نشر بتاريخ: 29/05/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
الخليل- معا- لم يكن أطباء الأسنان يجرؤون على زراعة الأسنان الفورية وإجراء التركيبات السنية المباشرة خلال أيام قليلة، ذلك أن عملية الزراعة التقليدية العادية تتطلب مهارة من طبيب الأسنان في إتمام مهمته الطبية هذه على أكمل وجه، بمعنى أن الزراعة الفورية تتعداها في المهارة والإتقان الى أكثر من ذلك بكثير.
وأصبح كثير من الأطباء الذين يمتازون بمهارات معينة في الزراعة قادرون على إتمام مهمة الزراعة الفورية هذه خلال ثلاثة أيام أو أسبوع على أبعد تقدير، بفضل تطور علم الأسنان وزراعته، ومواكبتهم لهذه التطورات والخوض في غمار الزراعة التي بدأت تشهد إقبالاً كبيراً من المرضى وتوجهاً لديهم للحصول على أسنان ثابتة قريبة جداً إلى الحالة الطبيعية عنها من التركيبات المتحركة كجسور الأسنان أو الأطقم داخل الفم.
ومع الوقت ووضوح الصورة ومع التطورات المتلاحقة الحاصلة على صعيد زراعة الأسنان، وبفضل النوعيات الجيدة من الزرعات، والأبحاث العلمية في هذا المجال، وعقد الدورات والمؤتمرات التدريبية، بات على طبيب الأسنان اتخاذ القرار السليم بعملية الزرعات بالاستناد إلى مهارته ومعرفته الجيدة بتشريح الفم ومن ثم عملية التركيب المباشر للأسنان، وبالحالة التي بين يديه.
لأجل ذلك عقد في اسطنبول بتركيا، الأسبوع الماضي، مؤتمر تدريبي في مجال زراعة الأسنان الفورية شارك فيه أطباء من فلسطين إلى جانب دول عربية أخرى. ويقول طبيب الأسنان المختص في الزراعة الفورية د. عادل ابو شرخ، خلال محاضرته العلمية في أعمال المؤتمر التدريبي، إن "عملية الزراعة الفورية تتطلب مهارة من طبيب الأسنان كي يكون قادراً على إتمام الزرعة بنجاح، وهي بقدر أنها سهلة إلا أنها تتطلب دقة عالية".
وهكذا يحرص الأطباء على المشاركة في الدورات والمؤتمرات الطبية والأخرى التدريبية التي من شأنها إثراء معرفتهم بعملية الزراعة، ومنها المؤتمر التدريبي هذا المنعقد في اسطنبول، بمشاركة عدد من الأطباء وأطباء الأسنان الجراحين والمتخصصين في زراعة الأسنان في الوطن العربي، بما فيها فلسطين، نظمتها "الأكاديمية العالمية لزراعة الأسنان الفورية" التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها وتتبع لشركة يديرها أطباء فلسطينيون وأتراك وتعمل على إنتاج زرعات الأسنان الفورية والجراحية العادية.
د. ابو شرخ، المحاضر الدولي في زراعة الأسنان في الأكاديمية، يوضح أن زراعة الأسنان الفورية التي يتم تصنيعها من مادة "التيتانيوم" التي يتقبلها الجسم وتستطيع التكيف معه، بات التوجه لهذا النوع من الزراعة كبيراً جداً مع التطور الكبير والمتواصل في علم الأسنان وزراعته، لافتاً الى أن الدورات العلمية والمؤتمرات التدريبية التي تعقدها الشركة لأطباء الأسنان من مختلف دول العالم،
خاصة في الوطن العربي، يتم خلالها إجراء عمليات زراعة فورية لمرضى في مستشفى "ميدي لايف " في اسطنبول بمشاركة الأطباء أنفسهم.
وعقد المؤتمر التدريبي، وهو الثالث الذي يعقد في هذا المجال، في فندق "تايتنك بزنس" في اسطنبول بمشاركة أطباء ومتخصصين في علوم الجراحة الفكية والتشريح والتركيب والزراعة الفورية للأسنان، من دول فلسطين والأردن ولبنان والسعودية ومصر، وتركيا وغيرها.
وتقوم الشركة، التي يديرها الفلسطيني المختص في طب وزراعة الأسنان الدكتور احمد أبو صالح، وهو من مدينة دورا بمحافظة الخليل، والمقيم في تركيا منذ أكثر من 30 عاماً، مع شريكين آخرين أحدهما فلسطيني والثاني من تركيا.. تقوم على تصدير منتجاتها من الزرعة السنية الفورية الى العديد من دول العالم من بينها فلسطين.
والدكتور أبو صالح استطاع، بفضل جهوده الحثيثة وإصراره الدائم نحو التطور في مجال زراعة الأسنان ووضع اللمسات الفلسطينية عليها على مدار أربع سنوات، متحملاً المخاطر والصعاب، ورغم سنوات اللجوء والبعد عن الأهل والوطن.. من إنتاج أول زرعة أسنان أسماها "الزرعة الفلسطينية التركية" باستخدام ماكينات عالمية وأجهزة حديثة ومتطورة، والحصول على موافقة من الحكومة التركية وبتشجيع من مركز الأبحاث العلمية في تركيا، لتسويقها إلى أرجاء العالم.
ويصعب إقامة مثل هذا المصنع في فلسطين، في الوقت الراهن، رغم تطلعه الدائم إلى نقلها داخل الوطن، لأنه باختصار – كما يعلل د. أبو صالح-: "الزرعة تحتاج إلى تعقيم بالأشعة النووية".
وتنتج زرعات الأسنان العديد من الدول، وفق ما يوضح الدكتور أحمد أبو صالح، مثل ألمانيا وسويسرا وأمريكا وبريطانيا إضافة الى تركيا. وأكد د. ابوصالح أن الزرعة الفلسطينية التركية بدأت، بفضل الجودة التي تتمتع بها، تلقى تجاوباً كبيراً في الأسواق العالمية وطلباً متصاعداً لدى أطباء الأسنان في عديد دول العالم، ومنهم الأطباء داخل فلسطين.
الدكتور أبو صالح أشار كذلك إلى أن الزرعة تصنع من عنصر التيتانيوم؛ إذ يتقبلها الجسم بكل سهولة ويستطيع التكيف معها ولم يثبت أن مريضاً زرع وسببت له حساسية أو رفضاً لها؛ وهي مادة حيوية يستطيع أن يبني عليها العظم وكأنها جزء منه.
وتناول المشاركون في المؤتمر التدريبي شروحات مستفيضة عن الزراعة الفورية، بما فيها شروحات عن خطة العلاج التي تبدأ بمعرفة الحالة المرضية وصولاً إلى زراعة فورية ناجحة؛ من أهم خطوات تحقيق ذلك الهدف المعرفة الدقيقة بتشريحات الفك والوجه وأنواع العظمات والأعصاب والشرايين المغذية للفكين العلوي والسفلي وطريقة الزراعة على العظم الأساسي أو القاعدي؛ ذلك أن المواضيع التي تناولتها جلسات المؤتمر على مدار أيامه الثلاثة بإسهاب، سبقها إجراء عملية زراعة فورية لمريض يعاني من ذوبان في عظام الفك العلوي إلى جانب تقديم، خلال جلسات المؤتمر، حالات لعمليات زراعة متنوعة.
ويبين الدكتور عادل أبوشرخ، وهو من أطباء الأسنان الأوائل في مجال الزراعة، أن عملية زراعة الأسنان الحديثة عربياً (منذ 10 سنوات كحد أدنى، ومنذ الستينات عالمياً) حققت الكثير من النجاحات، وهناك العديد من الأطباء في فلسطين الذين استطاعوا بفضل مهاراتهم ومواكبتهم لعملية الزراعة الوصول الى مراتب عليا حتى على المستوى الدولي.
كما يلفت د. ابو شرخ، الذي أجرى عمليات زراعة عديدة في دول بالعالم، أن عملية الزراعة الفورية تختلف عنها في العادية التقليدية "الجراحية"، حيث يمكن إجراؤها لأي مريض مهما كان يعاني من أمراض كالسكري أو هشاشة في العظام التي كان يصعب في مثل هذه الحالات إجراء الزراعة لها سابقاً.
وتتطلع الأكاديمية العالمية الى تحقيق المزيد من البرامج في مجال زراعة الأسنان، وفق ما يوضح د. ابو شرخ، وعقدها اتفاقيات الشراكة والتشبيك مع العديد من الجامعات في العالم، تقوم على تنفيذ أكاديميين مختصين ومحاضرين من أساتذة دوليين دورات علمية ومؤتمرات تدريبية لرفع مستوى مهارات أطباء الأسنان في مختلف الدول في مجال الزراعة السنية الفورية، لافتاً في هذا السياق إلى عقد اتفاقات مع جامعات اسبانية وايطالية وإجراء أبحاث على عمليات الزراعة.
وطبيب الأسنان ليس بحاجة إلى دورة واحدة كي يتقن هذه الزرعات؛ فهو، كما يؤكد الطبيب المختص في الزراعة د. أبو شرخ، بحاجة الى المشاركة في العديد من الدورات المتتالية وحضور المؤتمرات العلمية والتدريبية ومواكبة الجديد في عملية الزراعة ومعرفة الفشل الذي يمكن أن يحصل عند أي طبيب.
وبين أن عملية الزراعة تستغرق وقتا تختلف مدته من طبيب إلى آخر، وهذا يعود الى مهارته في إجراء هذه العملية، بيد أنه شدد على أن المهم في العملية إتقانها كي تحقق النجاح المرسوم لها.
وأكد أن كل مريض باستطاعته إجراء هذا النوع من الزراعة التي لا تتطلب سوى إحداث ثقب كي يتم إدخال الزرعة، دون وجود تداعيات لها من حدوث انتفاخات أو جروح دموية أو عمليات غرز للثة. وأشار الى أن التوجه اليوم نحو الزراعة الفورية خاصة إن الجيل المعاصر لا يقبل بغيرها.
الدكتور خالد حرب، أخصائي جراحة الفكين في مستشفى الاستقلال بعمان، وأحد المحاضرين في المؤتمر التدريبي، أوضح الفرق بين الزراعة العادية والفورية للأسنان، حيث إن "العادية" تتم خلالها الزراعة في العظم الحامل للأسنان وعادة ما يكون هذا العظم إسفنجياً بطبيعته، في حين توضع "الفورية" في العظم الصلب من خلال فتحة صغيرة في اللثة يتم منها إدخال براغي أو "زرعة" من غير استعمال الجراحة للثة أو حتى رفعها أو تقطيبها.
ويبين د. حرب، أن فكرة الزراعة الفورية (وضع الزرعة في العظم الصلب) استلهمت من أطباء العظام الذين توصلوا الى وضع مسامير في العظم المكسور لجسم الإنسان كي يستطيع الحركة وتأديته واجباته خاصة في الأماكن التي تتطلب حركة مباشرة، وجعل المريض يمشي على الفور، حيث تم تطبيقها في الأسنان وإجراء التركيبات السنية عليها واستطاع المريض أن يؤدي مهام المضغ عليها مباشرة دون الانتظار لأيام وأشهر.
وبتوضيح أكثر، يبين د. خالد حرب، أنه في الزراعة الفورية يتم وضع الزرعة بين قشرتي العظم بدل أن يتم وضعه في العظم الاسفنجي، وهي قشرة في الفك تمتاز بالصلابة وتبلغ نسبة التكلس فيها عالية جدا، مع تدني نسبة الالتهابات التي يمكن أن تحصل لها، فيما ذوبان العظيم يكاد يكون معدوماً.
ويؤكد الدكتور حرب أن الزراعة الفورية أثبتت نجاعتها، حيث يتم تركيب الأسنان خلالها ويقوم خلالها المريض بتأدية الوظائف اليومية والطبيعية من مضغ واكل مباشر خلال ثلاثة أيام وهي المدة التي يحتاجها المعمل حتى يصنع الجسر فوق الزرعات، ويحدث خلال هذه الزراعة ثبات ميكانيكي عالٍ يؤهلها للتركيب فوقها مباشرة، وهي مناسبة لجميع الحالات خاصة التي تعاني من أمراض معينة كالسكري أو الذين يعانون من ذوبان في العظم.
ويخلص طبيب الجراحة د. حرب إلى أن الطبيب الذي يخطط جيداً لعملية الزراعة الفورية، من دراسة للحالة المرضية والقيام بالخطوات السليمة للزراعة ومتابعته للمريض ما بعدها، لا يمكن له أن يفشل.
من جانبه، شدد رئيس قسم التشريح في "جامعة اسطنبول كمر بورغاز" د. محمد التلاحمة، وهو فلسطيني الجنسية، خلال مداخلة علمية له في جلسات المؤتمر التدريبي، على ضرورة الحرص جيداً أثناء عملية الزراعة للأسنان، سواء في الفك العلوي أو السفلي، على القنوات والأعصاب في الفكين؛ لأن المساس بها يؤدي ببساطة الى شلل في المنطقة. متابعاً: "وهذا يتطلب من طبيب الأسنان معرفة تامة ودقيقة بتشريح الأسنان والفكين والفم والجهاز التنفسي والعنق أيضاً".
وتولدت لدى أطباء الأسنان المشاركين في المؤتمر التدريبي المنعقد في اسطنبول انطباعات عديدة جلها صب في أهمية موضوع الزراعة الفورية؛ كونه الطب الذي يحتاج الى مهارة ومواكبة وممارسة دائمة. فقد اختزل د. ابراهيم الهبارنة، من الأردن، رأية حول مشاركته في هذه الدورة بالقول: "كنت ضد التركيب المباشر للأسنان على الزرعات، لكن الآن يمكن القول أنه تم حل هذه المعضلة، وهي بحاجة الى مزيد من المهارة والدقة".
أما د. محمد عيوش، من لبنان، فمنحته هذه الدورة دافعاًً قوياً للاستمرار في عملية الزراعة إضافة إلى معرفة في التعامل مع الحالات التي تعاني من مشاكل أبرزها الذوبان في العظم. فيما يرجح د. رمزي العزة، من فلسطين (بيت لحم)، أن لمثل هذه المؤتمرات التدريبية الدور الأكبر في مواكبة تطور علم الزراعة الفورية إلى جانب إكتساب مزيد من الخبرات سيما في ظل الإقبال الكبير نحو الزراعة والتخلي عن التركيبات المتحركة للأسنان. إلى ذلك وعد د. ابو شرخ بعقد مزيد من هذه الدورات والمؤتمرات التدريبية وإشراك أكبر عدد من أطباء الأسنان في فلسطين ودول العالم العربي، سعياً نحو مواكبة التطورات المتلاحقة والحاصلة في قطاع طب وزراعة الأسنان على مستوى العالم.