نشر بتاريخ: 20/02/2016 ( آخر تحديث: 20/02/2016 الساعة: 18:05 )
نابلس- معا- بأجسادهم الصغيرة التي كانت ترتجف من شدة البرد، راح أطفال أحد التجمعات البدوية في منطقة الزعيم شرقي مدينة القدس، يتسابقون في سبيل الحصول على المساعدات العينية المتنوعة التي قدمتها هيئة الأعمال الخيرية الإماراتية لتلك التجمعات، في إطار حملة "بسمة شتاء في فلسطين".
وبدا أحد هؤلاء الأطفال، حافي القدمين ويرتدي ملابس رثة، وهو يعين والده على إدخال مدفأة تعمل بواسطة الحطب، قدمتها طواقم هيئة الأعمال ضمن عشرات المدافئ والطرود الغذائية للعائلات التي تعيش في المضارب البدوية في ظل ظروف غاية في القسوة، ومعاناة لها أشكالها المتعددة، أبرزها استهدافها المباشر والدائم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بقصد ترحيلها عن المكان الذي تعيش فيه منذ مئات السنين.
وتجمع عشرات الأطفال، حول طواقم هيئة الأعمال وهم يرقبون ما بحوزتها من مساعدات إنسانية، وأعينهم على المدافئ التي صممتها الهيئة بحيث تكون مناسبة للاستخدام في التجمعات البدوية على وجه التحديد، في ظل انعدام خدمة الكهرباء.
وتعيش نحو 70 عائلة بدوية في أحد تلك التجمعات التي لا يفصلها عن مدينة القدس سوى جدار الضم والتوسع، في ظل ظروف صعبة للغاية، وحرمان من أبسط مقومات الحياة الآدمية.
مساكن من الصفيح
وبحسب أحد القاطنين في التجمع البدوي، فإن نحو 70 عائلة تعيش في مساكن مغطاة بالصفيح وخيام لا تقيها حر الصيف ولا تمنع عنها برد الشتاء، في ظل غياب خدمة الكهرباء ووسائل التدفئة.
وتابع: "في الصيف نشعر أن الموت يقترب منا وخصوصا عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة، فلا نجد الماء الكافي للشرب والاغتسال أو لشرب المواشي، وفي الشتاء تتضاعف معاناتنا لدرجة نصبح فيها كمن يعيش في ظل حظر للتجول، بسبب عدم قدرتنا على التحرك أو حتى استعمال المركبات، جراء التراب الذي سرعان ما يتحول إلى وحل".
وقال: "إننا نعيش على أعصابنا في كل دقيقة وساعة" في إشارة واضحة منه إلى عمليات الهدم الإسرائيلية التي تستهدف مساكن تلك العائلات، وسط تهديدات مستمرة بترحيلها عن تلك المساكن التي عاش فيها الأجداد والآباء كما الأبناء.
صعوبات جمّة
وواجهت طواقم هيئة الأعمال الخيرية، بحسب ما قاله مفوضها العام في الضفة الغربية، إبراهيم راشد، صعوبات جمة حتى تمكنت من الوصول إلى التجمعات البدوية في منطقة الزعيم، حيث اضطرت إلى سلوك طرق صعبة للغاية، ولكنها أصرت على الاستمرار حتى نجحت في الوصول إلى هدفها المنشود، وهو مد يد العون والمساندة للقاطنين في تلبك التجمعات من البدو الذي قست عليهم ظروف الحياة.
وأضاف راشد، إن سلوك تلك الطريق والوصول إلى التجمعات البدوية في ظل الشتاء وغزارة الأمطار، كان أمرا أشبه بالمستحيل، حيث وصلت الشاحنة المحملة بالمدافئ والطرود الغذائية، على بعد مئات الأمتار من التجمع المستهدف.
وبادر أفراد طاقم الهيئة إلى نقل تلك المساعدات العينية بأيديهم، وهمهم الأول والأخيرة التأكيد للمواطنين البدو في تلك التجمعات: "نحن معكم وما نقدمه حق لكم وواجب علينا وليس منة من أحد".
وأكد أن هيئة الأعمال تسعى جاهدة إلى مد يد العون للمئات من العائلات التي تقطن في مناطق تفتقر للكثير من مقومات الحياة، في إطار حملة "بسمة شتاء في فلسطين"، والتي أطلقتها عشية فصل الشتاء.
يقول مفوض عام الهيئة في الضفة الغربية، إبراهيم راشد، "إن عددا كبيرا من العائلات التي تستهدفها هذه الحملة".
تدخل فوري وعاجل
وتابع راشد: "نحرص من خلال حملة بسمة شتاء في فلسطين، إلى مد يد العون لكل محتاج بقدر ما نستطيع، مع التركيز على التجمعات البدوية التي يقطنها نحو ربع مليون نسمة بلا أية مقومات إنسانية يعيشون في بيوت من الصفيح وخيام، ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وليس لديهم المأوى البديل والمناسب، فكان لزاما على هيئة الأعمال التدخل الفوري والفاعل من خلال مدهم بكل أسباب التدفئة وتقديم المواد الغذائية والتموينية لهم".
وفي ظل استمرار الاحتلال بمنع هؤلاء البدو ممن يواجهون خطر الترحيل من البناء في أراضيهم بحجة أنها مصنفة "C".
قال راشد، كان لا بد من تحرك عاجل للإسهام في التخفيف من المعاناة التي يتجرعها هؤلاء يوميا، خاصة خلال فصل الشتاء، فكانت هيئة الأعمال حاضرة لتقدم لهم ما أمكن من مساعدات من فراش وأغطية ووسائل تدفئة وحطب وإنارة، ما يساعدهم على تحمل قسوة الأحوال الجوية السائدة.
وشدد على حرص هيئة الأعمال الوصول إلى أكبر عدد ممكن من التجمعات السكانية في الضفة الغربية والقدس، لمد يد العون لآلاف العائلات التي تقطن في مناطق تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية، وذلك في إطار حملة "بسمة شتاء في فلسطين".
استهداف الفقراء والأيتام
واستهدفت هيئة الأعمال في إطار حملتها الشتوية المتواصلة، عددا كبيرا من العائلات البدوية، وكثير منها تعيش في مساكن بدائية عبارة عن جدران مغطاة بالصفيح وخيام لا تقيها حر الصيف ولا تمنع عنها برد الشتاء، وتزودها هيئة الأعمال بالمواد العينية الشتوية، وتقدم المساعدات الطارئة لها، وخصوصا فيما يتعلق بالأغطية والفراش والمدافئ والملابس والمواد الغذائية والحطب والأفران، ومساعدات نقدية.
وكانت سلفيت، واحدة من المحافظات التي حطت فيها رحال طواقم هيئة الأعمال الخيرية، في ظل خصوصية تلك المنطقة المستهدفة بالاستيطان.
ووزعت هيئة الأعمال، المساعدات الشتوية على عشرات العائلات معظمها من العائلات المكفولة لدى لجنة أموال الزكاة المركزية، وتعيش أوضاعا مأساوية للغاية.
مسكن متهالك
ودخلت طواقم هيئة الأعمال إلى أحد المنازل لتقدم للقاطنين فيه بعضا من المساعدات، فوجدت سيدة تعيش مع أطفالها الأربعة دون الأب والزوج الذي تركهم يعاركون حياة قاسية في مسكن متهالك كانت مياه الأمطار تتدفق منه.
وقالت صاحبة المسكن والتي بدت في الثلاثينيات من عمرها، "إنها تعيش في هذا المسكن الذي وصفته ب"الجحر"، منذ عدة سنوات مع أطفالها الأربعة، بعد أن تركهم زوجها وحيدين وتزوج من امرأة أخرى، في بيئة خصبة للأمراض، ومكان ترفض حتى البهائم العيش فيه، فهو مكان لا تدخله أشعة الشمس ولا الهواء، وتفوح منه رائحة الرطوبة، ولا يوجد فيه حتى حمام أو مطبخ".
وفي قرية رأس عطية بمحافظة قلقيلية، خيم الذهول على أفراد طاقم هيئة الأعمال الخيرية وهم يطرقون باب منزل كانت قضبان الحديد بارزة للعيان من سقفه المتآكل والذي بالإمكان أن يسقط على من فيه في أية لحظة.
مخيم عايدة
ويعود ذلك المسكن، لمواطن يعاني من مرض نفسي يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد يستعينون بقطع من القماش التالف، وما تيسر من البلاستيك من أجل إغلاق النوافذ في مواجهة الرياح الباردة التي تنخر عظامهم.
وعلى بعد أمتار قليلة من جدار الضم والتوسع، وزعت طواقم هيئة الأعمال الخيرية المساعدات العينية الشتوية على عشرات العائلات الفقيرة في مخيم عايدة قرب مدينة بيت لحم، ومن بينها عائلة تعيش في مسكن من الصفيح يعود لمواطن متعطل عن العمل بعد أن فقد مصدر رزقه داخل الخط الأخضر، قبل نحو خمس سنوات توجه خلالها إلى عشرات المؤسسات ومواقع العمل عله يجد فرصة عمل تمكنه من تلبية احتياجات أسرته، ولكن بدون جدوى.
وقال صاحب ذلك المسكن، إنه وأفراد أسرته يعيشون في جحيم لا يطاق، ففي حين يعصف بهم الفقر والحاجة وقلة الحيلة، أصبحوا في مرمى النيران الإسرائيلية، وخصوصا خلال المواجهات التي تدور في المخيم بين الحين والآخر، حيث يستهدف جنود الاحتلال مسكنه الذي شيده من بقايا حجارة مستعملة وسقف من الصفيح، بقنابل الغاز المسيل للدموع، ما يصيب أطفاله وزوجته بالاختناق ويضطرهم إلى البحث عن مكان آخر يمكثون فيه لحين انتهاء المواجهات والعودة من جديد إلى مسكنهم.