرر مع الوالدة التي رحلت في شهر يونيو الماضي؛ وعلى مدى سنوات اعتقال ابنها رائد والبالغة ما يزيد عن ربع قرن من الزمان لم تتأخر عن أي من فعاليات التضامن مع الأسرى حتى عرفها الجميع وأحبها؛ ولم تتأخر يوما عن أي بوابة من بوابات السجون الصهيونية طلبا لرؤية فلذة كبدها رائد؛ لترحل وتزيد آلام رائد بحرمانه من وداعها الأخير في مشهد لم ولن يتكرر إلا في سجون الظلم والعدوان الصهيوني؛ رحلت أم رائد وكان آخر أمل لها أن تحتضن ابنها وتشهد حفل زفافه؛ إلا أن مشيئة الله تبارك وتعالى لم تكتب لها ذلك.