الثلاثاء: 05/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الحركة العالمية": إسرائيل تستهدف الأطفال الفلسطينيين بأحكام طويلة

نشر بتاريخ: 27/07/2016 ( آخر تحديث: 27/07/2016 الساعة: 16:21 )
القدس-  معا -  بدأ الأطفال الفلسطينيون ممن أدينوا بإلقاء الحجارة في القدس بالشعور بآثار التغييرات في التشريعات والسياسات الإسرائيلية التي اتخذتها حكومة الاحتلال بين عامي 2014 و2015.

فعلى سبيل المثال، بتاريخ 13 حزيران 2016 حكم قاضي إسرائيلي على عمر ت. ونور الدين ح. وسيف.ت، وهم أطفال في سن السادسة عشرة، بالسجن الفعلي لمدة 26 شهرا، وكذلك بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة 12 شهرا خلال عامين بعد إطلاق سراحهم.

ووفقاً لسجلات المحكمة التي اطلعت عليها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، فقد حكمت إحدى محاكم الاحتلال بالقدس في شهر آذار الماضي على الطفل صالح (16 عاماً) بالسجن الفعلي لمدة 39 شهراً وعلى الطفل مراد (14 عاما) بالسجن الفعلي لمدة 36 شهراً.

وفي القضية نفسها، حكم على محمد ج. (14 عاماً) ومحمد ت. (17) عاماً وزياد ت. (15 عاماً) بالسجن الفعلي لمدة 28 شهراً، في حين حكم على يزن (15 عاماً) بالسجن الفعلي لمدة 14 شهراً، وعلى عمر (14 عاماً) بالسجن الفعلي لمدة 12 شهراً، كما حكم على السبعة بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة عشرة شهور خلال ثلاث سنوات من إطلاق سراحهم.

ووفقاً لإفادتيّ الطفلين صالح ومراد، فقد أصرا على براءتهما ولم يعترفا إلا بعد تعرضهما لإساءة المعاملة والتعذيب، وقال صالح بإفادته: "أخذني شرطي إلى الحمام داخل مركز الشرطة وقام بضربي بشدة بينما كنت مكبل اليدين، وركلني وصفعني على وجهي".

واتهم المحقق صالح بإلقاء الحجارة على السيارات الإسرائيلية، ويضيف صالح: "أنكرت التهمة وقلت له إنني كنت في طريقي إلى المسجد للصلاة مع أصدقائي، لكنه بدأ يصرخ في وجهي ويقول لي قل الحقيقة حتى تعود للمنزل، ومن ثم أمسك بأذني وادعّى أن أصدقائي اعترفوا وقالوا إنني كنت معهم ألقي الحجارة، فقلت له إنني ألقيت حجرا واحدا فقط على المركبات بالقرب من المسجد وأنّ كل واحد من أصدقائي ألقى بحجرٍ واحدٍ فقط على المركبات."

وذكر مراد في إفادته أنّه تعرض لتجربة مماثلة حين تعرض للخنق بعد تكبيل يديه خلال اعتقاله وللضرب وهو مكبل اليدين داخل الحمام.

وأضاف: "أخرجني الشرطي من الحمام لكنّ شرطياً آخر ضرب الباب في وجهي"، مؤكدا أنّه أصر على براءته لحين تعرضه للمزيد من التهديدات.

وقال: "بدأ المحقق بالصراخ في وجهي واتهامي بالكذب، مدعيا أنّ أصدقائي أخبروه أننّي كنت معهم ألقي الحجارة، ولذلك قلت له إنني حاولت التقاط بعض الحجارة لكنّ الجنود أمسكوا بي."

وعلى الرغم من انتزاع اعتراف صالح ومراد بعد تعرضهما للعنف الجسدي واللفظي، إلّا أنّه حكم عليهما لفتراتٍ طويلة، وقد أظهرت إفادات الأطفال الآخرين المستوى نفسه من سوء المعاملة وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة.

وفي هذا الشأن قال مدير الشؤون القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين المحامي إياد مسك، "إنه في الماضي كان معدل العقوبة على إلقاء الحجارة يتراوح بين شهرين إلى أربعة شهور سجن فعلي"، مضيفا أن "التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات الإسرائيلي لها تأثير مباشر على مستوى العقوبات والأحكام الصادرة بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية".

ويشار إلى أنّ هذه الأحكام والعقوبات تأتي بعد سلسلة من التغييرات على قانون العقوبات والسياسات التوجيهية الإسرائيلية بين عامي 2014 و2015 لزيادة العقوبات المتعارف عليها.

وتضمنت التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات الإسرائيلي في عام 2015 اعتماد عقوبات أكثر صرامة في قوانين الأحكام الإلزامية كفرض عقوبة أقصاها 10 سنوات على إلقاء حجر أو غرض آخر على المركبات دون قصد بالتسبب في إصابة، و20 سنة على إلقاء حجر أو غرض آخر على المركبات بقصد التسبب بإصابة.

وفي حين أنّ عقوبة العشرين سنة كحد أقصى كانت موجودة قبل عام 2015، لكن تمّ إضافة كلمة "حجر" بشكلٍ خاص لملاحقة الفلسطينيين واستهدافهم، كذلك جرى إضافة الحد الأدنى من العقوبات على مخالفات إلقاء الحجارة وخُمس الحد الأقصى للعقوبة إلى قانون العقوبات، فضلاً عن اتخاذ الكنيست الإسرائيلي قرارا مثيرا للجدل بإضافة بند حرمان العائلات التي يدان أحد أفرادها بإلقاء الحجارة من إعانات التأمين الوطني.

وذكرت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، أنّ هناك مقترحات لفرض الحكم المؤبد على الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً.

وفي تعليقه على الأمر، قال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش، إنه "من الواضح أنّ التغييرات في التشريعات والسياسات تتجاهل روح قانون الشباب الإسرائيلي، وهو القانون الذي وضع ليتماشى مع معايير اتفاقية حقوق الطفل، والتغييرات في قانون العقوبات والسياسات التوجيهية الإسرائيلية منذ عام 2014 هي تمييزية بطابعها وتستهدف الفلسطينيين، وتحديدا الأطفال، مع العلم أنّ إسرائيل هي إحدى الدول التي وقعت على اتفاقية حقوق الطفل ولكنها لا تحترم التزاماتها القانونية الناشئة عن هذه الاتفاقية عندما يتعلق الأمر بالأطفال الفلسطينيين."

ومن جانبها، قالت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل إنّ قانون الشباب الإسرائيلي جرت صياغته لحماية القاصرين، ولضمان تطبيق المبادئ القانونية للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والقانون الأساسي الإسرائيلي المتمثلة بكرامة الإنسان وحريته.

وتنص اتفاقية حقوق الطفل صراحة على اعتماد السجن بحق الأطفال فقط كملاذ أخير ولأقصر فترة ممكنة، وتضيف الجمعية أنّه نتيجة لسلسلة من التغييرات التشريعية والمبادئ التوجيهية فقد المبدأ الأساسي لقانون الشباب أهميته.

وقالت محامية الجمعية نسرين عليان، إنّ "هذا التوجه المثير للقلق مخالف لمبادئ اتفاقية حقوق الطفل ويؤدي إلى تآكل أحكام قانون الشباب ومبادئه."

وقد جاء في تقرير الجمعية لعام 2016 بعنوان "طفولة رهن الاعتقال" إنّ قوانين العقوبات الدنيا هي العامل الحاسم في طول مدة الحكم بحق الأطفال الفلسطينيين، بالرغم من وجود نص في قانون الشباب يدعو إلى حمايتهم من قوانين عقوبات الحد الأدنى: "يبعث هذا الحكم المؤقت إشارة واضحة إلى القضاة ومكتب المدعي العام للدولة أنّه ينبغي فرض عقوبات أكثر صرامة على القاصرين المشتبه بهم بإلقاء الحجارة، وهي رسالة قد وصلت بالفعل من خلال الأحكام الصادرة عن المحكمة المركزية في القدس."

كان من المفترض أن تعمل الأحكام الواردة في قانون الشباب الإسرائيلي على استبدال العقوبات لصالح إعادة التأهيل مع الحد الأدنى من السجن الفعلي بحق صالح ومراد والأطفال الفلسطينيين الآخرين، وتقول جمعية حقوق المواطن في تقريرها إنّ المادة 25 (ب) من قانون الشباب الإسرائيلي يجب أن تحمي حرية القاصرين، لكن مع ذلك أكدت المحكمة العليا الإسرائيلية في عدة قرارات أنّ للقضاة سلطة تقديرية غير مرتبطة بقانون الشباب الإسرائيلي، فمثلاّ في قضية "مجهول ضد دولة إسرائيل لعام 2015"، قالت المحكمة إنّ التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات المتعلقة بالقاصرين، وفي هذه الحالة المحددة، فإن الحد الأدنى الإلزامي للعقوبة يشكل وسيلة ردع.

وفي قضية سابقة "مجهول ضد دولة إسرائيل لعام 2006"، رفضت المحكمة العليا استئنافاً ضد حكم بالسجن 25 عاماً على قاصر، وكان الأساس الذي اعتمد عليه الاستئناف المادة 25(ب) من قانون الشباب الذي يشترط على أنّه لا يوجد أي التزام لفرض السجن المؤبد والسجن الإلزامي أو الحد الأدنى من العقوبة على قاصر.

ومع ذلك، أيدت المحكمة الحكم وشدّدت على أنّ هدف المشرّع في سن المادة 25 (ب) من قانون الشباب كان لتوسيع نطاق العقوبات التي يمكن فرضها على القاصرين، ومع أنّ قانون الشباب الإسرائيلي من المفترض أن يحمي حرية الأطفال ويقر بوضعهم المحمي، لكن القضاة غير ملزمين بهذا الجزء من القانون في إصدار الأحكام.

بالإضافة إلى التغييرات في قانون العقوبات الإسرائيلي لزيادة العقوبة العرفية، تأثر الأطفال الفلسطينيون بالتغييرات العديدة في السياسات التوجيهية، ففي 29 حزيران 2014، نشرت الحكومة الإسرائيلية القرار رقم 1776 "تعزيز إنفاذ القانون في مخالفات رشق الحجارة"، وهو قرار بحسب جمعية حقوق المواطن الإسرائيلية يطالب وزارة العدل بالعمل على تشريع تعديلات وسن سياسات توجيهية متعلقة برشق الحجارة، مشيرا على وجه التحديد إلى أمن القدس الشرقية.

وقد صدر القرار قبل الهبة الشعبية الحالية وليس ردا عليها، التي غالبا ما تنسب أسبابها إلى قتل المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية وحرق الطفل محمد أبو خضير.

وفي شهر آب من عام 2015، عمل مكتب المدعي العام الإسرائيلي على تحديث السياسات التوجيهية المتعلقة برشق الحجارة بحيث يبقى المشتبه به قيد الاحتجاز حتى نهاية الإجراءات، ووفقاً لجمعية حقوق المواطن الإسرائيلية فإنّ طلبات تمديد الاعتقال حتى نهاية الإجراءات قد ارتفع من 210 طلبات في عام 2014 إلى 310 طلبات في عام 2015 نتيجةً لهذه التغييرات.

وفي ظل هذه التغييرات الكثيرة، جرى أيضاً تحديث تعليمات استخدام الذخيرة الحية، فوفقاً للمركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، أصبحت تعليمات الشرطة الإسرائيلية المتعلقة باستخدام الذخيرة الحية أكثر عدوانية بدءا من شهر كانون الأول 2015.

وقال مركز "عدالة" إنّ التعليمات الجديدة تعطي الشرطة صلاحية استخدام الذخيرة الحية مباشرة ضد الشخص الذي يقوم بإلقاء أو على وشك إلقاء قنبلة حارقة أو ألعاب نارية أو مقلاع.

وقال المحامي محمد بسام من مركز "عدالة" إن "تعليمات الشرطة الجديدة تسمح لأفراد الشرطة بالتصرف بطريقة مطلقة وإجرامية، ومن الواضح أنّ هذه التعليمات لا تشير فقط إلى أي راشق حجارة، ولكنها كتبت خصيصا بحق الشبان الفلسطينيين."

ومن هنا، فإن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال -فلسطين تشعر بقلقٍ بالغ من أن هذه التغييرات والتعليمات الجديدة في قانون العقوبات الإسرائيلي والسياسات التوجيهية ستستمر باستهداف الشباب الفلسطيني، لأنها تطبق بشكلٍ حصري على الفلسطينيين ونادرا ما يتم ملاحقة المتطرفين والمستوطنين الإسرائيليين تحت المعايير والقوانين نفسها.