الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حرب الجواسيس.. اعتقال أخطر جاسوس روسي في حلف الناتو

نشر بتاريخ: 04/06/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
حرب الجواسيس.. اعتقال أخطر جاسوس روسي في حلف الناتو
بيت لحم- معا- تحول حي Trastevere السياحي الشهير وسط العاصمة الايطالية روما نهاية الاسبوع الماضي الى ساحة تجسس من العيار الثقيل تذكرنا بذروة الحرب الباردة.

تجول رجل ذو شعر ذهبي في ظهيرة احد ايام الاسبوع الماضي في شوارع هذا الحي الذي يغص بالمقاهي الفاخرة والمحال التجارية والبارات وصالات عرض الموضة، وكان يتوقف امام المحال والمقاهي ويلقي نظرة سريعة الى داخلها دون ان يشعر بانتشار عشرات العملاء السريين الذين تم نشرهم في المنطقة مسبقا كي يتعقبونه ويعدون عليه انفاسه.
َ
وجلس صاحب الشعر الذهبي في مرحلة ما داخل احد المقاهي وتحديدا في المنطقة المعتمة قرب البار حيث التقى شخصا آخر كان بانتظاره وتبادل معه "المغلفات".

وقالت وسائل الاعلام الايطالية المختلفة ان المغلف الذي قدمه صاحب الشعر الذهبي كان يحتوي على اخطر ست وثائق تعتبر الاكثر سرية وخطورة في حلف شمال الاطلسي "الناتو" فيما احتوى مغلف الرجل الاخر على ثمن هذه الوثائق وهو عبارة عن ست كمبيالات بقيمة اجمالية وصلت الى عشرات الاف الدولارات.

وظهر من بين الظلال المعتمة وفي لحظة تبادل المغلفات عملاء الشرطة الايطالية واعتقلوا صاحب الشعر الذهبي و"ضيفه".

وبدأت التسريبات المتعلقة بعملية الاعتقال الغامض تظهر في وسائل الاعلام الايطالية بشكل فوري تقريبا بعد لحظات قليلة من عملية الاعتقال التي نالت تغطية اعلامية غير مسبوقة من حيث حجم الضخ الاعلامي او الاستمرارية ما يشير الى تسريبات مقصودة ومتعمدة من قبل السلطات الايطالية.

والمعتقلون وفقا للتقارير الايطالية هم رجل برتغالي في 57 من العمر يعمل مسؤولا كبيرا وضابطا رفيعا في المخابرات البرتغالية والاخر مواطن روسي قالت السلطات الايطالية انه عميل معروف لدى المخابرات الروسية الخارجية "SVR".

ووفقا للتقارير تم اعتقال الروسي لانه لم يكن يحمل جواز سفر دبلوماسي بما يخالف "العرف" او التقليد الذي يشير الى ان الجواسيس يكونون في العادة ضمن السلك الدبلوماسي للدولة التي تقوم بعملية التجسس او ضمن وفد تجاري يمنحهم الحصانة وتشير حقيقة اعتماد الروس على رجل اتصال "غير شرعي" لكن مدرب وخبير ومحترف في اعمال التجسس الى الاهمية التي يوليها الروس لعمليهم رجل المخابرات البرتغالي حسب تعبير التقارير الايطالية التي تناقلتها يوم السبت مختلف المواقع الالكترونية الاسرائيلية ايضا.

ويمكن الاستدلال على مدى اهمية هذا الجاسوس من خلال التقارير المتعلقة بطبيعة وحساسية الوثائق السرية حيث يدور الحديث عن ست وثائق في غاية السرية والاهمية تتضمن معلومات حساسة عن الانظمة الدفاعية الموجودة في القواعد العسكرية التابعة لحلف "الناتو" ومعلومات حول البنية التحتية للاتصالات بين قواعد الناتو والدول الاعضاء في هذا الحلف.

وتعتبر عملية الاعتقال التي تمت في ايطاليا في وضح النهار ذروة عملية كبيرة لمكافحة التجسس دارت رحاها حول العالم لمدى عامين كاملين، وذلك وفقا لوسائل اعلام ايطالية وأخرى برتغالية.

كانت البداية عام 2014 حيث انطقت عملية المكافحة بعد وقوع عمليات تسريب عديدة للمعلومات الحساسة من داخل "الناتو" وقادت المعلومات والمعطيات الميدانية الى وجود عمل سري داخل جهاز الاستخبارات وحماية المعلومات البرتغالي "SIS" وقام الناتو بإبلاغ الحكومة البرتغالية بهذه المعلومات.

وتعتبر البرتغال رغم صغر حجمها ذات اهمية خاصة بالنسبة لحلف الناتو وذلك بسبب موقعها في القارة الاوروبية كما تشكل عضويتها في حلف الناتو اللبنة الاساسية لسياستها الخارجية ومن هنا يمكن فهم حجم الصدمة التي خلفها اكتشاف عميل كبير داخل جهازها الاستخباري لكن هذه الصدمة وحسب التقارير لم تتحول الى نتائج عملية ملموسة في باب اعتقال العملية وافتضاح امره.

وجاءت نقطة التحول في التحقيق من خارج البرتغال وفقا للتقارير الاعلامية الايطالية حين توجه عملاء المخابرات الامريكية "CIA" قبل سبعة اشهر لنظرائهم البرتغاليين وعرضوا عليهم صورا توثق لقاء جرى في سلوفاكيا بين "الرجل صاحب الشعر الذهبي" كما كانوا يدعونه حينها والروسي ذاته الذي اعتقل في ايطاليا.

صدم البرتغاليون لان الرجل صاحب الشعر الذهبي كان معروفا لهم واسمه الحقيقي "فردريكو كارلفين" وهو من كبار مسؤولي المخابرات البرتغالية وهو عضو مؤسس لهذا الجهاز وعضو فيه منذ اقامته في ثمانينيات القرن الماضي، وشغل مناصب حساسة وهامة ضمن بنية جهاز "الاستخبارات وحماية المعلومات SIS" البرتغالي بينها رئيس دائرة مكافحة التجسس والتجسس المضاد، هذا المنصب الذي شغله في نهايات تسعينيات القرن الماضي ويحمل شهادة في الفلسفة ويعتبر احد المثقفين والمفكرين المشار لهم بالبنان داخل جهاز المخابرات ويوصف بالشخص المغلق والحريص والبعيد عن المغامرات والانفعالات لكن المخابرات هي المخابرات ولا وجود لرجل فوق كل الشبهات داخل هذا العالم السري.

وهنا بدأت حجارة " الديمينو " تتساقط في العاصمة البرتغالي " ليسبون " واحدا تلو الاخر وبدا البرتغاليون يتذكرون سقطات وهفوات هذا الرجل الذي كان لوقت قريب فوق كل شبهات واول هذه السقطات التي تذكرتها المخابرات البرتغالية كانت قبل 10 سنوات حين لم يلتزم بتعليمات وإجراءات الامن المترتبة على طبيعة وظيفته في ذلك الحين لكنه في حينها حاز على تعامل متسامح من قبل المسئولين عنه وتم نقله حينها الى وظيفة اقل حساسية في دائرة جمع المعلومات ولم يظهر لاي شخص انه حقد او ثار على الجهاز الذي خفض مكانته بعد هذه الحادثة لكن يبدو ان الحقد ظل يعتمل في صدره .

حدث التغيير الكبير على هذه الشخص بعد سنوات طويلة من حادثة عدم الالتزام بإجراءات الامن ونتج عن سلسة من عمليات الطلاق والانفصال المزعجة ليتحول الرجل المغلق والحريص الى شخص " لاهي " يتمته باللهو وملذات الحياة وبدا يسافر ويتنقل في العالم دون تقديم تقرير للمسؤول عنه او المسؤولين عنه في المخابرات بما يخالف وبشكل مطلق وقاطع كافة الاجراءات والأعراف المتبعة في اجهزة المخابرات .

وكانت دول اوروبا الشرقية الهدف الرئيسي لسفرياته حيث تجول في اوكرانيا ، البانيا ، جورجيا ، وأقام علاقات نسويه في هذه الدول ودول الاتحاد السوفيتي السابق و صديقته الحالية على سبيل المثال من اصول جورجية . ولم يتأخر " الرادار" الاستخباري الروسي عن رصد شخص بهذه الاهمية وشخصت المخابرات الروسية الكنز الاستخباري وأفاق الاستفادة المتوقعة وحولته الى عميل مزدوج .

لم تكن العاصمة البرتغالية على علم بتصرفات رجل مخابراتها وسفرياته المخالفة لقواعد التصرف داخل المخابرات الى ان التقى صدفه بأحد اصدقائه الذي رفع تقريرا للمخابرات لكن هذا التقرير على قدمه لم يشعل الضوء الاحمر لدى مخابرات البرتغال رغم ان الرجل صاحب الشعر الذهبي لم يحاول اصلا اخفاء سفرياته وكتب عنها على صفحته على فيسبوك .

وشكلت حقيقة وجود هذه المعلومات على الفيسبوك دون ان تصل الى رؤساء المخابرات البرتغالية ذاتها فشلا كبيرا اذ ربما كتب العميل تفاصيل سفرياته على الفيسبوك ليشكل لنفسه حماية وعذرا ويقول انه لم يحاول اصلا اخفائها لأنه لا يوجد لديه ما يخفيه .

ورغم ان معظم تفاصيل هذا العميل باتت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لكن تبقى ثلاثة صور " اصفرت " من طول الزمن توثق زيارته الى جمهوية " جورجيا " السوفيتية مطلع ثمانينيات القرن الماضي ما يعطي احتمالا الى ان جذور ارتباطه بالمخابرات الروسية تمتد اعمق بكثير مما تبدو عليه الان وقد تصل الى فترة الحرب الباردة .

وكالعادة من الصعب ان تجد قضية بهذا الحجم دون بصمة اسرائيلية وفقا لصحيفة " SOL" البرتغالية فقد زار هذا العميل اسرائيل في تسعينيات القرن الماضي ضمن وفد من المخابرات البرتغالية حل " ضيفا " على الموساد الاسرائيلية بهدف الاشتراك في دورة تدريبية تتعلق بأساليب وطرق العمل الاستخباري ويبدو ان هذا العميل كان في تلك الفترة لا يزال على الجانب الصحيح من المتراس وفقا لتعبير موقع " مكور ريشون" العبري الذي اورد التقرير لكن الصور القديمة القادمة من جورجيا السوفيتية قد تقلب المعادلة .

وعثرت الشرطة خلال تفتيشها لمنزل صاحب الشعر الذهبي بعيد اعتقاله على وثائق سرية اخرى ومبلغ كبير من المال حيث حصل من مشغله الروسي على مبلغ 10 الاف يورو عن كل وثيقة سرية ولكن مخابرات البرتغال ورغم تأهبها ووقوفها على " ذنبها " لم تنجح طيلة هذه الفترة في الحصول على أي دليل ادانة رغم تصنتها على هاتفه الشخصي واختراقها لجهاز الحاسوب في منزله فشلت في الكشف عن أي حركة او اشارة مشبوهة .

يبحثون عن المساعدين:
حدث الاختراق الاكبر بالصدفة البحتة وتحديدا قبل اسبوع من لقاء ايطاليا الاخير حين اتصل احد وكلاء شركة " مارسيدس" بالعميل البرتغالي لدعوته لحضور عرضا للسيارات الجديدة فاعتذر العملي بقوله انه سيكون في تلك الفترة خارج البلاد .

وهنا اخذت وكالة المخابرات البرتغالية استعدادها وحذرها وقدم العميل طلبا لإجازة من يوم واحد لكنه لم يذكر أي شيء عن نيته السفر الى خارج البرتغال فقامت المخابرات البرتغالية بالخطوة الثانية وهي عملية بحث وتمشيط في قوائم المسافرين على متن الرحلات الجوية في اليوم المحدد والمساء الذي سبقه فعثرت على اسم العميل ضمن قائمة المسافرين على طائرة تابعة لشركة " رينايير " المتجهة الى ايطاليا .

وخلافا للمرات السابقة عمل البرتغاليون هذه المرة بتصميم وانتباه وابلغوا نظرائهم الايطاليين وعملوا بالتعاون معهم وسبق عملاء المخابرات العميل البرتغالي الى الطائرة وجلسوا في مقاعد المسافرين يتعقبونه ويحصون انفساه وسكناته وقاموا بتصويره فور وضع قدمه على الارض الايطالية وصولا الى النادي الفاخر الذي شهد عملية اعتقاله بالجرم المشهود هو ومشغله الروسي.

وفي التفاصيل افترضت المخابرات الايطالية ان عملاء المخابرات الروسية سوف يغزون منطقة اللقاء وينتشرون في ارجائها وفي حال تعثر شيئا ما سيحالون انقاذ رجلهم " الروسي" لكن طبيعة المنطقة لم تسمح بعملية دراماتيكية من هذا النوع لانها كانت ستؤدي الى ازمة سياسية خطيرة تشبه تلك التي اعقبت عملية اغتيال " ليتفينسكي" من قبل رجال المخابرات الروسية على ارض العاصمة البريطانية لندن .

واتضح ان العميل البرتغالي " كارفلين" ما هو الا قكة جبل الجليد واقر وزير خارجية البرتغال " اغوستو سنتشو سليفا " الاسبوع الماضي ان تحقيقا معمقا يجري الان بهدف الكشف عن شركاء هذا العميل الذين ساعدوه الى تهريب الوثائق الخطيرة من مقر المخابرات البرتغالية والسؤال هو ليس فيما اذا كان لهذا العميل مساعدين ام لا بل من هم وكم عددهم؟ .