نشر بتاريخ: 28/12/2015 ( آخر تحديث: 28/12/2015 الساعة: 12:57 )
سلفيت- معا- شيّع مئات المواطنين الفلسطينيين، الليلة الماضية، جثمان الشهيد محمد زهران من بلدة كفر الديك غربي سلفيت، والذي استشهد برصاص قوات الاحتلال، بدعوى تنفيذ عملية طعن عند مدخل مستوطنة "ارائيل" الصناعية الجاثمة على اراضي بلديتي كفر الديك وبروقين، يوم الخميس المنصرم بتاريخ 24/12/2015.
وانطلق موكب تشييع الشهيد من أمام مستشفى الشهيد ياسر عرفات الحكومي بمشاركة مئات المواطنين، حيث نقل الجثمان إلى منزله لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، ومن ثم نقل محمولاً على الأكتاف إلى المقبرة ووري الثرى في ظل هتافات وطنية تمجد الشهيد وتندد بجرائم الاحتلال.
وبالزغاريد والوورد استقبلت والدة الشهيد محمد عند وصوله محمولا على أكف رفاقه، عانقته بصمت وأطلقت زغرودة مدوية في باحة منزلها معلنة انه عريس الحياة الآخرة ليكون الوداع الاخير.
وبقوة صبرها اخذت تحدثنا بصوت يعتريه الحزن والالم والحسرة عن ابنها محمد قائلة: "اليوم عرس محمد، لم اخسر محمد لأن روحه ستبقى معي، لدي ستة ابناء، محمد 22 عاما اصغرهم بين الذكور، هادىء،متسامح، محبوب من قبل الجميع، كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن"، حاولت اخفاء دموعها ولكن سرعان ما خانتها لتأتي كلمات التهليل والمواساة تتصاعد من أفواه النساء اللاتي يملأن ساحة البيت، لتهدأ ثم تواصل: "يوم الخميس قبل خروجه للعمل طلب مني أن اعمل له شاي فعملت له كما اراد، جلست معه لدقائق، وبعد الانتهاء ودعني ولكن كان وداعه مختلفا لم يضع يده بيدي ليقبلها ككل يوم ولم ينظر لي بعد ان خرج، فكان مطلبه الاخير أن ارضى عليه ولم اعرف أن هذا هو الوداع الاخير، حتى اخوته ودعهم قبل يوم من استشهاده ولم ينتبه احد لذلك لانه لم يخطر ببال احد منا أن محمد سيقوم بعمليه استشهادية".
صمت وسكون خيم على المكان مرة اخرى ليكسره صوت احدى النسوة بدعائها بالرحمة له، لملمت والدة الشهيد محمد كلماتها لتواصل حديثها قائلة":محمد ادى مناسك العمرة مع والده، ترك والده لزيارة اقاربه في الاردن وعاد الى فلسطين، ليلقى ربه بالوقت الذي اختاره القدر له، كان المنزل يعج باصدقاءه والمهنئين بعودته، احضر معه كمية كبيرة من "ماء زمزم" وعندما سالته قال لي لكي تسقي المهنئين بعمرتي، ولم اتخيل أن المقصود بالمهنئين باستشهاده، والذي كان شرفا لنا، فهو فداء القدس والاقصى، وتكمل بحسرة والم ": بعد مغادرته المنزل بساعتين بدأت الوفود تأتي للمنزل وانا لم أعرف ما الذي يحدث ولكن قلبي سار بي الى محمد وأن شيئا حدث له، وبعد تكرار سؤالي عن سبب قدوم الناس، قالوا لي اأن محمد استشهد وهو من قام بطعن جنديين عند مدخل مستوطنه "ارائيل"، كان الخبر كالصاعقة ولم اصدق ما اخبروني به، وتدريجيا اقتنعت أن روح محمد خرجت لبارئها، الحمد لله على كل شيء، وتكمل، "لم افرح بمحمد ولكن اليوم فرحت به وها انا انتهيت من زفافه وازفه"، صمتت واخذت تبكي بدون صوت.
توجهنا الى والده ليحدثنا بمشاعر ممزوجه بالحسره والالم والصبر قائلا: "اليوم عرس محمد افتخر بما قام به، لقد قدم روحه فداء للوطن وللاقصى فلم يكن اول شهيد ولا سيكون اخر شهيد"، وتابع حديثه: "ذهبنا معا لاداء مناسك العمرة قبل ثلاثة اسابيع تقريبا، بعد تأدية مناسك العمرة تركني بالاردن وعاد الى فلسطين فلم اراه منذ اسبوع، لم يكن ظاهرا عليه انه سيقوم بعمليه استشهاديه، ولم اتوقع انها ستكون الايام الاخيرة التي تجمعني بمهجة قلبي محمد والذي كنت اخطط لتكملة بناء منزله من اجل أن ازوجه وافرح به، ولكن قدره أن يزف بالشهادة".
تركنا والده بحسرته لنكون مع " س" صديق الشهيد محمد ليحدثنا قائلا: "استشهاد وبعد محمد عني كسر ظهري، انا من اكثر الاصدقاء المقربين له، وكل شيء يخصه يحدثني به ويأخذ برأيي ولكن هذه المرة لم يخبرني ولم الاحظ عليه اي شيء، كنا نسهر كل ليلة معاً لنتحدث ونلعب "شدة"، وعند وصوله للمنزل بعد ادائه العمرة، توجهت وعدد من الشباب قبل استشهاده بيومين لتهنئته، وفي الليل اتصل بي ليطلب مني أن اذهب اليه في الصباح لكي استلم هديتي وهي عبارة عن "مسبحة، وقنينه عطر"، صمت لتنزل دمعته التي حاول تخبئتها، ولكن صدق حبه لمحمد فاق كل شيء، لينهي حديثه بكلمات بعد الترحم عليه قائلا": لن انسى محمد مهما طال الزمان، سيبقى توأم روحي، وافتخر بما قام به فهو شهيد حي يرزق بيننا".