الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بكى حتى مات, شاب فلسطيني امضى 27 سنة في السجون المصرية - بقلم : ناصر اللحام

نشر بتاريخ: 18/09/2005 ( آخر تحديث: 18/09/2005 الساعة: 20:19 )
بيت لحم - معا - بكى الشاب الفلسطيني عصام سلامة موسى سلامة الفواغرة حتى مات في قسم التوقيف بسجن العجوزة بعد ان امضى 27 عاما متواصلة في السجون المصرية.

وكان السجين عصام مسجون في جمهورية مصر العربية بسجن القناطر وامضى 25 عاما فرضت عليه بتهمة تهريب المخدرات,حيث كان شابا في شهر العسل وتوجه من الاردن الى مصر مع عروسه ليتبين في التفتيش بان السيارة التي يقودها مليئة بالمخدرات على يد المجموعة التي عرضت عليه السفر الى هناك.

ورغم اندلاع الانتفاضة الاولى وتعرّض الفلسطينيين داخل الارض المحتلة لخطر الانقراض رفضت السلطات المصرية تخفيض محكوميته ، ثم وبعد دخول السلطة الى غزة بقي موقف القضاء المصري ثابتا.
ثم ومع دخول السلطة الفلسطينية الى غزة حاول اهله الحصول على افراج مبكر لولدهم الا ان الموقف السابق ظل كما هو .

ومع اندلاع انتفاضة الاقصى تفاءل اهله في مدينة بيت لحم ان تفرج مصر عنه قبل عام او عاميين من انتهاء مدة المحكومية بسبب حسن السلوك او مثله ولكن السلطات المصرية تمسكت بوقفها اكثر.

وبعد 25 عاما في السجن وعند انتهاء محكوميته افرج عنه ، الا انه لم يتمكن من مغادرة مصر لعدم توفر جواز سفر يسمح له بالعودة الى فلسطين ، ولان حكومة مصر لا تريد ان يبق على الاراضي المصرية ظلت تحتجزه في مركز توقيف ( سجن الترحيل بالعجوزة) ومضت الايام والشهور والسنون ، والقصة تطول والشاب الفلسطيني الذي اصبح عجوزا في سجن العجوزة لا يسمح له الاختلاط بالسجناء وقد حاول ثلاث مرات تجديد جواز سفره الاردني دون جدوى فقالت الاردن ,ان عصام سلامة فلسطيني وليذهب للسلطة الفلسطينية لتصدر له جواز سفر, تماما مثل مصر التي قالت انه ليس مصريا وعلى السلطة ان تأخذه.

كلام يدخل الرأس, لكنه لا يدخل اذني السفير الفلسطيني في القاهرة والذي كان حين يسمع القصة يبدو كمن لدغته افعى, ويصرخ" يا ساتر, مخدرات" ثم يضطر شقيقه الذي تكبد عناء السفر الى مصر ان يشرح له بأن ( الولد امضى 26 عاما في السجن وحرام يا سعادة السفير, حرام, خليه يرجع لزوجته وليرجع الى ابنه الذي لم يراه طوال حياته) فما كان من سعادة السفير الا ان هدد باستدعاء الامن المصري لاعتقاله اذا عاد وازعج اذنيه بهذه القضية.

بسيطة, توجهت العائلة للسلطة الفلسطينية لاستصدار جواز سفر للمواطن معروف رقم الهوية ومالك الاوراق الثبوتية, فقالت وزارة الداخلية ان الامر ليس بيديها وانما بيدي وزارة الخارجية, وكالعادة قالت وزارة الخارجية انها تنتظر قرار وزير الداخلية . ومكتب وزير الداخلية قال بانه ينتظر مصادقة الرئيس ابو مازن على قرار منح جوازات السفر للمغتربين, وبين يدي وزارة الخارجية ويدي وزارة الداخلية لم يبق على اسرة السجين ( مهرب المخدرات الفاشل) سوى ان يقبّّلوا رجلي المسؤولين.

بسيطة ، قالوا ، ثم توجهوا للصحافة, وحين وصلوا الى مكتبنا كان عصام امضى 26 سنة في السجن وينتظر الترحيل.

بسيطة, قال العبد الفقير الذي يكتب هذه الكلمات, ورفع سماعة الهاتف وهات يا مكتب الوزيرالدحلان, قالوا مشكورين: بسيطة ، ارسلوا الاوراق اللازمة, وطوال ستة اشهر ونحن نرسل الاوراق اللازمة, ثم لعب الفأر, لعب جدا, بصدورنا, ففتحنا عدة خطوط, وانضم الى قضيتنا الاخ عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني والذي كنت اسمعه يقول للمسؤولين ( حرام يا ابو فلان, والله هذا ظلم, خليه يرجع لزوجته وابنه) دون جدوى.

فقلت انا وعيسى قراقع, وبعد ان يأسنا واكتشفنا ان القصة ليست بسيطة ( وفي الحقيقة خشينا من جبروت السفير الفلسطيني في مصر) قلنا : ان الامر يحتاج الى قائد صاحب خبرة, فتوجهنا الى الوزير( سابقا) الاخ صلاح التعمري فقال مثلنا جميعنا, بسيطة - هاتوا الاوراق اللازمة) فاعطيناه الاوراق اللازمة, ولكن كانت قضية الانسحاب من غزة في ذروتها, فانشغل الجميع, باستثناء اهله وعيسى قراقع وانا, نتصل ونتابع, نتوسل ونتمنى, نتحنن ونشيد ونشجب حتى جاء شهر آب / 2005 وكان الشاب امضى 27 سنة في السجن.

اتصل السجين عصام هاتفيا وقد انفقأت احدى عينيه من الحزن ولم يعد يبصر بها , وكان الحديث معه لرفع المعنويات, ثم اصبح يتصل يوميا. وصار في الايام الاخيرة يبكي, ثم صار يكثر البكاء, ثم ,طلب مني شقيقه احمد ان اتحدّث معه واشرح له ان الانسحاب من غزة يتم وانه سيعود الى الوطن, ولكنه ظل يبكي ويبكي ثم مات, مات وهو يبكي على سماعة الهاتف ، نعم مات وهذه قصة حقيقية لم اكن اتصور ان تحدث معي .
ذهبت الى بيت العزاء, فقالوا لي : ان مصر رفضت اخراج جثته للدفن وسألوني ماذا نفعل؟ قلت: اكتبوا شكر وتقدير لسفير فلسطين في مصر وانشروه في الصحف.