نشر بتاريخ: 07/05/2016 ( آخر تحديث: 09/05/2016 الساعة: 15:21 )
غزة- خاص معا- حصارٌ غزيٌّ اعتادت وسائل الإعلام تناقل مضارّه، بالوقت الذي لم يستطع الغزّيون الإعتياد عليه، ينهارُ بسببه الإقتصادُ شيئا فشيئاً، فترتفعُ نسبُ الفقر بالمنطقة المُحاصرة بالمعابر المُغلقة والعتمة التي يخلّفها انقطاعُ الكهرباء المُستمر.
بالقرب من بحر غزة، وفي أكثر مُخيّماتها فقراً، تحديداً في مخيّم الشاطئ غرب قطاع غزة، أنارت أُمّ لأربعة أطفالٍ عتمة المنزل بشمعة فقيرة، فأطفأت البلاد بحادثٍ مُروع، أودى بحياة ثلاثة من أبنائها، وترك الرابع في المُستشفى كشاهدٍ لا يُؤخذُ بشهادته على الحدث.
أبناء محمد الهندي: يسرى (3 اعوام)، رهف (عامين) وناصر (شهرين)،
وشقيقهم الأكبر مهند (8 أعوام) فسحتهم الوحيدة كانت شاطئ غزّة، يلعبون برماله ويتراشقون مياهه ليتناسوا باللعب جوعهم الذي اعتادوه بسبب الحالة المعيشية الصعبة لعائلتهم، تأخذهم والدتهم نداء التي تُعاني من مرض السرطان منذ أعوام، إلى الشاطئ، وفي المساء تُعيدهم إلى المنزل، لتجد الكهرباء مقطوعة، فتُنير لهم شمعةً فقيرة، وتتركهم على نورها يحلمون بغدهم حتى يغفون، وتستمرّ تُعاندُ ذوبانها لحين عودة زوجها الذي اعتاد أن يترُكهم في الصباح باحثاً عن شيء بسيطٍ يسدّ فيه جوعهم.
رحلةٌ ترفيهية.. انتهت بفاجعة
بداية يوم الجمعة كان كما اعتادته العائلة، ذهب الأب محمد محاولاً إيجاد عمل لتحصيل قوت العائلة، واحتالت نداء على أطفالها الأربعة، لينسوا جوعهم باصطحابهم برحلة إلى الشاطئ، كما أكّد شاهدُ عيانٍ لـ معا.
وبعد أن عادوا من رحلتهم، أشعلت والدتهم الشمعة لهم ووضعتها على الغسالة، وتركت بالقرب من مرقدها كوب الحليب الوحيد لأصغر أبنائها، فناموا ونامت ساهيةً تنتظرُ زوجها بالقرب منهم، تاركةً الشمعة بانتظارِه، حتّى تنير له طريق عودته، لكنّ الشمعة خانتها وسقطت على حصير المنزل الصغير المكون من غرفتين، مُشعلة النيران فيه، لتُنيرَ عتمةَ المُخيّم المحروم من نور الكهرباء.
استيقظ المُخيّم فجِعاً على احتراق منزلِ عائلة الهندي، فزعوا إليه مُحاولين إخماد الحريق، واستيقظت أمّ الأطفال الأربعة على فاجعةٍ أصابت عائلتها، مُحاولة انقاذ جميع ابنائها، لكن النار اشتعلت في رأسها وبشيءٍ من جسدها، فسحبتها إحدى جارتها خارج المنْزل، لتبكي بحسرةٍ أطفالها رهف ويسرى وناصر، الذين نالت منْهم النيران وأودت بهم ثلاثة جثث متفحّمةٍ، لتنتظرُ مهنّد الناجي الوحيد من أبنائها، كي يخرُج من العناية المُكثّفة بمستشفى الشفاء، بعد إصابته بحروق خطيرة.
يقول محمد وهو واحد من عشرات اللذين ساعدوا بإنقاذ الأم والناجي الوحيد من أطفالها لـ معا، إنها جاءت إلى بقالته لشراء بعض الحاجيات لأطفالها قبل أن يحدث الحريق.
وتابع محمّد:" لم يمضِ على المشهد بضع دقائق، حتى النيران اشتعلت في كل أرجاء المنزل، وخرجت الأم التي غفت لدقائق طالبة النجدة.. الصدمة كانت أقوى منها وهي ترى أطفالها يحترقون أمامها فأرادت إنقاذهم، لكن سكان الحي منعوها وأخرجوها كي لا تكون رابع ضحايا الحريق".
هدموا جدران المنزل محاولين إخماد الحريق
لم يستطع أهالي المخيم إخماد الحريق الذي كان يُسابقهم برفقة الموْت للنيل من عائلة الهندي، اتبعوا كُل الأساليب قبلَ وصول طواقم الدفاع المدني التي تأخر مجيئها للنجدة.
" المكان كان ضيقا جدا ولم نستطع إسعافهم، ما اضطرنا لكسر جدران المنزل من الخلف، لنجدَ الأطفال جثثاً ملتهبة بعد أن تأخرت طواقم الدفاع المدني في الوصول إلى المكان" قال شاهدُ عيانٍ لـ معا.
"ظننتها لعبةً مُتفحّمة لكنّه كان طفلاً محروقا" هكذا وصف محمود المشهد لوالدته بعد السيطرة على ألسنة الهب التي اكلت الحصير والإسفنج في مساحة لا تتعدى الـ 50 مترا.
ام محمود التي كانت على سطح المنزل عندما حدثت الفاجعةُ بالمنزل المُجاول لمنزلها، تساءلت:" من يتحمل مسؤولية احتراق هذه العائلة؟"
ولفتت إلى أن عائلة ابو هندي تعاني أوضاعا اقتصادية غاية في الصعوبة، وتقطن في بيت بالإيجار لا تمتلك ثمن إيجاره ويتعرضون لمضايقات يومية من قبل المؤجر، بينما لا يزال الوالد كغيره من المواطنين عاطلاً عن العمل، في ظل تفشي نسب البطالة في القطاع.
وتابعت أم محمود:" لم اعلم أن هذه العائلة تعاني من الفقر الا عندما احترق المنزل، ولم يشعر بوضعها احد من الجيران، فلا تستطيع وضع مولد كهرباءٍ، ولا يوجد لديها كسرة خبز تسد به جوع أطفالها الثلاثة".
مخيم الشاطئ لا يرى النور:
أُخمد الحريق، واشتعلَ المواطنون بالغضب الذي صبوه على شركة توزيع الكهرباء، والمسؤولين عن أزمة انقطاعها، مؤكدين أن مخيم الشاطئ لا ينعم بالكهرباء، إلا لمدة لا تتجاوز الساعتين أو الثلاث ساعات يومياً، وهذا بأحسن الأحوال.
ووصفوا استمرار انقطاع الكهرباء بالمصيبة الكبرى التي تستدعي وقفة جادة من قبل المسؤولين عن قطاع غزة والمتسببين بأزمة الكهرباء، مشددين أن أقصى أمانيهم عدم انقطاعها، ليُبعد عنهم نورها شبح الموت احتراقاً بشمعة كما حدث لعائلة الهندي.
أما محمد الهندي والد الاطفال الثلاثة، والذي نجا من الموت كونه خرج من المنزل بحثا عن العمل، في ظل ارتفاع نسبة البطالة مع استمرار الحصار على قطاع غزة، لمْ يُجب على أي سؤال، وظل يُردّد:" حسبي الله ونعم الوكيل".
بدأ التراشق الإعلامي حول من يتحمّل مسؤولية الحريق، لكن الأسباب تعدّدت والموتُ واحدٌ، قضى فيه ثلاثة اطفال اشقاء من عائلة الهندي مصرعهم، واصيبت والدتهم بحروق متوسطة وشقيقهم الرابع بحروق خطيرة، في حادثةٍ حصلت في مُخيّم الشاطئ، لمْ تكُن الأولى مُنذُ بدء الحصار، بل كانت حلقة من مُسلسل انقطاع الكهرباء المُستمر على مناطق قطاع غزة.
تقرير: هدية الغول