القدس - معا - صدرت مجموعة "فراشة البوح" القصصيّة للأديب الفلسطينيّ عمر حمّش في شهر اكتوبر 2015 عن مكتبة "كل~ شيء" في حيفا. وتقع المجموعة التي صمّم غلافها وأخرجها شربل الياس في 105 صفحات من الحجم المتوسّط.
ويعتبر الأديب عمر حمّش المولود في العام 1953 في قطاع غزّة من روّاد القصّة القصيرة بعد الاحتلال، وشغل عضوا منتخبا في الهيئة الاداريّة لاتّحاد الكتّاب، عمل محرّرا في مجلة الكاتب المقدسيّة، وكان قد تعرض للاعتقال عدّة مرات، وصدرت له قبل هذه المجموعة مجموعات قصصيّة وروائية أخرى منها:
- أزهار إلى مقبرة المخيم – مجموعة قصصية- صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1990م.
- الخروج من القمقم مجموعة قصصيّة صدرت طبعتها الأولى عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1992م وطبعتها الثّانية عن وزارة الثّقافة عام 2001م.
- عودة كنعان –مجموعة قصصيّة- صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 1996م.
- في حزيران قديم - رواية – صدرت عن وزارة الثّقافة عام 2001م.
- قصص فلسطينيّة/ مجموعة مشتركة صدرت عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين عام 2003م.
- فخاخ الكلام- مجموعة قصص قصيرة جدّا صدرت عام 2013 عن وزارة الثقافة الفلسطينيّة.
من تابع ويتابع ما يكتبه أديبنا عمر حمّش، سيجد أنّه بدأ بداية قويّة ولافتة، لكنّه لم يركن إلى ذلك، فاستمرّ يطالع ويثقّف نفسه، يثري لغته، ويطوّر أدواته الكتابيّة، بحيث أنّ كلّ اصدار جديد له، يظهر فيه تطوّرا تكنيكيّا مدهشا، حتّى بات أديبنا يرسم قصصه لوحة بلاغيّة لافتة شكلا ومضمونا. والتّكثيف اللغويّ وجماليّات اللغة عند الأديب حمّش ليست حكرا على قصصه القصيرة جدّا فقط، بل تتعدّى ذلك إلى القصّة القصيرة أيضا. ولا نبالغ في القول بأنّ أديبنا يختصر رواية في أقصوصة، كما يختصر ملحمة روائيّة في قصّة. وهذا ما يظهر جليّا في مجموعته القصصيّة الأخيرة "فراشة البوح الصادرة مؤخّرا عن مكتبة كل شيء في حيفا".
ففي قصّة "فراشة البوح التي تحمل المجموعة اسمها نرى كيف يسرد الكاتب تجربته الاعتقالية، في فترة التّحقيق، وما تعرّض له من تعذيب جسدي ونفسيّ، "رأسي منتصبة في كيس، ذراعاي خلفي موصدتان، ينهب دمهما البعوض، قدماي تنتفخان في البعيد، أذناي تغادران، تغربلان الصّوت الذي يأتي" ص4.
والمعتقل بهذا الوضع لا يميّز الوقت" تقول عيناي لعتمة الكيس: هذا عصر، هذا فجر."ص4. وأثناء صلبه على الحائط وهو بهذه الحال، وما يصاحبها من آلام مبرحة" تغافلني رأسي" تسقط على صفحة الجدار، فتدقّها حبيباته البارزة" ص5. ونظرا لاتّساخ المكان وانتشار الحشرات فيه، فتقوم بلسع المعتقل ومصّ دمائه " هذه الحشرات جند لهم مجنّدة، كانت مدرّبة، تعمل بدراية، تجاورني، وقبل أن تلدغ، تدور ما بين كيسي ودمي." ص5. ومع كلّ هذه العذابات في سجن عسقلان، إلّا أنّه لم ينكسر ولم يتخلّ عن أحلامه الانسانيّة، لذا فهو يرى نفسه فراشة تخرج من الزّنازين، تعود به إلى حيث هُجّر أبواه وجدّاه، تعود إلى " أصل مكان السّوق، أمّي كانت هنا...أبي كان هنا، أعرف الطّرقات، المسجد القديم، جداره الذي جعلوه حوانيت خمر" ص6. ويسمع نداء جدّه المدفون في مقبرة عسقلان. ثم يحوم حول قبر جدّه، متذكّرا أن والده دفن في مقبرة المخيّم، بعيدا عن قبر والده،"جدّي هنا...أبي هناك...بين قبريهما سياج يفصل الأرض عن السّماء"ص7.
وفي هذه القصّة نرى جانبا من جوانب النّكبة وما عاناه اللاجئون، فحتّى الجثامين تشتّت، ولم تعد تحويها مقبرة واحدة، وهذه المعاناة طالت ثلاثة أجيال: الجدّ، الابن والحفيد.
والقارئ لهذه القصّة يلاحظ ابداع القاصّ في طرح المأساة دون مباشرة أو شعارات، تاركا للقارئ أن يستنبط ما بين السّطور من معاني.
هذه واحدة من قصص المجموعة التي لا تغني عن قراءة القصص الأخرى، خصوصا وأنّنا أمام أديب متميّز.