الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجيوش الغازية لا بد راحلة بالنهاية!!

نشر بتاريخ: 23/09/2005 ( آخر تحديث: 23/09/2005 الساعة: 14:13 )
معا- عندما ترى شيئأً يشبه رفح، فهذا يعني بالضرورة أنه كانت هنا مستوطنة, هكذا يقول أهالي غزة لاصدقائهم أو أقاربهم أو ربما معارفهم, الذين يدخلون مناطق المستوطنات هناك لأول مرة، قد يكون في ذلك نوعاً من المبالغة لأنه لا يوجد مقارنة بين التدمير الوحشي لبيت بعد منح أصحابه مهلة لا تزيد عن عشرة دقائق، وأحياناً دون إعطاء دقيقة واحدة، وبين التدمير المقرون بالتعويضات الهائلة لمنزل تم بناءه أصلاً بشكل غير شرعي وغير مشروع.

هذا ما يتندر به الغزيين, عندما يتذكرون القدرة والرغبة الاسرائيلية بالتدمير، لقد هدأت الضجة الاعلامية التي رافقت عمليات الاخلاء، إلا أن قضية التدمير وإمكانية إعادة البناء والتأهيل تعتبر من المباديء الاساسية لتحليل التطورات السياسية القادمة، بما في ذاك ضعف محمود عباس، أو حكمة حماس السياسية.

ليس بالضرورة أن يكون الواحد منا عالماً اقتصادياً, حتى يدرك أن مغادرة الجيش الاسرائيلي لا بد أن يترافق معه إحساس بتحسن اقتصادي ولو ضئيل، فمجرد أن تختفي نقاط التفتيش يعني أن الشخص، أي شخص يمكنه أن يعبر قطاع غزة من أوله الى آخره بدون الحاجة للانتظار ساعات وأحياناً أيام لفعل ذلك، بل أن الأمر لن يأخذ من الوقت اكثر من ساعة وهذا يعني وصول العمال والموظفين الى أماكن عملهم بشكل دقيق يومياً، وان حركة المواصلات سوف تكون أسهل، حيث سيكون بمقدور سائق التكسي أو الشاحنة أن يروح جيئة وذهاباً عشرة مرات على سبيل المثال وليس مرة أو مرتين في اليوم.

ليس من المفروض أن يكون الواحد منا طبيباً نفسياً حتى يدرك أن غياب الرعب الذي يسببه وجود القناصين والدبابات، والاحتياجات العسكرية سوف يساعد على تحسن مزاج الناس والموظفين, وبالتالي تحسن الاداء الوظيفي لهم، لقد كان الاقتصاد الفلسطيني يتجه، لا بل يتم دفعه باتجاه مزيد من الفقر، وان إزالة أي نقطة تفتيش أو حاجز عسكري لا بد سيساعد في تحسين الأمور.

ليس بالضرورة أن يكون الواحد منا متشاءماً فظاً ليدرك أن أي تأهيل اقتصادي طويل المدى, لا يمكن أن يتحقق أو ينجح بدون وجود رابط أو اتصال بين قطاع غزة والضفة الغربية،هذا الرابط لا بد له من أن يكون دائماً، مستقراً وطبيعياً للناس والبضائع، وللعمل، والثقافة والتعليم للنمو، وللعلاقات الانسانية والعائلية، رابط أو خط اتصال عادي وطبيعي للربط بين جزئين متباعدين لمجتمع واحد، اذا استمرت اسرائيل في اتباع سياسة الحد الأدنى من الاتصال بين الضفة والقطاع فهي إنما بذلك تحبط أي امكانية للانتعاش الاقتصادي، هذا الانتعاش الذي عادة ما ينظر اليه على أنه الأرضية والقاعدة الصلبة لأي تطور سياسي.

إن السير على الطرقات في غزة، تلك الطرق التي كان ممنوع على الفلسطينيين اتباعها، أظهرت حجم الدمار الهائل الذي خلفته اسرائيل وراءها، ولا يمكن وصف ذلك بمجرد كلمات، ليس لعدم وجود الكلمات، أو عدم تأثيرها بل بسبب قدرة الكثير من الاسرائيليين الذبن ان يودون رؤية أو فهم أو ادراك المدى من التدمير الذي ألحقه الجيش الاسرائيلي بالبساتين والبيارات والحقول فحولها الى صحاري قاحلة، هذه الخضرة التي تحولت الى اللون الرمادي أو الأصفر، كل ذلك من أجل أمن المستوطنين الذين تم اخلاءهم، لقد أمضى الجيش الاسرائيلي سنوات خمس وهو يقتلع " رئة" غزة، ويدمر أجمل المناطق ويقطع أرزاق عشرات الآلاف من العائلات هناك.

إن الموهبة الاسرائيلية المتمثلة بالاستهتار في كل هذا الدمار الهائل الذي تسببناه هناك لا بد يقود الى تقييمات سياسية خاطئة، هذا الاستهتار في النظر الى كل ذلك الدمار والتعامل معه وكأنه لم يحدث، إنما سوف يجعل الجيش الاسرائيلي يكرر المأساة، ويمارس نفس الممارسة وربما أسوأ منها في الضفة الغربية، على طول جدار الفصل، وحول المستوطنات، وفي غور الأردن، الدمار لا يزال مستمراً كأنه محاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض ومحاولة لضمان بقاء الكيان الفلسطيني المستقبلي مجزءاً، وصغير المساحة قدر الامكان. لكن الاستهتار، أو إهمال الأبعاد والنتائج لهذا التدمير واخفاءها عن عيون الاسرائيليين ومهارة وقدرة الفلسطيني على تحمل الألم، هذا، وبالحسابات السياسية والعسكرية لا يأخذ بعين الاعتبار أن هذا التدمير من قبل الاسرائيليين لا يقنع الفلسطينيين أو يجعلهم يستسلمون ويسلمون للإملاءات الاسرائيلية.

" أنا لا أعرف او أفهم كم من الآباء الفلسطينيين لا يصابوا بجلطة" يقول أحد الفلسطينيين من رام الله, عندما يعود كل يوم جمعة من زيارة قريته الواقعة بالقرب من الخط الأخضر، لقد تمت مصادرة مساحة شاسعة من أراضي عائلته لصالح جدار الفصل. أن أولئك الذين لا يدركون أبعاد هذا الدمار لا يأخذون في حساباتهم كم هم الفلسطينيين متجذرين في أرضهم وبلادهم، قد يقول البعض بأن ذلك بسبب أن لا وجود للخيارات لكن الموضوع ليس كذلك، فكلما مارس الجيش الاسرائيلي التدمير للأرض، والطبيعة، كلما زادت مقارنة الفلسطينيين لهذا الجيش بالجيوش الغريبة للصليبيين الغزاة.

لقد أثبت التاريخ، أن الغرباء لا بد راحلون، بغض النظر عن صحة النهايات أو الخواتم, الا أنها تجعل الفلسطينيين يقفون بثبات ويصمدون أمام مخططات التدمير والدمار التي تجري من أجل المزيد من المستوطنات التي تعد لها الحكومة الاسرائيلية.
ترجمة معا
عميرة هاس
هآرتس