لقاء مع الاسير شكري الخواجا : سجى وساجدة اّمال مقطعة لاستدراك طفولتهما كباقي أطفال العالم بغياب والدهما
نشر بتاريخ: 21/09/2005 ( آخر تحديث: 21/09/2005 الساعة: 06:02 )
معــــــــــــا - همة تناطح السحاب." بعين الله يا ختيار: وبتهون إنشاء الله"....
بهذه الكلمات تمتم ضاحكاً الأسير شكري الخواجا " أبو ساجدة، 38 عاماً، من قرية نعلين قضاء رام الله عندما عانقته مواسياً بعد تسلمه قرار تجديد اعتقاله إدارياً ولمدة 6 شهور أخرى بعد اعتقال دام أكثر من تسع سنوات...
انسالت هذه الكلمات على نفسه كندى - هكذا أحسست - لتحمي نضارتها من صفرة هذا الفرار العقيم.
أنفة.. عزة.. شموخ.. إباء..
أي إيمان هذا الذي يفعل بالإنسان معجزة "لا كمعجزة الخواجا " ؟! وأي همة تجعل الأسير يعانق الجوزاء كما فعل صاحبنا؟!
آه لو يعلمون ما فيك يا أبا ساجدة " لوفروا على أنفسهم ثمن الحبر الذي خط هذا القرار اللعين، والذي حاول فاشلاً أن ينال منك ومن عزيمتك التي لا تعرف الانحناء.
لكل فعل رد فعل....
وخلال دردشات وحديث متشعب أردف " أبو ساجدة"يقول : عندما تغتال آمال الأسير للقاء أهله وذويه باستمرار احتجازه لمجرد أنه يشكل خطراً مستقبلياً على ما يسمى أمن المنطقة والجمهور... وعندما تذبح أحلامه بالحرية والخلاص على مقصلة " الاداري" الذي لا تاريخ معه - بالضرورة- فإن مساحة اعتقاد الأسير تتقلص لإمكانية تحقيق ما يسمى بالسلام والعيش بسلام ... وهذا بالطبع ليس عجيباً في واقع تستخدم ضده كل أسلحة القهر والتعذيب".
وهنا فإن احجية الصراع بين شعب أعزل إلا من الإيمان بقداسة قضيته وعدالة حقوقه... وكيان يابى إلا أن يمارس الاحتلال بكل اصنافه على الثقافة والأرض والإنسان يتضح لغزها إذا ما أدركنا هذه المعادلة الصعبة والتي اشكلت على الكثيرين.
فمن يزرع بذور الحقد والكراهية بالتأكيد سيحصد العداء... ولا أظنه يحصد السلام والاستقرار، وقديماً قالوا لا دخان بدون نار!!
وهنا لا أمارس التحريض بقدر ما أحاول أن أوضح علاقة جدلية نشأت حول السبب و النتيجة وحول الفعل ورد الفعل بسبب جهل خامر كثيراً من العقول أو فكر معوج ظهر لمجرد اختلال موازين القوى في عالم نزع القداسة عن الإنسان وحيد القيم والأخلاق!!
مواقف إنسانية تفتت الصخر...
ومالنا نذهب بعيداً في صحاري السياسة القاحلة على رمضاء ملتهبة، فنحن مجموع الأسرى لا نجيد السير على هذه الطريق لا لقلة الامكانات وضعف الثقافات... بل لإنعدام أفق هذه الطريق ليس إلا...
واستبيحكم عذراً أن نعيش لحظات إنسانية مع ذوي الأسير " أبو ساجدة" علها توقظ الضمير وتحرك الطاقات الكامنة من أجل الوقوف بجدية أمام " مهزلة الاعتقال الإداري" الذي يعتبره الأسرى ممارسة تعسفية تستهدف إنسانيتهم وكرامتهم وتقضي على ما تبقى من أحلامهم وآمالهم.
فهذا والد الأسير " أبو ساجدة" يأتي أخيراً وبعد أكثر من خمس سنوات يجر جسده المثقل بالأمراض ليزور ابنه مع اقتراب موعد افراجه عله يعانق جسمه وينتزع منه قبلة قبل أن يغادر هذه الحياة، فكان مشهد الألواح الزجاجية التي تفصل بين المعتقلين وذويهم و تحول دون التحدث معهم بأريحية سيد الموقف، ليخيم الصمت على هذا اللقاء الأنساني المؤثر وتنعقد لسان الوالد من هول المشهد وعظم الموقف، ولم تنجح محاولات الإبن "شكري" لكسر هذا الصمت وهو يصرخ " كيف حالك يابه، كيف صحتك يابه" حتى قرع أحدهم جرس الزيارة معلناً انتهاءها والوالد على هذه الحال!!
أما عن زوجته التي تتجرع كأس فراق زوجها المر كل يوم، فلم تكد تسمع خبر تمديد اعتقال زوجها حتى قعدت عن الحركة لكسر أصاب قدمها وهي الآن طريحة الفراش.
ولقد اجتهدت أم ساجدة لزيارة زوجها منذ الأيام الأولى لاعتقاله، بيد أنها لم تنجح في ذلك لأسباب أمنية واهية!!
وساجدة إبنة ال - 13 ربيعاً لم تستوعب اعتقال والدها أصلاً حتى هذا اليوم، بل إنها تغضب على من يصرح باعتقال والدها، هي الى ذلك تديم الصرح في ذكريات تربطها بوالدها ؛ ولقد ظلت ساجدة تحلم برؤية والدها من جديد وتتوق إلى ضمة من صدره المفعم بالحب و الحنان، حيث تجهزت واستعدت لهذا اللقاء كما يفعل الأطفال للأعياد والمناسبات حتى جاء قرار تمديد اعتقال والدها لتجهش بالبكاء وتردد بأنفاسها الحرى " أريد أبي... أريد أبي.. اريد ابي" لتسوغ من مشاعرها الملتهبة قصيدة وتكون بحالها هذه المدى والمطلع.
وأخيراً وليس آخراً مع مشهد سجى إبنة التسع سنوات والتي لم تنصع لإمها بالتجهز لزيارة والدها لأنه سيكون معهم خلال أيام قليلة، حيث لم تتمالك نفسها وهي تسمع أمها تقول لها" بعين الله يمه، المخابرات مددت اعتقال أبوك" فقالت بنفس مكسورة وعين باكية " وقتيش راح أعيش زي باقي الأطفال؟! "
فحق لسجى وساجدة أن تتسائلان عن طفولتهما المعذبة وأحلامهما المصادرة ولكن لمن.. وكيف.. وإلى متى؟!
أن يحتجز الأسير كرهينة لمجرد أنه يشكل خطراً مستقبلياً على ما يسمى أمن المنطقة والجمهور أصبح ممارسة تقليدية بحق الأسرى الإداريين رغم تعسفها، أما أن يحتجز مع الأسير دفىء علاقته بزوجته وتحبس معه أحلام أطفاله فهذا ما لا تقبله الصخور الصماء، فما بالنا ببشر تحكمهم الانسانية وتحركهم الأخلاق؟!
ظلمات بعضها فوق بعض...
إذا كنت أسيراً فهذا يعني "كما يقول الكاتب وليد الهودلي" أن حركاتك وسكناتك مقيدة إلى أبعد الحدود... فكيف إذا كنت أسيراً وفاقداً للبصر في نفس الوقت؟! ما أصعب أن تكون في سجن داخل سجن اوأن تعيش في ظلمة فوق ظلمة !! فهذا حال الأسير شكري الخواجا، حيث غلف غشاء غريب منذ حوالي أكثر من سنة عينه اليمنى ففقد بصره فيها كلياً حتى انتقل إلى عينه اليسرى فأصبح يفقد بصره فيها رويداً رويداً ... وعندما خرج إلى عيادة السجن لإجراء الفحوصات اللازمة ولانتزاع قرار بإجراء عملية جراحية له ، قال له ما يسمى بالطبيب هناك: أنت بحاجة لعملية جراحية... ولكنك لا تزال تبصر جزئياً في إحدى عينيك!!
ليس غريباًَ أن يمارس السجان القمع أوالبطش، أما أن يمارسه الطبيب أو الممرض!! أن تقوم ملائكة الرحمة بدور ملائكة العذاب... لم أسمع بمثل هذا قط إلا في سجون الاحتلال الإسرائيلية.
ولقد انبرى ممثل المعتقلين " أبو سياف" بالضغط على إدارة السجن بالتوازي مع إلتماس قدمته جمعية أنصار السجين للمحكمة العليا الإسرائيلية من أجل التسريع في نقل الخواجا للمشفى لإجراء عملية جراحية له، بيد أن هذه الجهود لم تتكلل حتى هذه اللحظة بالنجاح... فالله درك " يا أبو ساجده" ما أصبرك!!
إلى متى...؟!
و كأسرى اداريين من حقنا أن نتسائل نحن الأسرى الإداريين... إلى متى سستمر دوامة الاعتقال الإداري؟! وإلى متى سنظل أسرى نفق طويل لا نهاية له؟! وإلى متى ستظل كرامتنا تنتهك وانسانيتنا تستباح لمجرد أننا نشكل خطراً مستقبلياً على ما يسمى بأمن المنطقة والجمهور؟! وإلى متى سيظل ضمير العالم في سبات مما نحن فيه من كابوس يطاردنا ليل نهار؟! وإلى متى ستبقى طفولة أبناءنا وبناتنا معذبة ؟! وإلى متى ستظل أزواجنا تإن بصمت؟! وإلى متى... وإلى متى ؟!
لحظة من فضلكم:
هنا لا نستدر العطف بقدر ما نحاول تأهيل معاني الانتماء _ إن جاز التعبير" للقضايا الإنسانية والأخلاقية ، وبقدر ما نحاول استدعاء الوعي والثقافة حتى يتحفز الأحرار وأصحاب الضمائر الحية لسلوك طريق الواجب العريض لوضع حد لمعاناة لم تنتهي فصولها بعد.
أنصار السجين... الخواجا رهينة ليس أكثر
وممثلا عن الاسرى الاداريين ومديرا لجمعية انصار السجين ومعايشا للاعتقال الاداري ، ندين تجديد الاعتقال الإداري للخواجا لنعتبران هذا القرار لا يستند إلى المشروعية ويتناقض مع القانون الدولي وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على الاحتلال احتجاز المدنيين كرهائن أو التعرض لهم بالضرب أو الشتم والسباب، ومن هنا فإننا نعتبر الخواجا رهينة ليس إلا.. وهذا يقودنا إلى التحذير من استمرار احتجاز المعتقلين الإداريين من أجل الابتزاز السياسي، أو لتحقيق مزاجية تحكم ذهنية ما يسمى بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.