نشر بتاريخ: 10/07/2016 ( آخر تحديث: 10/07/2016 الساعة: 13:13 )
(مقالة جدعون ليفي واليكس ليبك في صحيفة هآرتس)
طفلان صغيران، قريبان للعائلة التي قُتِلت في دوما، يكبران بلا والدين منذ نيسان، (ما يسمى) بـ "منسق أعمال الحكومة في الأرض المحتلة": المخابرات العامة هي المسؤولة، ولا تعطي تفسيرا لقراراتها.
من الصعب أن تفسر للطفلين الصغيرين، سبب ابتعاد والديهما عنهما، ومتى يرونهما ثانية.
خالد دوابشه، ابن الثالثة والنصف، يترفّق في حضن عمّه. لكنه ما أن يتركه عمّه، ولو للحظة، حتى يهرع إلى الباب، يفتحه ويخرج إلى الشارع، كأنه يحاول الهروب من البيت، لأنه ليس بيته. يكاد خالد ألّا يتكلم، الاتصال معه محدود، منذ اعتقاده أن أمّه تخلّت عنه. مع أنها تتصل به هاتفيا يوميا، لكنه يرفض الردّ عليها بالهاتف. ثلاثة أشهر لم ير أُمه، منذ أن فُصِل عنها، ومن غير الواضح متى يراها ثانية. أيضا لم ير أباه منذ ثلاثة أشهر، باستثناء مرة واحدة، حين رآه مكبلا بالقيود، في قاعة المحكمة العسكرية في قريةسالم. من الصعب أن تشرح لخالد، لماذا أبواه ليسا معه، ومن الصعب أن تشرح له متى سيراهما ثانية. أبوه في السجن وأمّه في غزة.
جواد الأخ الصغير لخالد، ينام في سلة للصغار خفيفة، لم يبلغ السنتين، ومع ذلك يتكلم مع أُمّه في الهاتف، كما يتكلم طفل بسنه، هو أصغر من أن يستوعب ما يدور حوله، وفي الحقيقة، مَنْ يمكنه أن يستوعب، كيف يشرد الاحتلال عائلات: الأم مُبْعدة عن الأب بتعسف، وهما مبعدان عن أبنائهما الصغار. والانقطاع بين قطاع غزة والضفة الغربية شبه تام، والمآسي الإنسانية تتكاثر، وحسب معطيات منظمة "غيشاه" من سنة 2013 أنه ل- 26% من سكان قطاع غزة أقرباء في الضفة الغربية، وان ل – 7% من سكان قطاع غزة قرابة من الدرجة الأولى في الضفة الغربية -- والدان، زوجان، أبناء، أخْوَة – ومنقطعين عن بعضهما انقطاع شبه تام (باستثناء مكالمات هاتفية وسكايب) منذ سنوات وإسرائيل تمنع توحيده الشمل، وتمنع حتى تبادل الزيارات بينهما. "ألا يوجد حصار على غزة"؟ "هل انتهى احتلال غزة"؟
هذه العائلات مُفَرّقة بسبب الحصار والاحتلال، كأن هذه العائلات لا وجود لهما.
نفس القرية، ونفس العائلة
الطفلان الصغيران، دوما. عائلة دوابشه. في نهاية هذا الشهر تنتهي سنة على على هذه الجريمة، الطفلان خالد وجواد أيتام الإبعاد من دوما، أقرباء من بعيد للعائلة الى أُحْرقت. تمرّ طريقهم إلى بيت عمّهم عبر بيت المحروق، الذي لا زال حتى اليوم مشحّرا ومهجورا كنصب تذكاري، أمامه شجرة زيتون، عمّهم، عامر دوابشه معلم للفنون، عمره 38 سنة، وعنده ثلاثة أبناء.أضيف إليهم اثنان،أبناء أخيه عروه، والد الطفلين، عمره 25 سنة، كلن مع والديه في الأردن حتى 1994 ، حينها عاد إلى دوما، بعد سنوات خرج إلى الأردن للدراسة، هناك تعرّف على من ستكون زوجته.بدءا المراسلة بواسطة الفيس بوك ثمّ قررا الاقتران، والد إسلام مصري وأمّها فلسطينية، كان عمر إسلام 24 سنة، وتمّ الزواج عام 2011.
عندما ولِد ابنهما الأول، خالد، حاولا الانتقال إلى دوما، عند جسر أللنبي، منع الإسرائيليون عبور إسلام إلى الضفة الغربية، لأنها مسجلة كمواطنة من غزة. كقاعدة، إسرائيل يمنع سكان غزة من زيارة الضفة الغربية، أومن توحيد العائلات، حاولا ثانية الصيف الماضي، وثانية رُفِض طلبهما. أحب عروة الرجوع إلى قريته، حيث يسكن والداه وإخوته. قرر أخيرا ألانتقال مع وَلَدَيْه، وبعد ذلك يحاول أن يضم زوجته إليهم، في - 10 نيسان من هذه السنة وصل الأب مع ولديه إلى جسر اللنبي، برفقة أخته، آلاء التي جاءت من دوما إلى الأردن مع أمهما، خصّيصا لمساعدتهما في المعبر.
أعاق الإسرائيليون أبناء العالة، عند جسر أللنبي لمدة ثلاث ساعات، حتى اخبروهم أخيرا أن عروة مُعتقل، لم يوضح لهم احد لماذا هو معتقل، ومن حسن الحظ أن كانت عمّة الأولاد معهم فأخذتهم إلى دوما. مرّ شهران حتى 3 حزيران، يوم إحضار عروة إلى قاعة المحكمة العسكرية في قرية سالم، حينها شاهداه لأول مرة منذ انفصالهما عنه، هو معْتقل في سجن مجيدو وقُدِّمت ضده لائحة اتهام.
صرّح الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي هذا الأسبوع لجريدة "هآرتس" إنه بتاريخ 9 حزيران قُدِّمت لائحة اتهام ضد عروة دوابشه إلى المحكمة العسكرية، "بتهمة اشتراكه، على مدى سنين، بنشاط تنظيمي وعسكري، لمنظمة حماس، ويشمل نقل أموال من الأردن إلى منطقة يهودا والسامرة لتمويل أعمال إرهابية" وأُضاف أيضا " بموافقة الدفاع قررت المحكمة توقيفه حتى انتهاء الإجراءات".
خالد وجواد مسجلان بجواز السفر الأردني التابع لوالدهما، ومنذ اعتقال والدهما، مُنِعا من السفر إلى الأردن للانضمام إلى أمهما التي ظلّت تنتظرهما هناك حتى هذا الأسبوع، إضافة لذلك يمكن الافتراض أنه إذا أُدين أباهما، وربما لا، ستمنعه قوات الأمن الإسرائيلية من الخروج من الضفة الغربية أيضا في المستقبل، وزوجته ممنوعة من الدخول.
الانتقال إلى جبال الظلام
حاولت العائلة في دوما كل الوسائل، بما في ذلك التوجه إلى منظمة الصليب الأحمر العالمية، ولمنظمات حقوق الإنسان الأخرى، للسماح لإسلام بالمجيء لرعاية ابنيها، ولكن دون جدوى. يوم الأحد استغلّت إسلام أيام رمضان الأخيرة ، حيث فُتِح معبر رفح (لخمسة أيام فقط) وعادت إلى بيتها في زيتون عن طريق مصر.
لسبب ما، يأمل أبناء العائلة، ربما تسمح السلطات الإسرائيلية لها بالعبور من غزّة إلى دوما عن طريق معبر إيرز، يقول عمّ الأولاد، صهر إسلام،عامر دوابشه: " إنها تكاد أن تُجنُّ".
كَرَدٍّ. صرح الناطق بلسان منسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة، أن المخابرات الإسرائيلية هي المسؤولة عن منع إسلام من الدخول إلى الضفة الغربية، وأن المخابرات العامة لا توضّح أسباب المنع، إن الأمر يتعلّق بسياسة منع تام لانتقال مواطنين من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك الزيارات.
حالة عائلة الدوابشه ليست الوحيدة، ليس بعيدا من هناك، في قرية عزون عتمة بالقرب من قلقيلية ،يسكن ساهر ابن أل- 37، متزوج وأب لثلاثة أبناء صغار. سافر سنة 2000 إلى الأردن، وعن طريق القاهرة وصل لزيارة أقربائه في قطاع غزة، هناك تعرف على نبيلة الهوواني، من مخيم المغازي للاجئين، ممرضة في مستشفى الشفاء. تزوجا وأنجبا ثلاثة أبناء: علي الآن ابن ستّ سنوات، يزن ابن اربع، ووداد ابنة سنة، عمل ساهر في مصنع للبسكويت في القطاع، مشقّات الحياة، والرغبة في التواجد قرب ابيه – الشيخ المريض – دفعت العائلة لتحاول الانتقال إلى مسقط رأس ساهر، قرية عزون عتمة. العودة للبيت ليست مبالغة أو خيالية، لكنها ليست من واقع الاحتلال الإسرائيلي.
طلبت العائلة تصريح دخول إلى الضفة، وقُبِل الطلب بتاريخ 9 آذار هذه السنة.ولكنهم عندما وصلوا حاجز إيرز، اتضح ان التصريح يشمل الأب وأبناءه الثلاثة، وحُكِم على الأم بالبقاء في غزّة. قال ساهر لمحقق منظمة "بتسيلم" عبد الكريم سعدي، أصابتهم حالة من الذهول.ومع ذلك قرروا المواصلة، وتركوا نبيلة خلفهم، على أمل أن تنظم لزوجها وأبنائها فيما بعد، قال ساهر إنها انفجرت ببكاء مر عند الحاجز. ومن حينه تتصل أكثر من مرة في اليوم مع زوجها وأبنائها. المسافة بينهما أقلّ من ساعتي سفر، ولكنها في الواقع أبعد من جبال الظلام.
وصرح، الناطق بلسان (ما يسمى) منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة لجريدة "هآرتس" هذا الأسبوع، إن قرار، منع دخول الممرضة من غزة إلى الضفة الغربية، مسؤولية المخابرات العامة، والمخابرات لا تذكر أسباب قراراتها.
قبل شهر بدأت نبيلة إضرابا عن الطعام في غزة، احتجاجا على انفصال عائلتها، أضربت حتى أُدْخلت المستشفى، يأس ساهر، فقرر هذا الأسبوع أن يهجر قريته وينتقل مع أبنائه إلى غزة، ليلحقهم بأمهم، وقد قدم طلبا بذلك إلى سلطات الاحتلال.
*ترجمة: أمين خير الدين