نشر بتاريخ: 02/07/2016 ( آخر تحديث: 02/07/2016 الساعة: 15:57 )
غزة- معا- من ميساء سلامة- رصيف إحدى الطرق يعج بالمارة من الصائمين الذين تلاحقهم الأيادي والدعاء طلبا لبعض المال في أواخر الشهر الفضيل، من بينهم (م. ن) من مدينة خان يونس تحمل على يديها طفلا رضيعا تتأرجح رأسه على كتفيها، ولعابه يبلل عباءتها الرثة، تبدو علامات التعب واضحة على وجهِها المتعرق الذي غطت نصفه، وهي تكرر عبارات "الله يرضى عليك.. الله ينولك اللي ببالك" لكل من يجوب الطرقات العامة.
تقول متحفظة على بعض التفاصيل: "أنا مجبرة على مد يدي للعيش وخصوصا أن زوجي لم يعد قادرا على العمل بعد العملية الجراحية التي أجريت له منذ أشهر، وتحديدا لأنه مصاب منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة مما اضطرني للبحث عن عمل في بعض الأراضي الزراعية، فأنا غير متعلمة، ولا أحمل شهادة جامعية، ويتوجب علي أن أعيل أسرتي ولكن لم يعد العمل فيها يجدي شيئا في ظل الالتزامات والأدوية المطلوبة فصرت اقضي يومي بين جمعية وأخرى ومن بيت لآخر، فوجدت التسول أكثر نفعا وخصوصا في الشهر الفضيل".
نماذج كثيرة، لمن يختارون قارعة الطريق، ينتظرون الإحسان من المارة، ويتسترون بعباءة الحاجة بأساليب سهلة، حتى غدا تواجدهم ظاهــرة اجتماعيــة في تزايد في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة فأصبح بعضهم يستغل صغر سنه كالأطفال؛ أو كبر سنه الذي يمنعه من العمل لإعالة أبنائه، أو الحاجة إلى المال من أجل العلاج ، كما تمتهن العديد من النساء هذه الآفة بحجة موت زوجها أو مرضه الذي يمنعه من الإنفاق على العائلة أو استغلال الإعاقة لطلب الإحسان فمن بين الاياد الممدودة التي يصاحبها الشكوى ( خ.س ) يجلس على كرسي متحرك ويحاول أن يستحوذ على عطف المارة وهو يحرك كرسيه بيديه ، ويجمع بعض المال والمؤن ، تحت ستار الحاجة والعوز متخذا من إعاقته وسيلة لجمع المال.
يتحدث بمرارة: "لم أكن ارغب بفعل هذا في بداية الأمر، ولكن وجدت نفسي مضطرا لذلك وبعد فترة تحولت من حاجة إلى مهنة يومية توفر احتياجاتي لم اعد اخجل من مد يدي وطلب المال فالجوع والحاجة أكثر وجعا من مد يدي للاستعطاف".
يستأنف حديثه عن الشهر الفضيل ويقول: "خلال شهر رمضان الكريم، تزداد الغلة آخر النهار بعد ساعات شاقة من التسول والتجول في الطرقات وسؤال الناس حتى تتراوح نسبة المال يوميا في رمضان من 50 إلى 150 شيكل لدى البعض أحيانا".
أسباب وعواقب
هذه المشاهد وغيرها ورغم اختلاف مسبباتها تقضي على الوجه القيمي، وتزرع المفاهيم الهدامة، وتهـدد المجتمـع بأسـره، وتنذر بالعديد من العواقب، حيث تؤكد الأخصائية الاجتماعية أميرة أبو منديل: "الأوضاع الاقتصادية الصعبة في المجتمع الغزي، الفقر، والبطالة، وممارسات الاحتلال الحرب والحصار على قطاع غزة، والأسباب الاجتماعية السلبية : التفكك الأسري و الطلاق ، و هروب الأطفال إلى الشارع للحصول على المال بطريقة سهلة من خلال التسول لإشباع حاجاتهم ، وغيرها من الأسباب هي بيئة خصبة لزيادة نسبة التسول".
وفي ذات السياق بحسب إحصائية اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة أوضحت أن نسبة الفقر داخل المجتمع الغزي تتجاوز 70% في حين أن نسبة البطالة 65% وهي نسبة مرتفعة تجعل من انتشار التسول والجرائم نتيجة متوقعة لذلك.
ظاهرة مقلقة
قضية التسول في شوارع قطاع غزة باتت مقلقة، وتكاد تصل إلى ظاهرة يقودها محترفون من أجل الارتزاق وليس لكونهم أصحاب حاجات ، حتى أصبحت القضية نوع من الحرفة لها خطة عمل يومية في الأماكن المختلفة جغرافيا و مكانيا.
ورغم تجريم قانون العقوبات الفلسطيني للتسول تحت عنوان الكسب الغير مشروع، في الفقرة (ب) من المادة (193) لقانون العقوبات لعام 2005م ، ، وتحديد عقوبة قانونية غير رادعة من وجهة نظر البعض وهي الحبس لمدة شهر في المرة الأولى، وفي حالات تكرار السلوك، يحكم عليه بالسجن لمدة سنة لم تمنع من ممارسة التسول كنوع من الارتزاق لدى البعض.
جميع ما سبق هي محاولات إصلاح متعددة لتلك الفئة محكوم عليها بأنها بائسة في ظل الأوضاع الراهنة لعدم القدرة على توفر الضمان الاجتماعي لكل صاحب حاجة أو عاجز عن العمل قد يسوق بعضهم إلى الاستجداء وذل التجارة المربحة من وجهة نظرهم - التسول - في شهر رمضان المبارك رغم ما نهى رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم حين قال : لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من سؤال الناس أعطوه أو منعوه.