"اطباء بلا حدود" تصدر قصصا عن المتضررين من الصراع في الاراضي المحتلة
نشر بتاريخ: 09/12/2015 ( آخر تحديث: 09/12/2015 الساعة: 13:15 )
شارك
القدس- معا - أصدرت منظمة أطباء بلا حدود سلسلة من القصص التي تدور حول المتضررين بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والمستفيدين من الخدمات التي تقدمها فرق الصحة النفسية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في الخليل والقدس الشرقية وغزة. وتجمع المنظمة هذه القصص لعكس واقع الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال. ويتم اصدارها شهريا من قبل المنظمة.
مصطفى سليمان
تعرض مصطفى للاعتقال والاستجواب وهو طفل يبلغ من العمر 11 عاماً. يعيش مصطفى في مسكن بدائي مع 21 شخصاً آخرين من أفراد عائلته، بينهم إخوته وأخواته السبع، فيما يقيم والداه وقطيعهم من الخراف في أريحا على بعد ساعة حيث يزورهم كل جمعة. يحب مصطفى الرياضيات واللغة العربية، كما أنه مولع بالعلوم ويرغب كذلك في العمل مع والده في البقالية والاعتناء به.
يقول أبو مصطفى بأن ابنه شقي بعض الشيء لكنه ذكي ويحصل على نتائج جيدة في المدرسة، إلا أن مصطفى شأنه شأن باقي الأطفال هنا يعيش في خوف. "أحلامهم تعكس واقع الحياة التي يعيشونها، فهم يشاهدون الغاز المسيل للدموع والقنابل والعنف اليومي". أحاول أن أجعل من بيتنا مكاناً آمناً ألجأ إليه حين أكون خائفاً حيث أختبئ تحت البطانية".
أخطار تحدق بطريقة العيش البدوية
يعيش اليوم نحو 40 ألف بدوي في فلسطين ومعظمهم لاجئون ونازحون ينتمون لقبائل أصلية استقرت في أراضٍ تناسب طريقة عيشهم قرب القدس والخليل وبيت لحم وأريحا. البدو مجموعة من القبائل يعيش أفرادها على الرعي والزراعة. أما البنى التحتية في مجتمعاتهم فبسيطة، إذ أنهم يقيمون في مساكن لا تصلها الكهرباء أو المياه ولا تخدمها أنظمة الصرف الصحي، رغم أنها أشياء يرغبون بالحصول عليها، وفي هذا الصدد تحاول بعض المنظمات غير الحكومية الدولية تحسين البنى التحتية. وقد كان لاحتلال الضفة الغربية عام 1967 أثر كبير على حياة البدو، فقد تضاءلت مساحة المراعي ومنعوا من دخولها، وأخذت الطرق المعبدة والقواعد العسكرية والمستوطنات تحتل الأراضي شيئاً فشيئاً وتحد من حركة البدو بشكل كبير. وعقب اتفاقيات أوسلو عام 1994، تم تصنيف معظم الأراضي التي يقطنها البدو تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي وخاضعة للإدارة الإسرائيلية، وهي تعرف باسم المنطقة C. كما أن زيادة القيود المفروضة على الحركة، وزيادة عنف المستوطنين وتوسع المستوطنات، إلى جانب عمليات الإنشاء المستمرة للجدار والقيود المفروضة على تشييد البنى التحتية الأساسية في هذه المنطقة، أمور فرضت قيوداً على أرزاق البدو الذين يعيشون في الضفة الغربية بما فيها القدس وأثرت بشكل كبير على حياتهم اليومية.
خطة النقل الإجباري
تعمل حكومة إسرائيل في السنوات الأخيرة على وضع خطط لإجبار البدو الفلسطينيين المقيمين من أرياف الضفة الغربية في المنطقة C على الرحيل وإعادة توطينهم. وكانت السلطات الإسرائيلية قد أعلنت في أبريل/نيسان سنة 2014 عن خطة لوضعهم في ثلاث مناطق محدودة ليس فيها مراعٍ لمواشيهم، ألا وهي الجبل ونعيمة وفصايل، إلا أن البدو رفضوا الخطة لأنها ستقضي على اقتصادهم الرعوي التقليدي وستدمر نسيجهم الاجتماعي وأسلوب حياتهم الريفي. بعض هؤلاء البدو لاجئون فلسطينيون أجبروا على ترك موطنهم في النجف خلال نزوح الفلسطينيين الذي أعقب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سنة 1948 وتأسيس دولة إسرائيل. يتمنى البدو لو يعودوا إلى أرض أجدادهم في صحراء النجف التي هي اليوم جزء من إسرائيل، أما اليوم فهم يريدون البقاء على الأرض التي عاشوا عليها منذ 70 عاماً، خاصةً وأن بعضهم ينحدرون أصلاً منها. لكن ما يوحدهم جميعاً هو رغبتهم في الحصول على الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها.
مجتمع مصطفى يبلغ تعداد تجمعات البدو المتناثرة في أرجاء المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومحيط حيفا نحو 7,500 نسمة، ويتنقلون موسمياً حيث يتجهون نحو المرتفعات صيفاً والمنخفضات شتاءً سعياً وراء الأراضي العشبية التي ترعى عليها مواشيهم يتنقل الرعاة بين موقعين محددين يقيمون فيها مساكن دائمة، وتقع في عناتا في القدس الشرقية والخان الأحمر في أريحا. ويكسبون رزقهم من بيع الجبنة والحليب اللتين تصنعهما النساء من الخراف والماعز.
حينما زرنا منطقة البدو في عناتا أول مرة لم نستطع أن نغفل وجود جدار الاحتلال الذي يفصل هذا التجمع السكني عن القدس، كما لم يكن بوسعنا أن نغفل الفقر الذي يسود المكان. وهذه الأرض التي يقيمون عليها منذ أكثر من 50 عاماً بعد نزوحهم من النجف لم تصبح ملكهم بعد، ولا يحق لهم بناء مساكن جديدة ولا يمكن اليوم لأي منظمة أن تساعدهم بسبب القيود التي تفرضها الحكومة، في حين يمكن للقوات الإسرائيلية أن تتوغل في هذه الأراض في أي وقت ليلاً كان أم نهاراً، حيث يدخل الجنود بعنف مستخدمين القنابل المسيلة للدموع ويعتقلون الأشخاص. كما اشتدت حدة المضايقات بعد إعلان خطة تهجير البدو التي تنظر فيها الحكومة الإسرائيلية، فخطر التهجير يعني مستقبلاً مجهولاً خاصةً وأن التهجير لا يعني إبعاد الناس عن أرضهم فحسب إنما هو إبعادهم عن مصادر رزقهم الشحيحة أصلاً.
وقد رحبت الأمهات بفكرة وجود مجموعة دعم تنظمها أطباء بلا حدود للأطفال، فهن يرين أن الكبار أقوياء ويمكنهم استيعاب الوضع والتعامل معه إلا أن الصغار أكثر هشاشةً ويحتاجون إلى الدعم للتأقلم مع المصاعب. وقد وجد الأطفال في هذه المجموعة مساحةً للتعبير عن مخاوفهم وأحزانهم إزاء الوضع الذي يعيشونه، كما أضحوا مدركين لسبل التأقلم بما فيها أهمية التعاضد والعمل الجماعي وتبادل المشاعر وخلق فضائهم الآمن في ظل بيئة مضطربة. وهناك رأينا هذه المصاعب حين اندلعت الاشتباكات أثناء زيارتنا، فقد كان بعض الأطفال الصغار يرتجفون من الخوف وكانوا يواجهون صعوبةً في التنفس بسبب الغاز المسيل للدموع، وكانوا جميعهم قلقين بشدة. فغالباً ما تدهور حال الأطفال حين يتعرضون لمثل هذا العنف، إذ يبللون فراشهم ويتعلقون بوالديهم ويخافون من العتمة. أما الأطفال الأكبر سناً فقد يتمردون ويميلون إلى العنف. وضمن المجموعة نجد بأن الأطفال نجحوا في التغلب على ردود فعلهم وحصلت أمهاتهم على معلومات ونصائح تساعدهم على فهم هذه الحالات. يتولى أطفال البدو المسؤولية وينضجون أبكر من غيرهم كي يدعموا مجتمعاتهم، وتبدو صلابتهم جليةً في إطار المجموعة وهذا الأمر ينطبق على قلقهم وخوفهم. وقد كانت المجموعة في نهاية المطاف بمثابة إعادة استكشافٍ لمكامن قوتهم.