نشر بتاريخ: 20/09/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:09 )
غزة- تقرير معا- دير القديس هيلاريون المعروف شعبيا باسم "تل أم عامر" والواقع جنوب غرب مخيم النصيرات يعد من أقدم وأكبر المواقع الأثرية الموجودة في فلسطين.. جدرانه تروي حكاية راهب فلسطيني بحث في المدن ليدخل المسيحية الى منطقته... وغرف الدير تشهد على سماحة عشاها الراهب حتى هروبه خوفا من الاضطهاد.
معا زارت الدير والتقت مع حسن أبو حلبية مشرف المواقع الاثرية في غزة الذي اكد أن هذا البناء يرجع الي عام 329م زمن القديس هيلاريون الذي عاد إلي قريته "طباثا "التي تقع في منطقة خربة التوت جنوب مصب وادي غزة ،والتي تبعد حوالي 7كم عن غزة بعد أن تعلم الرهبنة على يد القديس "أنطوني" في مصر.
وأضاف :"يقع الدير على تلة مرتفعة من الرمال على بعد 15كم جنوب غرب مدينة غزة ، وعلى بعد 3كم غرب مدينة النصيرات ، فيما يبعد عن ساحل البحر 500متر تقريبا ، ويرتفع نحو 22مترا عن سطح البحر".
لمحة تاريخية
ويروي أبو حلبية حكاية القديس الذي حمل الدير اسمه لمراسل معا قائلا :"أن القديس هيلاريون هو أحد رجالات الدين عند المسيحين وهو فلسطيني الأصل ولد في قرية "طباثا"التي تقع في منطقة خربة التوت في وادي غزة".
وبين أبو حلبية أن القديس هيلاريون كان محباً للدين المسيحي وكان يريد تعلم الدين المسيحي فتوجه إلي مصر فتعلم الرهبنة على يدي القديس "انطوني" في منطقة سيناء، ثم ترهبن وأصبح من كبار الداعيين إلي الرهبنة والزهد في المسيحية.
ويتابع حديثه قائلا :"إن القديس هيلاريون بعد أن عاد إلي فلسطين سكن في منطقة اسمها خربة ام عامر ،تجمع حوليه أكثر من 400طالب تعلموا منه الدين المسيحي والرهبنة واعتكفوا في هذا المكان ، فتم إنشاء صومعة صغيرة لهذا القديس هيلاريون من قبل تلاميذه حتى يتم نشر الدين المسيحي في أرجاء بلاد الشام".
وفي سنة 362م وصل الامبراطور جوليان المرتد إلي العرش الروماني الذي حكم بلاد الشام بما فيها فلسطين فقام بتدمير الدير وإجبار هيلاريون على الهرب إلي قبرص حيث توفي هناك سنة 371م ، وقد قام أحد تلاميذه بنقل جثمانه إلي غزة ، ودفنه في المكان نفسه الذي أقام فيه صومعته الاولى.
سبب التسمية
وعن سبب تسمية هذا الموقع بتل أم عامر قال أبو حلبية :"خربة أم عامر أطلق عليها هذا الاسم لأن كانت هناكامرأة ترعى الأغنام وتوجد معها كلبة ويطلق علىهذه المرأة أم عامر،حيث كانت تجلس من الصباح للمساء على هذه التلة ،وهذه التسمية من أهل العامة ".
اكتشاف الموقع
وأكد أبو حلبية أن هذا الموقع تم اكتشافه اكتشف عام 1995م عندما انسحب الجيش الاسرائيلي من تلك المنطقة، واستلمت السلطة الوطنية الفلسطينية قطاع غزة، فقاموا بتقسيم المنطقة إلي قطع أراضي لتوزيعها على المواطنين.
وأضاف لمراسل معا :"أثناء قيام المواطنين بالحفر لإنشاء بنايات في هذه المنطقة وجد بعض الأعمدة والحجارة الأثرية فقامت وزارة السياحة والاثار بالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية وخاصة المدرسة الكاثوليكية في القدس، فقامت هذه المدرسة بتوفير طاقم مختص مع موظفي وزارة السياحة والاثار، فتم التنقيب في هذا المكان حيث عثر على بعض الأساسات فتم اكتشاف هذا الموقع واستمر اكتشافه إلي سنتين ،ففي العام 1998م تم اكتشاف كامل الموقع".
وذكر أبو حلبية أن مساحة هذا الموقع تبلغ أكثر من خمسين دونما،مبينا أنالدير تعرض للتدمير في أواخر القرن الثامن الميلادي ؛ وذلك بسبب زلزال ضرب بلاد منطقة الشام ومنها منطقة خربة أم عامر، فقامت وزارة السياحة والاثار مع المؤسسة المشرفة على التنقيب بالتعرف على أساسات ومرافق هذا الدير.
الوصف المعماري وعن الوصف المعماري للدير قال جمال أبو ريدة مدير عام الادارة العامة للآثار والتراث الثقافي أن الدير يتكون من مجموعات معمارية عديدة محاطة بسور خارجي من الحجر المهندم المسنود بدعامات حجرية.
ويتحدث أبو ريدة لمراسل معا عن الوصف المعماري للدير بالتفصيل ويقول الجزء المعماري الأول يشمل المنطقة الخدماتية الواقعة في الجزء الجنوبي والغربي وهي عبارة عن غرف خاصة برجال الدين المقيمين في الدير ،ويغطي أرضية هذه الغرف فسيفساء جميلة أعطت دلالة على أهمية صاحب كل غرفة من تلك الغرف.
أما الجزء المعماري الثاني فهو يمثل الكنيسة وقد خطط نظامها المعماري على الطراز البازيلكي المكون من ثلاثة أروقة أوسعها الرواق الأوسط ويفصل بين كل رواق ورواق مجموعة من الاعمدة الرخامية كورنيثة الطراز.
ويتابع الوصف ويقول الجزء المعماري الثالث يسمى "الديماس"موضحا معنى الديماس فهو " أقدس مكان في الكنيسة ،ويوجد فيه جثة القديس هيلاريون حتى القرن التاسع الميلادي ونقلت جثثه إلي سلويت في اليونان،ويمكن الوصول إليه من خلال درج اندثرت معظم درجاته ، وهو يؤدي إلي مبنى تحت الارض على شكل صليب تظهر فيه الأعمدة الرخامية المكونة للدير والتي تهاوت من البناء الأعلى نتيجة الهزات الارضية وعوامل الزمن.
أما بالنسبة للجزء المعماري الرابع ذكر أبو ريدة أنه عبارة عن حوض التعميد وهو من المرافق المهمة في الكنيسة، موضحا فكرة حوض التعميد حيث قال :"أنه بدأت فكرته عندما قام سيدنا يحيى عليه السلام بأخذ سيدنا عيسى عليه السلام وهو صغير وذهب به إلي نهر الاردن وقام بتغسيله ، فهذه أصبحت عادة لدى المسيحية بكل طوائفها أنه لا يدخل أحد المسيحية الا أن يتم تغسيله في حوض مخصص ومقدس ، وتكون هذه المياه الذي يغسل به الشخص من نهر الاردن".
أما الجزء المعماري الخامس فهو عبارة عن الحمامات وهو مجمع حمامات كبير ضخم يوجد فيه قاعة للاستقبال وغرفة للحمام البارد وغرفة للحمام الساخن وللماء الدافئ.
وذكر أبو ريدة أن في الدير أرضيات فسيفساء متنوعة تحكى عن الحياة وتحكي عن أنواع الحيوانات الموجودة في فلسطين ،بالإضافة إلي وجود أحواض لتربية الاسماك وذلك للاكتفاء الذاتي أثناء محاصرة الدير في المعارك والحروب التي كانت تجري على مدار التاريخ في فلسطين ،فكانت اكتفاء ذاتي لأهل الدير.
وبين أنه كان هناك بئر خاص يمد الدير على مدار أيام ويوجد في الجهة الجنوبية للدير مجمع سكني أوما يسمى الفندق فكان هذا يستقبل فيه الزوار لأداء الصلوات.
عمليات التنقيب والترميم
بالنسبة للترميمات قال أبو ريدة: "أنه منذ اكتشاف هذا الموقع عام 1995إلي وقتنا الحالي وهناك ترميمات وصيانات مختلفة على مدار عشرين عاما من التنقيب أو البحث عن خفايا هذا الدير أو ترميم بعض الارضيات الفسيفسائية أو حماية هذه الارضيات من أشعة الشمس ومن عوامل الرطوبة والتعرية".
وأضاف :"وتم البحث عن أسرار هذا الدير وخاصة الثلاث كنائس الأثرية الموجودة في هذا المكان وايضا هناك ترميم دوري للمرافق اذا تعرضت للدمار فيتم إعادة ترميمها".
وبين أبو ريدة أن دير القديس هيلاريون مضاف على قائمة التراث العالمي والدولي، وأن اليونسكو تكفلت بأكثر من مرة عندما زارت الدير بأنها ستقوم بتوفير أموال ودعم لهذا الدير ولكن لحتى الان لم نرى شيئا سوى بعض الجهود الذاتية لوزارة السياحة والاثار أومن بعض المؤسسات العاملة في مجال الاثار في غزة.
الزوار والسياح
بالنسبة للزوار والسياح المتوافدين على الدير يقول أبو ريدة لمراسل معا :"الدير على مدار السنوات السابقة وبعد فتحه للجمهور وحتى وقتنا الحالي يتوافد عليه الزوار بشكل دائم ومستمر وبأعداد كبيرة من العائلات وطلاب المدارس والجامعات والمؤسسات".
نقص الدعم المالي
وأوضح أبو ريدة خلال حديثه لمراسل معا الأسباب التي أدت الي عدم الاهتمام بهذا الموقع في الوقت الحالي منها الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة من الحصار والاحتلال وعدم وجود الدعم المالي من قبل المؤسسات او الجهات الدولية المانحة وعدم توفير الايدي العاملة لها لمساعدتها على النهوض بهذا المكان لتنظيفه والقيام بعمليات الصيانة والترميم كل هذه الأسباب أدت الي اهماله لفترة بسيطة ولكن ليس مقصودة من قبل وزارة السياحة.
وأشار إلي أن الوزارة تحاول جاهدة مع بعض المؤسسات بتوفير الأيدي العاملة لها لتنظيف المكان من الأعشاب وازاله الأتربة على المرافق.
وتزخر غزة بالاثار المتنوعة التي تروي عصورا عاشها السكان لكن الحروب والاوضاع الاقتصادية الصعبة تجعل الاهتمام بهذا القطاع ضعيفا.