الاردن: سبعون عاما من الصمود رغم شح الموارد وعظم التهديد

بيت لحم - معا - " ارفع رأسك انت اردني " عبارة خطت على لوحة اعلانات الكترونية في احد شوارع العاصمة الاردنية عمان قبيل الاحتفالات بعيد الاستقلال السبعين وكانت من بين اكثر ما لفت نظر مراسل " يديعوت احرونوت " العبرية الصحفي " روعيه قايس " الذي حل على العاصمة الاردنية مدعوا من قبل منظمة " EcoPeace " وهو الاسم المختصر لمنظمة " اصدقاء الكرة الارضية - الشرق الاوسط " وعاد بالتقرير التالي :

على مر التاريخ هنا الكثيرون ممن بنوا المملكة الاردنية الهاشمية وناحوا عليها وكان الموت قد اختطفها لكنها وخلافا لكل التوقعات نجحت دوما بالحفاظ على رأسها خارج المياه رغم الصعوبات والتحديات .

كان من الممكن الاحساس بالتحديات الكبيرة التي تواجه المملكة والملك عبد الله الثاني في عام 2016 ايضا والشعور بها خلال جولة قمنا بها الاسبوع الماضي على طول الحدود "الاردنية الاسرائيلية " التي تعتبر الاطول حيث تمتد لمسافة 300 كلم .

دفع الاردن ثمن التغيرات والهزات الجيوسياسية العظمى التي تعيشها العراق وسوريا وانعكست سلبا على اقتصاد وبيئة وامن الاردن .

الاردن دولة فقيرة تواجه تحديات اقتصادية هائلة مع موارد طبيعية محدودة وأخذة بالنفاذ مثل المياه على سبيل المثال فيما يشكل مئات الاف المهاجرين السورين وآخرين قدموا من دول اخرى عبئا كبيرا على اقتصاد المملكة الاصغر بين اقتصاديات الشرق الاوسط .

ادت نتائج" الربيع العربي" والحرب الدائرة في سوريا الى تعميق وتعزيز ارتباط الاردن وتبعيته للمجتمع الدولي ودول المنطقة وإسرائيل التي شهدت ثورة في مجال تحلية مياه البحر وزادت كمية المياه التي تقدمها للأردن بشكل كبير بما يزيد كثيرا عن الكمية التي تحدثت عنها اتفاقية السلام.

ويتوق الاردن الى وقف وإنهاء ارتباطه وتعلقه بالغاز القطري واستبداله بصفقات يوقعها مع اسرائيل في مجالي المياه والطاقة علما ان الدولتين اتفقتا على مد انبوب عبر مياه البحر الميت ينقل الغاز من حقل" تمر" الى الاردن وذلك رغم اصوات المعارضة الصادرة من البرلمان الاردني وفي المقابل ازدادت المساعدات السعودية فيما واصل سيل اللاجئين تدفقه وإلقاء ثقله على اقتصاد الاردن من جهة لكنه ياتي معه بالمساعدات والأموال الدولية من ناحية اخرى .

تشعر بتعقيدات حياة الاردنيين فور اجتياز المعبر الحدودي في بيسان حيث يقيم 600 الف اردني على الجهة الشرقية من الغور في العديد من البلدات والقرى التي تعتبر في جزء منها الافقر والأشد فقرا في المملكة .

لن تجد صعوبة في اكتشاف الفرق بين المدن الاردنية والمناطق النائية حين تسافر على الطريق 65 الممتد من مثلث الحدود جنوبا وهو المقابل الاردني لشارع رقم 90 الاسرائيلي .
في هذه المرحلة لا زلنا قادرين على رؤية السيارات الاسرائيلية تتحرك على الجانب الاخر فيما لا زال بالإمكان استقبال اشارة الهواتف الخلوية الاسرائيلي بشكل قوي .

يتبنى الاردن سياسية عسكرية صارمة في منطقة الحدود المغلقة عسكريا بشكل تام وكامل وذلك تنفيذا لالتزاماته النابعة من اتفاقية السلام .

والى جانب الفقر المدقع والحساسية الامنية يعمل في المنطقة القريبة من نهر الاردن 100 الف عامل زراعي سوري ومصري فيما يظهر وضع البلدات المتهالكة والبنية التحتية المتداعية مثل حفر الامتصاص والشوارع السيئة ان مشروع تطوير منطقة حوض نهر الاردن ستشكل الى جانب ابعادها البيئية رافعة اقتصادية تمنح سكان المنطقة الاردنية افاق تطور ونمو اقتصادي .

وقال " اسحاق الكوزه " منسق نشاطات منظمة " EcoPeace" في الاردن وهي منظمة بيئية اسرائيلية اردنية فلسطينية " بلغت نسبة البطالة في هذه المناطق تصل 40% الامر الذي تفاقم مع قدوم اللاجئين خاصة في اوساط خريجي الجامعات لكن فرصة ايجاد عمل في العاصمة عمان تبقى افضل لكن الاقامة هناك مكلفة جدا هذه الايام لذلك نحاول ايجاد اماكن عمل في المنطقة ذاتها ".

يسمعون اسم اسرائيل فيقولون عدو:
.........................................
حتى بعد عقدين من اتفاقية السلام لا تستقبل المنظمة البيئية " EcoPeace" بالترحاب دوما " نحن كمنظمة نتلقى دوما الكثير من الانتقادات والاتهامات الخاصة بالتطبيع مع اسرائيل وحين يسمعون اسم اسرائيل يقولون فورا هؤلاء الاعداء الذين اغتصبوا الارض والحقوق ونحن بدورنا نشدد ونحاول التوضيح انه يمكن تحقيق الانجازات للأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين عبر بناء جسور السلام وان هذا الامر يجب ان لا يقتصر فقط على مستوى القيادات بل على مستوى الشعوب ايضا حين تكون فقيرا ولا يوجد لديك عمل من السهل عليك الاتجاه نحو التطرف الديني لذلك يهدف نشاطنا الى استقدام الاستثمارات والتطور الى منطقة الاغوار " قالت "ياناه ابو طالب نائبة مدير عام المنظمة في الاردن .

وفي ظل الصراع ضد المتطرفين والتطرف فان مهمة الوصول الى مثلث الحدود ليست بالسهلة واليسيرة هذه الايام فحين نقف على نهاية منطقة عسكرية مغلقة وبعد مرورنا بالعديد من الحواجز العسكرية يمكننا حينها ان ندرك مدى قرب مواقع المنظمات السورية والمواقع الاردنية والإسرائيلية جنوب هضبة الجولان ومنطقة " السخنة .

دارت في هذه المنطقة قبل خمسة عقود معارك طاحنة بين سوريا والأردن وإسرائيل تمحورت حول مصادر المياه وامتدت على طول نهر اليرموك الذي يشكل خط الحدود بين تلك " الدول " اضافة لكونه مصدرا للمياه فيما تشترك اسرائيل والاردن هذه الايام بنظرة قلق كبيرة اتجاه الفوضى العارمة التي تعيشها سوريا وهما قلقتان من امكانية انتقال هذه الاحداث واجتيازها الحدود باتجاههما .

عاقب حافظ الاسد عام 1994 الاردن على توقيعه اتفاقية السلام من خلال اغلاق صنبور المياه وهذا يعطينا مؤشر على ما يمكن لمتطرفي داعش او جهات اخرى ان تفعله اذا نجحوا بتحقيق هدفهم بدولة تعتبر فيها المياه اغلى واثمن من الذهب النقي مثل الاردن.

وحين واصلنا السفر جنوبا وغربا باتجاه تلة " ام قيس " لا زلنا نرى المناطق السورية الخاضعة لسيطرة منظمات متطرفة مثل شهداء اليرموك الموالي لتنظيم داعش ورغم اشارة ج تطبيق تحديد الاماكن " فيزا" الى مسافة 5 كلم تفصلنا عن الحدود الا انه لا يوجد طريق مباشرة تقودنا اليها وفيما يكاد المسافر على الجانب الاسرائيلي ان يلمس بيديه حدود طبريا والجولان تبدو هذه المناطق بعيدة جدا من الجانب الاردني .

داعش هنا :

تقع مدينة اربد الشمالية حوالي 30 كلم من موقعنا وتعتبر اربد المدينة الثانية في الادرن من حيث عدد السكان 1:7 مليون نسمة وتاتي بعد العاصمة عمان من هذه الناحية .

وشهدت المدينة قبل شهرين معارك دامية بين قوات الامن الاردينة وخلية ارهابية تابعة لتنظيم داعش ووقع قتلى بين طرفي الاشتباك لكن الامن الاردني احبط المؤامرة لتعود اسواق اربد في ساعات ظهيرة يوم الاشتباك الى سابق عهدها تعج بالمتسوقين والحياة فيما تؤكد الحكومة الاردنية ان اربد تعيش حالة من الامن والآمان وهناك عدد كبير من سكان المدينة ممن يعملون في صفوف الاجهزة الامنية لذلك يجد الارهابيون صعوبات كبيرة في العمل داخل هذه المدينة .

ويؤكد الاردنيون ان حالة اربد تنسحب ايضا على الاماكن الاخرى في الاردن حيث قبضة الامن والمخابرات القوية التي تشكل الضامن القوي لعدم انتقال الفوضى الى المملكة كما وقع في سوريا والعراق وليبيا اضافة الى المشاركة القائمة بين الامن الاردني والمجتمع المدني حيث يمكن لصاحب مقهى على سبيل المثال ان يكون رجل مخابرات .

"ان خلية داعش في مدينة اربد تم كشفها من قبل رجال المخابرات والأردنيون يصلون ليل نهار ان يبقى بلدهم امنا ومستقرا " قال تاجر محلي للمراسل الاسرائيلي .
لم يبقى في اربد أي اثر للمعركة مع داعش لكن على مدخلها ينتصب نصبا تذكاريا على شكل طائرة يخلد ذكرى الطيار معاذ الكساسبة الذي قتله التنظيم الارهابي حرقا.

عمان وحياة الليل :
لا يوجد في العاصمة الاردنية عمان البالغ عدد سكانها حوالي الاربعة ملايين اجراءات امنية خاصة لكن يمكن ان تشاهد بعض رجال الشرطة المنتشرين في بعض الشوارع يجرون عمليات تفتيش وفحص دقيق بما ذلك استخدام اجهزة الكشف الاشعاعي على مداخل الفنادق .

" يوجد لدينا اجهزة امنية لا تسمح لأي كان بالتسلل وبفضل هذه الاجهزة فان داعش لن تصل الينا " جمل وعبرات تسمعها من السكان العاديين الذين يرون مثلهم مثل سكان بقية المناطق نهر اللاجئين السوريين الذي يتدفق على مدى السنوات الماضية .

هناك وجهتي نظر او معادلة مزدوجة تحكم التعامل مع اللاجين حيث يقول سائق سيارة اجرة يدعى محمد" كل الاماكن ممتلئة بفضل اللاجئين السوريين وتشهد الفترة الاخيرة حفلات ليلية ذات طابع سوري وهناك سوريون يفتتحون المصانع والمطاعم والمشاغل وهناك من يعتمدون على تبرعات الجمعيات الخيرية ".

وقال سائق سيارة اجرى اخر " اتفق مع المقولة التي تقول ان اللاجئين يثقلون علينا اقتصاديا وان الوضع ليس على مايرام لكن حين يأتي شخصا ما الى بلدك ولا يوجد لديه مكان اخر يذهب اليه لا يمكنك طرده الانسان هو الانسان ".
لا يمكنك سماع ولو كلمة سيئة واحدة من فم بائع الكتب كبير السن الذي يعمل على بسطة لبيع الكتب علق عليها صورتيين كبيرتين الاولى للملك عبد الثاني والثانية لزوجته الملكة رانية حيث قال هذا التاجر " الوضع في الاردن جيد جدا كل شيء عندنا جيد يوجد لدينا ملك وملكة لا يوجد مثلهما في العالم انا هنا منذ 61 عاما واقول لك انني انا وعائلتي سعداء هنا رغم كل ما يحدث حولنا في الدول العربية الشعب والقيادة الاردنية صامدون ".

هناك في عمان حياة ليل صاخبة رغم التحديات والظروف وحتى يوجد هنا " مثليين ومثليات " وهناك من يشع نور حياة ساطع ويمكن للسياح ان يجدوا الكثير من الاثارة والجاذبية .
" يوجد في عمان حياة ليل افضل من بيروت ودبي " يقول سائق سيارة اجرة مرتشي وفاسد ويضيف ضاحكا " انا اعمل في الليل ولا اعمل في النهار ولو عملت في النهار لما شاهدت شيئا ".