الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

(مواطن) تختتم مؤتمرها الحادي والعشرين حول التشريع في زمن الانقسام

نشر بتاريخ: 04/10/2015 ( آخر تحديث: 04/10/2015 الساعة: 07:47 )
القدس- معا - اختتمت المؤسسة الفلسطينية لدراسات الديمقراطية (مواطن) يوم السبت مؤتمرها الحادي والعشرين الذي عقدته على مدى يومين متتاليين تحت عنوان "التشريع في زمن الانقسام: الصالح العام أم الصالح الخاص؟" في قاعة الهلال الأحمر في البيرة.

وتضمن اليوم الأخير من المؤتمر ثلاث جلسات ناقشت الأولى من التشريعات الصادرة بقوانين في الشأن الاقتصادي. قدّم فيها محمد القيسي الأستاذ المساعد في كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت نتائج دراسة أجراها عن القرارات بقانون الصادرة في الشأن الاقتصادي بين عاميّ 2007 و2014.

وجاء في دراسة القيسي أن التشريعات الصادرة في الفترة المذكورة اهتمت بشكل لافت في قطاعات الاستثمار، فيما أُهمِلت في قطاع الزراعة. وذكرت الدراسة أن عددا من هذه التشريعات كانت مرتبطة بشخوص موجودة في الحكومة الأمر الذي أدى إلى اختلاف الفلسفة التشريعية باختلاف الحكومة. وأعطى مثالا على ذلك من الحكومة السابقة التي منحت في سياستها التشريعية إعفاءات للشركات الكبرى، بينما غيرت الحكومة الحالية من سياستها التشريعية
بأن ألغت امتيازات تلك الشركات المستفيدة وحولتها إلى الشركات التي تحقق المنفعة محلية.

ومن المشاكل التي اعترت التشريعات في المجال الاقتصادي بعد الانقسام، بدء سريانها في اليوم الثاني من صدورها، الأمر الذي لا يُتيح للناس وقتا كافيا للاطلاع عليها، وهذا يخالف المادة 116 من القانون الأساسي التي وضعت ثلاثين يوما كحدّ أدنى للبدء بتنفيذ التشريع.

ومن المشاكل الأخرى في التشريعات الصادرة بعد الانقسام إسناد صلاحية وضع التشريعات الثانوية للرئيس، كما جاء في قانون المصارف الصادر عن سلطة النقد، الأمر الذي يُخالف المادة 69 من القانون الأساسي.

وأشار القيسي إلى أن هناك قرارات حمّلت خزينة الدولة أعباء مالية باهظة مثل قرار المؤسسة الفلسطينية لضمان الودائع، الذي يُكلف الخزينة 20 مليون دولار. وكان قد ورد عند تقديمه انه لن يُكلف خزينة السلطة فلسا واحدا.

ولفت القيسي إلى أن إحدى أهم ثغرات التشريع بعد الانقسام هي إهمال إصدار اللوائح التنظيمية، وهو ما حدث في التعديل على قانون الشركات عام 2008 الذي كان موجها باتجاه واحد يضمن استحداث شركات جديدة، وجاء بضغط من صندوق الاستثمار وشركة أخرى قابضة مسجلة خارج الوطن تسيطر على 23 شركة فلسطينية. واللافت هنا أن التعديل لم تصدر بشأنه أي لائحة تُبيّن من هي الشركة القابضة.

من ناحيته قدّم مؤيد عفانة الباحث المتخصص في مجال شفافية الموازنة العامة في فلسطين دراسة عن أثر الانقسام على شفافية الموازنة. وقال إنه في عام 2014، نُشِرت ثلاث وثائق عن الموازنة من أصل ثمانية وثائق وهو الحد الأدنى لعدد الوثائق الذي يجب أن يُنشر حسب مشروع الشفافية الدولية. أما في عام 2015، فلم تُنشر إلا وثيقتان من أصل ثمانية. وهو أمر يشير إلى تدني مستوى الشفافية بناء على عدد الوثائق.
وأضاف عفانة أن هناك حالة غموض عن الموازنة و"كأنها سر"، وقال: "أنا كباحث، أتوجه إلى جهات عدة لا أجد معلومات وأجد معلومات متضاربة، والانقسام كان الشماعة".

أما فيما يتعلق ببيانات المراقبة على الإنفاق الفعلي، فتشير دراسة عفانة إلى هناك فجوات بين ما هو مخطط إنفاقه وما يُنفق فعليا. وأن هناك انحرافا عن الموازنة بمقدار 20%. ولم تُقدم توضيحات من الحكومة عن الجهة التي أنفقت فيها تلك الأموال، ولا عن أولويات إنفاقها. وأشار إلى أن الأمن يتربع على أولويات الموازنة العامة ويُخصص له 28% من مجمل الموازنة، فيما يُخصص 10.25% للصحة، و10.90% للشؤون الاجتماعية، و18% للتعليم.

وكان التدقيق على الموازنة العامة هو أخطر ما أشار له عفانة في دراسته، إذ ذكر أن آخر تدقيق للموازنة صدر عام 2010، وتساءل عن جدوى تقديم تدقيق
لعام 2011 مثلا وعن إمكانية محاسبة الأشخاص المُكلفين، من وزراء ومسؤولين ربما تركوا مناصبهم.
واختتم عفانة مداخلته بالقول إن المجلس التشريعي غير معفيّ. وحذر من استمرار الوضع الحالي بأن يكون مَن يُعد ويمثل ويراقب ويصدر التقارير هي وزارة المالية.

وعقّب بسام الصالحي أمين عام حزب الشعب وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني على ورقتيّ القيسي وعفانة، وقال إن الموازنة ليست في مجموعات عمل التشريعي "كان لدينا اعتراضات لكن في نهاية الأمر لم تكن سلطة إقرار الموازنة في نطاق المجلس التشريعي ولهذا أصبح النقاش أدبيا أكثر منه إلزاميا... فالمجلس التشريعي خارج حيّز النقاش".

وأضاف الصالحي أن هناك ثلاث مشاكل كبرى في الموازنة؛ أهمها هي هيكل الموازنة. وضرب مثلا على ذلك طلب حزب الشعب من سلام فياض مضاعفة نسبة الزراعة في الموازنة التي هي أقل من 1%، "كان هذا غير ممكن لأنه يتطلب تغيير هيكل الموازنة... الزراعة وهي معركتنا لا تأخذ أكثر من 1% بينما يُخصص للأمن 28%". والمشكلة الثانية هي آلية العمل بدءا من التحضير ثم النقاش والاختلاف والمراقبة ثم الإقرار، أما المشكلة الثالثة فهي الشفافية.

وقال الصالحي إن أهم مشاكل التشريعات الصادرة بعد 2007 أنها تراعي توجهات المانحين، وتحسين فرص القطاع الخاص، وإحداث توازن بين مؤسسات السلطة. أي أن هذه التشريعات غيرت في الجهات المستفيدة من التشريعات أكثر من المضمون الأساسي نفسه. وأدت هذه السياسة إلى إغفال الجانب الاجتماعي.

كما تمنى الصالحي لو رأى بين الأوراق ما يركّز على الأراضي.

وقال الصالحي إنه كان لدى حزب الشعب اجتهاد بعد الانقسام بالدعوة إلى تشكيل مجلس تأسيسي من المجلسين التشريعي والمركزي ومنظمة التحرير يقوم بدور المجلس التشريعي في ظل الانقسام لكن هذا لم يتم.

في الجلسة الثانية، قدمت د. لورد حبش رئيسة دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، دراسة عن تغييب المرأة الفلسطينية عن التشريعات الفلسطينية بين عاميّ 2007 و2015.

قالت حبش إن دراستها تركز على تغييب النساء في العملية السياسية التي تسبق اتخاذ القرار. أوضحت أن هناك العوائق التي تمنع اتخاذ القرار تأتي على مستويات مختلفة هي تغليب ضرورة التحرر من الاحتلال، والدين، والمجتمع الذكوري.

وخلُصت حبش إلى أن معظم المطالبات في القضايا النسوية كانت تصل إلى مسار مغلق، وإن المطالب النسوية كثيرا ما دارت في حلقة حلزونية بحيث لم تصل إلى مرحلة صنع القرار بل كانت تعود إلى المرحلة الأولى، أي الأُطر النسوية.

وفي المرات التي وصلت إلى صنع القرار وحدثت تعديلات، كان ذلك بسبب "مُحفزات طارئة"، كما حدث في تعديل المادة 98 من قانون العقوبات رقم 16 لعام 1960، وكان المحفز آنذاك مقتل فتاة على خلفية شرف العائلة. وترى حبش أن المشكلة في هذه المحفزات أنها "ترقيعية" لا تتم ضمن إستراتيجية واضحة لإنقاذ النساء بل هي جهود فردية.

أما الآليات التي تمنع صدور القرار فتأخذ، حسب دراسة حبش، أشكالا مختلفة منها تأجيل القضية بحجة الاحتلال، وافتراض ضرورة تقديم المرأة تضحيات من أجل العائلة والأسرة والمجتمع، ومحاولات نزع الشرعية عن المطالب النسائية من خلال وصمها بأنها "أجندات غربية" أو "غريبة عن المجتمع" كما حدث للبرلمان الصوري، إضافة إلى تشكيل اللجان.

وقالت حبش إن قضية المرأة ليست على الأجندة السياسية، وإن دخول هذه القضايا إلى الأجندة لا يعني أن التعامل معها يتم بجدية.

وتساءلت حبش "كيف سنفتح هذه النافذة؟" جاءت الإجابة من دراستها بضرورة أن تكون هناك سياسات بديلة وتيار سياسي مستعد للتغيير، واهتمام صناع القرار بالأفعال أكثر من الخطابات.

وألقت حبش بشيء من اللوم على الخطاب النسوي الليبرالي لأنه لا يتعاطى مع التركة الاجتماعية والقانونية العثمانية والأردنية والإسرائيلية، ولأنه كثيرا ما يربط التحرك بالتمويل.

وعقّبت سحر القواسمي عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح على ورقة حبش، واتفقت معها على أن المؤسسات النسوية لم تنجح في أن تصل إلى القاعدة ولم تحشد النساء والجماهير تجاه قضايا المرأة.

كما انتقدت "الحديّة" في طرح الإيديولوجيا لدى بعض المؤسسات النسوية وهو الأمر الذي أدى إلى إضعاف القضية نفسها. وترى القواسمي أن تغيير هذا الواقع يحتاج إلى اعتماد آليات جديدة في العمل والأحزاب وإلى تغيير الآليات المتبعة.

أما أشرف أبو حية الباحث القانوني في مؤسسة الحق فأثار مسألة عدم جدية صناع القرار في تحديد مكان وموقع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتي صادقت عليها السلطة في حزيران 2014 في القانون الفلسطيني.

وقال إن صناع القرار يتجنبون تبني مواقف علنية تجاه قضايا المرأة تجنبا أن يخسروا شعبيتهم في مجتمع حساس تجاه أي تغييرات جذرية على وضع المرأة.

وانتقد أبو حية الوضع السائد من حصر قضايا المرأة في النساء والأطر النسوية وفصلها عن القضايا المجتمعية الأخرى، الأمر الذي كان يضع الأطر النسوية في الزاوية. كما انتقد عدم التفاف الأطر النسوية حول عدد من القضايا، الأمر الذي كثيرا ما سهل إعادة الكرة إلى ملعبها من قبل صناع القرار، وبالتالي تبعثر الجهود المبذولة.

وانتقد تعامل المؤسسة الدينية التي تتجنب مناقشة قضايا مفصلية كالولاية مثلا وتعتبرها من المحظورات.

وفي الجلسة الثالثة والأخيرة من المؤتمر تحدث مصطفى البرغوثي عضو المجلس التشريعي والأمين العام لحركة المبادرة عن الآثار السلبية لتغييب المجلس التشريعي ودوره. وقال إن أهم هذه الآثار هو عزوف الجمهور عن الاهتمام بالعمل السياسي بسبب الفجوة بين القيادات السياسية والجماهير، الأمر الذي مسّ بمبدأ المشاركة.
وقال البرغوثي إن اجتماعات الكتل في التشريعي بعد الانقسام جُربت لكنها فشلت لأن طابعها شكلي واستشاري وليس إلزاميا. وقال إن الكتل البرلمانية عندما احتجت على إصدار القوانين اتفقت على ضرورة عرضها على الكتل على الأقل، "لكن للأسف لم يحدث ذلك".
ويرى البرغوثي إن أكثر القوانين التي تضررت بسبب الانقسام هي تلك المتعلقة بالضمان والصحة والضرائب. ويرفض البرغوثي القول إن هناك تقصيرا في فرض نوع من الرقابة، "لأن المجلس معطل ولا يملك سلطة المحاسبة". ويرى البرغوثي أن الحل يكمن في إجراء انتخابات فورا في الضفة وغزة والقدس، وإن ذلك يتطلب "قيادة وطنية موحدة من خلال منظمة التحرير وتحدي إسرائيل وكل من يدعمها".
أما هاني المصري مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات العامة والدراسات الإستراتيجية (مسارات) فتحدث تعقيبا على كلمة البرغوثي إن هناك ثلاثة سيناريوهات لما يمكن أن نفعله مستقبلا هي؛ إما بقاء الوضع على ما هو عليه، أو السير بخطين متوازيين يجمع خيارات متعددة من المقاومة والمفاوضات والتوجه إلى الأمم المتحدة، أو إجراء تحول جذري بالانتقال من الحكم الذاتي إلى دولة تُركز على تغيير موازين القوة تُستمد من الوحدة الوطنية "وهنا نحتاج إلى وضع السلطة في مكانها الطبيعي". إذ يرى المصري أنه من المفترض أن تكون السلطة انتقالية، وأنه يجب تغيير وظائفها بحيث تصبح أداة من أدوات البرنامج الوطني والتحرر.
ودعا المصري إلى عدم إهمال أشكال المقاومة المختلفة ودعمها سواء أكانت ثقافية، أم رياضية، أم فنية.
واختتمت الجلسة بتعقيب من د. ياسين ياسين تلاه نيابة عن الأمين العام لمجلس الوزراء علي أبو دياك الذي اعتذر عن عدم المشاركة لظروف طارئة.
ودافع ياسين عن حق الرئيس في إصدار قرارات بقانون "لأن هذا الحق مُنح له بموجب المادة 43 لمواجهة حالة الضرورة الناشئة عن الاستعجال"، ولأن استخدام هذا الأسلوب من التشريع المنافي لمبدأ الفصل في السلطات "مرتبط بظروف استثنائية فقط".
وقال ياسين إن عدد القرارات الإجمالي للفترة الممتدة من 2007 إلى 2015 كان 137 من 300 مشروع قدمتها الحكومة، أي أن هناك 163 مشروع قانونا لم يُصدرها الرئيس لأسباب تتعلق بتغييرات ميدانية أو لتدابير تقشفية تتعلق بالأزمة الاقتصادية والمالية أو لتكييف تلك المشاريع وفلترتها وفق معطيات يرى الرئيس ضرورة تأخيرها أو تأجيلها.
وأشار ياسين إلى أنه تم التوافق مع مستشار الرئيس على تخصيص فريق عمل للمراجعة وكتابة مشاريع القوانين بالصيغة المناسبة.
وعبر عن أمله في الخروج بتوصيات "خارطة طريق" للتوفيق بين الصالح العام والخاص عبر إشراك مؤسسات المجتمع المدني من أجل مواءمة التشريعات مع ما وقعته السلطة من مواثيق دولية.
وقال إن لدى الحكومة الاستعداد للتعاون ليس من منطلق مصلحة القطاع الخاص على أهميته، وإن الحكومة جاهزة للشراكة والتعاون في إطار سياستها التشريعية للوصول بالمجتمع الفلسطيني إلى حالة الاستقرار القانوني والإداري.
يُذكر أن جلسات المؤتمر الحادي والعشرين لمواطن ناقشت أمس القوانين الصادرة في الضفة وغزة بعد الانقسام وتأثيرها على مبدأ الفصل بين السلطات وعلى قطاع الحكم.
وشهد المؤتمر على مدى اليومين حضور جمهور من المهتمين والباحثين ونواب المجلس التشريعي من الكُتل المختلفة.