سعيد عياد يدعو الفصائل لاعادة النظر في أدبياتها السياسية
نشر بتاريخ: 05/12/2015 ( آخر تحديث: 06/12/2015 الساعة: 00:46 )
بيت لحم - معا - دعا الدكتور سعيد عياد أستاذ الإعلام في جامعة بيت لحم ورئيس دائرة اللغة العربية والإعلام في الجامعة الفصائل الفلسطينية إلى إعادة النظر في أدبياتها السياسية التي تكرس "هُوية فلسطينية تمييزية حجابية" تنمي فكرة الإنكار والنفي والإقصاء في الفكر السياسي الفلسطيني.
وأضاف عياد في بحث علمي بعنوان "سؤال الهوية في ثقافة الحوار وقبول الآخر بعد أوسلو" الذي قدم في يوم دراسي عقد في جامعة بيت لحم, أن الهوية الفلسطينية بعد " أوسلو " صارت ملتبسة وطنيا، وقد أدت الفئوية الحزبية التي تمظهرت بعد أوسلو إلى نمو "ما قبل الفلسطينية" إذ أعيد تعريف الفلسطيني على أساس فصائلي / حزبي وليس على أساس الكل الوطني، فيعرف الفلسطيني نفسه بأنه "فتحاوي فلسطيني أو حمساوي فلسطيني أو جبهاوي فلسطيني وهكذا، وليس فلسطيني فتحاوي أو فلسطيني حمساوي ، كما قاد ذلك إلى تكريس فكرة رفض الحق في الاختلاف وكذلك التدافع السلبي، وكان ذلك من دوافع الانقسام الفلسطيني القائم.
وأضاف د. عياد في معرض تحديده مشكلة البحث أنه تتبع أدبيات فكرية وسياسية وأدبية فلسطينية خلال العشرين سنة الماضية ، منها مواثيق تأسيس الفصائل وبيانات سياسية صادرة عن مؤتمرات الفصائل العامة، إضافة إلى مراجعة خطابات رسمية للرئيس محمود عباس وإسماعيل هنية ، وكذا مراجعة نصوص أدبية لكتاب فلسطينيين، فلاحظ أن سؤال الهُوية في الثقافة الفلسطينية يلتزم معايير محددة في تشكيل هذه الهُوية بينما ثمة معايير أخرى غائبة أو مغيبة . فالفرد ومن ثم المجتمع السياسي في ثقافتنا يتبنيان شقا واحدا من الهُوية ويغيبان الجانب الآخر من هذه الهُوية، وبالتالي تبني مرجعية أحادية في التعامل مع الآخر الفلسطيني.. قبولا أو رفضا.
فتلك الأدبيات المشار إليها تتبنى نمطا محددا للهوية الفلسطينية ترتكز إلى ثلاثة معايير منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي هي :
• معايير اجتماعية مطلقة ( الاسم، العشيرة / العائلة ، مكان السكن ) وهذه كرست المخيال القبلي العشائري ومن ثم جعلت القبائيلية المحرك الأساس في بناء العلاقات وتحديدها مع الآخر الفلسطيني المختلف.
• ومعايير ( الديانة، ومكان السكن) والتي تنتج الجهوية
• ومعايير سياسية : الانتماء السياسي / الفصائلي.
وما يترتب على ذلك من أفعال تمييزية كالرايات الفصائلية، والشعارات الحزبية والرموز القيادية الحزبية وغير ذلك ،
وأوضح عياد أن هذه المعايير أنتجت هُوية تمييزية تتسم بخصائص عديدة من أبرزها أنها تقوم على ثنائية ( نحن _ هم ) أي طرف مقابل طرف آخر، ونلاحظ هنا أن نحن تفيد القرب وهم تفيد البعد، وداخل هذه الثنائية التقابلية تنبثق ثنائيات أو دوائر حكمية وأيديولوجية معيارية.منها دائرة سياسية ،تتأس على ثنائية ( المركز _ الأطراف ) وهي ثنائية معيارية، أي ثمة طرف فلسطيني مركز وجوهر ، يقابله طرف فلسطيني ( هامش / براني ) لنأخذ أمثلة مستدعاة من تلك الأدبيات.
• ففصائل منظمة التحرير تركز في سياقات تركيبتها وبنيتها وهيكلتها وكيفية اتخاذ القرار على ما يسمى بالديمقراطية المركزية ( فتح، الجبهة الشعبية، الديمقراطية وغيرها )، ما يعني أن قاعدتها الجماهيرية هي مجرد طرف، وإذا كان الأمر كذلك فإن الفصائل المختلفة هي بالضرورة هامش بالنسبة لها.ولا يختلف الأمر كثيرا لدى حركة حماس فهي تكرس مبدأ السمع والطاعة، أي طاعة ولي الأمر، أو الأمير .وعلى ضوء ذلك تم تقسيم الفضاء السياسي الفلسطيني إلى تيارين هما التيار العلماني والتيار الديني، وفي داخل التيار العلماني تتبنى الهُوية التمييزية على سبيل التمثيل شعارات ومفاهيم سياسية محددة ذات بعد رمزي في وصف الفصيل الآخر المختلف ، فقوى اليسار : تتبنى مصطلح ( القيادة المتنفذة ) لوصف القيادة الرسمية للمنظمة أو فصيلها الرئيس فتح، كما تتبنى مصطلح القوى الرجعية لوصف فكر التيارات الإسلامية. وفي المقابل تتبنى حركة فتح شعارات ومفاهيم سياسية معيارية تمييزية ضدية في وصف الفصائل المختلفة أو المعارضة مثل( القوى التابعة، أو نحن نمثل المشروع الوطني أو نحن أب المشروع الوطني ).أما التيار الإسلامي : فيتبنى رؤية سياسية مطلقة من مثل ( نحن حراس المقاومة، أو الإسلام هو الحل، أو الإصلاح والتغيير )، ويلاحظ أن هذه الشعارات تضمر النفي والإنكار.
• والدائرة الثانية وهي الدائرة الدينية : وهي الأخطر، إذ تأخذ أبعادا سياسية ذات مضامين دينية عديدة منها ،
• _ الطائفي : مسلم / مسيحي
• _ المذهبي : سنة / شيعة
• في البعد الطائفي : من وجهة نظري أن ثنائية المركز والأطراف الفصائلية أُسقطت بكيفية غير مرئية على الجانب المذهبي ( سنة / شيعة ) فمن خلال تتبعنا كانت تُردّد شعارات في إطار الصراع الفصائلي وذلك من طرف بعض مؤيدي فصائل علمانية ضد مؤيدي فصائل إسلامية باتهامهم بأنهم شيعة، في محاولة لاستدعاء قوة إضافية سلبية ضد المختلف..أما في جانب مسلم / مسيحي، فمع أن أدبيات الفصائل لا تتعرض لهذه الثنائية، إلا أن فكرة قبول التمييز السياسي والأيديولوجي بين القوى السياسية على أساس تبنى هُوية تمييزية أسهمت بشكل بكيفية غير مباشرة في إنتاج هُوية اجتماعية تمييزية تنطلق من تصنيف هذا مسلم وهذا مسيحي ، وقد كرستها الفصائل بنظام الكوتا في الانتخابات أو التشكيل الحكومي وفقا لمعيار العدد البشري وخاصة للمواطنين المسيحيين.وأوضح عياد في بحثه بهذا الصدد، أن هذا التكريس غير المرئي تجلى على نحو أوضح في أبعاد أخرى على مستوى أدنى ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال كتابة بعض الشبان عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن الاختلاف على أساس ديني بكيفية علنية ومباشرة.
والدائرة الثالثة وهي الدائرة الأيديولوجية، والتي تقوم على ثنائية الحق المطلق والباطل المطلق، مع رفض مطلق للوسطية السياسية.وثمة نصوص كثيرة في أدبيات الفصائل التي تؤسسها لأيديولوجية الإقصائية.
واستخلص البحث أن الهُوية التمييزية الفصائيلية هي هُوية حجابية، بمعنى أنها تحجب كل ما عداها أو سواها وفقا لقاعدة المسموع والمنوع.وقد نتج عن هذه الهُوية التمييزية:
_ الأبوة السياسية التي تكرس الفصيل الأب الاستعلائي في كلا التيارين العلماني والإسلامي، الذي يفكر ومن ثم يقرر أما باقي الفصائل فه تابعة تنفذ ولا تناقش أو عدت مناكفة أو مهددة للوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية العليا.وقادت الأبوة السياسية إلى رفض الحق في الاختلاف، إذا لا يحق لآخر أن يختلف في الرؤية والممارسة وإلا اعتبر برانيا يخدم أجندة أخرى غير وطنية.ونتج عنها أيضا رفض الحق في النقد السياسي المزدوج ووصف النقد بأنه نوع من أنواع التهديم. وأخطر ما في ذلك نمو ما قبل الفلسطينية حيث تكرست القبلية والعصائب وإن كانت بمسميات سياسية أو فصائيلية، وهذه جعلت العصبوية عنوانا بارزا للهُوية التمييزية. ثم نتج عنها التدافع السلبي الخطير، فجرى على سبيل التمثيل دفع الفساد بانقلاب، أي تم دفع سلبي بسلبي أخطر.
وأكد د. عياد في بحثه الذي لاقى اهتماما كبيرا ونقاشا مستفيضا ، على ضرورة إعادة بناء الهُوية الفلسطينية على أساس ( الفلسطينية ) التعددية والتنوع ، التي تقوم على معادلة ( أنا _ أنت ) بدلا من ثنائية ( نحن _ هم ) ، إذ نجد أن ( أنا _ أنت ) متمركز في دائرة واحدة تكاملية وليس في دوائر متصادمة إحلاليه، وهي تقوم في الأساس على تعددية التنوع في الفكر والرؤى انطلاقا من البعد الفلسطيني وليس البعد الفصائلي أو الطائفي، أي أن جوهرها هو الوعي ومكونها الأساس العقل والانتماء وليس الأيديولوجي أو الاجتماعي.وهذه الهُوية بالضرورة تحتاج إلى آخر فلسطيني ( أنا _ أنت ) ، "فأنت" لا زمة من لوزم وجود "" أنا ""،أي أن شرط وجود "" أنا"" وجود "" أنت "" وهي معادلة متساوية، ما يعني أنني أجد نفسي في ذاتك وتجد أنت نفسك في ذاتي.ولا يقصد بذلك التذويت، وإنما يعني التكيف، تكييف الأفكار والرؤى ، ومن خلال المواءمة يمكن أن نصل إلى شيء مشترك للقضية الواحدة مصدر الاختلاف أو الخلاف.