فرقة الحكواتي ومسرحية" ذاكرة للنسيان " لمحمود درويش في مسرح الامير تركي بن عبد العزيز في النجاح
نشر بتاريخ: 01/10/2007 ( آخر تحديث: 01/10/2007 الساعة: 09:29 )
نابلس- معا - ذاكرة النسيان مسرحية للشاعر محمود درويش، عرضتها فرقة الحكواتي في مسرح سمو الامير تركي بن عبد العزيز في جامعة النجاح الوطنية بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في القدس.
اعد المسرحية واخرجها الفنان فرانسوا ابو سالم، تدور احداثها في بيروت الغربية حينما اصبحت كلها مسرحا للاحداث بيروت جميعها اصبحت حدود للحصار الذي ضربة الجيش الاسرائيلي في يوم من ايام اغسطس/ آب من العام 1982 حيث تصاعدت الاحداث في ذلك الشطر من العالم العربي.
يتحدث الينا درويش عن ذاكرته النسيانية في تلك الاحداث الدامية التي فسرها المحللون النفسيون على انها جزء من وقت الحداد الذي يجتاح الانسان لفقدان شيء عزيز ويضيفون ان على المرء ان يحاول قبول العنف وتخطي نتائجه وان يتفهم مع مرور الوقت الام الاحتفاء لكي ينسى الموت، او لا يكفر به، او ان يدخله الى عالم الذاكرة التي تختفظ به الى وقت بعيد وهذه ذاكرة النسيان بحد ذاتها.
تزاحم الناس على ذاك المسرح الرائع بتجهيزاته الفنية والمعد لهذا النوع من النشاطات وغيرها ولكن لم يسعفهم الوقت حيث لم تنته التجهيزات الفنية ولا اجهزة الصوت قبل بدء العرض في موعده، تأخر العرض نحو ساعة وبقي الناس في اماكنهم لا يريدون المغادرة بعد ان قطعوا التذاكر المجانية التي اشرفت على توزيعها دائرة العلاقات العامة في الجامعة وانتهت التجهيزات التي كلفت فرنسوا ضربة كهرباء خفيفة لانشغاله بالتجهيز كادت ان تزعجه بعض الشيء عن اداء النص وبدأ العرض بحضور المئات ممن اصطفوا بعد صلاة العشاء مباشرة لحجز موقع مميز في المسرح الكبير.
يقول درويش في قلب المسرحية" قلاعٌ وحصونٌ هي محاولاتٌ لحمايةِ إسمٍ لا يَثِقُ بـخلودِهِ منَ النسيان. حجارةٌ مُضادَّةٌ للنسيان، حروبٌ عكسُ النسيان. لا أحدَ يريدُ أن يَنْسى. وبشكلٍ أدق: لا أحدَ يريدُ أن يُنْسى. وبشكلٍ سِلميٍّ : يُنجِبونَ الأطفالَ ليحملوا أسماءَهُم، ليحملوا عَنْهِم عبْءَ الإسمِ أو مَجْدَهُ. إنّهُ تاريخٌ طويلٌ من عمليةِ البحثِ عن توقيعٍ على زمانٍ أو مكانٍ، ومن حَلِّ عقدةِ الإسمِ في مواجهةِ قوافلِ النسيانِ الطويلةِ..
لا أريد غير رائحة القهوة...
لماذا يُطالِبُ هؤلاءُ الذين ألقتْ بِهِم أمواجُ النسيانِ على ساحلِ بيروت، أنْ يَشُذّوا عن قاعدةِ الطبيعةِ البشريةِ؟ لِمَ يُطالَبونَ بهذا القدْرِ من النسيان؟ ومَن هو القادرُ على تركيبِ ذاكرةٍ جديدةٍ لـهُم لا محتوى لها غيرُ ظلٍّ مكسورٍ لحياةٍ بعيدةٍ في وِعاءٍ من صفيحٍ صارخٍ؟
أهناكَ ما يكفي من النسيانِ كي يَنسَوْا؟
ومن سيساعدُهُم على النسيانِ في هذا القهرِ الذي لا يتوقفُ عن تذكيرِهِم باغتِرابِهِم عن المكانِ والمجتمع ؟ من يَرضى بِهِم مواطنينَ ؟ من يَحميهِم من سِياطِ الملاحقةِ والتمييز: لستم من هنا !"
وهذا هو فرانسوا أبو سالم. فصيح كما لم أسمع لغة عربية شعرية فصيحة مثلما كان ينطق بها. فصاحة تترقرق من فمه ولا تشوبها عجمة ولا أية شائبة، وذلك برهانه الذي لا تخطئه العين على مدى تذوقه لهذه اللغة وافتتانه بها، حتى بادلته الحب وأسلست له نطقها ووهبته موسيقاها. عاد فرنسوا إلى المسرح عبر كتاب "ذاكرة للنسيان" الذي صدر خلال الثمانينات من القرن الماضي بعد هجران دام فترة طويلة جدا.
فرانسوا أبو سالم كان في عرضه " ذاكرة للنسيان" يشبه نفسه ولا يشبه محمود درويش، رغم حبّه وإخلاصه لكل لحظة من لحظات درويش، ولكن كانت النبرة نبرته، وكان المرتع مرتعه، والمسرح مسرحه، يتحدث محمود درويش الذي اسمه الآن فرانسوا أبو سالم عن لحظات زمنية منسية ويمكن بالقليل من الرغبة تذكرها.
إنها مقتطفات من نص طويل يتداعى فيه الشاعر، ولم يستغرق من المسرحي سوى ساعة من الزمن المشهدي. هكذا يكون الشاعر، هكذا يكون المسرحي. لا أحد منهما يفرض على الآخر إيقاع فنه. ولكن هما في اللحظة المعتّمة أو المشرقة ذاتها. هكذا يكون تقاسم المعنى ومعايشته وتذوقه، ولكل نصيبه بلا تزاحم ولا غيرة ولا حسد، بل بحبّ وتقدير المبدع للمبدع الذي هو فيه والذي هو خارج عنه.
درويش وأبو سالم يذكراننا من أجل نسياننا في مسائل عديدة. منها حق العودة للفلسطينيين، وكان درويش أول من نظر في هذه المسألة بعمق واقترح لها مقترحات. عودوا إلى الشعراء هداكم الله أو أغواكم شيطان الشعر.
وبعد نهاية العرض قدم الدكتور محمد حنون، نائب رئيس الجامعة للشؤون الادارية والدكتور نبيل علوي، مدير دائرة العلاقات العامة درع الجامعة هدية تقديرية للفنان فرانسوا ابو سالم تقديرا لجهوده في الارتقاء بالثقافة العربية.