نشر بتاريخ: 24/01/2016 ( آخر تحديث: 26/01/2016 الساعة: 12:56 )
بيت لحم- معا- تحت لوحة كبيرة تحمل صورة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الى جانب صور لشهداء اخرين يدور بين سكان مخيم جنين الذي تحول الى رمز من رموز الانتفاضة الثانية بعد المعركة الدامية التي دارت فيه خلال عملية " السور الواقي " وأسفرت عن مقتل 23 جنديا بينهم 13 في حادثة واحدة هي الاشد قسوة وسقوط عشرات الشهداء الفلسطينيين نقاشا يدور حول وجوب اقامة نصب تذكاري لمنفذ عملية "دينزنغوف" نشأت ملحم او عدم اقامة مثل هذا النصب ما يعني ان ابناء هذا المخيم يبحثون عن ابطال جدد وفقا لما جاء في تقرير مصور وطويل استعرض فيه الصحفي الاسرائيلي " افي سخاروف" مواقف سكان المخيمات من قضية "انتفاضة السكاكين" محاولا الوقوف على امكانية انضمام هذه المخيمات لهذه الموجة حسب تعبير موقع " والله" الالكتروني الذي نشر التقرير تحت عنوان "موضة وانتهت : مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية ترفض الانضمام لموجة الارهاب".
لا يوجد اجماع في المخيم ولم يسعى الجميع الى تبني الفكرة بشغف وادعى احد العاملين في محل لبيع الملابس قريبا من اللفتة ان اقامة نصب من هذا النوع سيجلب الجنود الاسرائيليين ورجال الشاباك الى المخيم وقال "ما حاجتنا لمثل هذا الشيء الان ؟".
بعد مرور سنوات عديدة عاصفة على سكان المخيم يمرون الان وبعد فترة من اندلاع " انتفاضة السكاكين" في فترة هدوء هي الافضل خلال العقد الماضي .
" لم يكن هنا منذ شهرين لا يهود ولا سلطة وكما ترى الجميع هنا هادئون" قال المطلوب السابق "م" الذي مكث في سجون السلطة اربع سنوات اتت بعد فترة اعتقال طويلة في السجن الاسرائيلي للصحفي معد هذا التقرير.
"م" والد لثلاثة اطفال ويعرف جيدا الصحفيين والمراسلين الاسرائيليين المختصين بالشؤون الفلسطينية ويعرف اسماؤهم وقد رافق خلال الانتفاضة الثانية " قائد كتائب الاقصى في المخيم زكريا الزبيدي" الذي يعيش حاليا في منطقة بيتونيا في رام الله بعد ان اجبرته السلطة على الانتقال الى هناك حتى يكون تحت رقابتها المشددة .
ينتظر "م" وعدد من رفاقه الركاب وسط المخيم قرب مسجد "الشيخ خليفه" والى جانبنا يوجد "صالون حلاقة مخيم جنين" وهناك مجموعة من الشبان في العشرين والثلاثين من العمر تشغل اسطولا من السيارات الخاصة لنقل الركاب من مكان الى اخر .
س: كيف تفسر عدم مشاركة أي فرد من سكان المخيم في انتفاضة السكاكين طيلة الاشهر الثلاثة الماضية ؟ج : " هذه ليست انتفاضة بل موضة في جنين، نابلس، طولكرم ، واريحا اماكن لا يجري فيها أي شيء حتى الخليل باتت هادئة الان صحيح سقط هناك قتلى لكن الان لا يحدث شيء انها موضة وستنتهي ووسائل الاعلام والفيسبوك هي من خلق هذه الانتفاضة، تعال لنتحدث مباشرة " دغري" ماذا ربحنا نحن من هذه الانتفاضة ؟ على ماذا حصلنا ؟ نحن هنا في هذا المخيم دفعنا الثمن الاكبر وماذا حصلنا مقابل ذلك ؟ هل حصلنا على ممثل واحد في المجلس الثوري لحركة فتح ؟ او في اللجنة المركزية؟ اذا لماذا علينا الانضمام لهذه الانتفاضة ؟ ماذا سنستفيد حين نرسل طفلا لطعن شخص ما بالسكين؟ فقط يوم امس حاول طفل طعن شخص قرب "حرمش" هل حرك هذا الامر شيئا عند أي احد؟ هناك شيئ واحد استطيع ان اقوله لكن وهو طالما بقي الاحتلال في موجات "الموضه " هذه ستتكرر مرة تلو الاخرى وهي لن تنتهي ابدا .
س: هل هي على طريق الخبو والتراجع؟ج: هنا في هذه المخيم لا يوجد لا سلطة ولا ابو مازن بل يوجد في كل منزل شهيد او اسير نحن نقاتل ودفعنا الثمن لكنهم "نسونا" هل تعتقد ان السلطة تهتم بنا؟! هل تعتقد ان اخوة شهداء الانتفاضة الثانية سيذهبون مجددا للحرب والموت ؟".
لا يعتبر "م" الذي امضى افضل سنوات عمره في السجون الاسرائيلية صوت نشاز او مختلف في اوساط سكان المخيم هنا في جنين او في مخيمات اللاجئين الاخرى حيث توجد غالبية هنا في مخيم جنين ومخيمات اللاجئين الكبيرة الاخرى لا تؤمن ان موجة العنف التي تفجرت خلال الاشهر الاخيرة ستصمد او ستحدث أي تغيير وغالبية هؤلاء لا ينظرون الى ما يجري على انه معركتهم وهذا هو الموقف في مخيم جنين وكذلك مخيم بلاطة القريب من نابلس ونحن نتحدث عن مخيمين قادا الانتفاضتين الاولى والثانية ونفذوا العمليات.
ربما يتعلق الامر بتغيرات اجتماعية عميقة يشهدها المجتمع الفلسطيني اضافة لحالة الحذر التي تعيشها المخيمات اتجاه السلطة وسكان المدن وربما كان عدم مشاركة المخيمات الكبرى في الضفة الغربية في انتفاضة السكاكين بعد ثلاثة اشهر على انطلاقها احد الاسباب المركزية ليس فقط في عدم قدرة هذه الانتفاضة على الحليق بل الى اصدارها اشارات تؤشر الى تراجعها وخبوها .
وتعمل حماس التي تدرك هذه الحقيقة الكثير من اجل احياء هذه الحالة عبر تنفيذ عمليات اطلاق نار وربما عمليات تفجيرية لكن ورغم هذا فان عدد عمليات الطعن والدهس في تراجع مستمر وكذلك عدد المشاركين في المظاهرات .
حاول " صابر" وهو صديق" ج" واحد المطلوبين الكبار السابقين شرح الامر وتوضيحه قائلا " نحن هنا في المخيم نشكل دولة اخرى هنا لا يوجد لا سلطة ولا ابو مازن بل يوجد شهيد او اسير في كل منزل انا على سبيل المثال اطلقوا النار على قدمي وقد تم نسيان الجميع الشهداء والأسرى والجرحى نحن نقاتل ونحن من دفع الثمن لكنهم "نسونا" هل تعتقد ان اشقاء من قتلوا في الانتفاضية الثانية سيكررون الامر ويهبون للقتال والموت؟ لماذا ؟ ماذا سنربح من ذلك؟ انتفاضة السكاكين هذه كذبة لقد قتل فيها 150 انسانا، 145 منهم دون فائدة فقط شعر الجنود بالضغط فداسوا على زناد البندقية وقتلوهم هل هذه انتفاضة الجميع لا نثق ابدا بالسلطة الفلسطينية ولا نبني عليها اية امال لقد تعبنا منهم ونواجه مشاكل مستمرة معهم وليس فقط مع اليهود ".
تجمعت اعداد اكبر واكبر من السكان حولنا يهزون رؤوسهم بالموافقة على اقوال "صابر" وغيره وكان "حاتم" احد هؤلاء الشبان الذين تجمعوا حولنا وهو في الخامسة والعشرين من العمر وقال لنا " خلافا للأطفال الذين يحملون سكاكين نحن هنا نملك البنادق ونحن لا نستخدم غيرها وهنا تدخل "م" وأورد اقتباسا قديما عن الحرب لا يتعلق بالحالة الفلسطينية قائلا " الانتفاضة يخططها المثقفون ويقودها الفقراء ويسرقها الجبناء وهذا ما حدث لنا لقد سرقوا منا الانتفاضة الثانية ".
س: اذا ماذا تريدون؟ج: " اتركونا نعيش بسلام ولا نريد منكم أي شيء " قال "م"، وأضاف " نحن نريد العيش سويا مع الاسرائيليين ولا يوجد لدينا أي مشكلة في ذلك هؤلاء ابناء عمومتنا وسنعيش معهم بسلام ".
س: لكن ماذا حدث للدولة الفلسطينية ؟ السلطة تقول بانها ستحصل على اعتراف بالدولة الفلسطينية ؟ج: " الدولة الفلسطينية هذه كلام فارغ لقد اجروا مفاوضات لمدة 20 عاما دون ان ينتج عنها شيء قال " صابر "، واضاف " نحن لا زلنا تحت الاحتلال اذا فليفتحوا لنا المعابر الحدودية ليتركوننا نعيش معهم حياة طبيعية وهذا هو، بالنسبة لي ليسكن اليهود معي في ذات البناية وبهذا الشكل يمكننا السكن في حيفا وتل ابيب وسأقول لك اكثر من هذا اذا اقترحوا اليوم على الفلسطينيين ان يعيشوا في دولة واحدة مع اليهود فان 95% سيوقعون ويوافقون على ذلك حتى تنتهي هذه القصة خلاص ".
وطلب احد المصغين لهذا الحوار ويدعى "منتصر" التدخل في الحديث وقال " كان بيت عائلتي في منطقة ضاحية "هدار " في حيفا ولو لم تهرب عائلتي عام 1948 لكنت اليوم "حيفاويا " لا يوجد لدي مشكلة في السكن مع اليهود لا يوجد لدي أي مشكلة معهم لو لم يدخلوا للمخيم لما وقعت مشاكل هنا ايضا شوف هم الان لا يدخلون منذ اشهر لذلك لم تقع أي مشاكل لا يوجد لدي أي شك ان عمليات الطعن هي خطأ انت تريد ان تسقط شهيدا من اجل الجميع وها نحن نقاتل ضد دولة هل تعتقد ان عددا من الاطفال يحملوا سكاكين سيزعجونها ؟
س: والسلطة؟ج: هنا شرع صابر بالهجوم " لا نبني عليها أي امل ولا نثق بها لقد "زهقناهم " ويوجد لدينا حاليا مشاكل معهم وليس مع اليهود فقط ".
وهنا تدخل صديقه " ياسين" بعد ان بدا الجمهور يطلق كلمات الادانة ضد السلطة "ساوضح لك من يتم اعتقاله على يد اسرائيل ويطلق سراحه تقوم السلطة باعتقاله ومن تطلق السلطة سراحه تقوم اسرائيل باعتقاله هل فهمت كيف تجري الامور بينهما ؟" .
مخيم اللاجئين بلاطة :
هطلت امطار غزيرة يوم وصولنا لمخيم بلاطة الاكثر اكتظاظا في الضفة الغربية والذي كان له الدور الابرز في تفجير الانتفاضة الاولى وهنا اقيمت الخلايا الاولى التابعة لكتائب شهداء الاقصى في الانتفاضة الثانية .
تجمعت مجموعات من الشبان على ابواب المنازل وتحلقوا حول "براميل" اشعلوا فيها الاخشاب وهنا حيث لا وجود للتدفئة المركزية او الصوبات وجد السكان في اشعال الاخشاب حلا لمشكلة البرد كما صنعوا نادي " بلياردو " مكون من غرفة صغيرة غطاها دخان السجائر .
وقال الفتى " ناصر" البالغ من العمر 16 عاما ان شباب المخيم لا يشاركون في عمليات الطعن لانه " لا يوجد هنا يهود ولا توجد حواجز " .
وبدت اقوال "ناصر" كذريعة ليس اكثر وهنا قال الطفل "محمد" 15 عاما كلاما اكثر وضوحا "لم يبق هنا رجال والرجال الحقيقيون قتلوا او سجنوا ولم يبق هنا سوى عملاء السلطة وإسرائيل لذلك يخاف السكان ولا يشاركون في العمليات ".
وقال الشاب "عز" 21 عاما " بقي مخيم بلاطة خارج اللعبة لان السكان قد اكتفوا بما اصابهم في الانتفاضة الثانية.. كل واحد يهتم بعائلته وبالاموال لم تعد الامور كما كانت سابقا لقد يئس سكان المخيم لذلك باتوا يفكرون ويبحثون عن مستقبل افضل في مكان اخر ".
ليس بعيدا عن مركز" يافا" قابلنا تيسير نصر الله احد رجالات فتح المعروفين في منطقة نابلس وقد عاد قبل وقت قصير من جنازة "اشرقت القطناني " التي حاولت تنفيذ عملية دهس قرب حاجز حوارة وتم دهسها من قبل المستوطن " غيرشون مسيكا" .
" نحن لا نعيش مرحلة انتفاضة حتى الان بل هبة جماهيرية والشعب الفلسطيني لا يشارك فيها ونحن نتحدث عن حوادث ومشاركة محدودة لكن بكل تاكيد قد يقود هذا الوضع الى انتفاضة لان العمليات الاسرائيلية تقودنا نحو التصعيد سواء اعمال المستوطنين مثل قتل عائلة دوابشة او الهجمات اليومية التي يتعرض لها المواطنون وكذلك ايضا عمليات الجيش الاسرائيلي مثل الاعتقالات والقتل وإطلاق النار وهكذا.
س: كيف لا يكون هذا المخيم جزء من انتفاضة " الاعمال الفردية "؟
ج: المجتمع الفلسطيني منقسم على ذاته هذه الايام فهناك من يؤيد هذه الهبة وهناك من يعارضها ويستند من يؤيدها على فكرة غياب الشريك الاسرائيلي وانهيار معسكر السلام الاسرائيلي "شلوميت الوني ويوسي سريد، ورابين" ماتوا جميعهم لذلك لم يبق معسكر سلام في اسرائيل لذلك يعتقد هؤلاء بضرورة العمل والقيام بشيء وانا شخصيا ورغم ذلك اعتقد ان الوقت لم يحن بعد لدخول انتفاضة جديدة طالما لا نعرف على الاقل اين نسير وما هي اهدافنا يعني نحن نريد حياة افضل لأطفالنا وان لا يقتلوا دون فائدة او سبب وانا لا اقول ان الهبة خطأ لكن اعتقد بضرورة التركيز على المقاومة الشعبية ".
س: ومع ذلك اين مخيمات اللاجئين ؟
ج: "شوف، في اماكن مثل قلنديا وشعفاط الموجودة بالقرب من حواجز عسكرية يوجد هناك مواجهات وهجمات ونحن في البداية نظمنا مظاهرات قرب"حواره" لكننا سريعا ادركنا عدم جدوى ذلك وبكل صدق هناك شعور في المخيم بالإهمال والتهميش من قبل السلطة الفلسطينية ولم نحصل من السلطة على شيء ذي قيمة مقابل التضحيات التي قدمها المخيم لذلك تقول المخيمات الكبيرة التي عانت الكثير خلال الانتفاضة الثانية " لننتظر ونرى " تعالوا نرى ماذا تريد السلطة وهذا الموقف لا يوجد فقط لدى سكان المخيمات بل في اماكن اخرى ايضا حيث يفضل الناس الانتظار لرؤية ما سيحدث وحتى هذه اللحظة فشلت هذه الهبة في تحريك أي شيء لدى الراي العام العالمي او الاسرائيلي .
س: ما هول الحل ؟
ج :" لست متأكدا، المفاوضات مع اسرائيل لم تسفر عن أي نتيجة واذا عاد الفلسطينيون لمفاوضات سياسية مع اسرائيل فان هذا سيكون خطأ ونحن لا نقترب من تحقيق الدولة الفلسطينية كما تم تدمير فكرة حل الدولتين بشكل كامل .
يجلس المطلوب السابق الذي سبق وتم اعتقاله على يد قوات الجيش الاسرائيلي لاكثر من 11 مرة وكانت المرة الاخيرة بعد ان اصيب خلال اشتباك وامضى في السجن 10 سنوات وصديق " نصر الله" المعروف باسم " ابو خلف " جانبا وينصت بشكل جيد وقال " فكرة حل الدولتين ماتت من زمان ومع مرور الوقت ستنشأ هنا دولة واحدة ".
واختتم تيسير نصر الله المقابلة بالقول " اسرائيل لا تفهم، يوجد ميل نحو التطرف في الطرف الفلسطيني في ظل فقدان الامل وفي النهاية ستصل داعش الى هنا" .
لقد اقتنع ابو مازن اكثر من غيره في فكرة حل الدولتين وتصريحاته اغضبت حتى الشعب الفلسطيني نفسه والسلطة توجد حاليا في مرحلة انتقالية فهي تواصل العمل لحل المشاكل والقضايا اليومية لكنها لا تملك أي قوة تأثير تذكر بل تضعف وتزداد ضعفا مع كل يوم يمر وانا اعتقد ان اسرائيل لا ترغب حقيقة في بقاء السلطة ".