الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

طبابة "الشباك" بقلم: عميت كوهين

نشر بتاريخ: 06/10/2007 ( آخر تحديث: 06/10/2007 الساعة: 21:41 )
بسام وحيدي صحفي عمره 28 عاما يعاني من تفكك الشبكية في العينين. اذا لم تجرى له عملية في عينيه سيفقد بصره كليا. قبل ثلاثة اسابيع في صبيحة العاشر من ايلول وصل الوحيدي الى معبر ايرز، بوابة الخروج الوحيدة اليوم من القطاع. اللجنة المدنية الفلسطينية رتبت له تصريح دخول من السلطات الاسرائيلية، وفي الساعة الثانية إلا ربعا كان من المفترض ان يصل الوحيدي الى مستشفى سانت جون حتى يتم اجراء العملية له، ولكن الوحيدي لم يحظ بدخول اسرائيل في ذلك اليوم، وللحقيقة نقول انه ما زال عالقا في غزة بذريعة "الحظر الأمني". في هذه المرحلة عندما كان الوحيدي عالقا في ايرز منتظرا الاذن، كان لديه أمل بعد أن يتمكن من الوصول الى المستشفى في الوقت الملائم. المحقق في ايرز قال له "إنسَ أمس سانت جون، اذا ساعدتني وأجبت على اسئلتي فسآخذك الى مستشفى ايخيلوف وهناك سيجرون لك العملية". رجل "الشباك" قال له انه اذا ساعده فسيقول للمسؤولين عنه انه شخص جيد وانه لا يمانع السماح له بالدخول.

التحقيق مع الوحيدي استمر طول النهار حتى الساعة الخامسة مساء. موعد العملية اصبح من ورائه حينئذ. "عند النهاية أعطاني الكابتن رقما وطلب مني أن اتصل معه من غزة للسؤال عن صحته واعطائه اخبارا عما يحدث هناك"، يقول الوحيدي. قلت له أن من المحظور علي أخذ هذا الرقم لانني لا استطيع أن أتعاون معه. المسؤول في "الشباك" رد عليه: "انت تجعلني أغضب منك، ومن نغضب منه لا يتوجه للعلاج. خذ الرقم واتصل معي اليوم مساءا وخلال يومين ستتوجه للعلاج في اسرائيل". الوحيدي لم يتصل وأعيد الى غزة حيث باءت كل محاولات دخوله الى اسرائيل بالفشل بذريعة أنه محظور أمنيا. الوحيدي هو بين القلائل المستعدين للادلاء بشهادتهم هذه مع ذكر اسمهم الحقيقي لانه لا يشعر ان هناك ما يمكن أن يخسره بعد كل ذلك: هو لم يوافق على التعاون مع السلطات وفي الاسبوع الماضي أعلموه نهائيا انه لن يدخل الى اسرائيل.

"الكابتن" ينتظر في معبر ايرز

الوحيدي ليس حالة منفردة. في الاسابيع الاخيرة تتزايد الشهادات والدلائل على ان "الشباك" يحاول تجنيد عملاء له من صفوف المجموعة التي تمر في حالة ضعف وعجز بصورة خاصة: المرضى والجرحى الفلسطينيين المحتاجين للعلاج الطبي الذي لا يمكنهم الحصول عليه في غزة أو في مناطق السلطة الفلسطينية. اولئك الذين يرفضون التعاون منهم يعادون الى غزة ومن بينهم مرضى بأمراض مزمنة صعبة.

"في الفترة الاخيرة نحن نلمس ارتفاعا ملحوظا في توجهات المرضى الفلسطينيين خصوصا سكان غزة الذين يشترط السماح لهم بالحصول على العلاج خارج القطاع بالتعاون مع الشباك"، يقول ران يارون، من منظمة "اطباء من اجل حقوق الانسان". المنظمة تعتبر في حالات كثيرة عنوانا بالنسبة لاولئك المرضى الذين يحظر دخولهم لاسرائيل.

"أنا أواجه مجموعة من الناس يشعرون بالعجز والخوف"، يقول يارون، "هؤلاء اشخاص موجودين في مصيدة: هم قلقون على وضعهم الصحي من جهة ومستعدون للقيام بكل شيء لضمان خروجهم للعلاج، ومن الناحية الاخرى يخشون من التعاون مع اسرائيل. في نهاية المطاف ليس لدى اغلبية المرضى استعداد للتعاون مع اسرائيل وهم يتوجهون الينا طالبين ان نساعدهم".

من الممكن التعرف على كيفية استخدام الطريقة من خلال شهادات الفلسطينيين المحربين: المواطن الغزي الذي يحتاج للعلاج الطبي في اسرائيل يقدم طلبا للجنة المدنية الفلسطينية المسؤولة عن التنسيق مع مكتب الارتباط الاسرائيلي. اذا منح التصريح يطالب المريض بالتوجه الى معبر ايرز لاخذ التصريح والمغادرة. ولكن ليس كل من يحصل على التصريح يحظى بالفعل بالعلاج. بعض اولئك المرضى يحتجزون لساعات في المعبر، ومن ثم يدعونهم لاجراء محادثة مع "الكابتن" وهو مُركز "الشباك" المسؤول عن تجنيد العملاء، ومن يرفض الرد على الاسئلة أو لا يوجد لديه استعداد للتحول الى متعاون، يعاد الى القطاع بذريعة انه يشكل "خطرا امنيا".

كان من الممكن التعامل مع هذا التفسير بالجدية المطلوبة لولا انه قد دحض مرات ومرات. بعد تدخل منظمات حقوق الانسان في حالات من هذا القبيل سمح للمرفوضين بالدخول الى اسرائيل.

التعاون مقابل ساق سليمة

عندما التقي مع خميس أجده يتناول الطعام رغم اننا في شهر رمضان - هذا سلوك غير نمطي جدا بالنسبة لشخص غزاوي. "بسبب العلاج الطبي ليس بامكاني أن ابقى صائما"، هو يوضح معتذرا. ساقه اليمنى التي ثقبت برصاص عناصر حماس مربوطة بدعامة حديدية بدائية - من الاسفل حتى الركبة. "لدي برج ايفل على رجلي"، هو يحاول التنكيت. الى جانب خميس يوجد مفتاح براغي صغير كهدية تلقاها من الطبيب الاسرائيلي الذي اجرى له العملية. هذا المفتاح يلازمه طول الوقت، وبين الحين والاخر يرفعه ويلعب به ومن ثم يعيده وهو مخصص لشد البراغي أو فكها عن ساقه. خميس هو اسم تنكري. كل معلومة حقيقية حول هذا الشخص تضع حياته في خطر حقيقي عندما يعود الى غزة. السبب بسيط: قبل خروجه للعلاج في اسرائيل وافق على التعاون مع "الشباك". رجل "الشباك" الذي اجرى التحقيق معه قبل دخوله لاسرائيل لم يهدده مباشرة بأن رفض التعاون سيمنعه من الدخول الى البلاد. "هذه كانت الرسالة الضمنية التي فهمت من خلال الحديث"، كما يقول خميس.

اغلبية من اجرينا معهم المقابلة من اجل هذا التحقيق ترددوا قبل الموافقة على الحديث. التعاون مع اسرائيل هو طابو مطلق ولا يحظى بأي تفهم أو تعاطف حتى في الحالات التي نبع فيها من الحاجة للعلاج الطبي الحرج. في بعض الاحيان مجرد التوجه الى الاستخبارات الاسرائيلية حتى وان لم يفض الى التعاون معها، يعتبر خيانة ووصمة اخلاقية يمكن ان تنتهي بالقتل. لذلك يعتبر اللقاء مع خميس العميل المستعد لرواية حكايته، نادرا جدا.

مشاكل خميس بدأت في شهر حزيران في المعركة الاخيرة بين فتح وحماس. خميس مثل الكثيرين من سكان القطاع - مواطن بسيط لا ينتمي رسميا الى أي تنظيم - وجد صعوبة في التصديق بأن هذه آخر ايام فتح في غزة. خلال معركة بين اتباع حماس وبين عناصر اجهزة الامن أخفى خميس في بيته أفراد الاجهزة، وفي اليوم التالي تحولت حياته الى جحيم.

هو توجه الى مكتبه في ساعات الصباح الباكر. "لم أتمكن من الجلوس خمس دقائق في المكتب حتى دخل اليه اربعة من كتائب عز الدين القسام واقتحموا الغرفة وبدأوا بتدمير كل شيء". بعد أن انتهوا من تدمير العتاد والاجهزة اقتادوا خميس الى الخارج. "أحدهم قال لي الان سترى كيف سأحرق مكتبك أمام عينيك". هم اشعلوا المكتب بكل ما كان فيه. افراد حماس ادخلوا خميس في السيارة وعيونه معصوبة بخرقة سوداء وبعد خمس دقائق من السفر توقفوا وطالبوه بالنزول، وما أن نزل حتى قال له احدهم قف مكانك وفجأة من دون سابق انذار اطلق الرصاص على ساقه.

خميس تعرض للطلقات ثلاث مرات، رصاصتين دخلتا في ساقه والثالثة في الفخذ، الامر الذي أدى الى سحق العظام كليا. في ذات الصباح رفع ساقه المصابة في الهواء وزحف عشرات الامتار متوجه للطريق الرئيسي حيث حملته سيارة ونقلته الى سيارة اسعاف اقتادته الى المستشفى. بعد ساعة أجروا له عملية في ساقه وأدخلوا فيها مسامير فولاذية بدلا من العظمة المصابة. الاطباء في غزة اعتادوا على اصابات من هذا النوع. في المجابهات الاخيرة وحدها اطلقت حماس النار على ارجل 1400 من نشطاء وأنصار فتح.

عندما خرج من المستشفى حاول خميس التوجه للعلاج في اسرائيل حتى يعيد تأهيل ساقه، إلا ان اسرائيل رفضت طلبه، وبعد تدخل "اطباء من اجل حقوق الانسان" حصل على تصريح للدخول الامر الذي اوصله الى محطة التحقيق والمساءلة من قبل "الشباك" في معبر ايرز.

"فلتناديني دكتور سعيد"

عندما يتحدث خميس عن حماس وعن الاصابة في ساقه وعن غزة، يتحدث بثقة ولا يحذف أية معلومة تفصيلية. أما ذلك اللقاء في ايرز الذي جرى قبل اسابيع قلائل، فهو يقلل من التطرق اليه. "وصلت الى المعبر في الساعة الثانية والنصف صباحا"، يقول، "حيث كان من المفترض أن يكون التصريح بانتظاري هناك ولكنهم طلبوا مني أن اجلس وانتظر". خميس انتظر حتى الرابعة والنصف بعد الظهر وبعد ذلك اقتاده رجلان بملابس مدنية وأدخلاه الى غرفة تحت الارض حيث يجلس ضابط "الشباك".

"الكابتن جلس أمام طاولة مع حاسوب"، يصف خميس اللقاء، "وقال لي ان بامكاني ان أسميه دكتور سعيد. بعد ذلك سألني عما حدث لي فرويت له الحكاية. هو قال انه يريد مساعدتي وسألني ما الذي اعرفه عن عناصر حماس.

حدثته عمن أعرفهم وحدثته عن اشخاص كانوا في ايران وعادوا الى غزة. اسئلته كلها كانت حول حماس فقط". ضابط "الشباك" لم يهدد خميس صراحة أو يربط بين التعاون وبين العلاج في اسرائيل، وانما اشار الى ذلك ضمنيا. عندما يتحدث عن العلاقة مع "الشباك" يبدو انه يحاول كبت القصة التي دخل اليها. هو يحاول اقناع نفسه انه ما زال قادرا على الخروج منها. "أنا لست خائفا بصورة كبيرة من اللقاء القادم مع رجل الشباك"، وانما يخشى من انه اذا عاد الى غزة فلن يسمحوا له بالعودة لتلقي العلاج مرة اخرى حيث انه بحاجة الى عملية اضافية. في هذه المرحلة بدأ خميس بالبكاء وقال انه في مشكلة كبيرة، "أنا في وضع صعب جدا في حياتي بسبب عرض الاستخبارات هذا. هذه المسألة تقلقني جدا وأنا لا انام ولا آكل بسبب ذلك، أنا متعب نفسيا".

خميس يجد صعوبة في ايجاد منطق في وضعه. "أنا لا اشكل خطرا على اسرائيل"، يقول، "لا انا ولا عائلتي. فلماذا يريدون ان أعمل معهم؟ ليست لعائلتي أية علاقة مع التنظيميات، فليتركوني اعيش حياتي. ليس من المقبول استغلال المرضى والجرحى لامور كهذه. هؤلاء أناس مساكين يعانون من الآلام". خميس غادر عندما حضرت السيارة التي ستقله من دون أن يتخذ قرارا نهائيا. الخياران السيئان ما زالا أمام بوابته.

"خذ منظارا فاسرائيل ما زالت بعيدة"

حسب ادعاء مرضى فلسطينيين، طلب التعاون مع اسرائيل لا يأتي في صيغة توصية أو نصيحة. الرد السلبي قد يمنع ذلك المريض من الحصول على العلاج الذي يحتاجه. "من وجهة نظرنا هذه ظاهرة مرفوضة كليا". يقول د. داني فيلك، رئيس "اطباء من اجل حقوق الانسان". "هذا استغلال للمرضى المصابين باصابات بليغة، وممارسة ضغط كهذا هي أمر مرفوض من حيث الاخلاقيات الطبية ومن منطلق كل رؤية اخلاقية يمكن ان تخطر في البال. هذا ايضا يناقض الاخلاق اليهودية من وجهة نظره. ليس كل شيء متاح من الناحية الاخلاقية باسم الامن. ومثلما يحظر التعذيب فالضغط على المريض أو استغلال مرض انسان ما لتحويله الى متعاون هو أمر مرفوض كذلك. المناعة الاخلاقية والمعايير الاخلاقية هما في نظري اللذان يوفران الأمن للدولة على المدى الابعد. الدولة التي تتدهور اخلاقيا لا تصمد كمجتمع.

مروان ايضا (اسم مستعار) عمره 35 عاما، متزوج وأب لطفلين، تعرض لاطلاق الرصاص على قدميه على يد عناصر حماس، وهو ايضا مثل خميس بحاجة للعلاج في اسرائيل، إلا انه يخشى من التحدث عن حكايته حتى مع اخفاء المعلومات الشخصية. ولكن شهادته كما أدلى بها لمنظمة "اطباء من اجل حقوق الانسان" تشير الى نمط العمل الذي يتكرر في هذه الحالات: علاجات طبية في اسرائيل تقطع فجأة من دون انذار مسبق ومن دون سند ظاهر للعيان. الاستمرار في هذا العلاج يشترط منذ تلك اللحظة بالموافقة على التعاون مع اجهزة الامن الاسرائيلية.

مروان حصل على تصاريح الدخول واجتاز علاجات طبية طويلة في اسرائيل. وعندئذ في آب من هذا العام رفض طلبه. المرور عبر حاجز ايرز مرة اخرى اشترط باجتيازه في مطلع شهر ايلول عملية تحقيق امنية. بعد ثماني ساعات من الانتظار في المعبر أنزلوه الى غرفة ضابط الشباك الذي يلقب نفسه باسم "أبو رائد".

أبو رائد هذا سأله عن اصابته وعن مكان عمله وعن نشطاء حماس والجهاد. مروان رد عليه بأنه لا يعرف. أبو رائد نعته بالكذاب وقال له ان شخصا مثله يجب ان يعرف نشطاء حماس والجهاد. في نهاية اللقاء الذي استغرق عشر دقائق أوضح له انه اذا كان يريد الخروج للعلاج فعليه ان يجلب معلومات حول هذه المسائل.

أبو رائد أعطى مروان رقم الهاتف وأمره بالعودة الى غزة والاتصال بعد ان يفكر بالعرض. مروان قال انه لا ينوي التعاون. أبو رائد غضب منه وسأله اذا كان يعرف محلا لبيع الادوات الرياضية في غزة، وعندما رد عليه بالايجاب قال له أبو رائد: "اذهب لشراء ناظور لانك لن تستطيع مشاهدة اسرائيل إلا من بعيد. أما الدخول اليها فمسألة بعيدة".

سرطان؟ حدثيني عما تعرفينه

نفس الحادث تكرر مع البروفيسور كامل موراني، 64 عاما، من حي الشجاعية في غزة الذي يجد صعوبة في التصديق انه يعتبر فجأة خطرا أمنيا. موراني هو نحات ورسام وقد حصل على جوائز دولية في كل أرجاء العالم ودرس الفنون طول 28 عاما في جامعة النجاح في نابلس الى أن مرض بالسرطان. العلاج الذي حصل عليه في مصر لم ينجح. وفي شهر شباط هذا العام نقل الى مستشفى تل هشومير حيث اجتاز عملية اجتثاث جزئية للفك المصاب وعملية اخرى في الرقبة، بعد ذلك بقي في المستشفى للحصول على علاج بالاشعة. العلاج بدأ يعطي نتائج ايجابية بعد شهرين، وعندها خرج من المستشفى على ان يعود دوريا للمراقبة، وفي المرة التالية اجتاز نفس المحطة مع كابتن شباك مماثل للكابتن أبو رائد في الحالة السابقة حيث بدأت الاسئلة حول الاشخاص والتنظيمات ولم يسعفه ادعاءه انه لا يعرف الشبان من عناصر حماس، وهو في الرابعة والستين من عمره. الكابتن قال انه يكذب عليه، وعندما تكرر نفي موراني بمعرفته للمعلومات غضب منه ضابط "الشباك" وفقد سيطرته قائلا "يا ليتك تموت انت وكل غزة"، وفور ذلك حسن من كلامه قائلا "اذهب بسلام فقد سرتني معرفتك، وبعدها أدخل اسمي الى الحاسوب حتى اتمكن من التوجه الى المستشفى".

وبالفعل فور التحقيق حصل موراني وزوجته على تصريح للتوجه الى تل هشومير. ولكن في الزيارة التالية تبين أنه قد فقد التصريح وانه اصبح محظورا من الدخول حيث اعطوا زوجته تصريحا بينما أخروه ساعة من الوقت، وعندها قالوا له ان عليه العودة هو وزوجته الى غزة. بعد ذلك فشلت كل محاولاته للحصول على تصريح من دون إبداء الاسباب. "أنا متأكد ان هناك خطأ في المعطيات فهم لا يعرفون من أنا"، قال البروفيسور كامل موراني باحباط وأسف.

القوانين تسمح ومُركز الشباك هو الذي يقرر

"يتوجب الادراك أن عملية تجنيد العملاء صعبة جدا"، يوضح "آفنر"، رجل الشباك الذي خرج من الجهاز قبل عدة سنوات. "الضغط الاكبر الممارس على المركزين هو في مجال التجنيد. لكل مركز مقياس محدد يشير الى عدد العملاء الذين يتوجب عليه أن يجندهم في السنة. في بداية السنة هناك مداولات يتحدد خلالها مقياس كل مركز.

يفضلون الكمية على النوعية، وهذا يشكل ضغطا هائلا على المُركزين. أنا شخصيا لست متأكدا ان هذا التفضيل خاطىء"، هو يقول، "لانه ليست أمامك طريق احيانا لمعرفة من الذي سيجلب لك استخبارات نوعية واحيانا تجنيد اشخاص هامشيين يمكنه ان يوفر معلومات استخبارية نوعية".

اجتياز الحدود وتحويل المرضى الى أداة جديدة في الحرب يمكن أن يفسر بالضائقة الاستخبارية التي تواجهها اسرائيل في القطاع. منذ الانسحاب، وأكثر من ذلك منذ سيطرت حماس الى القطاع، اصبح الوصول الى السكان المحليين بالمقارنة مع الضفة الغربية اصغر بكثير. الحكايات التي تكشف هنا تشير الى ان هذه الضائقة تجد حلا جديدا على ظهر المرضى واحيانا العجزة. قرار المجلس الوزاري باعتبار غزة "كيانا معاديا" سيزيد فقط من حدة هذا الاتجاه.

في جهاز الامن العام "الشباك" يرفضون التطرق الى الادعاءات حول طرق التجنيد، إلا انهم ينفون وجود ربط واشتراط بالتعاون بين قضية الحصول على تصريح للعلاج الطبي أو رفض ذلك. ولكن كل من يعرف الجهاز من الداخل يدعي ان ادعاءات الفلسطينيين ليست بلا أساس، فمركز الشباك يملك قوة لمنع اصدار التصاريح بسبب رفض التعاون معه، والانظمة المعمول بها تدعمه في ذلك كما يقول "آفنر"، "السؤال هو كيف تعود مع نفسك الى البيت بعد كل ذلك، على كل واحد ان يجري الحسابات بينه وبين نفسه، وكل حالة تختلف عن الاخرى. كانت هناك حالة حاولت فيها تجنيد شخص كانت ابنته تتلقى العلاج في اسرائيل.

عرضت عليه تصريح دخول مقابل ان يعمل معنا فرفض. ورغم ذلك حصل على التصريح. مدرائي قالوا لي أن علي أن امنعه حتى أمارس عليه الضغوط إلا أنني لم أفعل. عموما المرضى ليسوا مجموعة جذابة للاستخبارات لذلك يتوجب الحذر قبل اعتبار ذلك ظاهرة عامة"، يقول من يعرف الشباك بدرجة كبيرة جدا الى ما قبل حين. "يحذرون جدا من الاستغلال المثير للاشكال وتجنيد المرضى، واذا فعلوا فذلك يتم عموما وفقا للقانون رغم اساءة الاستخدام التي تقوم بها التنظيمات الارهابية لهؤلاء الاشخاص. الحياة ليست ابيض واسود - الاستخبارات الاسرائيلية في مواجهة المريض الفلسطيني".

"نحن نقرر من يخرج ومن لا يخرج"

في ظل رفض الشباك التطرق الى جوهر المسألة، هناك في الجهاز من يدرك الخطر الكامن في القوة الكثيرة المركزة في يديه والتي قد تقود بسهولة الى المس الخطير بحقوق الانسان. التحقيق الذي أجراه ملحق الاسبوع في "معاريف" أظهر ان انظمة "الشباك" تقول مثلا انه لا يمكن تجنيد سجناء أمنيين بواسطة الضغط الطبي ذلك لانه من حق كل سجين ان يحظى بالعلاج الطبي، ومع ذلك ورد صراحة ان العلاجات الخاصة مثل الخصوبة يمكن ان تكون وسيلة ضغط لاقناع السجين بالتعاون.

حادثة مريم ومها تشير الى ان استخدام الضغط على المرضى المحتاجين للعلاج الطبي انما هو آخذ في الاتساع فقط. مريم (اسم مستعار) في التاسعة عشرة وأم لطفلين أصيبت بالسرطان وتلقت العلاج في تل هشومير لفترة طويلة حيث اجريت لها عملية واجتازت علاجا كيماويا وعندما عادت الى غزة لفترة استراحة، وبعدها حاولت الدخول الى اسرائيل استدعوها بنفس الطريقة لمقابلة ضابط "الشباك" الذي طالبها بنفس المطالب واشترط نفس الاشتراطات.

نفس الشيء حدث مع مها (اسم مستعار) ابنه السبعة وثلاثين عاما من رفح. مها كانت تعاني من مرض في القلب وبعد تدخل اطباء من اجل حقوق الانسان حصلت على العلاج الطبي وعولجت في نابلس ثم عادت الى غزة حيث لم تعد بحاجة الى تصريح لدخول اسرائيل. رغم ذلك تخاف مها من الحديث عن التحقيق الذي جرى معها بين العلاجات المختلفة عندما كانت تدخل للتوجه الى العلاج. حيث جرت مساومتها على قبول التعاون واعطاء المعلومات والحصول على العلاج.