نشر بتاريخ: 20/09/2015 ( آخر تحديث: 20/09/2015 الساعة: 10:51 )
توضيح صادر عن سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس، هذا نصه:
لقد انتشر عبر وسائل الاتصال المختلفة خلال الايام المنصرمة شريط مصور داخل المسجد الاقصى المبارك يظهر شخصا يخطب وقد وصفه الشريط بأنه شيخ وخطيب.
وقد احتوت كلمات هذا الخطيب المزعوم على كثير من المغالطات التاريخية والدينية والتعابير العنصرية المقيتة التي يرفضها كل انسان عاقل ، ونحن نود بدورنا الان ان نؤكد رفضنا وادانتنا لهذا الكلام الذي سمعناه جملة وتفصيلا ، اذ انه كلام مسيء يحتوي على كثير من العبارات التحريضية العنصرية ويتناقض مع قيمنا ومفاهيمنا وثقافتنا كشعب فلسطيني واحد.
ان خروج هذا الخطيب المزعوم بهذه الكلمات البذيئة في هذه الايام تحديدا التي فيها يتم التآمر على المسجد الاقصى المبارك والتخطيط لتقسيمه زمانيا ومكانيا انما يسيء لرسالة هذا المسجد ولرسالة القدس الحضارية بشكل عام ويخدم اجندات المتآمرين على القدس ومقدساتها ، كما انه يسيء لكل المتضامنين مع المسجد الاقصى المبارك وهم من كل الاديان وقد اكدوا وقوفهم الى جانب الاقصى ورفضهم لأي تعد يتعرض له .
ان هذه الظاهرة الخطيرة التي (هذا الخطيب المزعوم احد فصولها) هي ظاهرة هدامة مسيئة ، وظاهرة تنصب في مصلحة المتآمرين على امتنا العربية وشعبنا الفلسطيني وعلى وحدتنا الوطنية واخائنا الديني .
ان ظاهرة استغلال دور العبادة في بث سموم التحريض الطائفي هي ظاهرة خطيرة يجب التصدي لها بكل مسؤولية وحكمة لأن اخطارها جسيمة على نسيجنا الوطني وجبهتنا الداخلية ولا يستفيد منها الا اعدائنا .
لقد كنا مترددين كثيرا في الرد على بذاءات هذا الخطيب المزعوم وكلماته المسمومة الخطيرة ولكننا نجدها مناسبة لتأكيد بعض الحقائق والمبادىء التي يجب تأكيدها دوما:
ان هذه الاصوات التي نسمعها بين الفينة والاخرى هي اصوات نشاز لا تمثل اخوتنا المسلمين لا من قريب ولا من بعيد وهي غريبة عن ثقافة مجتمعنا وقيمه . وقد اتت ردود الفعل الاسلامية والمسيحية والعربية على هذا الخطيب المزعوم لكي تدل بشكل اكيد وواضح على وعي شعبنا ووطنيته الاصيلة ورفضه لهذا الخطاب التحريضي الذي لا يختلف كثيرا عن تحريض المستوطنين المتطرفين اليهود وكليهما يخدمان اجندة واحدة وهي سياسة الاحتلال في مدينة القدس .
ان هذه الظاهرة الخطيرة تدل على اهمية التلاقي والحوار والتفاهم الاسلامي المسيحي الذي ليس ترفا فكريا بل ضرورة وطنية قومية استراتيجية من اجل الحفاظ على كياننا العربي الفلسطيني ومن اجل الدفاع عن عدالة قضيتنا الفلسطينية .
لقد هاجم الخطيب المزعوم في كلمته الدول الاوروبية التي استقبلت اللاجئين السوريين الوافدين اليها وهذا واجب انساني يجب ان تشكر عليه ، ولكن الغريب اننا لم نسمع في كلمته انتقادا لبعض الدول العربية النفطية التي ساهمت بأموالها في تدمير سوريا وتهجير ابنائها ، ولم يفتحوا ابوابهم للاجئين فهم الذين يتحملون مسؤولية هذه الكارثة التي حلت بالشعب السوري الشقيق كما وبغيره من الشعوب العربية الشقيقة ، فالاموال النفطية تدمر اوطاننا وتهجر ابنائنا ويغلقون ابوابهم امام اللاجئين الملتمسين للمساعدة والعون واللجوء.
ان مواجهة آفة التطرف والتكفير والتخلف والعنصرية الدينية اصبحت ضرورة ملحة فلا يجوز السكوت على هذه الظاهرة ، كما ولا يجوز القبول بإستغلال دور العبادة لبث سموم التحريض الطائفي والكراهية والفتن ، ويجب اتخاذ التدابير الهادفة لمواجهة هذه الافة قبل فوات الاوان لأن انتشار هذه الظاهرة يعني الدمار والخراب والتفكك والتشرذم وضياع البوصلة.
ان اساءة هذا الخطيب المزعوم للمسيحيين لن تغير ولن تبدل من قناعاتنا ومواقفنا الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير ، لا بل بالعكس فإننا مطالبون بأن نستمر في سعينا من اجل مزيد من الوحدة والاخوة والتلاقي الاسلامي المسيحي من اجل قضيتنا المشتركة التي توحدنا جميعا وهي قضية فلسطين .
المسيحيون في منطقتنا وفي مشرقنا العربي وفي فلسطين بنوع خاص ليسوا ضيوفا عند احد وليسوا اقليات في اوطانهم وليسوا غرباء في بلدانهم كما انهم ليسوا من مخلفات الحملات الصليبية وهم اصيلون في انتماءهم العربي وتشبثهم بهذه الارض التي يعشقون كل حبة تراب من ثراها ، والتحريض الديني والمذهبي لن يثنيهم عن التعبير دوما عن انتماءهم الروحي والوطني ، ومهما كانت الضغوطات والابتزازات فلن يخيفنا لا التطرف اليهودي الاسرائيلي ولا اي نوع اخر من انواع التطرف .
لن نستسلم لمن يريدوننا ان ندخل في بوتقة التشرذم والتفكك الطائفي وستبقى فلسطين عصية على مثل هذه المحاولات والمؤامرات التي مآلها الفشل وعلينا جميعا مسيحيين ومسلمين تقع مسؤولية مواجهتها وافشالها .
المسيحيون ليسوا كفارا وليسوا مشركين فهم يؤمنون بإله واحد خالق السماء والارض وهكذا يبتدأ دستور ايمانهم ، أما الاختلافات العقائدية الايمانية فلا يجوز ان تكون سببا في تقسيم مجتمعاتنا واثارة الفتنة في صفوفنا وبين ظهرانينا ، فالتعددية الدينية قائمة في فلسطين ولكننا جميعا ننتمى لشعب فلسطيني واحد لغتنا واحدة هويتنا واحدة ونعمل من اجل حرية شعبنا وتحقيق امنياته وتطلعاته الوطنية .
ادعو رجال الدين والسادة العلماء المسيحيين والمسلمين لتكثيف لقاءاتهم وحواراتهم لكي نعمل معا وسويا على سحب البساط من تحت ارجل المتآمرين على وحدتنا الوطنية المتاجرين بالدين والذين يسيئون للدين بتصرفاتهم ومواقفهم . وعلينا مسيحيين ومسلمين ان نواجه آفة التطرف وهي ظاهرة تستهدفنا جميعا وعلينا ان نتصدى لها بوعي وحكمة ومسؤولية .
لقد تشكلت في القدس كما وفي الداخل الفلسطيني لجان تعنى بالحفاظ على السلم الاهلي والوحدة الوطنية بين ابناء الشعب الفلسطيني الواحد ، وندعو ان يساهم الجميع في هذه اللجان لكي نكون معا وسويا من اجل الحفاظ على نسيجنا الوطني ومواجهة المظاهر المسيئة لمجتمعنا والحفاظ على السلم الاهلي والاخاء الديني الاسلامي المسيحي القائم فيما بيننا منذ قرون طويلة .
ادعو ابناء شعبنا وبنوع خاص الشباب الى التعاطي بوعي وحكمة ومسؤولية مع هذه المظاهر المسيئة التي تريدنا ان نتلهى بصراعات دينية ومذهبية لكي ننسى قضيتنا الاساسية الاولى وهي قضية فلسطين.
معا وسويا نفشل مخططات تقسيم مجتمعاتنا وتفكيك اوطاننا ، معا وسويا نعمل من اجل فلسطين ومن اجل القدس.