الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الإغلاق المفروض على مخيم الفوّار زعزع حياة ساكنيه

نشر بتاريخ: 10/08/2016 ( آخر تحديث: 10/08/2016 الساعة: 19:33 )
الإغلاق المفروض على مخيم الفوّار زعزع حياة ساكنيه

الخليل- معا- في 1/7/2016 فرض الجيش الاسرائيلي قيودًا جارفة على حركة جميع البلدات الفلسطينية في محافظة الخليل، وذلك في أعقاب عمليّتين نفّذهما فلسطينيون فقتلوا إسرائيليَّين وجرحوا آخرين. وقد زعزعت هذه القيود كليًا حياة نحو 900 ألف شخص يعيشون في حدود المحافظة، كما أنها عرقلت حياة أناس يعيشون خارج المحافظة، ومنهم التجار وطلاب الجامعات وأناس يعملون في المحافظة أو يتلقون فيها العلاج الطبّي.

جاء توقيت هذه القيود أيامًا قليلة قبل انتهاء شهر رمضان وبداية عيد الفطر، ومن هنا فقد عطّلت الاستعدادات للعيد، ممّا ضاعف الضرر اللاحق في اقتصاد المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ القيود على حركة الأشخاص استمرّ فرضها خلال أيّام العيد أيضًا.

لقد مسّت القيود مسًّا شديدًا بسكان مخيم الفوّار الواقع جنوبيّ الخليل. تبلغ مساحة المخيم كيلومتر مربّع واحد فقط، ويعيش فيه في ظروف اكتظاظ شديد أكثر من عشرة آلاف إنسان، يتلقون خدمات الصحة والتعليم من وكالة الغوث (الأونروا). تفيد معطيات مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني أن نسبة البطالة في المخيم هي 32%، أي أنها أعلى من معدّل البطالة العامّ في الضفة، الذي يبلغ 26.7%.

للمخيّم مدخل رئيسيّ واحد فقط، ويتفرّع عن شارع 60. قبل عدّة سنوات نصب الجيش في مدخل المخيم برج مراقبة عسكريّ وبوّابة، تبقى مفتوحة في العادة. مقابل المدخل الرئيسي لمخيم الفوّار، في الطرف الآخر من شارع 60، يقع المدخل الجنوبي لبلدة دورا، التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثين ألف نسمة. في الطرف الجنوبي الغربي للمخيم تقع قرية حدب الفوّار، ويبلغ عدد سكانها ما بين 4 إلى 5 آلاف نسمة. أمّا من الشرق، على بُعد أقلّ من 1كم فتقع قرية الريحيّة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 5000 نسمة. المدخل الرئيسي لمخيم الفوّار هو الطريق الأساسي المؤدّي إلى هاتين القرتين.

بين شهري تشرين الثاني 2015 وكانون الثاني 2016 في أعقاب تصاعد المواجهات، أغلق الجيش البوابة الحديدية التي في مدخل المخيم، مرّات عديدة ولفترات مختلفة. في بداية شهر حزيران في أعقاب عملية إطلاق النار في تل أبيب، عاد الجيش وأغلق البوابة فبقيت مغلقة طيلة معظم أيام الشهر، ولم تفتح سوى لفترات زمنية قصيرة.

في أعقاب عملية إطلاق النار على سيارة عائلة مارك، في 1/7/2016، شدّد الجيش الإغلاق على مخيم الفوّار، فأغلق أيضًا الطرق البديلة التي تؤدّي إليه، بما فيها الطرق الترابية. لأجل الخروج من المخيم، أرغم سكان المخيم والقرى التي تستخدم تلك الطرق ـ بمن فيهم الطلاب والمسنّون والمرضى والأطفال ـ السير على الأقدام أو استخدام سيارة أجرى٬ وصولاً إلى البوّابة المغلقة في مدخل المخيم، ومواصلة السير من هناك لمسافة نحو 150 مترًا، وصولاً إلى بوّابة بلدة دورا٬ وفي أثناء ذلك عليهم قطع شارع 60 بحركة السير الكثيفة؛ ومن ثمّ استقلال سيارة أجرة مرّة أخرى. كلّ ذلك زاد من مسافة السفر وتكاليفه الى حد كبير، وأحبط السكان وأثار حفيظتهم.


أضرّ الإغلاق أيضًا بالخدمات المقدّمة لسكان المخيم: بسبب صعوبة المرور في الطرق الترابية الوعرة عبْرَ بلدة يطّا، لم تصل سيّارة القمامة إلى المخيم بانتظام فعانى السكان من تراكُم القمامة. إضافة إلى ذلك، حصلت عرقلة في تزويد المياه٬ من جهة بسبب عطل في الشبكة المحلية لم يتمكن عمّال بلدية الخليل من الوصول لإصلاحه، فأصلحته لجنة المخيم بنفسها؛ ومن جهة أخرى، بسبب أنّ شاحنات المياه التي تكمّل تزويد المياه في ظروف النقص القائم٬ لم تستطع هي أيضًا الوصول إلى داخل المخيم.

ظلّت هذه القيود المشدّدة على الطرق المؤدّية إلى المخيم حتى يوم 26/7/2016، حيث رفعها الجيش فقط بعد ان استشهد محمد الفقيه، المشتبه بتنفيذ عملية إطلاق النار على عائلة مارك.

من الواضح أنّ تقييد الحركة بهذا الشكل هو عقاب جماعيّ، ممّا يبيّن زيف ادّعاء إسرائيل بأنّها لا تدير أجزاء كبيرة من الضفة إذ تمّ نقل السيطرة عليها إلى السلطة الفلسطينية؛ فإسرائيل تستطيع، وبسهولة كبيرة، تشويش مسار حياة مئات آلاف الفلسطينيين، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا يعيشون في منطقة A أو B أو C؛ والسلطة الفلسطينية ليس لها أيّ تأثير في هذا الأمر ولا يمكنها التدخّل فيه.

هيام جميل الفتاح (30 عامًا) من سكان المخيم، وتعاني من فشل كلويّ. في إفادتها أمام الباحث الميداني من بتسيلم – موسى أبو هشهش، من تاريخ 21/7/2016، وصفت هيام معاناتها الشاقة من أجل الوصول لتلقّي العلاج الطبي أثناء فترة الإغلاق.

في الأشهر الأخيرة أصبت بفشل كلويّ، ولأجل مراجعة كثير من الأطباء، وتلقّي العلاج في المستشفيات، اضررت للسفر كثيرًا إلى مدينة الخليل. عادة ما يرافقني احد من إخوتي في هذه الزيارات، حيث نستقلّ سيارة أجرة عامّة من داخل مخيم اللاجئين لتأخذنا إلى الخليل. هكذا أوفر على نفسي السير على الأقدام، فهذا يرهقني كثيرًا.

أمس، 20/7/2016، سافرت مع أخي أكرم من أجل العلاج. خرجنا في الساعة 7:00، ومن داخل المخيم صعدنا سيارة الأجرة، التي أوصلتنا فقط إلى المدخل الرئيسي. هناك اضطررنا للنزول عند البوابة الحديدية، المغلقة منذ أكثر من أسبوعين، ومشينا مسافة نحو 200 متر إلى البوابة الثانية التي في مدخل بلدة دورا، المغلقة هي أيضًا.

أمسك أكرم بيدي، ومشينا هكذا. أثناء المشي شعرت بغثيان ودوخة وفقدت التوازن. سقطت أرضًا، فأصيبت ركبتي ويدي بجروح. ساعدني أخي على النهوض واتكأت عليه حتى وصلنا إلى البوابة الثانية، ومن هناك أخذنا تاكسي إلى مدينة الخليل، لكي نذهب إلى مستشفى عالية الحكومي.

في المستشفى، أجريت لي الفحوصات وتلقيت العلاج، ثم عُدنا. في طريق العودة أنزلتنا سيارة الأجرة مجدّدًا قبل البوابة الحديدية، عند مدخل بلدة دورا، ومن هناك اضطررنا ثانية للسير على الأقدام وصولاً إلى بوابة الفوّار. عند البوابة تعثّرتُ ووقعتُ أرضًا، مرّة ثانية.

شعرت ببُؤس وحرَج كبيرين، لأني وقعت أمام أعيُن عشرات الناس الذين كانوا هناك عند البوابة المغلقة. أشعر بغضب شديد لأن إغلاق البوابات؛ لولاه لما كنت مجبرة على المشي.

تحرير جنازرة (30 عامًا) من سكان مخيم الفوّار للاّجئين، أمّ لطفل في الرّابعة مريض بسرطان الغدد اللَيمفاوية، ويتلقى العلاج في القدس. في شهادتها التي أدلت بها في 21/7/2016 أمام الباحث الميداني من بتسيلم، موسى أبو هشهش، تحدثت تحرير عن صعوبات الوصول إلى القدس، لغرض معالجة ابنها:

في العادة، ندخل إلى القدس عبْرَ حاجز 300، قرب قبة راحيل، بواسطة تصريح دخول؛ ويرافقنا والدي (75 عامًا). إنّني عاطلة عن العمل، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة أحاول التوفير قدر الإمكان في مصاريف السفر؛ ولذلك فأنا أستخدم المواصلات العامّة. يكلّفنا السفر من وإلى القدس 100 شيكل تقريبًا.

أمس، 20/7/2016، خرجت من البيت نحو الساعة الثامنة صباحًا، في طريقي إلى مستشفى المطّلع في القدس. كان موعدنا في الساعة 12:00 ظهرًا. ولأنّ بوابة المخيم كانت مغلقة، خشيت كثيرًا من التأخر على الموعد، فأخذت سيارة اجرة إلى حاجز 300. كانت هذه سَفرة طويلة ومتعرّجة، بسبب كلّ القيود، فقد استغرقتنا أكثر من 40 دقيقة، وكلّفتنا أكثر بكثير من العادة، حينما نسافر في المواصلات العامّة.

في حاجز 300 أيضًا حصلت تأخيرات بسبب القيود على الحركة. كان الحاجز مغلقًا للداخلين إلى إسرائيل طيلة ساعات. إلى أن نجحت في تجاوز الحاجز، كنت قد تأخرت لدرجة اضطرّتني لأخذ سيارة اجرة مجدّدًا إلى المستشفى؛ ولحسن الحظ فقد وصلت في الموعد. في طريق العودة، اضررت مرّة أخرى لأخذ سيارة اجرة بسبب القيود. وصلت إلى البيت منهكة وعصبيّة. ليس فقط أنّ السفر كان طويلاً ومرهقًا، وإنما فوق ذلك كلّفني مصاريف كثيرة، لا تستطيع عائلتي تحمّلها. كلّي أمل أن ينتهي الإغلاق قبل موعدنا القادم.

إياد أبو هشهش (36 عامًا) من سكان مخيم الفوّار للاجئين. في شهادته التي أدلى بها أمام الباحث الميداني من بتسيلم، موسى أبو هشهش، في 21/7/2016، يصف إياد معاناته كبائع مياه في واقع القيود والإغلاق.

لديّ قرب البيت بئرًا ارتوازية، أبيع من مياهها لاشخاص خارج مخيم الفوّار، وخاصّة من سكان دورا والظاهرية، وأحيانًا يطّا والخليل. هذه مناطق تعاني في الصيف من نقص شديد في المياه. وأملك شاحنة أنقل فيها المياه بنفسي إلى تلك البلدات. إضافة إلى ذلك، فأنا أبيع المياه لعشرات التجّار الذين يصلون إليّ بشاحناتهم من مختلف البلدات. معدّل المبيعات اليومي من المياه من 40 الى 50 حاوية تقريبًا.

منذ نحو عشرين يومًا أغلق الجيش المدخل الرئيسي للمخيم ولبلدتَي يطّا ودورا، وأغلق علينا. فجأة شحّت المياه المزوّدة للناس، ولم تستطع الشاحنات الوصل إليّ لشراء المياه. بعت الماء فقط لمن استطعت بنفسي الوصول إليهم. انخفضت المبيعات اليومية من 20ـ25 حاوية إلى 4ـ5 فقط، ممّا سبّب لي خسارة تقدّر بـ1500ـ2000 شيكل يوميًا.

جرّاءَ إغلاقهم البوابة الحديدية في مدخل المخيم، بدأنا٬ أنا وسائقو الشاحنات الآخرين في استخدام الطريق الترابية عبْر الأراضي الزراعية، بمحاذاة الحاجز. ولكن الجيش جاء بجرّافات وأغلق تلك الطرق أيضًا بالسواتر الترابية والصخور؛ فلم يتبقّ أمام السيارات لدخول المخيم سوى طريق يطّا ـ الفحص، وهي طريق طويلة جدًا، تستغرق من وقتنا الكثير وتكلّفنا مصاريف أكثر؛ كما أنّ هذه الطريق لا تخدم مَن يريدون الوصول إلى دورا والظاهرية. ولكن الأنكى من هذا وذاك، هو أنّ الجيش يقوم أحيانًا بإغلاق هذه الطريق أيضًا، وبالتالي لا يمكننا مسبقًا معرفة هل هي سالكة أم مغلقة.

من هنا، فسائقو الشاحنات لا يغامرون في سلوك هذا الطريق؛ فالمياه في الصيف باهظة الثمن دون ذلك، وتعبئة الحاوية تكلّف بين 250 ـ 500 شيكل. الناس لا يريدون فوق هذا تكلّف مصاريف السفر في طريق طويلة، ولذلك فهم يبحثون عن مصادر أخرى ليشتروا منها المياه بأسعار أقلّ.

لهذا السبب، فإن إغلاق مدخل المخيم هو كارثة اقتصادية بالنسبة إليّ. لا أعرف متى سينتهي الإغلاق، ولا حجم الأضرار الاقتصادية التي ستلحق بي إلى حين إنهائه وقبل انتهاء فصل الصيف الذي هو موسم الرّزق الأساسي لديّ، نظرًا إلى نقص المياه الشديد فيه وخاصّة في بلدتَي الظاهرية ودورا.

المصدر: موقع بتسيلم