بيت لحم- معا- قال الدكتور صائب عريقات في مقال وصل وكالة معا ان علم فلسطين يرفرف اليوم على مقرات الأمم المتحدة ويؤكد للعالم أننا "موجودون في أرضنا وسنبقى"
هذا نص المقال
جسّد علم فلسطين على مرّ العقود ولا يزال نضال وتضحيات شعب الآباء والأبناء والأجداد، شعب عريق كافح من أجل نيل حقوقه التاريخية والوطنية المشروعة المنصوص عليها في مواثيق القانون الدولي والقانون الدولي الانساني .
جيل بعد جيل، وأبناء شعبنا يلتفون في كل أماكن تواجدهم حول علم دولتهم الوطني ويرفعونه في قطاع غزة المحاصر، وفي مخيم اليرموك المنكوب في سورية، ومن قلب القدس المحتلة، وفي أريحا، وسانتياغو، وتشيلي وفي سان فرانسيسكو وهم يتطلعون لإنجاز حقوقهم في الحرية والعودة والعدالة والسلام.
اليوم، سيرفرف رمز السيادة الفلسطينية، في نيويورك من قلب المنظومة الأممية ليعانق السماء بين أعلام الدول، بعد أن صوّت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح هذا القرار.
لقد اجتهدت الحركة الصهيونية ومن بعدها دولة الاحتلال، وبتواطؤ مخجل من المجتمع الدولي، في مساعيها إلى نفي والغاء وجود شعبنا الفلسطيني عن الخارطة الجغرافية والسياسية بإدعاء أن فلسطين كانت "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وقد عمدوا إلى تنفيذ سياسة التهجير القسري بحق أبناء فلسطين بكل طرق الاحلال والاحتلال.
في عام 1948، وبعد أن قامت إسرائيل بتدمير ما لا يقل عن 418 قرية فلسطينية، وشردت حوالي 70 ٪ من أبناء شعبنا قسراً وحولتهم إلى لاجئين، بات البعض يسمي القضية الوطنية الفلسطينية بـ "المشكلة الإنسانية للاجئي الشرق الأدنى".
وبعد عام 1967، لم تعد إسرائيل تتحدث عن الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة بل حول تكثيف الاستيطان في المناطق التي تطلق عليها "يهودا والسامرة"، وذلك من خلال عمليات التهجير القسري للسكان الأصليين واحلال المستوطنين الأجانب مكانهم. وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة لكسر إرادتنا و عزيمتنا، سيرفع علم دولة معترف بها دولياً على مقرات الأمم المتحدة. ان تلك الدولة تدعى فلسطين.
وفي عام 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني استقلال دولة فلسطين الذي سطّره وكتبه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وترجمه المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، وأشار الاعلان مبكراً إلى رمزية علمنا ورفعته، حين قال: "إننا ندعو شعبنا العظيم إلى الالتفاف حول علمه الفلسطيني والاعتزاز به والدفاع عنه؛ ليظل أبداً رمزاً لحريتنا وكرامتنا في وطن سيبقي دائماً وطنناً حراً لشعب من الأحرار ".
نعم، فعلى الرغم من رمزية هذه الخطوة إلا أنها تأتي ضمن خطوات وجهود جبارة تهدف جميعها الى ترسيخ حقيقة واحدة، دولة فلسطين موجودة وباقية بقاء الأبدية. ففلسطين وفقاً للقانون الدولي دولة خاضعة للاحتلال، وسيتم رفع علمها اليوم على مقرات الأمم المتحدة الذي يشكل انعكاساً للاعتراف الدولي الكاسح بها. فبهذه الخطوات التي يساندها ويدعمها شعبنا الصامد، نقوم سوياً باعادة دولة فلسطين إلى الخارطة.
إننا على دراية تامة بمآرب حكومة الاحتلال ومعارضتها الشديدة لهذه الخطوة ، ولكننا لا نستغرب، فالسلطة القائمة بالاحتلال تعارض أي خطوة تمنح شعبنا الفلسطيني حقه المشروع في دولة كاملة السيادة أو تعزيز فرص حل الدولتين. أما بالنسبة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامبن نتنياهو، فإن أي خطوة سلمية تهدف الى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم عن أرض فلسطين هي بمثابة إعلان حرب. وهذا ما يذكرنا بإعلان بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية، التعهد بعدم قيام دولة فلسطينية مطلقاً في ظل أي حكومة اسرائيلية.
وقبل بضعة أيام فقط، سارعت أطراف المؤسسة الرسمية الإسرائيلية وكبار الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى التأكيد على هذا الموقف المخالف للشرائع والإرادة الدولية وعلى رأسهم تسيبي هوتوفلي، حيث شددت على أن الانسحاب من الضفة الغربية "ليس خياراً" للحكومة الإسرائيلية. ولا ترفض اسرائيل مبدأ حل الدولتين الذي يقوم على قيام دولتين تعيشان جنباً الى جنب فحسب، بل ترفض أيضاً وجود دولة واحدة تمنح حقوق متساوية لجميع مواطنيها. فالحكومة الاسرائيلية معنية بترسيخ وجود دولة واحدة بنظامين مما يعكس نظام الفصل العنصري الذي تغرق فيه إسرائيل حتى أذنيها.
وفي الوقت الذي لا يزال يفضل البعض فيه تجاهل وجودنا، ونفي مسؤولية دولة الاحتلال التاريخية عن نكبة فلسطين من خلال تعزيز ثقافة إفلاتها من العقاب ومواصلة انتهاكها لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي فإننا نعلن اليوم بعزّ وفخار أنه على الرغم من التفاوت في موازين القوى إلا أننا هنا باقون وسنبقى.
وكما قال غبطة بطريرك الكاثوليك في القدس ميشيل صباح: "مهما فعلتم، فإن هذه الأرض لنا وستعود لنا يوماً ما. أنتم أقوى بحيازتكم الأسلحة، ولكنكم لستم الأقوى عندما يتعلق الأمر بالإنسانية." وقد جسّد المئات من أبناء شعبنا رجالاً ونساءأ هذه الرسالة حين خاطروا بحياتهم للدفاع عن المسجد الأقصى والهوية العربية الفلسطينية لعاصمتنا القدس المحتلة.
في هذا اليوم التاريخي، لا يسعني إلا الإنحناء إكباراً وإجلالاً لعظماء شعبنا الفلسطيني في كل مكان، وأخص بالذكر شهداء شعبنا وتضحياته العظيمات، وأسراه الأبطال، وجرحاه، وعائلاتهم وشعبنا المنكوب في كل بقاع الأرض، وكل من ضحى بروحه ليحيا الوطن وليرفرف علم فلسطين خفاقاً في سماء الحرية.
وعلني أستذكر من دفع حياته ثمناً لرفع العلم الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى، وأذكر اليوم أيضاً زملائي الطلاب في جامعة النجاح الوطنية، وبلا شك يحضر الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وكلماته في عقولنا وقلوبنا: "واقفون هنا، قاعدون هنا، دائمون هنا، خالدون هنا، ولنا هدف واحد.. واحد.. واحد.. أن نكون.. وسنكون."
اليوم هو يوم فخر وفرح لأحد عشر مليون فلسطيني في جميع أنحاء العالم، فرفع علم فلسطين هو تكريم لنضال شعبنا وشعوب العالم نحو تحقيق العدالة والحرية والمساواة. تحضرنا اليوم أيها الزعيم الراحل ياسر عرفات بقوة ، ونكرر معك ما قلته: "سيرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس... يرونها بعيدة ونراها قريبة ".