فلسطين والسعودية بين العلاقات الأخوية والإحتكام لقوانين (الفيفا)
نشر بتاريخ: 02/11/2015 ( آخر تحديث: 02/11/2015 الساعة: 15:44 )
بقلم: تيسير نصر الله
الناطق الرسمي بإسم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم
لم تختر فلسطين المجموعة(A) في التصفيات المزدوجة لكرة القدم في كأس العالم 2018 في روسيا، وكأس أمم آسيا 2019 في الإمارات، وإنما القرعة التي جرت بتاريخ 14/4/2015 هي التي جمعتها مع منتخبات: السعودية، الإمارات، ماليزيا، تيمور الشرقية، وفلسطين. ولو كان الأمر بأيدينا لإخترنا مجموعة أخرى كي لا نقع في دائرة الإحراج والضغوط التي يبدو أنها لن تنتهي، خاصة مع إقتراب موعد المباراة، وإزدياد حجم التدخلات السياسية وغيرها، لنقل المباراة على أرض محايدة، في الوقت الذي كنا نأمل فيه أنّ تبقى الرياضة للرياضيين، وأن تبقى السياسة للسياسيين، لأنّ لوائح الفيفا وأنظمتها الداخلية هي صاحبة القول الفصل في حل أي أزمة قد تنشأ نتيجة التداحلات السياسية في الرياضة.
وفي إستعراض سريع لحيثيات الأزمة بين الإتحادين الشقيقين لكرة القدم السعودي والفلسطيني، فلقد كان من المفروض أن تلعب السعودية مباراة الذهاب لها على ملعب فلسطين البيتي "إستاد الشهيد فيصل الحسيني" في ضاحية الرام بالقدس المحتلة بتاريخ 11/6/2015، وذلك حسب جدول المباريات المعتمد من اللجنة المنظمة للتصفيات، ولإعتبارات سعودية خاصة وافق الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عل مخاطبة الفيفا بنقل المباراة إلى السعودية، واستبدال الإياب بالذهاب، على أن يتم لعب المباراة القادمة بين المنتخبين في فلسطين بتاريخ 13/10/2015، فوافقت الفيفا على ذلك، كما وافقت الشقيقة السعودية، وفعلاً هذا ما تم، حيث توجه المنتخب الفلسطيني إلى ملعب الدمام بالسعودية ولعب مباراة الإياب له عليه، وخسر منتخبنا النقاط الثلاثة في الثانية الأخيرة للوقت بدل الضائع ليفوز المنتخب السعودي بثلاثة أهداف مقابل هدفين لفلسطين، وفعلاً كانت النديّة والمنافسة القوية هي ما ميّز هذه المواجهة المهمة.
وما أن إقترب موعد مباراة الإياب حتى عاد الإتحاد السعودي بطرح موضوع نقل المباراة إلى ملعب محايد لأسباب سياسية وأمنية تتعلق بفلسطين!!، وإذ ابلغناهم باحترامنا لهذه الاسباب فقد طالبناهم بتقدير عناصر القلق والمخاطر التي تهدد ملعبنا البيتي وعضويتنا في الاتحادين القاري والدولي، ولأنّ الفيفا لا تعتبر هذه المبررات تندرج تحت بند الظروف القاهرة التي تستوجب نقل مكان المباراة من أجلها، فكان اللقاء الذي جمع رئيسي الاتحادين في العاصمة الأردنية عمان بتاريخ 21/9/2015 بحضور سمو الأمير علي بن الحسين رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم لمناقشة إمكانية نقل مكان المباراة لخارج فلسطين، وتم استعراض بعض الصيغ للخروج من المأزق كنقل المنتخب السعودي بطائرة أردنية إلى رام الله، أو مروره عبر الجسر دون ختم جوازات سفر البعثة، وتم الإتفاق على عودة كل اتحاد لقيادته السياسية لوضع الأمر بين يديها للبت فيه خلال 48 ساعة، وبعد عودة الوفد الفلسطيني الى رام الله فوجئ بتوجه الإتحاد السعودي بكتاب رسمي للفيفا مطالباً نقل المباراة الى ملعب محايد، وفعلاً قامت سكرتاريا اللجنة المنظمة لكأس العالم بالموافقة على عملية النقل، ورغم موافقة الاتحاد الفلسطيني على هذا القرار بعلاته، إلاّ أنّ اللجنة المنظمة للتصفيات نقضت القرار واعتبرته غير قانوني وباطل، وهنا تداعى الإتحادان الفلسطيني والسعودي للقاء مرة أخرى على طاولة الفيفا في زيوريخ بحضور رئيس الفيفا جوزيف بلاتر في محاولة للاتفاق، فشرح كل اتحاد موقفه وتخوفاته وعناصر القلق لديه والمتمثلة بالتالي:-
** الاتحاد الفلسطيني يخشى خسارة ملعبه البيتي وتجميد عضويته في الفيفا في حال خالف لوائح الفيفا، وبالتالي فقدان أهم الإنجازات التي حققها خلال مسيرته الرياضية.
** الإتحاد السعودي يخشى فرض عقوبات عليه من الفيفا وخسارته المباراة ادارياً، وفرض عقوبات أخرى عليه، قد تصل إلى تجميد عضويته بالفيفا.
ولم يسفر هذا اللقاء عن التوصل لحل سوى الاتفاق على تأجيل المباراة حتى إشعار آخر، لذا كان التدخل الفلسطيني الرسمي عاملا ضاغطاً على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لإيجاد حل لهذه الأزمة التي باتت تهدد العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وعلى أثر ذلك تم ترتيب لقاء سريع بين وفدي الاتحادين ووزيري خارجية البلدين في مقر وزارة الخارجية السعودية بالرياض يوم الأحد الموافق 18/10/2015 أسفر عن التوصل لاتفاق بنقل المباراة الى ملعب محايد بشكل إستثنائي على أن لا يشكّل سابقة لأي فريق آخر، وهذا يحتاج إلى ضرورة مخاطبة الفيفا والحصول على موافقتها، بشرط ضمان الفيفا عدم المساس بالملعب البيتي الفلسطيني أو تهديد عضوية الإتحاد بالفيفا. وتم الاتفاق على أن يتم صياغة رسالة مشتركة بعد عودة الوفد الى رام الله، وبدأ المجلس الإداري للإتحاد دورة اجتماعاته المفتوحة لمواكبة التطورات المتسارعة للقضية التي باتت تشكل رأياً عاما لدى البلدين، ولم يرسل الاتحاد السعودي أي صيغة مقترحة للتوقيع عليها من قبل الاتحاد الفلسطيني رغم الالحاح بذلك، علاوة على اقتراح الجزائر كملعب محايد، خاصة وأن الهدف من الرسالة المشتركة وتوقيتها كان بهدف التأثير على قرار الفيفا قبل الصدور، ليأتي الرد السعودي مطالبا الاتحاد الفلسطيني بكتابة الرسالة بشكل منفرد للفيفا شارحاً فيها الأسباب الموجبة لنقل مكان المباراة لتوقيعها وإرسالها، وترافق ذلك بطلب تحديد موعد المباراة بتاريخ 29/10/2015 ورفض خيار الجزائر، وهذا الموقف مخالف لما تم الاتفاق عليه في الرياض بين الوفدين، وفي هذه الأثناء كانت اللجنة المنظمة لكأس العالم تنظر في الشكوى السعودية لتقرر مكان المباراة في فلسطين وموعدها في 5/11/2015، وكموقف ثابت أعلن الاتحاد الفلسطيني التزامه بهذا القرار، وبدأ إستعداداته الفنية والإدارية لإستقبال الطواقم الفنية والأمنية والحكام، مع تأكيده على إحترام أي قرار يصدر من الفيفا بشأن الاستئناف السعودي على القرار الأخير حسب المعلن.
إنّ الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم ينظر للعلاقة التاريخية بين البلدين الشقيقين بإيجابية عالية، ويؤكد على احترام هذه العلاقة وأهمية استمرارها، آملاً أن تكون هذه الأزمة فرصة للاشقاء في الاتحاد السعودي لاعادة النظر في آليات التعاطي مع هذه الأزمة وبما يحفظ مصلحة الجميع.