مروان قاووق: قصص "باب الحارة" حقيقية رواها لي جدي ورواد المقهى- كاتب المسلسل الذي تابعه الملايين يكشف عن كواليس مثيرة
نشر بتاريخ: 24/10/2007 ( آخر تحديث: 24/10/2007 الساعة: 19:47 )
بيت لحم - معا- انفردت جريدة "الشرق الاوسط" السعودية الصادرة في لندن في عددها الصادر اليوم بكشف كواليس مثيرة تكاد توازي في متعتها متابعة حلقات الجزي الثاني من مسلسل باب الحارة الذي تابعه الملايين خلال شهر رمضان الفضيل وذلك من خلال مقابلة اجرتها مراسلة الصحيفة في دمشق سعاد جروس مع مروان قاووق كاتب المسلسل الذي كان يكنى بين ابناء بلدته بابو حسن حتى اصبح الاستاذ مروان بعد النجاح الكبير الذي حققه المسلسل . واليكم النص الكامل للمقابلة كما نشرتها الشرق الاوسط .
رغم النجاح الجماهيري الكاسح الذي حققه مسلسل «باب الحارة 2» وشهرة أبطاله عربياً، لم نتمكن من الوصول إلى رقم هاتف كاتب السيناريو بسهولة. بعد سؤال عدد كبير من الأشخاص في الوسط الإعلامي والفني، تمكنا بمساعدة الأصدقاء من الحصول على رقم هاتف الكاتب مروان قاووق صاحب العمل. لم نتوقع أن يشكل الحوار معه مفاجأة، إذ ظهر وكأنه خارج للتو من «حارة الضبع»، وربما انه لم يخرج بعد؛ يدافع عن شخصيات المسلسل وكأنهم يعيشون معه، ويبرر لهم تصرفاتهم على أساس انساني لا درامي. في حوار لا يفتقر إلى الطرافة المستملحة وشيء من الممازحة، المستمدة من العفوية والبساطة وروح اللهجة الشامية التي تحدث بها من دون فذلكة ولا حذلقة.
لأول مرة أتمنى لو أن حوارا كهذا نقل إلى القارئ بالصوت والصورة وكما يقال بالشامي (على حبته) أي طبيعته، كي لا يفقد شيئاً من عذوبته وطرافته، والأهم تشويقه النابع من كشف كواليس كتابة نص أدهش العالم العربي، وحاز اهتمام الكبير والصغير في ظاهرة غير مسبوقة. لكن ضرورات مهنية بحتة حتمت علينا إعادة صياغة لغة الحوار حرصاً على سلامة إيصال أفكار الكاتب والمعلومات الكثيرة المشوقة التي كشفها حوارنا معه:
> علمنا أن لسيناريو مسلسل «باب الحارة 2» قصة مشوقة فما هي؟
ـ الجزء الثاني من «باب الحارة»، كتبته قبل الجزء الأول بسنة كاملة، وعندما عرضته على المخرج بسام الملا، اقترح توضيح بعض الأحداث، مثل أسباب طلاق سعاد ودخول الأعمى إلى الحارة من خلال خمس حلقات تتضمن أحداثاً جديدة، أو كتابة جزء أول. فاخترت كتابة جزء آخر، وإضافة حكايات جديدة مثل تعرف أهل الحارة على الثوار ودخول الأعمى إلى الحارة وأسباب طلاق سعاد، وأضفت شخصيات مثل الحد عشري وزهرة. بعدما كتبت القصة، بدأت بكتابة السيناريو وأنجزت حوالي إحدى عشرة حلقة. ونظراً لضيق الوقت، حيث لم يتبق سوى شهر ونصف الشهر للبدء بالتصوير، اقترحت الشركة المنتجة والمخرج ادخال كاتب آخر معي في كتابة السيناريو، وشارك معي كمال مرة ، لكن ما جرى لاحقاً أن الشركة المنتجة ضغطت على المخرج ليضع اسم مرة معي على التأليف، مع أن القصة لي بكاملها وحوالي نصف السيناريو. عاتبت المخرج على هذا، وتصافينا وانتهى الأمر.
> هذا بالنسبة للجزء الأول، ماذا عن الجزء الثاني، هل تعرض للتغيير بعد إدخال حكايات جديدة على الجزء الأول؟
ـ سأكون صريحاً. كتبت مسلسل «باب الحارة» عام 2000 وكان اسمه "عودة سعاد". وتمحورت القصة حول طلاق سعاد من "أبو عصام" ثلاث مرات، وكي تعود إلى زوجها ستحتاج إلى حيلة شرعية. وهي الزواج برجل آخر، أي ما يعرف بالعامية بالـ(تجحيشة). وعليه يتم تزويج سعاد (ست حارة الضبع) من "أبو غالب" (الشخصية الوضيعة) من حارة "أبو النار". وعلى خلفية إعادة سعاد إلى "أبو عصام" تدور الصراعات والمشاكل بين الحارتين.
ما جرى أن المخرج الملا، بعد عرضه القصة على جهات خليجية، رفضت فكرة "التجحيشة"، وطلب مني تغييرها، فقمت بتغيير الفكرة. هنا يمكن القول إن "العمل فرط" وجرى تطليق سعاد مرتين، وأعيد بناء أحداث الجزء الثاني على هذا الأساس.
> ألا تعتقد أن العمل كان سيكون أفضل لو بقي النص على حاله؟
ـ المنتج والمخرج تمنيا أن لا يتغير العمل، لأن الأحداث كانت ستبدو طبيعية وغير مفتعلة، ولنتخيل المفارقات التي ستنتج عن زواج سيدة الحارة سعاد من "أبو غالب" بائع البليلة!!
> هل كان أبو غالب مصاباً بالجرب عندما تزوجته سعاد؟
ـ ( يضحك ..)
> هذا يعني أنك كتبت عملاً جديداً؟
ـ لا أكتمك سراً، قبل "باب الحارة" كان عندي مسلسل اسمه "عش الدبور"، كل حلقة لها قصة مستقلة، أعدت صياغته كقصص مترابطة متكاملة، ثم "دحشتها" في «باب الحارة».
«باب الحارة» تسميتي وأنا حر بها
> تبدو كواليس باب الحارة أكثر تشويقا من مسلسل "باب الحارة" ذاته؟
ـ هناك قصة أخرى لها علاقة بخط الصراع مع الفرنسيين، كانت مساحة هذا الخط أوسع وأكثر وضوحاً، حيث ذكرت في النص حادثة ضرب البرلمان وحوادث القلعة، لكن الرقابة السورية طلبت التخفيف من هذا الخط، فحذف منه الكثير، لأنه عندما تم شراء العمل كانت علاقة العرب مع فرنسا جيدة لموقفها الرافض لاحتلال العراق.
هذا ما صادف العمل، أولاً اعتراض خليجي على الخط الاجتماعي الشرعي، وثانياً، اعتراض سوري على الخط السياسي، الأمر الذي اخر انجاز العمل لصالح انجاز "ليالي الصالحية"، علماً أن «باب الحارة» كان عن بيئة منطقة الصالحية بالذات، ولكن بما أن "ليالي الصالحية" سبق عملي، فقد طلب المخرج تعديل العمل، ورسم نموذج آخر للحارة، وعدم الإشارة للصالحية.
> المسألة ليست فقط تغيير تسمية، فبيئة الصالحية اقرب للريف. ففي الفترة الزمنية للمسلسل كانت عبارة عن بساتين وتختلف كلياً عن بيئة الحارات المغلقة الواقعة خلف سور مدينة دمشق القديمة!!
ـ صحيح «الصالحية» كانت بساتين وغير مسورة، وبيوتها طينية فقيرة، لكن نتيجة للظرف السياسي الأمني كانت بعض البيوت المتجمعة في حارة مسدودة تقيم باباً لها، أخذت هذا النموذج ووسعته.
> هذه البيئة لا تشبه بيئة المسلسل، فالبيوت التي ظهرت في العمل كانت مترفة، بينما أصحابها يعملون بمهن عادية، وليسوا من الأثرياء!!
ـ صحيح، لكن العمل قدم شخصيات من الأغنياء ومن الفقراء، وعملية تمييزها ضمن بيئتين مختلفتين داخل وخارج السور، سيدخلنا في متاهات أخرى تشتت موضوع العمل وتتطلب جهداً ووقتاً اضافيين، فتم تنفيذها على هذا النحو. لا أخفيك، لقد اختلف رسم الحارة في العمل عن رسمها في السيناريو. ولأن المخرج يحب أن يظهر الفلكلور الشامي تم التصوير في بيوت دمشقية شهيرة مثل (بيت السباعي وبيت نظام وبيت جبري).
> هناك من يصنف هذا النوع من الدراما بالسياحية.
ـ في شهر رمضان نشاهد كماً كبيراً من الأعمال السورية المتنوعة. ألا تستحق البيئة الشامية أن يكون هناك عمل واحد عنها، يزين الدراما السورية، مثل "باب الحارة"؟ الأصداء كانت ايجابية جداً، وأثناء عرضه كانت الاتصالات تأتيني من أمريكا وسويسرا للاستفسار عما سيحدث في الحلقة التالية.
هذا نجاح اثبت أن الدراما السورية ليست في ركود، وإنما في حالة تطور وحركة. وفي لقاء سيادة الرئيس بشار الأسد مع صناع الدراما، وعدنا بتنظيم هذا القطاع من حيث الإنتاج والتوزيع.
> من أين أتيت بتسمية «حارة الضبع» لو قلبنا تاريخ تسميات الأماكن الدمشقية، لما عثرنا على اسم مشابه أو قريب منه، فالضبع يبدو من بيئة خارج البيئة الدمشقية؟
ـ اسم "حارة الضبع" من اختراعي، وكان هناك مشهد يوضح سبب هذه التسمية، للأسف تم حذفه. والسبب أن والد الزعيم، كان يمسك بيديه الضباع الشرسة التي تأكل الإنسان، لذلك سميت حارته بـ«حارة الضبع».
> قلت إن المسلسل كان اسمه «عودة سعاد" من اختار تسميته "باب الحارة"؟
ـ انا اخترت هذه التسمية بناء على طلب من المخرج، وحتى اسم "باب الحارة" لم يعجبه وتمنى تبديله فقلت له "حاجه بقى"، وتم توقيع عقد التنازل عن العمل باسم "باب الحارة".
> هل هذا الاسم ملكك أم ملك الشركة المنتجة التي يقال انها رفعت دعوى قضائية لإثبات ملكيتها للاسم؟
ـ اسم "باب الحارة" مسجل باسمي، وعقد البيع باسمي، وقد تم بيع شركة "عاج" جزءاً واحداً مؤلفاً من 30 حلقة فقط، وبما أن بسام الملا انفصل عن شركة عاج، وافتتح شركة جديدة باسم "ميسلون فيلم" طلب مني كتابة جزء ثالث، ووقعت عقداً مع شركته. وسوف يكون الجزء الثالث من "باب الحارة" من إشراف وإنتاج وإخراج بسام الملا.
> شركة "عاج" تقول:لا يمكنكم قانونياً استخدام اسم "باب الحارة"؟
ـ "يصطفلو".. باب الحارة ملكي، وهم الذين لا يمكنهم استخدام هذا الاسم، لا أنا ولا أفكاري ملك للشركة، أو لأي أحد. أنا حر أبيع أعمالي لمن أشاء.
ثم يستدرك، سأكون واضحاً الشركة المنتجة هي التي أدخلت كمال مرة على العمل في الجزء الأول، وفرضته علينا، وضغطت على المخرج ليظهر اسمه مقروناً باسمي على التأليف مع انه لا يحق له ذلك (يتوقف ثم يتابع بلهجته الشامية الشعبية): بتصدقي بالله، كان هدفي مع كمال مرة صدقاً وإن شاء الله لا أكذب، أن استمر معه في العمل المشترك وخاصة بالعمل التاريخي الضخم الذي أنا بصدده الآن. لكن عندما تعاملوا معي بهذا الشكل، قررت الابتعاد عن الشركة وعن كمال مرة. ومع ذلك أقول أنهم إذا أصلحوا موقفهم معي، فأنا مستعد للعمل معهم مجدداً، وليس لدي أي مشكلة شخصية مع أي منهم. كل إنسان من حقه الطموح للوصول، لكن ليس من حقه استخدام حبال غيره للتسلق. أتمنى أن يكون لي علاقات طيبة مع الجميع على أساس الاحترام المتبادل.
كاتب عصامي نجح من الضربة الأولى
>عرفنا قصة نص "باب الحارة" ما قصة دخولك الى عالم الكتابة التلفزيونية؟
ـ أنا خريج معهد صناعي لاسلكي ومساعد مهندس إلكترونيات، وحائز مرتين بكالوريا أدبي. لم أتمكن من دخول الجامعة لأني كنت كسلان. لكن والحمد لله كنت أقرأ بشكل جيد، والله منحني موهبة الكتابة، إذ لم يعلمني أحد كيفية الكتابة للتلفزيون، وكل ما هنالك أني حصلت على حلقة لأحد الكتاب، وتعرفت من خلالها على طريقة تقطيع القصة إلى مشاهد، وكيفية وضع "اللوكشن"، وبدأت بالتجريب والكتابة ببطء وتردد.
> ألم يكن لك أية صلة بالوسط الفني؟
ـ لدي أقارب يعملون في التصوير وابن عم أبي محمود قاووق منتج أفلام.
> من شجعك على كتابة السيناريو؟
ـ لم يشجعني أحد. شعرت أن لدي موهبة وأردت إظهارها، وأول عمل كان "باب الحارة"، وكنت اطمح أن أحقق من خلاله الشهرة.
>ألم تكتب غير هذا العمل؟
ـ كتبت ثلاثة أعمال وقعت عقودها العام الماضي، أحدها للأطفال، اشترته شركة "العقاد" وآخر معاصر اشتراه التلفزيون السوري، وثالث عن فترة الخمسينيات فترة أديب الشيشكلي والمكتب الثاني، اسمه "بيت جدي" اشترته شركة "ليل". والآن بدأت كتابة عمل تاريخي عن فترة ما قبل الإسلام.
> هذا يعني انك غزير الإنتاج!!
ـ الشكر لله
> قلت انك كنت تطمح للشهرة من خلال "باب الحارة" لكن الملاحظ أنه لم يصبك غير جزء يسير من النجاح الكبير الذي حققه العمل، فكيف تفسر ذلك؟
ـ اسأليهم هم عن ذلك.
>من تقصد؟
ـ لا أعرف... (يستدرك) أظن أن هناك محاربة لاسمي مع أني مسالم جداً. شاهدت مسلسلات عربية تثبت اسم الكاتب بالبنط العريض في بداية الشارة، بينما في "باب الحارة" تمت كتابة اسمي بخط صغير في بداية الشارة، شاهدته مرة واحدة في البداية، ولم اعد أشاهده بعدها، حيث كان يمر سريعا، دون أن اعرف سببا منطقياً لذلك!! عدا أن الإعلام يركز عادة على المخرج والممثلين وينسى الكاتب. وهذا ليس معي فقط، بل مع غالبية الكتاب الذين ينالون الأجر الأقل، مع أنهم يضعون الأساس الذي يبنى عليه العمل. فالكاتب في بلدنا مغبون.
> أي أن الكاتب هو الجندي المجهول؟
ـ لا بل الجندي المخنوق والمقتول، لذا أتمنى إنشاء جمعية أو اتحاد لكتاب الدراما، الذين لا يقبلهم اتحاد الكتاب العرب الخاص بكتاب الأدب، مع أن كاتب السيناريو يقوم بجهد أكبر. فالروائي يكتب قصة واحدة ينهيها بمائتي أو خمسمائة صفحة، بينما كاتب السيناريو يكتب قصصاً كثيرة لا يقل عدد صفحاتها عن ألف وستمائة صفحة. وكذلك نقابة الفنانين لا تعترف بكاتب السيناريو لأنه ليس فناناً، فلماذا لا يكون هناك اتحاد خاص يحمي ويضمن حقوق صناع الدراما من كتاب وفنيي ديكور ومصورين وحتى عمال الإطعام والمخرجين ممن لا يحملون شهادات تشترط وجودها النقابة. (يصمت قبل أن يتابع متسائلاً بغصة): لا أعرف لماذا العالم العربي كله يحترم الكاتب السوري، إلا بلده لا يحترمه.
> لم كل هذا التشاؤم؟
ـ لأن الكاتب في أي لقاء فني أو ثقافي في بلدنا يبقى في الكواليس.
> في هذه الحالة يمكن للأجر المادي أن يعوض غياب الأجر المعنوي، هل يمكننا معرفة كم كان أجر كتابة الحلقة الواحدة من مسلسل "باب الحارة"؟
ـ تقاضيت عن كتابة الحلقة الواحدة ثلاثين ألف ليرة سورية (700دولار) وكان ذلك عندما بعت العمل عام 2004.
> وهل هكذا سيكون أجر الجزء الثالث؟
ـ وقعت عقد الجزء الثالث على أساس أجر الحلقة خمس وثلاثين ألفاً.
> هل ترى هذا الأجر مناسبا بعد النجاح الذي حققه العمل خاصة، وان الأجور تتراوح بين الـ 500 دولار و2000 دولار للحلقة الواحدة؟
ـ "اتفقنا أنا وبسام ومشي الحال. الجزء الثالث لن يحتاج إلى جهد كبير، فقسم كبير منه منجز إذ ان الأماكن والشخصيات والمحاور محددة سلفاً.
> يعني أنك لم تنل شيئاً من النجاح الكاسح للعمل لا مال ولا شهرة؟
ـ الله يعين الكاتب، خلال العيد دعي أبطال "باب الحارة" إلى حفل أقيم في احد المطاعم، ووزعت عليهم ليرات ذهب، وأنا جالس في البيت اتابع الحفل على التلفزيون، ولم يفطن احد لدعوتي مع أسرة العمل.
>ما ردك على الذين يقولون ان هذا العمل لا يمثل دمشق؟
ـ من يقول هذا الكلام؟
> شوام من الميدان وساروجة والقيميرية، ومن أبناء دمشق القديمة؟
ـ أقول لهم اسألوا كباركم، إذا كان هذا العمل يمثلهم أم لا. لكل حارة بيئتها المختلفة عن الأخرى. فالأحياء داخل السور تختلف عن الأحياء خارج السور، كما تختلف المدينة عن الريف. في الريف كانت المرأة تشارك الرجل العمل، وداخل السور كانت الأسر الارستقراطية لها تقاليد وعادات مختلفة عن أسر الأحياء الشعبية. المال يلعب دوراً قوياً في تحديد نمط العلاقات الاجتماعية. بالنسبة لي كتبت عن قصص سمعتها، وبيئة عشت فيها، وعن حارتي ونقلت ذلك بصدق وأمانة، وربما يكتب غيري عن بيئته الشامية شيئاً مختلفاً. لقد تقصدت إظهار الجانب الإيجابي في هذه البيئة، وتجنبت إظهار السلبيات.
>ما تظنه ايجابياً رآه آخرون سلبياً، لا بل تخلفاً؟
ـ اعتمدت على الصيغ البسيطة للعلاقات بين الناس، ولم ادخل في القضايا الكبيرة .
> لكن الشخصيات، وبالأخص النسائية، ظهرت وكأن لا عمل لها سوى تدبير المكائد وترصد تصرفات الغير، بينما ما نعرفه عن جداتنا وأمهاتنا أنهن كن منشغلات بشؤون البيت وتربية الأطفال، والحياكة والتطريز والخياطة، وأضعف الإيمان العناية بالنباتات المنزلية، وكل ذلك لا يظهر في "باب الحارة"؟
ـ في الجزء الأول كانت زهرة تطرز.
> زهرة كانت خرساء، وكأنها تطرز تعويضاً عن الثرثرة، وهذا ما يقود للسؤال عن مرجعيتك التاريخية والبيئية، فهل استعنت بكتب مثل "يا مال الشام" لسهام ترجمان الذي وثق العادات الشامية؟ .
ـ لا، استعنت بقصص من بيئتي وعائلتي. فأنا من الصالحية وجدي كان يملك مقهى، وروى لي القصص التي كان يسمعها. كما كنت اجلس لساعات طويلة مع كبار السن في عائلتي وحارتي واسمع حكاياتهم، ونسجت قصص وأبطال "باب الحارة". فمثلاً الأحداث التي تعرضت لها شخصية أبو عصام هي مزيج مما حدث مع عدد من الأشخاص، والنوم في الدكان حصل مع شخص في الواقع، لكن بدل الدكان كان بيت صديق. واخترت أن ينام ابو عصام في الدكان كي يكشف ما يجري في الحارة مثل قصة البوابيري الفقير الذي يأكل أولاده خبزا يابسا ولا يطلب مساعدة من احد، وقصة "الداسوس" الأعمى .. الخ.
> المرأة في العمل بدت سلبية جداً، وحسب القراءات التاريخية المرأة الشامية، لم تكن على هذا النحو، بل سجلت مشاركة لافتة في الشأن العام في النصف الأول من القرن العشرين؟
ـ حركة المرأة في المجتمع، كانت في بدايتها، ومحدودة جداً. المرأة الشامية بدأت تتنفس في الستينات.
> مع أني لا أوافقك الرأي، سأدع الشأن العام، لأسألك ترى ألم تكن المرأة داخل البيت مشاركة في الاقتصاد وتعمل لإعانة أسرتها، ألم يكن هناك أنوال حياكة داخل البيوت تشغلّها النساء؟
ـ في النص ذكرت أن هناك أسراً تعمل في نسج خيم للحجيج، لكن هناك صعوبات إنتاجية أدت إلى حذف هذه المشاهد، وللعلم جرى حذف الكثير من المشاهد لأسباب مالية، مثل مشهد المعركة الكبيرة بالحلقة الأخيرة التي يشارك فيها الجميع لتخليص أبو شهاب، التي لم توافق عليها الشركة المنتجة لأن تكلفتها ستتجاوز المليون ليرة. فالمسلسل كما كان على الورق يتألف على الأقل من ست وثلاثين حلقة.
> هل أنت راض عن العمل؟
ـ الحمد لله، أنا راض إلى حد بعيد، لكن بعض الشخصيات الثانوية، كان من المفترض أن يلعبها ممثلون نجوم أسندت لممثلين عاديين.
> هل كنت تحضر التصوير؟
ـ بسام الملا بالذات لا يحتاج للكاتب معه في التصوير، لأنه يثبت كل شيء قبل البدء بالعمل.
> اي الشخصيات كانت الأقرب لما رسمته على الورق؟
ـ أبو غالب وأبو عصام، بينما أبو شهاب تم تصنيعه بطريقة جميلة وأداها سامر المصري بشكل ناجح، لكن ليس كما تصورتها، رسمته كشخص أكثر هدوءاً لا تظهر قوته إلا وقت الجد، ومعتز أيضاً أبدع الممثل في ادائها، بينما أنا لم ارسمه كشخص متوتر باستمرار. على كل حال، للكاتب حق في تصور شخصياته، وللمخرج أيضاً، وكذلك الممثل، والنتيجة هي حصيلة تلك التصورات، وقد جاءت جيدة.
> أليس للعكيد أبو شهاب قصص خاصة، لم نعرف مثلاً، لماذا هو غير متزوج، مع أنه أمر مستغرب في بيئته؟
ـ زوجته توفيت وسنزوجه في الجزء الثالث.
> ومن ستكون عروسه؟
ـ لن نقول الآن، هذا سر (يضحك ممازحاً) لكنها بنت من عائلة جديدة ستظهر في الجزء الثالث.
جدي روى قصصه ولم يشاهدها تلفزيونياً
> الواضح أنك أخلصت لسرد الحكايات كما سمعتها على حساب التوثيق لخلفية العمل التاريخية، فلم يكن زمن العمل دقيقاً، وغابت المفردات التي تشير إليه كوسائل الاتصال، مثلاً؟
ـ زمن العمل بداية الثلاثينيات، بعد 12 سنة من التخلص من الاحتلال العثماني. في الجزء الثالث سنُدخل الى الحارة صندوق السمع والراديو. وكذلك طبيب متعلم غير أبو عصام، وسيكون هناك شخصيات جديدة مثل العميل والأزعر، وسوف نرى أشياء طريفة وان شاء الله، الله يكرمني، واقدر على تقديم جزء ثالث أحسن.
> هل هذه الأشياء لم تكن موجودة في الثلاثينات، ولذا لم تدخل في "باب الحارة"؟!
ـ كانت موجودة بشكل محدود. ففي دمشق لم يكن هناك سوى 200 خط تلفون، لا يمكن مقارنة دمشق اليوم بدمشق الثلاثينات.
> هل رأى مسلسلك احد ممن كانوا يروون لك تلك القصص؟
ـ كنت أتمنى أن يشاهده جدي، لكنه توفى العام الماضي، ولم يشاهد حتى الجزء الأول، للأسف.
> بعد أن توفي جدك، من أين ستأتي بالقصص، وكيف ستكتب الجزء الثالث؟
ـ (يضحك، ثم يتابع ساخرا على طريقة الشوام) حلوة منكِ هذه، سأضطر لأن أزوره كل يوم في قبره، لأسأله ماذا أكتب.
> "باب الحارة" يشبه مسلسلات البيئة الشامية التي بدأت مع "أيام شامية" ثم "الخوالي" و"ليالي الصالحية"؟
ـ صحيح، "باب الحارة" امتداد لـ"أيام شامية"، لكن أيام شامية كان هادئاً، دار حول الأخلاق والقيم. في "باب الحارة" هناك تشويق وحركة أسرع. وأطول مشهد كتبته لا يتجاوز مدة الدقيقتين. كما جعلت جميع الشخصيات أبطالاً ولهم قصص.
> من الانتقادات التي وجهت للعمل الافتعال والمبالغة في الانفعالات، حتى أننا رأينا رجالاً يبكون مثل أبو عصام وابنه عصام.
ـ أبو عصام لم يبك، قال "أنا رجل وأتمنى لو أنني استطيع البكاء". أما عصام، فطبيعة شخصيته مسالمة ولطيفة، لا تتعارض مع بكائه عندما يتعرض للظلم، على الضد من شخصية أخيه معتز "القبضاي الزكرت"، المتأثر بخاله العكيد أبو شهاب، ولو أن معتز بكى، لن يقبل الجمهور بذلك أبدا.
أبو حسن الذي صار الأستاذ مروان
> ألا تعتقد أن تمني أبو عصام البكاء مبالغة لا يحتملها الحدث؟
.ـ ( يجيب بانفعال وكأنه إحدى شخصيات العمل) وهل ما تحمله أبو عصام كان قليلاً؟؟
> وماذا تحمل؟ هل موضوع الطلاق يعتبر من الأمور الصعبة، التي ترتقي إلى درجة الفضيحة والذنب الذي لا يغتفر!!
ـ سئلت عن هذا كثيراً. لكن لو فكرنا بالطلاق، كما كان قبل سبعين سنة، سنكتشف أنه كان من أصعب المشكلات التي تواجه العائلة، وليس المرأة فقط. قديماً لم يكن الناس يطرقون باب المرأة المطلقة لطلب يد بناتها للزواج، لأنهم يتساءلون عن سبب طلاقها، ويقولون عنها (أبصر شو عملت حتى طلقها زوجها). هذا بالنسبة لنساء عاديات، فكيف الأمر بالنسبة لست الحارة، فلا بد أن ذنبها أكبر بكثير.
> ذلك لا ينفي أن هناك افتعالاً في الظلم الذي تعرض له أبو عصام، كقصة كشف رؤوس نساء الحارة، نتيجة خطأ كان من الممكن تلافيه ببساطة، كما أن بعض الاشتباكات والصراعات كانت زائدة؟
ـ لا أنكر أن القتال والصراعات كانت مفتعلة، مثل قيام أبو عصام بكشف رؤوس النساء، لكنه حل لتبرير معركة كبيرة ستحصل بين الحارتين. اضطررت لهذا الحل، بعدما تم تغيير العمل بالاستغناء عن فكرة التجحيشة. قد يكون القتال مفتعلاً، لكنني رغبت بتقديم دراما جميلة يتعاطف معها الناس ويستفيدون منها.
> هل صحيح ان الجزء الثالث سيخلو من السياسة؟
ـ بالعكس سيتم توضيح خط التواصل مع الثوار، وستكون هناك أحداث اجتماعية مبنية على الحدث السياسي، كما سيكون هناك أكشن أكثر.
وهل ستتزوج سعاد من أبو غالب في الجزء الثالث؟
ـ لا. سعاد ستعود الى زوجها، في الجزء الثالث سننسى الطلاق، لصالح أحداث جديدة وطريفة.
>هل كنت تتوقع هذا النجاح للعمل؟
ـ نعم، لكن ليس بهذا الحجم الكبير، حيث لم يبق شيء، إلا وأطلق عليه اسم "باب الحارة" من العلكة والبسكويت الى المطاعم والمحلات التجارية. حتى عصا معتز صارت تباع للأطفال بـ 200 ليرة (4 دولارات) !! إلا أن الأمر الوحيد الذي أزعجني هو الاستغلال التجاري السيئ لهذا النجاح. وهو القيام بتسريب نسخة ماستر للحلقات الخمس الأخيرة قبل انتهاء عرض المسلسل إلى سوق الـ (دي في دي ) لتباع على الأرصفة بسعر 200 ليرة للحلقة الواحدة. وهذا أمر يدعو للتساؤل كيف تسربت تلك النسخة إلى السوق؟ لا اعفي الشركة المنتجة من المسؤولية عن ذلك.
> كيف كان استقبال عائلتك وأهل حارتك لمسلسل "باب الحارة"؟
ـ بناتي تعاطفن مع حالة الحب بين دلال وإبراهيم، وكن يطالبنني بإنهاء مأساتهما، كما طالبن بتزويج معتز. ابني كان متحمساً للقتال ومتعاطفاً مع ابو النار وطلب مني تأديب أبو غالب، وكل حلقة يسألني، متى سيقوم معتز بضربه؟ زوجتي بدأت تحذرني من التعامل مع السيدات في الوسط الفني، وقد فرحت بنجاح العمل مع أنها لم تكن تشجعني على دخول عالم الكتابة التلفزيونية، وكانت تقول لي (يارجال شو بدك بهالشغلة خليك بشغلك احسنلك). وكذلك كان بعض الأقارب الذين سخروا مني. لكنهم بعد عرض العمل صاروا يتصلون بي ويطلبون إدخال قصصهم ومشكلاتهم مع عائلات زوجاتهم في العمل. أما أهل حارتي فقد كانوا ينادونني سابقاً أبو حسن، وبعد نجاح المسلسل باتوا ينادونني بـ «الأستاذ مروان».