نشر بتاريخ: 23/04/2016 ( آخر تحديث: 23/04/2016 الساعة: 17:54 )
طوباس- معا- خصصت وزارة الإعلام الحلقة (40) من "أصوات من طوباس" لحوار أول أسيرة في المحافظة بعد نكسة حزيران 1967. وعرضت تميمة مرسال دراغمة التفاصيل الصغيرة لتجربتها الاعتقالية. وأعادت عجلة الزمن إلى 27 أيلول 1983، حين اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلتها في حي النقار بالمدينة، واقتادوها إلى سجن نابلس المركزي.
تسرد:" كان مشهدًا صعبًا، أن يشن الاحتلال هجومًا في عز الظهيرة ويعتقلني. ولا أستطيع محو صورة الجنود الخمسة والمجندة السادسة، وعلى الأخص الضابط الضخم والمرعب وصاحب الرأس الكبير. ويومها فتشوا المنزل وبحثوا عن كتب تنظيمية، وطلبوا مني أن أرشدهم عليها، فضحكت وقلت: أي كتب، وأي تنظيمات؟ ثم قالوا: أنت مشاغبة، وأهنتي دولتنا، ونعتبرك خطرًا علينا وسنعتقلك.."
فارسة العلم
ووفق الراوية، التي أبصرت النور في 20 نيسان 1956، فقد سبق اعتقالها بأيام حادثة لا ينساها أهالي المدينة، حين صعدت إحدى الفتيات لمركز شرطة الاحتلال، متسلحة بعلم فلسطيني وشعلة نار، فأنزلت علم إسرائيل وأحرقته وألقته في ساحة المركز، ثم ووضعت علم فلسطين ونزلت، وسط إطلاق نار كثيف وهتافات الشبان وتكبيرهم.
تتابع:" حاول المحققون إلصاق تهمة حرق العلم وإهانة إسرائيل بي، ووقتها سألوني كثيرًا عن معرفتي بالفتاة، فقلت لهم أنتم دولة تريدون معلومات مني. فيما تضاربت رواية الشاهدين من عناصر الشرطة ( عايد وأبو داهش) عن فارسة العلم، التي شقت الصفوف وسرعان ما تلاشت."
ومما باحت به دراغمة، كيف أن الجنود اعتدوا عليها بالضرب؛ لأنها وضعت رجلاً على رجل غير آبهة بما يحيط حولها. ثم سرعان ما انهالوا عليها الشتائم والركلات، وبخاصة من الضابط السمين والمرعب في شكله.
المجهولة الشقراء
تفيد: "لما وصلت السجن التقيت بغادة المدموج وهيفاء المعاني وهيفاء دعيبس وأسيرتين أخريين، وأثار وجود معتقلة أجنبية شقراء بيننا الشك، فهي لا تتحدث العربية، وقد تكون روسية من شكلها، واتفقنا أن لا نذهب للنوم معًا، وأن تبقى واحدة منا يقظة في مناوبة يومية؛ خشية أن تفعل الأجنبية شيئًا بنا."
ترسم تميمة صورة للغرفة الضيقة وذات الجدران الرطبة في سجن نابلس، وتسترد مساحتها التي لا تتجاوز الثلاثة أمتار للطول والعرض، والحمام الداخلي، وتلاصقها غرفة للسجانات، والأغرب والذي كان يثير ضحك الأسيرات كلما دخل جنود الاحتلال للعد، وجود ثلاثة أبواب متجاورة للغرفة، يفصل كل واحدة منها حائط وممر ضيق.
أبواب وضحك
تقول:" كان ما يجعلنا ننفجر من الضحك رغم ظروف الأسر الصعبة، أقفال الأبواب الثلاثة بإحكام، ثم الدخول لإحصائنا. وحين كانوا يصلونا نضحك فيسألوننا عن السبب بطريقة غريبة، ونرفض الإجابة، وكأنهم يعتبروننا بقوة خارقة لنهرب من أبوابهم."
لا تسقط من ذاكرة دراغمة أساليب التحقيق الصعبة، وأبرزها الشبح على الكرسي، ثم دفعه بقوة ليسقط ويقع الجالس عليه. مثلما لا تزال تستغرب تفاخر السجانة باتيا بشعرها الساحل ووجها الأسمر بأصولها العراقية، وحرصها على نقل أخبار الحرب العراقية- الإيرانية للأسيرات والطلب منهن التعاطف مع الرئيس صدام حسين، والدعوة بأن تكسب بغداد الحرب ضد جارتها العدوة!
تكمل:"كانت جولات التحقيق طويلة في النهار، ونحصل على استراحة خلال الليل. أما الفطور فبيض مسلوق والقليل من اللبنة وخبز (الفينو)، وكان الغداء مقرفاً وبكميات قليلة، ولم يكن هناك طعام عشاء. واتفقنا أن لا نتحدث في أي شيء له صلة بالسجن، وأن نتذكر القصص الطريفة التي مررنا بها في حياتنا والمدرسة، ولا أنسى تضامننا مع الأسيرة العروس التي اعتقلوها معنا بعد وقت قصير على زفافها."
واستنادًا إلى تجربة دراغمة الاعتقالية، فإن الأكثر قسوة خلال التحقيق، وضع جهاز تسجيل في غرفة مجاورة يبث أصواتًا لنساء يمثلن أنهن تعرض للاغتصاب بعد رفض الاعتراف بالتهمة المنسوبة إليهن. واستطاعت هي وزميلاتها تجاوز هذه المحنة، فقد علمن بها من قبل.
حرية وعزلة
تضيف:" بعد شهر من التحقيق، قدموني للمحكمة، وأطلق سراحي، ووصلت إلى كراج السيارات، ولم يكن في جيبي قرشًا واحدًا، فطلبت من السائق نقلي، على أن أدفع له لاحقًاً، فقال: نضعك على رأسنا، وعيب تتحدثي عن الأجرة."
مما ترويه تميمة، كيف أن والدتها التي كانت في الديار الحجازية خلال اعتقالها، عاتبتها لدخول السجن، ورفضت استقبالها، فما كان منها إلا أن قرأت لها بيت شعر مع تعديل بسيط "السجن مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق"، وأخبرتها أنها لم تعتقل لقضايا مسيئة، بل لأجل الوطن، فاحتضنتها.
تزيد:" احتجت وقتًا طويًلاً بعد الحرية لاستعادة رفقتي بصديقاتي، فقد ضغطت عليهن أسرهن للابتعاد عني؛ كي لا أتسبب بسجنهن. فيما كان آخرون يقتربون مني ويحترمونني."
كانت دراغمة مربية أطفال في روضة عقابا، ونشطت في لجان المرأة العمل الاجتماعي، وتقدمت للثانوية العامة عام 1977، والتحقت انتسابًا بجامعة بيروت العربية، ودرست التاريخ، وكانت تقدم امتحاناتها في الجامعة الأردنية، إلا أن الاحتلال رفض السماح لها بالسفر في سنتها الأخيرة، وحاولت التسجيل في "القدس المفتوحة" إلا أن عدم احتساب أي ساعة من سنوات الثلاث جعلها تعدل عن قرارها. ثم التحقت بجمعية طوباس الخيرية، وانتقلت للعمل في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين.
أخفت تميمة خبر اعتقالها عن أولادها منار (25 عامًا)، وأنصار (23) وجهاد(22)، ولم يعرف ابنها أنها أسيرة إلا في المدرسة بعد سنوات عديدة، يوم ضبطه مديرها يشعل سيجارة، وبعد أن عرف من هي والدته قال: أرفع رأسك أنت ابن مناضلة، فشعر بالفخر.
واقترنت أول أسيرات طوباس بعد النكسة بجمال أحمد دراغمة، الذي تعرض للاعتقال الإداري ثلاث مرات، ورزق بأطفاله وهو في سجن النقب الصحراوي.
تكريم.
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس عبد الباسط خلف إلى أن الوزارة ستكرم الصيف القادم بالشراكة مع جمعية طوباس الخيرية رجالاً ونساءً أحياء ممن تركوا بصمات في تاريخ المحافظة النضالي والإنساني والحياتي والإبداعي.
وأضاف: إن تكريم الأحياء وتوثيق تجارهم يقدم رسالة حافلة بالدلالات، وبمثابة عرفان بما منحوه من عطاء وتميز، كما يشجع الأجيال الصاعدة على السير في طريقهم.