الإثنين: 06/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

البحرين... ملف اعلامي ام وطن حنون؟

نشر بتاريخ: 17/03/2016 ( آخر تحديث: 17/03/2016 الساعة: 20:55 )
البحرين... ملف اعلامي ام وطن حنون؟
المنامة - معا - ناصر اللحام - حين نتحدث عن ملف إعلامي فإننا نتحدث عن خبر له بداية وله نهاية، وفيه "خبطات" صحفية وصور واكشن ودماء وهروب وكر وفر ونهاية، امّا حين نتحدث عن وطن فان الأمر يختلف. لان الوطن له قداسة وهيبة وليس له بداية ولا نهاية ولا يمكن أن "تخبط" وطنك خبطة صحفية، تماما مثل الأمومة فأنت لا تسأل لماذا؟ لماذا تحبني أمي ولماذا احبّها؟ لماذا لا تنام الليل وأنا اسهر مع أصدقائي ونلهو ونضحك حتى الثمالة؟

في الخبر نسأل الأسئلة الخمس المعروفة في الصحافة، أما فيما يتعلق بالوطن فنقول لبيك ولا نسأل دون ذلك جزاء.

دخلت البحرين للمشاركة في المهرجان الـ 14 للإذاعة والتلفزيون الخليجي، وكان المهرجان راقيا وحنونا وهو بالأساس لأهل الخليج وأتمنى اننا كنا من مصر وسوريا وفلسطين والاردن بمستوى اللياقة ودفء الاخوة. دخلت البحرين وانا اتعامل معها باعتبارها ملفا اخباريا، وخرجت منها وانا أراها وطنا حنونا. وهذا بحد ذاته أثلج صدري ورفع مقامي امام نفسي.

سفارة فلسطين وعلى رأسها الأخ السفير طه محمد عبد القادر والمعروف باسم خالد عارف حاولت ان تضع المصادر الاخبارية امامنا كما هي دون تدخل وتركت لنا خيار القرار، ولاحظنا ان طاقم السفارة كذلك مثل المستشار محمد الترك والاعلامي الزميل نظمي العرقان حاولوا خلال ايام توفير ما يلزم للصحافة من أجواء حتى نكوّن انطباعاتنا كما هي. فوجدنا شعبا عاملا لا يأكل الا من تعبه، ووجدنا في البحرين زاوية اقتصادية تختلف عن باقي دول الخليج، وقد عمل شعب البحرين من القرن الثامن عشر حتى اليوم على تراكم خبراته وتجاربه في التنوع والانفتاح فنال ما نال، له ما له وعليه ما عليه. ولو كنت انا بحرينياً لما قارنت نفسي بدول النفط الغنية وانما لسعيت دائما أن اجترح نفسي للوصول إلى أعلى مراتب الكفاح والعمل، ولا أزال اذكر يوم التقيت بوزير الثقافة في دولة بوشكيرستان وسألته إذا كانت بلاده تشتهر بالنفط، فرد عليا غاضبا: بالطبع لا، لا تقل ذلك ان بوشكيرستان تشتهر بالجامعات والاقتصاد والعلوم والعسل والزمرد، فسالته ثانية : والنفط : قال ان النفط من الله اعطانا اياه هدية اما العلوم والجامعات في من جهد شعبي.

ولا يمر يوم الا وأشاهد فيه خبرا عن البحرين، والتظاهرات والصدامات مع الشرطة والخلاف المذهبي، وانا لا انفي ذلك أبدا وإنما أرى الأمور من زاوية أخرى، فقد رأيت أن البحرين هادئة مستقرة، وقد لا تكون دولة "عميقة" مثل السعودية ولكنها دولة مستقرة ولديها ما يكفيها من مقومات مواصلة البناء، مليون و200 ألف ساكن منهم 650 ألف بحريني و550 وافد مقيم، و18 جامعة، ومئات البنوك، وبدلا من البحر هنا "بحرين" وبدلا من الشعب لديهم "شعبين" احدهما مواطن والآخر مقيم، وبدل الخليج "خليجين".


ولعلني اسمح لنفسي أن افخر هنا أن البعثة التعليمية التي أوصت بها الجامعة العربية قبل الـ 48 لتعليم شعوب الخليج كانت من نصيب الفلسطينيين، وان المعلم الفلسطيني ساهم وساعد في تدريس أبناء الخليج ومنهم الشيوخ والأمراء والملوك، وكما ان الرئيس ابو مازن درّس أمير قطر السابق، فان الأستاذ محمد علي رباح "ابو نبيل" هو من تشرف بتدريس ملك البحرين في مدرسة المنامة، وحين التقيته قال : جئت من بلدة حطين للمنامة عام 1953 وبالفعل كان الملك حمد بن عيسى آل خليفة تلميذا في مدرستي قبل أن يغادر إلى كلية "ساند هيرس" البريطانية، ويؤكد الأستاذ محمد رباح "أبو نبيل" ان المعلمين الفلسطينيين كانوا أول من لبى دعوة البعثة الأكاديمية لتعليم الخليج عام 1936 وعلى حساب الخزينة الفلسطينية قبل وجود النفط وان أهل الخليج يذكرون ذلك دائما بالعرفان. كما أن أول فني صف حروف وصل الخليج كان الأستاذ نوح إبراهيم من حيفا وعاد ليشارك في حرب 1948 والدفاع عن فلسطين واستشهد على أرضها.

أما الشيخ إبراهيم مطر من رفح فقد جاء للبحرين عام 1966، ترك مدرسة خالد بن الوليد ولبى النداء وجاء للمنامة بصفته من خريجي الأزهر وتولى مناصب عالية وهو باق حتى يومنا هذا في البحرين ويتحدث عن قوة العلاقة بين السنة والشيعة والإخوة المتبادلة والزواج المشترك، ويقول لـ معاً انه في محاكم السنة هنا مذهبان هما المالكي والشافعي كما يوجد المذهب الجعفري للشيعة وطوال هذا العمر لم يفرق احد بين سني وشيعي بحريني ويتهم الصحافة وتدخلات خارجية انها هي التي تعكر الأجواء وتزرع الفرقة بقصد أو من دون قصد.

أما الحاج عدنان نور الدين بسيسو والذي حضر إلى البحرين قبل 49 عاما في بعثة مفترضة لخمسة شهور ثم يعود إلى الخليل، فهو أول مدير للبنك العربي في البحرين وهو مستشار اقتصادي كبير حصل على جائزة من الملك ويقول أن اقتصاد البحرين مستقر وفي تقدم ويقول ضاحكا: ولدت في نابلس وانا من غزة وعملت في الخليل وجئت إلى البحرين في مهمة مفترضة لعدة أشهر ثم بقيت هنا لنصف قرن.

بسيسو والشيخ مطر أذهلاني حين قالا: ان الفلسطيني يستثمر في أولاده، فهو يصرف كل مدخراته من اجل تعليم أولاده وهذا ما حصل لنا ولم يكن معنا مالا ولا نفطا ولا شيئا وإنما كان معنا شهادة ومن الشهادة والتعليم أنت تنطلق إلى العالم وتحقق كل طموحاتك.

تحدثت مع عشرات البحرينيين، ووقفت عند سؤال نقلته للسفير وانا احمل أمانة السؤال: هل يحدث في البحرين ما حدث في ليبيا ومصر وسوريا والعراق واليمن؟


فقال السفير : اذهب إلى المحرق والمنامة وسترة والرفاع أو أي قرية ومدينة في البحرين واحكم بنفسك وسترى أن البحرين من أجمل وأطيب البلدان التي تحب فلسطين، فذهبت ولم أكن اعرف من قبل أن سفيرة البحرين في امريكا يهودية وهي هدى عزرا نونو ، وان لليهود أعضاء في برلمان البحرين ومنهم نانسي خضوري، وان المسيحيين واليهود لهم كنائس والسيخ والهندوس والبهائيين وغيرهم لهم معابد وان البحرين تحتضن الكثير الكثير من المساجد للمسلمين السنة والشيعة والكثير من الحسينيات للشيعة.

الدكتور احمد عطالله فرج خرج من مخيم الدهيشة الى البحرين وهناك اصبح من المقامات الاكاديمية الكبيرة التي تحاضر في الجامعات ، وبعد ان أكرمنا بثقافته وأدبه قبل زاده وشربه ، قال لنا : ان البحرين وطن حقيقي استطاع عبر كفاح اهله وابنائه ان يستثمر في المستقبل وفي العلوم وفي العمل وقد حقق مكانة لائقة بين دول الخليج ويشهد له الجميع انه بوتقة صالحة لدمج طاقات الشيعة والسنة من اجل كرامة الانسان .
وأنا أغادر مطار المنامة، وقفت مع نفسي وقررت ما يلي: ان البلدان اوطانا وليست ملفات اعلامية.