عيسى: غربة الفكر التربوي عن محيطه أدت لمحدودية نتائجه التنموية
نشر بتاريخ: 21/07/2016 ( آخر تحديث: 21/07/2016 الساعة: 13:49 )
رام الله- معا- قال الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، "إن غربة الفكر التربوي عن محيطه الاجتماعي أدت لمحدودية نتائجه التنموية، فنحن العرب لم نأخذ بعد تحديات القرن الجديد مأخذ الجد، ولم يدرك صانعو القرار لدينا أن التربية والتعليم هما المفتاح الأساسي لكل تقدم أو تطور مرتقب". مشيرا أنه وبالرغم كل الإصلاحات والتعديلات في المناهج التعليمية والنظم التربوية، ورغم كل الجهود والمبادرات في مجال تعميم التعليم وتوسيع قاعدة انتشاره الإ أن الفكر والتعليم التربوي لم يصل للمستوى المطلوب.
ونوه أن الفكر التربوي العربي ما يزال يتخبط في متاهات ودوائر لامتناهية من المشاكل والصعوبات التي تحكم على خططه واستراتيجياته بالتعثر، وعلى جهوده ووعوده باليأس وعلى توجهاته وآفاقه بالانسداد، فرغم اختلاف الرؤى والتصورات وتباين الوسائل والطرق وتناقض المنطلقات والمرجعيات، فإن محددات هذا الفكر وبإجماع الكثيرين ماتزال تقليدية في محتوياتها ومضامينها، محافظة في أسسها ومبادئها، جامدة في أهدافها وغاياتها ورافضة لروح العصر ومقوماته المتطورة. فواقعه يبدو شديد التأزم.
وأضاف، "مع تقدم الزمن والعصور وتتابع الازمان والأجيال أصبح هناك تطور في الفكر التربوي، وبدأ البحث في مضامين الفكر التربوي بالاضافة الى الاهتمام في الفكر التربوي وتطلعاته، والبحث في اساليب الفكر التربوي واغراضه، كما أن في التربية الاجتماعية عدة مبادئ منها حق النفس، وحق العقل، بالاضافة الى حقوق اخرى ايضاً وهي حق العرض والمال والدين".
وشدد، "إذا كان حاضر الفكر التربوي العربي يشكل انحطاطا بالنسبة لماضيه التربوي، فإن مستقبل هذا الفكر يجب أن يتحقق عبر العودة اللامشروطة إلى نقطة البداية قصد استدراك وتعويض ما ضاع في الفترة الفاصلة بين ذلك الماضي الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية".
وتابع، "حيث توجد تلك السلسلة من المباحث التربوية التي صاغها مفكرون أمثال: ابن خلدون والغزالي وابن سينا وابن سحنون والقابسي وغيرهم، حول تعليم الطفل وتربيته وإعداده للمستقبل والحاضر التربوي المتأزم الذي يشكو من بعض القصور والنواقص وعلى رأسها الإطناب المعرفي الممل والحشو المعلوماتي الرهيب اللذان يميزان محتوياته وبرامجه على حساب الانتقاء الكيفي للمعارف والمعلومات وتدبيرها المعرفي الهادف".
وأوضح، "يعود هذا الإطناب وهذا الحشو إلى كون أن هذه البرامج والمحتويات، حتى وإن لم تكن منقولة بالحرف عن مناهج وتربويات مجتمعات غربية بعيدة كل البعد عن المشاكل والتحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع العربي، فهي على الأقل منسوخة بطريقة مختزلة ومجتثة من السياق السوسيوتاريخي الذي أفرزها أو نسخت عنه".
ونوه، "التأرجح بين موقفين لإنشاء الفكر التربوي العربي المنشود وإخراجه إلى حيز الوجود، فمن جهة هناك موقف دعاة الأصالة والمحافظة على الموروث الفكري الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية القيمة، ومن جهة أخرى يوجد موقف دعاة المعاصرة والتلمذة على الغرب وذلك باستبدال اللغة والأساتذة والبرامج المحلية بالكفاءات والخبرات والأدوات الأجنبية، فالمطلوب هو تقليد الغرب ومحاكاته في تصوراته وممارسته التربوية قصد حرق المراحل واللحاق بركب الحضارة العالمية وتربوياتها الحديثة التي لا ترى في إحياء التراث التربوي أو إعادة اكتشاف فتراته الزاهرة الوسيلة المثلى للاستمرار في تألقها وازدهارها".
وقال، "التربية السليمة لا تفيد الفرد فقط بل تفيد المجتمع بأكمله، والتربية تكون بمعرفة الفرد ما هو الخير وتقديره إياه، وهو ايضاً المنطق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع في إطار مشروع حضاري متكامل".
واستطرد، "التربية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض، ففي المجتمعات البدائية لم تكن هناك مدارس على الإطلاق، وكان الأطفال يتعلمون من خلال خبرات القبيلة في الواقع البيئي، تلك الخبرات التي كانت تمارس يومياً حسب المواسم المناخية وأساليب الصيد والرعي والزراعة والحرف المختلفة. كما كان التعليم مرتبطاً بالطقوس والعقائد الدينية وأنماط العبادة التي كانت سائدة، بالإضافة إلى خبرات القتال دفاعاً وهجوماً، وخبرات حفظ البقاء غذاءً وشراباً وتناسلاً، وأخطار اتّقاء الطبيعة، والتكيف معها ومع الظروف الطارئة والمتغيرات البيئية".
واشار، "التربية مرت عبر التاريخ الإنساني بأطوار ومراحل كثيرة، وقام المربون خلالها بأدوار عديدة متشابهة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى لتحقيق أهداف المجتمعات في حياة الأجيال الصاعدة ضمن إطار البيئات الثقافية والمعطيات المادية التي وجدوا فيها".
وتابع،"لقد كانت كل تلك الخبرات شفاهية وعملية تطبيقية واقعية إلى أن اخترع الإنسان الكتابة فبدأ حينذاك نوع جديد من الخبرات ووسائل نقلها مهدت لظهور المدارس كمؤسسات متخصصة للتعليم والتدريب، والتوجيه والتثقيف والتوعية فيما بعد حسب تطور المجتمعات وأساليب عيش الأفراد ضمن هذه المجتمعات".
وبين أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية، الدكتور حنا عيسى، "والفكر هو إسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان، سواء أكان قلباً أو روحاً أو ذهناً بالنظر والتدبر، لطلب المعاني المجهولة أو الوصول إلى الأحكام أو النسب من الأشياء، وعرف الفكر التربوي، بأنه عبارة عن جزء من فكر إنساني مبدع، يتسم بالديناميكية والتطور المستمر في ميدان التربية ويستند إلى تاريخ المجتمع وفلسفته وثقافته وصفاته وحاجاته".
ولفت، "مشاكل ونواقص الفكر التربوي العربي أنه بالرغم كل الجهود المبذولة في مجال تطوير المنظومة التربوية العربية، فإن الأهداف المسطرة لسياسة سد منابع الأمية بإلزامية التعليم لم تتحقق كما كان متوقعا لها في حدود عام 1991 كما أن الأمية أصبحت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تشكل وبأنواعها (الأبجدية والثقافية والتكنولوجية التي تستغرق على التوالـي (53%) و(80%) و(99%) من سكان الوطن العربي) الحاجز المنيع أمام التنمية العربية في أبعادها المختلفة: الفردية والجماعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية".