نشر بتاريخ: 02/09/2015 ( آخر تحديث: 02/09/2015 الساعة: 23:55 )
رام الله - تقرير معا - مع إشراقة خيوط الشمس الأولى تخرج أم محمد من بلدة الخضر قرب بيت لحم نحو مدينة اليبرة، بعد أن تقوم بقطف عناقيد العنب من كرمها، وتتجه نحو سوق البيرة لتبيع العنب.
ولحسن حظ أم محمد والتي تعيل أربعة طلبة جامعيين، فإن وصول طاقم "معاً" لحظة محاولة مفتشي بلدية البيرة إخلاء البسطة التي تقوم ببيع العنب فيها، جعلها تواصل عملها، وتبعد طواقم البلدية.
ومنذ 3 أيام، وموظفو بلدية البيرة يطاردون بائعات العنب، ويصادرون صناديق العنب، التي تسعى النساء إلى بيعهن، وقدومن إلى رام الله والبيرة من أجل بيعها.
وفي أعقاب نقاش طويل بين السيدة وموظفي التفتيش، الذين أبدوا تعاطفهم معها، لكنهم أكدوا أنهم يطبقون التعليمات والقوانين، اضطر المفتشون إلى مغادرة بسطتها، وإكمال مسيرتهم نحو بسطات أخرى.
مواطنون عدة توقفوا لحظة النقاش بين الفلاحة البسيطة التي تسعى لبيع العنب وموظفي البلدية، جعل العديد منهم يتعاطف معها، ويشتري العنب زهيد الثمن، والذي تبيعه السيدة بخمسة شواقل للكيلو الواحد، فما يبلغ سعر عنب المستوطنات على بعد أمتار منها 7 شواكل.
وقالت أم محمد: منذ 20 عاماً وأنا أقوم ببيع محصول العنب الخاص بي في القدس، ولم تستطع بلدية الاحتلال ثنيها عن عملها الذي تنتظره عاماً تلو آخر، فهي تملك كرماً للعنب الخضري، وتقوم بتسويقه في سوقي رام الله والقدس.
وأكدت أم محمد أن العنب الخليلي والخضري المعروف عالمياً يهان في رام الله والبيرة، من قبل مفتشي البلدية، فرغم شهرة هذا النوع من العنب في العالم، إلأ أنه في سوق البيرة لا مكان له.
وتابعت أم محمد: المشكلة أن العنب الإسرائيلي يملأ الحسبة، ولا يعترض أحد على ذلك مطلقاً، أما نحن الفلاحات البسطات فالكل يلاحقنا، ويصادر بضاعتنا أو يطردنا.
وأضافت أم محمد والألم يعتصر قلبها: من السنة للسنة ننتظر لنقطف عنقود العنب لنربي أبنائنا بشرف، نربي الدالية كما نربي أبناءنا، فهي مصدر رزقنا الأساسي.
هؤلاء النسوة، واللاتي ينفقن على عائلاتهن، ليعرضن منتجات العنب على حافة الرصيف، ولكن فيما تحارب هؤلاء، لا ينظر أحد إلى عنب المستوطنات الذي يملأ الحسبة، وهو العنب الوحيد المعروض للمواطنين.
البائعة ربيحة عيسى القادمة من بلدة من الخضر قرب بيت لحم أكدت أن مفتشي بلدية البيرة مروا من أمامها صباح الأحد، حيث اعتادت أن تجلس وتعرض صناديق العنب، ولم يتحدثوا معها، بل قاموا بحمل الصناديق الذي يحتوي على عنب بلدة الخضر، وصادروا كل الصناديق التي أتت من الخضر لبيعها، كما صادروا المظلة التي تقيها حر الشمس.
وأكدت الحاجة عيسى: حين صادروا الصناديق لم يكن أمامي سوى البكاء، والدعاء لله أن ينتقم منهم، فأنا أنفقت 70 شيكلاً لأنتقل من الخضر إلى البيرة، لبيع العنب، بعد أن قمت بقطفه في ساعات الفجر الأولى.
وتضيف: في اليوم التالي استيقظت صباحاً، وقمت بقطف العنب فجراً، وتوجهت نحو سوق البيرة، واتخذت مكاني المعتاد، ولكن مراقبي البلدية رفضوا أن أجلس في مكاني، ومنعوني من البيع، فبقيت الصناديق مكدسة.
وتؤكد الحاجة عيسى أن الحملة التي تتعرض لها هي وغيرها من البائعات حديثة، بدأت منذ يوم الأحد الماضي فقط، فقبل ذلك كانت تقوم بدفع مبلغ 20 شيكل نظير نصب خيمتها على حافة الرصيف، وتعرض بضاعتها لتبيعها، ولكن مفتشو البلدية باتوا اليوم يصادرون العنب ويتلفونه في الأرض أمام أعين الناس.
وأشارت إلى أن السوق الذي أقامته البلدية وخصص لهن لا يليق بالحيوانات، وتضيف: نحن نتوجه إلى رام الله والبيرة من أجل أن نبيع عنبنا ونعود، ولا نريد أن نختبئ داخل المكان الذي خصصته البلدية في منطقة منزوية داخل الحسبة.
وحول أسباب التوجه نحو سوق رام الله والبيرة، أكدت عيسى أن سوق الخليل وبيت لحم مليء بالعنب الخليل والتلحمي، وبالتالي المنافسة صعبة، أما البيرة فلا يوجد فيها انتاج عنب، وبالتالي فالمواطنون يبحثون عنه، مشيرة إلى أنها تقوم في كل عام ببيع منتج العنب الخاص بأرضها في رام الله منذ عقود عدة.
وأضافت: أيام الاحتلال الإسرائيلي لرام الله والبيرة، لم يعترضنا أحد أو يمنعنا من البيع، ولكن بلدية البيرة تمنعنا من بيع العنب الفلسطيني، ولا تمنع العنب الإسرائيلي وعنب المستوطنات الذي يملأ الحسبة.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك، صلاح هنية أن الجمعية تؤيد الإجراءات التنظيمية التي تتبعها بلدية البيرة لتنظيم سوق الحسبة، للمعاناة التي يواجهها التجار فيه، أو أصحاب البسطات، ولكنه أشار إلى أن العديد من أصحاب البسطات داخل الحسبة، يقومون بوضع بسطات على الشارع الرئيسي، وهو ما يخلق المشكلة الأساسية.
وبين هنية أن البائعات القادمات من الريف يأتين ليبعن محاصيلهن الزراعية وجهدهن وعرقهن، وبالتالي يجب أن يحظين بمعاملة خاصة، وهن أصلاً لا يعطلن حركة السير، فهن لا يقفن في الشارع، بل يجلسن على حافة الرصيف بشكل محترم، فلا يعتدين على الرصيف ولا على حركة المشاة.
وقال هنية: هؤلاء السيدات يخرجن طلباً للرزق وليس للثراء، وحين نتحدث عن الأرض ودعم صمود الفلاحين، فهؤلاء النساء هن رمز الأرض والصمود، فيجب دعمهن لا ملاحقتهن ومنعهن من العمل.
وخلص هنية بالقول: البدء بعملية التنظيم في سوق الحسبة، تبدأ ممن يخلق الفوضى داخله، والذين يتسببون في الأوساخ التي يراها الجميع، التنظيم يبدأ من الأقوى، ومن ثم الأضعف لنبحث عن الحلول.
وخلافاً لدول العالم التي تسمح لرموزها الثقافية والفنية بالتواجد على الأرصفة في مراكز المدن، فإن بلدية البيرة تتذرع بإنشاء مكاناً مخصصاً للبائعات، لكن البائعات يؤكدن أن المكان منزوي وبعيد عن أعين المارة.
من جهته، قال عضو مجلس بلدي البيرة، أحمد بدران إن من يقمن بالبيع في سوق البيرة لسن فلاحات، بل هن تاجرات، يقمن بشراء البضائع وبيعها في السوق، ويخالفن التعليمات التي وضعتها بلدية البيرة.
وأوضح بدران أن البلدية قامت قبل فترة بإعادة تأهيل شارع فلسطين، والذي يقع سوق البيرة فيه، وإعاد بناء الرصيف، وهو ملك عام وليس ملك شخص ليعرض بضاعته، ليصبح ملكاً للبائعين المتجولين.
وأشار بدران إلى أن البلدية وفرت مكاناً للبائعات، أطلق عليه اسم "سوق الفلاحات" وكلف ميزانية البلدية 200 ألأف شيكل، منوهاً إلى أن السوق الجديد منظم ومرتب ومعد للبسطات، لكن الفلاحات لا يردن الجلوس فيه.
وبين أن إعادة تأهيل شارع فلسطين كلف بلدية البيرة 5 مليون شيكل، ليكون شارعاً نموذجياً وحضارياً، ولكن البسطات العشوائية، كما يقول، تشوه هذا المنظر.
حرب معلنة على العنب الفلسطيني تقول البائعات، فهذا المنتج الوطني ذائع الصيت محلياً وعالمياً يجسد قصة صمود في وجه التوسع الاستيطاني الذي ينهش قرابة الستين في المئة من اراضي الضفة الغربية المصنفة "ج"، والسؤال هنا لمصلحة من يحارب المزارع البسيط الذي يحافظ على الارض والوجود؟ وهل يحارب عنب المستوطنات بهذه الطريقة؟ يتسآل آخرون.
تقرير: فراس طنينة