الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

دوغارد والأمم المتحدة واكتشاف العجلة/ بقلم : سمير زقوت - غزة

نشر بتاريخ: 04/10/2007 ( آخر تحديث: 04/10/2007 الساعة: 14:47 )
ثلاثية استرعت انتباهي واهتمامي لكثرة ما قرأت وسمعت عن دوغارد والأمم المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، فوجدت نفسي مندفعاً للكتابة حول الثلاثية نفسها.

جون دوغارد

قدرت لي الظروف أن ألتقيه ست مرات، بحكم طبيعة عملي، وهو شخص يفاجئك هدوئه ورصانته ودماثته والابتسامة التي ترتسم على شفتيه وإيماءة رأسه التي تشير إلى اهتمامه بحديث محدثيه، مستمع جيد لا يقاطع محدثه إلا لاستيضاح غموض أو تصحيح معلومة.

هذا هو البروفسور جون دوغارد الذي يشغل منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص بمسألة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي دأب على زيارة الأراضي الفلسطينية بشكل سنوي، لاسيما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، حيث قدم على رأس فريق من الخبراء بعد أقل من شهرين على اندلاعها.

ولا يكترث دوغارد كثيراً لحالته الصحية فيعمل على استغلال كل دقيقة من وقته في مقابلة الضحايا والشهود، وممثلي المؤسسات والرسميين وغيرهم، زيارة الأراضي المحتلة بالنسبة إليه زيارة عمل وهو يستغل كل دقيقة منها لهذا الغرض.

يفاجئك إلمامه بالقضية الفلسطينية وبالجرائم الإسرائيلية وطبيعتها، ويريحك من المقدمات والتوصيفات القانونية حول موقف القانون الدولي من سلوك قوات الاحتلال، وكان من السباقين للتأكيد على الوضع القانوني لقطاع غزة، وأن الانسحاب أحادي الجانب لا يغير شيئاً من مكانة القطاع القانونية.

لفتني هذا العام كثرة ما كتب عن دوغارد، وهو أمر يثلج الصدر، شعرت بالسعادة لأن ترتفع أصواتنا بالترحيب والثناء على تصريحات دوغارد، ولاسيما السياسيين والأحزاب، ولكن اللافت أنها المرة الأولى التي يحظى فيها دوغارد بهذا الثناء، وأعتقد أن الأمر لا علاقة له بمواقف دوغارد السابقة، بقدر علاقتها بجهل الساسة في بلادنا وجاهلية الأحزاب السياسية، لقد سبق لدوغارد أن طالب بعزل إسرائيل كدولة عنصرية، ولم يخل تقرير له من الحديث عن انتهاكات إسرائيل الجسيمة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان ولكننا شعب لا يقراً، والفارق الوحيد بين هذا العام وسابقاته هو أن الجزيرة استضافت دوغارد كضيف لنشرة المنتصف فأتيح للقادة أن يتعرفوا على مواقفه.

علماً أنني أشك في أن أحداً ممن كتبوا في مدحه يعلم أن دوغارد ليس موظفاً من موظفي الأمم المتحدة، وهو لا يتلقى أجراً على عمله كمقرر خاص شأنه في ذلك شأن مقرري الأمم المتحدة كافة، اللهم إلا تغطية نفقات الرحلة كالإقامة والسفر، وعليه فإن مواقفه ليست خاضعة لحساسة المنظمة السياسية المرتهنة إلى مصالح الدول المتنفذة فيها.

الأمم المتحدة:

كما دوغارد حظيت الأمم المتحدة بكثير من المقالات التي تتحدث عن انحيازها، وتحولها إلى أداة طيعة في يد الإدارة الأمريكية تستخدمها لتحقيق مآربها وتنفيذ مشاريعها الهادفة إلى السيطرة على العالم، بما في ذلك شن العدوان ومحاصرة الدول وإسقاط الأنظمة.

وعلى الرغم مما قد ينشأ من جدل حول أداء الأمم المتحدة، وإذا ما كانت التوصيفات دقيقة وتصلح على عمومها، إلا أن منتقدي الأمم المتحدة يجهلون أو يتجاهلون الظروف التاريخية لنشأة المنظمة الدولية، وطبيعة العلاقات القائمة والتي عبرت في حينه عن إرادة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وحققت لهم مصالحهم كمنتصرين.

كما أن عمل الأمم المتحدة وهيئاتها كافة يخضع للتسييس والمصالح، فكل دولة تحاول أن تحقق مصالحها، وتضمن مناصرة المنظمة الدولية لمواقفها، وتمارس في هذا السبيل حملات علاقات عامة ورشاوى اقتصادية وسياسية لدول ولأشخاص، ومقايضات بين الدول وعلى الأقل بين الخمسة الكبار، وأنه نادراً ما تتخذ الأمم المتحدة قرارات تتبعها بممارسات وضغوط بغرض التنفيذ، إلا وكان وراء الأمر ضغوطاً وجهوداً كبيرة من قبل أصحاب المصالح.

وربما هذا يفسر كثرة عدد القرارات الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث صدرت جميعها في زمن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، باستثناء رأي محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بالجدار، والذي تجاوز الجدار ليتعرض للقضية الفلسطينية برمتها.

وهذا التفسير ربما يكشف ليس انحياز الأمم المتحدة، لأن هذا أمر غير موضوعي، فالأمم المتحدة تعبر عن إرادة أغلبية أعضائها فيما يتعلق بالجمعية العامة وغيرها من الأجسام، أو عن إرادة الخمس الكبار فيما يتعلق بمجلس الأمن، بل عن انحياز العرب لغير مصالحهم، وعجزهم عن فهم حقيقة ما يجري من حولهم، وكونهم قوة قادرة على الفعل والتغيير، بل وعلى تحقيق مصالحهم من خلال الأمم المتحدة أسوة بغيرهم من الدول، أليس كذلك؟

اكتشاف العجلة:

الفلسطينيون يظهرون كمن يعيد اكتشاف العجلة، التي يذهب المؤرخون إلى أنها اكتشفت في بلاد ما بين النهرين "العراق حاليا"، وأن جيش الهكسوس هزم جيش مصر قبل أكثر 3800 سنة لأنهم جاؤوا في مركبات حربية تجرها الخيول في حين كان المقاتلون المصريون كلهم مشاة، فهل نحن نعيد اكتشاف العجلة، أم أننا كالثور الذي يدور غي حركة كحركة العجلة، لأنه مشدود إلى ساقية.

يدهشك كثرة التحليل والاستفاضة في استعراض المواقف المنحازة للأمم المتحدة، بل كثرة الترحيب بدوغارد، وكأنها أمور نكتشفها اليوم، ونبدو كمن اكتشف العجلة أو أعاد اكتشافها.

أعتقد أننا أبعد ما نكون عن اكتشاف أو إعادة اكتشاف العجلة، وهذه حقيقة علينا أن نواجه أنفسنا بها صباح مساء، قبل أن نواجه العرب بعجزهم وضعفهم وربما تآمرهم، علينا أن نرى حقيقتنا العارية، ونحن ضعفاء صغار نتآمر على بعضنا وندمر مكتسباتنا ونسير بوعي أو بدونه نحو الهاوية، وعندما نلتفت إلى العالم من حولنا نحمله دائماً مسئولية عجزنا، وبدلاً من أن نكتشف حقيقتنا نحاول أن نبدو دائماً كمن يعيد اكتشاف العجلة