الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لتذهب سعير إلى الجحيم.. تحاول منع العمليات لكنها تقدس الشهداء

نشر بتاريخ: 08/03/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:04 )
لتذهب سعير إلى الجحيم.. تحاول منع العمليات لكنها تقدس الشهداء
بيت لحم- معا- نشر الصحفي الاسرائيلي "افي زخاروف" الاثنين وعلى موقع "واللاه" العبري تقريرا مصورا تناول فيه قرية سعير الفلسطينية الواقعة شرق الخليل، من حيث موقفها من الشهداء والعمليات حمل عنوان "إلى الجحيم سعير: رحلة مربكة إلى القرية التي تحاول منع العمليات لكنها تقدس الشهداء" جاء فيه دون تصرف:

نقف وسط قرية سعير القريبة من الخليل تلك القرية التي خرج منها خلال الاشهر الخمسة الماضية أكبر عدد من "المخربين الفلسطينيين" قياسا بعدد سكانها البالغ 30 الف حسب اقوال رئيس البلدية، قتل 12 شخصا من بينهم، قتل بعضهم خلال تنفيذ عمليات، والآخرين قتلوا خلال واجهات مع الجيش الاسرائيلي.

وبشكل مفاجئ ونادر لم نشاهد على جدران القرية "بوسترات" للشهداء علما أن هذا السلوك الاكثر انتشارا في المناطق الفلسطينية ويمكن رؤية هذه "البوسترات" في كل قرية ومدينة ومخيم لاجئين وقام طاقم التصوير المرافق لي بالبحث عن هذه البوسترات في ارجاء سعير دون أن يجدها لا يوجد هنا صور للشهداء.

كان أول من اقترب منا ثلاثة شبان منهم الشاب معتز شلالدة 20 عاما، وقال إنه يعمل في اسرائيل وكان على معرفة في اثنين من القتلى "اخيهم صديقي"، قال بفخر كبير ولم يتردد في قول ما يردده كل سكان القرية "نحن نفتخر بهم أنهم دافعوا عن الوطن".

الشهداء:

كان أول من نفذ عملية طعن من بين سكان البلدة شخص يدعى رياض جرادات 22 عاما، قتل يوم 26/10/2015 ليتبعه فورا وفي نفس اليوم ابن عمه اياد جردات الذي قتل خلال مواجهات وقعت في القرية، في حين يشتبه الجيش الاسرائيلي بمحاولته هو الاخر طعن احد الجنود، وبعد عدة ايام قتل فادي الفروخ 27 عاما بداية نوفمبر تحديدا، وبعدها رفضت سلسلة الحوادث أن تتوقف حيث سقط نهاية نوفمبر قتيل اخر لتتوقف العملية لمدة شهر تقريبا لتتجدد الاحداث ويسقط ثمانية اشخاص اخرين من سكان القرية.

ويبدو أن اشهر هذه الحوادث وقعت يوم 7/1/2016 حيث وقعت محاولة الطعن التي قتل فيها ثلاثة اشخاص من عائلة كوازبة اثنين منهم اشقاء هم مهند وعلاء والثالث ابن عمهم احمد الذي وثقته كاميرا حراسة على مفترق طرق "عصيون" وهم يقتربون من الجنود على المفترق قادمين من اتجاه بلدة بيت فجار ليتم اطلاق النار عليهم ليحاول احد سكان القرية وفي ذات الليلة طعن جندي على مفترق طرق بيت عنون انتهت بمقتله هو الاخر، وبعد اسبوع من ذلك قتل ثلاثة اخرين من سكان القرية للتوقف الاحداث لم يسجل منذ منتصف يناير الماضي سقوط أي قتلى وتوقفت محاولات الطعن ايضا.

الشباب

وقفت مجوعة من 10-15 شابا اعلى الطريق تراقب ما يجري وسط البلدة اكبرهم شاب يدعى خالد في 32 من العمر متزوج واب لاربعة اطفال، طلب حق الكلام حين وجهت السؤال ما الذي حول سعير الى مركز للعمليات؟ وقال "هل ترى كل هؤلاء الشباب المحيطين بنا؟ جميعهم عاطلين عن العمل وفي بعض الاحيان يدخلون إلى اسرائيل بطريقة غير قانونية لكن لا يحملون تصاريح عمل ايضا، أنا لا احمل تصريح علما انني لم افعل شيء لم اكن مطلقا في السجن ولا يوجد في عائلتي اشخاص دخلوا السجن لكنهم لا يعطونني تصريح عمل، لذلك اعمل على هذه السيارة في النقل"، واشار باتجاه سيارة تحمل لوحات تسجيل صفراء مسروقة حولها الى سيارة اجرة غير قانونية.

وأضاف "اقول لك اليوم يطلقون النار على الناس دون سبب يقتلون كل من يحمل سكين كل واحد يقود سيارته بقليل من السرعة قرب الجنود يطلقون النار عليه، وانا اقول لك لو اعطوا الناس هنا نقودا وعملا ومصدر رزق لن يقوم أي احد بمثل هذه الاعمال، لماذا اطعن أي شخص اذا كان لدي مصدر رزق طبيعي؟ لاجل نتنياهو؟ لاجل أبو مازن؟ ما يهمهم؟" وكان الشباب المتحلقين حولنا يهزون رؤوسهم بالموافقة على اقوال خالد.

وأوضح خالد ردا على سؤال ماذا حل بالشعارات والرموز السابقة الحجر، والبندقية؟ السكاكين موجودة في كل بيت هذا فوري وسهل لكن هذا لم يكن من تأثير داعش كما يقولون في بعض الاحيان هذا كلام فارغ.

ورد خالد على سؤال حول وصف الشهداء كأبطال بالقول "كل شخص يطلق النار على اليهود أو يطعنهم بالنسبة لنا بطل لماذا؟ لأنهم قاوموا الاحتلال. نحن لا نرغب في العنف ونريد السلام في النهاية لكن هؤلاء الشهداء قاوموا الاحتلال لذلك هم ابطال بالنسبة لنا، وأعود وأقول لك مرة اخرى لو توفرت لهؤلاء الاشخاص فرص عمل لما وقعت أي مشاكل انا اعرف جزء منهم ولا اتحدث من فراغ".

وكرر خالد قوله إنه وأصدقائه يريدون السلام مع اسرائيل، وقال ردا على سؤال فيما اذا كان يؤيد حل الدولتين؟ عاد وكرر ما يتردد حاليا في كل زقاق وزواية في المناطق وبين اوساط الشباب حسب قوله "نريد دولة واحدة".

وهنا قال عصام احد الشبان وصاحب تسريحة شعر "شعر واقف مع كثير من الجل" هكذا سيكون افضل لا يوجد لدي مشكلة في العيش مع اليهود".

وفي محاولة للتفكير بصوت مرتفع حول دور وسائل الاعلام الرسمية في تحريض هؤلاء الشباب "الشهداء"، قال خالد "بكل تأكيد كان لها دور ولكن حتى لو لم يكن لها دور فهناك مشاكل في الفيسبوك هل تشاهد ما تبثه قناة الاقصى أو القدس انهم يثيرون احاسيس قاسية وصعبة".

وحين سألت عن القناة التلفزيونية الاكثر انتشارا وجماهيرية اندفع عصام قائلا: "بليستيشن" وهنا انفجر الشباب بالضحك.

"لم يكن هناك سبب واضح يشير الى سبب اختيار هؤلاء الشباب هذه الطريق "العمليات"، قال رئيس بلدية سعير الدكتور كايد جرادات، وهو ضابط سابق كبير في اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية ويحمل رتبة عقيد، وخدم كدبلوماسي في عدة دول افريقية، وانتخب عام 2012 رئيسا للبلدية مرشحا عن حركة فتح.

وأضاف "لا شك لدي أن قصة المسجد الاقصى قد اثرت كثيرا على الشباب وكذلك الافلام التي نشرت على شبكة الانترنت، وكان هناك احد الافلام التي ظهرت فيها فتاة تمت تعريتها وتجريدها من ملابسها بعد قتلها بحجة تفتيشها وهذا اثار غضبا شديدا، وظهر شعار على الفيسبوك يقول "دافع عن اختك" وهذا اثار والهب مشاعر الشباب، كما أن اطلاق النار من قبل الجنود على كل شخص يشتبهون فيه خلق وأوجد الظروف لعمليات اخرى انتقامية وكذلك الامر فيما يتعلق بالتصرفات والمعاملة القاسية على الحواجز".

وحاول شرح وتوضيح ما حدث لشباب سعير قائلا "لا استبعد أي امكانية واحتمال، جزء كبير منهم كانوا عاطلين عن العمل كما لا يوجد لديهم أي افق سياسي انا اقول لك، انا اريد سلام وارى في اسرائيل شريكا لكن حين افشل في تحقيق أي انجازات لجمهوري سيقول لي ابتعد عن طريقي ودعني اعمل انت لم تنجح في تحقيق أي شيء، الاقتصاد مدمر كما فعل الاغلاق المفروض على القرية فعله حيث لم يخرج كل هؤلاء القتلى الى تل ابيب او شارع يافا بل قاموا بعملياتهم هنا على مدخل القرية اذا ماذا دفعهم للقيام بهذا؟ اليأس وفقدان الامل أنت تشاهد ذللك في جميع الشوارع في الشرق الاوسط وإذا اكتفت اسرائيل باستخدام القوة فقط هذا الامر يمس فقط بالتعايش ويعزز اليأس لقد خلق الضغط العسكري على السكان وضعا متوترا اكثر وهنا تأتي القصة الاجتماعية وخلقت شبكات التواصل الاجتماعي تأثيرا ضارا وايضا يوجد هنا عامل الانتقام للدماء التي سفكت، وغالبية من قتلوا كانوا ابناء عائلات واحدة لا يمكننا استبعاد عامل الانتقام".

الاولاد

"الرسالة هنا تقول من بقي على قيد الحياة هو الناجح لأن من مات انتهت قصته ذهب وانتهى" تحدث جرادات عن مبادرة قامت بها السلطة للجم مسلسل العمليات بالتعاون مع البلدية تحت عنوان "نريد اطفالنا احياء" مبادرة يبدو أنها اسفرت عن بعض الثمار.

"في النهاية اعلم ابني واربيه ليصبح على سبيل المثال مهندسا أو معلما يعيش بسلام وصحة مع عائلته، لا أن يطلق النار على أي شخص أو يذهب لينفذ عملية هذه هي رسالتنا للجميع في القرية في اعقاب سقوط كل هؤلاء الشهداء، وكذلك نقلنا رسالة للجانب الاسرائيلي مفادها أن يعمل كل شيء لوقف قتل الشباب حتى لو كانوا يحملون سكين".

"لقد وصل محافظ الخليل الى البلدة وعقدنا اجتماع مع وجهاء البلدة ورجال الدين والمعلمين ومدراء المدارس وممثلين عن الاجهزة الامنية وكانت رسالتنا للجميع نريد اطفالنا احياء، وكانت رسالتي كقائد وممثل عن البلد "لا اريد أن يذهب الشباب لتنفيذ العمليات اريدهم أن يعيشوا تعالوا نحافظ على دمائنا لا نريد ولا يجب أن يسقط الشهداء في كل يوم" لقد نقلنا هذه الرسالة للشباب من خلال المدارس والمساجد وحاولنا تهدئة الاوضاع وهدفنا كان أن يلتحق الناس عن طيب خاطر بالتهدئة والهدوء، وحين ازال الجيش بعض السواتر التي اغلقت البلدة ساعد هذا الامر في تهدئة الوضع".

لكن ورغم تسلل الرسالة عبر المدارس والمساجد لا زالوا هنا ينظرون للشهداء كأبطال ويجد رجال التربية صعوبة كبيرة في العمل ضد هذا التوصيف.

"نحن مجتمع تقليدي والشهادة قيمة عليا سامية وكذلك يقدر الناس الشهداء بشكل كبير جدا وبالنسبة للشباب الذي قتلوا فلسان حالهم يقول "اذا لم احصل على جنتي على الارض فمن الافضل أن احصل عليها تحت الارض" حاول جرادات التوضيح.

وجدنا حين غادرنا مبنى البلدية "بوستر" يحتوي على ثلاث صور للشهداء الذين سقطوا على مفترق "عصيون" وكتب تحت شعار حركة فتح "شهداء عملية عصيون البطولية الثلاثة".

واختتم "سخاروف" تقريره بالقول "في ذات المكان واللحظة تشعر كم يحمل هذا المكان من رسائل متناقضة ومرتبكة فمن ناحية تقود البلدية حملة ضد العمليات ومن الناحية الاخرى وتحديدا هنا وجدنا البوستر الذي يمجد منفذي العمليات وعملياتهم.

التضارب والارتباك في سعير حول كيفية التعامل مع الشهداء لا ينعكس فقط في اقوال رئيس البلدية او الشاب خالد بل يمكن سماع عبارة "هؤلاء هم ابطالنا" في كل زاوية وركن من البلدة وفي المقابل جميعهم يشددون أن سكان البلدة يريدون العيش مع الاسرائيليين بهدوء وأنهم غير معنيين بوقوع عمليات أو اعمال عنف اخرى، اقوال محمد شلالدة ابن 16 عاما الذي كان ضمن مجموعة شبان وقفوا بجانب المدرسة "انهم الابطال الذين دافعوا عن وطنهم".
ووافقه صديقة احمد ابن 18 على قوله وزاد عليه "لقد اظهروا اننا لا نستسلم امام التحديات وكل فلسطيني فخور بهم لقد عاشوا اليأس ورأوا انه لا يوجد أي شخص بما في ذلك السلطة يمكنه مساعدتهم".

ولكن احمد قال بشكل قاطع إنه لا يريد أن يقوم بعمل مثلهم "ماذا انا لا اريد أن اصبح شهيدا هذه العمليات لا تأتي بأي فائدة انا اريد أن اعيش بأفضل صورة ممكنة، صحيح الشهادة هي مصدر لللفخر لكن من اجل ماذا؟ من يهمه ذلك؟ صحيح أن عملهم هذا جعلهم ابطال في نظر الناس لكن انا اريد ان اعيش هذا كل شيء".

وردا على سؤال ما الشيء الذي يوقف هذه العمليات؟ بكلمة واحدة قاطعة "السلام".