رام الله -معا- اكدت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان في الذكرى السابعة والستين لإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلية في انتهاك وسلب حقوق الشعب الفلسطيني والإفلات من العقاب. فقد قتلت قوات الاحتلال 118 شهيداً فلسطينياً منهم 25 طفلاً خلال الشهرين الماضيين.
ويأتي هذا اليوم عقب شهرين متتاليين من العنف المستمر والانتهاكات واسعة النطاق بحق الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال رداً على الهبة الشعبية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا يزال حتى هذه اللحظة 6500 اسيراً ومعتقلاً فلسطينياً يقبعون في سجون الاحتلال، بينهم أكثر من 450 طفلاً و587 معتقلاً ادارياً دون تهمة او محاكمة، وخمسة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وقامت قوات الاحتلال خلال الشهريين الماضيين بتصعيد السياسات والممارسات القمعية ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة في انتهاك صارخ لحقوق الانسان والحريات الأساسية، وتقوم قوات الاحتلال منذ بداية تشرين اول بحملات اعتقالات واسعة في الارض المحتلة طالت ما يقارب 2256 فلسطينياً من بينهم أكثر من 399 طفلاً، هذا بالإضافة إلى 247 فلسطينياً تم تحويلهم للاعتقال الاداري دون تهمة او محاكمة.
وتواصل مؤسسة الضمير رصد ممارسات قوات الاحتلال بالاعتقال التعسفي اليومي للفلسطينيين، واستخدامها واسع النطاق للتعذيب وسوء المعاملة بالإضافة الى اعدام الفلسطينيين خارج نطاق القانون، وتهدف هذه السياسات الى فرض عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين رداً على الانتفاضة الشعبية.
لا ينبغي اخضاع أحد للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي
تنص المادة 3 والمادة 9 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أن لكل انسان الحق بالحرية والحق في عدم التعرض للاعتقال التعسفي. لكن الفلسطينيين يعانون من سياسة الاعتقالات التعسفية على يد قوات الاحتلال منذ عقود، فمنذ عام 1967 قامت قوات الاحتلال باعتقال ما يقارب 800 ألف فلسطيني، واستخدمت هذه الاعتقالات من قبل الاحتلال كوسيلة لفرض السيطرة والعقاب الجماعي وقمع أي شكل من اشكال مقاومة الاحتلال، كما استخدمت كوسيلة لقمع الحياة المدنية والسياسية في المجتمع الفلسطيني. ومنذ عام 1967 تم تحويل 50 ألف فلسطيني للاعتقال الاداري دون تهمة محددة أو محاكمة، استناداً الى مواد سرية لا يمكن للمعتقل او المحامي الاطلاع عليها. حيث تقوم قوات الاحتلال بتنفيذ حملات اعتقال جماعية في اوقات التصعيد أو كاستجابة للتطورات السياسية في الارض المحتلة مما يزيد من نهج الاعتقالات التعسفية.
اعتقلت قوات الاحتلال منذ 1 تشرين الأول 2015 ما معدله 30 فلسطينياً في اليوم، أي ما يقارب 2256 حالة اعتقال. وتم اخضاع 247 فلسطينياً من هذه الحالات للاعتقال الاداري دون توجيه تهمة او محاكمة، ودون اعطاء المعتقلين امكانية الطعن في اعتقالهم. ويقبع في الوقت الحالي أكثر من 587 فلسطينياً رهن الاعتقال الاداري التعسفي، بينهم اربعة اطفال ونائبان في المجلس التشريعي الفلسطيني. ونظرا لارتفاع عدد حالات الاعتقال، قامت مصلحة السجون الاسرائيلية بفتح اقسام جديدة في السجون لاستيعاب هذا العدد المتزايد من المعتقلين الفلسطينيين، حيث تم فتح قسمين من الخيام في سجن النقب، وقسم في سجن جلبوع، وقسم "غيفون" للأطفال في سجن الرملة، بالإضافة الى قسم خاص للأسيرات الفلسطينيات في سجن الدامون.
لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة
يتعرض الفلسطينيون لكافة اشكال سوء المعاملة والتعذيب بشكل مستمر اثناء الاعتقال واثناء النقل والتحقيق، قامت مؤسسة الضمير خلال الشهرين الماضيين بتوثيق ممارسات الاحتلال بتصعيد استخدام العنف والقوة المفرطة ضد الفلسطينيين اثناء الاعتقال، وتم اعتقال عدد من الشبان الفلسطينيين بعد ان قامت قوات الاحتلال بأطلاق النار عليهم بزعم انهم كانوا يريدون القيام بعمليات طعن. وتعرض العديد من الفلسطينيين الذين اعتقلوا بعد إطلاق النار عليهم للنزيف والتحقيق اثناء العلاج في المستشفيات وهم مكبلين بأسرة المستشفى، كما تعرضوا لجلسات تحقيق قاسية بعد وقت قصير من خروجهم من المستشفى.
المعتقل ابراهيم شويكي (22 عاماً): اعتقلت قوات الاحتلال إبراهيم شويكي في تاريخ 12/11/2015، واتهمته بالتحريض على العنف عن طريق موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وتعرض ابراهيم لاعتداء وحشي على يد السجانين والضباط بعد مداهمة زنزانته ليلاً، واجبروه هو ومعتقلين اخرين على الاستلقاء ارضاً ثم اشار أحد السجانين على إبراهيم، وقام اخر بضربه مباشرة على الرأس باستخدام هراوة، ثم شرع اخرون على لكمه وركله. ثم نقل ابراهيم لغرفة الانتظار، وهناك تم تكبيل يداه وشد القيود بشكل كبير مما منع تدفق الدم ليديه. صاح ابراهيم من الالم لساعات مطالباً بتخفيف القيود عن يديه، لكن لم يستجيب أحد لطلبه. تم نقل ابراهيم للعزل الانفرادي كعقاب للصلاة بصوت مرتفع في الزنزانة وخاصة لقوله "الله أكبر" بصوت مرتفع اثناء الصلاة. كما تم الاعتداء على ابراهيم اثناء وجوده في العزل الانفرادي بعد أن طلب الاتصال بعائلته، مع العلم أن القاضي سمح له بإجراء مكالمة هاتفية مع عائلته. وعلى الرغم من معاناة ابراهيم من الالم الشديد، خاصة في منطقة الظهر، بعد الضرب المبرح الذي تعرض له الا انه لم يتم عرضه على طبيب الا بعد اسبوع من الاعتداء، وبحلول ذلك الوقت كانت الكدمات وعلامات الضرب بدأت بالاختفاء.
تمارس قوات الاحتلال كافة أشكال المعاملة اللاإنسانية بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطيني في سجون الاحتلال، وشكا العديد من المعتقلين الفلسطينيين المحتجزين في مركز توقيف حوارة مثلاً من ظروف الاعتقال السيئة، وافاد المعتقلين بأن الطعام الذين يتلقونه غير كاف ودون أي جودة غذائية، كما اشتكى المعتقلون من قذارة الزنازين وأنها لا ترتقي الى أدنى مستويات النظافة بالإضافة لكونها شديدة الاكتظاظ، حيث يتم احتجاز ستة معتقلين في زنزانة حجمها 4*3.5 متر. كما افاد المعتقلون في مركز توقيف حوارة بأن الفراش الذي تلقونه شديد القذارة، وبأنهم لم يحصلوا على ملابس لأيام، كما قام المعتقلين في مركز تحقيق عوز بالتصريح عن سوء المعاملة الذي يتعرضون له. وافاد المعتقلين (من بينهم اطفال) بأنهم تعرضوا هناك للتكبيل وتم تركهم لساعات على الارض في البرد خارج المحطة او في "كرفانات" قبل نقلهم الى مراكز الاعتقال، وافاد المعتقلين بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة والعنف الجسدي على يد المحققين.
لا يجوز ممارسة اعتقال الأطفال أو احتجازهم إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية
بموجب قوانين حقوق الإنسان، يجب توفير حماية خاصة للأطفال وإعطاء الأولوية دائماً للمصلحة الفضلى للطفل. يحرم الميثاق العالمي لحقوق الطفل والذي وقعته سلطات الاحتلال عام 1991 اعتقال الأطفال واحتجازهم بشكل تعسفي، ويؤكد بأن احتجاز الأطفال واعتقالهم يستخدم فقط كملجأ أخير ولأقصر فترة مناسبة. في المقابل فإن الأطفال الفلسطينيين يتعرضوا بشكل مستمر ومنهجي للاعتقال والاحتجاز على يد قوات الاحتلال، كما ويتعرض الأطفال في غالب الحالات لسوء المعاملة وعدة صنوف من الانتهاكات والمعاملة المهينة، وغالباً ما يتم اعتقال الأطفال الفلسطينيين خلال اقتحامات في منتصف الليل، ويتم الاعتداء على الأطفال جسدياً ولفظياً خلال الاعتقال والنقل والتحقيق.
بلغ عدد المعتقلين الأطفال حوالي 20% من أعداد المعتقلين منذ بداية شهر تشرين الأول، بحيث تضاعف عدد الأطفال المحتجزين لدى سلطات الاحتلال 3 مرات منذ بداية شهر تشرين الأول من 156 طفلاً نهاية شهر أيلول إلى 450 طفلاً اليوم. هذا وتحتجز سلطات الاحتلال اليوم أربعة أطفال بأوامر اعتقال إداري، بحيث تعتبرهم سلطات الاحتلال يشكلون خطراً مباشراً وحقيقياً على أمن دولة الاحتلال، بحسب ما ورد في أوامر الاعتقال الإداري الصادرة بحق الأطفال. كما وتستمر سلطات الاحتلال باستهداف الأطفال الفلسطينيين عبر سياسات وقوانين جديدة، من ضمنها مشروع قانون جديد يمكن بموجبه تمرير أحكام بالحبس الفعلي بحق أطفال حتى عمر 12 عاماً، بالإضافة إلى تعديلات جديدة لقوانين العقوبات والتي يفرض بموجبها عقوبة تصل حتى 20 عاماً لرمي الحجارة وتحديد العقوبة الدنيا لرمي الحجارة ل3 أعوام.
حالة الطفل علي علقم (12 عاماً): هو أصغر طفل محتجز حالياً في سجون الاحتلال، اعتقل على بتاريخ 8/11/2015 بحجة محاولة تنفيذه عملية طعن في القطار الخفيف في القدس المحتلة، حيث أطلق حارس القطار ثلاثة عيارات نارية على الطفل علي في منطقة الحوض والبطن وفي يده اليمنى، وقد خضع الطفل علي لعدة عمليات جراحية على إثر إصاباته، وقد تم نقله بعد أسبوعين إلى مركز تأهيل داخلي بانتظار استكمال إجراءات محاكمته، كما واعتقل الطفل معاوية علقم (14 عام) ابن عم علي في سياق نفس الحادثة إلا أنه محتجز حاليا في سجن جفعون.
الطفل سلام قرعان (16 عاماً): اعتقل قرعان يوم 14 تشرين الأول على يد قوات الاحتلال أثناء عودته من المدرسة في رام الله، حيث اعتدى أحد جنود الاحتلال عليه من الخلف أثناء مشيه في طريق المنزل، ثم بدأ الجندي ومعه ثمانية جنود آخرين بالاعتداء على سلام وضربه لما يزيد عن 5 دقائق، فقد تم ركله في معدته عدة مرات وفي الخصيتين مرة واحدة، ثم قام الجنود بجر الطفل سلام على الأرض مما تسبب له بعدة جروح في أنحاء جسمه وخاصة في رأسه ويديه، بعدها تم نقل سلام لإحدى المستوطنات القريبة حيث تم عصب عينيه هناك وإجباره على الانتظار لعدة ساعات تعرض خلالها للصفع عدة مرات كما وقام الجنود بالتقاط عدة صور له.
الأطفال وحيدون في سجن جفعون
وافتتحت سلطات الاحتلال سجن جفعون خلال شهر تشرين الأول لاستيعاب العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم، حاليا هناك ما 70-75 طفل تقريباً محتجزين في سجن جفعون، وقد أعلم الأطفال محامو مؤسسة الضمير خلال عدة زيارات لجفعون عن تعرضهم لسوء المعاملة ومعاناتهم من الظروف الغير صحية والرطوبة العالية في السجن، كما واشتكى الأطفال من رداءة الطعام الذي يتلقونه ومن قلته.
والأطفال في جفعون معزولين عن باقي الأسرى السياسيين الفلسطينيين البالغين الذين يساندوهم اجتماعياً ونفسياً ويساعدونهم بالتواصل مع إدارة السجون والسجانين، وقد أبلغ عدد من الأطفال محامية مؤسسة الضمير منى نداف خلال زيارة في 3 كانون الأول 2015، أنهم يعانون من الكوابيس واضطرابات في النوم وفقدان الشهية والحزن والعزلة، كما وذكر الأطفال أنهم تعرضوا لسوء المعاملة والاعتداء أثناء التحقيق بما في ذلك حرمانهم من النوم والأكل والتعرض للضرب والتهديد أثناء التحقيق، كما واشتكى عدد من الأطفال الذين أصيبوا أثناء اعتقالهم من عدم تلقيهم العلاج الطبي اللازم أو تلقيه بشكل متأخر.