الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اصابع واسئلة- حقيقة علاقة "باب الحارة" باحداث نابلس؟

نشر بتاريخ: 19/08/2016 ( آخر تحديث: 20/08/2016 الساعة: 12:57 )
اصابع واسئلة- حقيقة علاقة "باب الحارة" باحداث نابلس؟
بيت لحم- تقرير معا- في حوالي الساعة الخامسة من مساء يوم أمس الخميس، تقدمت قوة مشتركة من الأجهزة الأمنية، ودخلت البلدة القديمة في مدينة نابلس؛ بغرض تنفيذ تفتيش عن مطلوبين للأمن الفلسطيني، وأثناء ذلك تم اطلاق النار باتجاهها مما ادى إلى استشهاد عنصري الامن شبلي الجاغوب ومحمود طرايرة.

وفي ساعات صباح الجمعة الباكر، وبعد انتشار كثيف للأمن الفلسطيني بحثا عن القتلة تم الصدام مع مجموعة مسلحة ادى إلى مقتل كل من خالد ناصر الأغبر، وعلي حلاوة.

الى هنا والخبر يراعي مبدأ الافادة الاخبارية التقليدية المطلوبة صحفيا.. ولكن ما بين السطور حكايات للحدث الذي كان نتيجة لعوامل وتداعيات وخبايا لحكاية تسكن أزقة البلدة القديمة في نابلس عروس الشمال الفلسطيني كما تسمى.

البلدة القديمة قصبة مخنوقة

البلدة القديمة بناء عمراني عثماني قديم، وهي من المناطق التي تعرف باسم "القصبة" فالمدينة التاريخية هي التي يوجد بها "قصبة" وهي موجودة في فلسطين في "عكا وطبريا ويافا وبيت لحم والقدس والخليل".

كافة المعطيات والمعلومات تؤكد أن قوة امنية مشتركة دخلت البلدة القديمة بعد معلومات عن انتشار مسلحين يطلقون النار بكثافة كنوع من الاستعراض.
هذا الاستعراض جاء كرسالة للأجهزة الامنية ردا على اعتقالها بعض الافراد المحسوبين على المسلحين ضمن الحملة الامنية لضبط ما يسمى "الفلتان الأمني" وكوسيلة ضغط للإفراج عن زملائهم، ولوقف أو ردع الاجهزة من الاستمرار بالاعتقالات.

الحدث الابرز كان في شارع خالد بن الوليد حارة العقبة بالمنطقة الشرقية من البلدة، وهنا قال لنا محافظ نابلس اللواء اكرم الرجوب: "دخلت قوة امنية للبلدة القديمة لوقف هذه العربدة، وتعرضت لكمين محكم من اكثر من اتجاه ولإطلاق النار من بنادق اتوماتيكية، مما ادى الى استشهاد عنصري الامن الفلسطيني".

بعد منتصف الليل امام باب الحارة

احد ضباط الامن الفلسطيني يقول ان حجم المصاب كان كبيرا ويجب ان يكون هنالك رد يتناسب مع الحدث، وسط اهتمام كبير من كافة المستويات الرسمية والاهلية.

ويضيف أن معلومات تقاطعت عن وجود مجموعة من القتلة في حارة العقبة، وهي بالمناسبة لها باب شبيه بباب الحارة في المسلسل السوري الشهير، مما تتطلب اقتحام المنطقة لإلقاء القبض على المطلوبين، الا انهم بادروا بإطلاق النار اتجاه القوة الامنية التي ردّت عليهم بذات الأمر، وقتلت اثنين منهم فيما سبق وتلا ذلك اعتقال اكثر من شخص مشتبه بالقتل او بالتعاون مع القتلة اثناء وبعد الجريمة.

من هم القتلى:

"الاغبر" شاب في اواسط العشرينات من عمره، سبق واعتقل في سجون الاحتلال الاسرائيلي لمدة عامين وهو محسوب على حركة فتح، تقول عائلته في بيانها بعد الحادث انه كان مطلوبا للشرطة على خلفية قضية حق عام، بينما المصادر الامنية تشير إلى تورطه في اكثر من اشكالية بالبلدة القديمة وانخراطه في الاشكاليات بشكل متسارع وفي وقت زمني قصير، وبيان العائلة يشكك بان ابنهم تم تصفيته بعد إلقاء القبض عليه.

"حلاوة" ايضا شاب في العشرينات من العمر يعتاش من عمله في احد الافران، وهو محسوب على عائلة معهودة في البلدة القديمة باقتناء السلاح ولها خلاف وصراع مع عائلة حمامة من نفس البلدة.

حلاوة وحمامة

"ليس أمراً سرّياً.. هنالك صراع بين عائلة حمامة التي كانت صاحبة النفوذ الأكبر في البلدة القديمة قبل أن تبرز عائلة حلاوة وتنازعها السيطرة قبل فترة ليست بالبعيدة، حتى وصل الامر لاشتباكات بالأسلحة بينهما في أكثر من مناسبة"، مصادر محلية قالت لـ معا.

فبتاريخ 27/12/2015 قتل الشاب اشرف محمد حسين البيعة (26 عاما) والذي توفي بعد اصابته بعدة رصاصات في منطقة الصدر، بعد دقائق من وصوله الى مستشفى رفيديا الحكومي، وقيل إن الخلاف نشب بين عدة شبان على بسطة في البلدة القديمة.
وبعد 7 أشهر قالت الشرطة في بيان لها، إنها القت القبض على متهمين بجريمة قتل المواطن اشرف البيعة في مدينة نابلس، وقال الناطق باسم الشرطة المقدم لؤي ارزيقات: "إنه جرى القبض على المتهمين في منطقة سالم بعملية وصفها بالمعقدة والدقيقة، وتمت من قبل الشرطة بالتعاون مع الامن الوطني".

والبعض لا يعزل مقتل البيعة عن تصفية الحسابات في البلدة وصراع مراكز القوى، وكان شريط فيديو متوفر على "اليوتيوب" يقول إن الشخص الذي يطلق النار هو البيعة اتجاه بلال زعتر بتاريخ 13-1-2013.


وفي البلدة القديمة ايضا قتل في بداية العام الفتى محمد جهاد مخلوف (17 عاما) وهو قريب عائلة حلاوة في ظروف وصفت بالبداية أنها غامضة وعلى خلفية تصفية حسابات مع عائلة منافسة، الا أن تصريحات المحافظ الاعلامية كانت جازمة: "إن الفتى أصيب بعيار ناري وهو يجلس على كرسي في داخل المنزل، الذي قتل فيه، وأن السبب كان عبث أحد أقربائه بالسلاح، والذين ما زالوا مُصريّن على رواية كاذبة بأن هناك ملثمين قاموا بقتل الفتى أمام البيت حتى لا يلصقوا التهمة إلى أنفسهم".

الشرقية والغربية

تقسم البلدة القديمة للحارات الشرقية والغربية تاريخيا، والشرقية تضم حارة العقبة والحبلة والشيخ مسلم والقيسارية، بينما تضم الغربية الياسمين والقاريون، وبينهما كما يقول عنان لبادة وهو احد نشطاء انتفاضة الحجارة والمصاب بطلق ناري من قبل الاحتلال: "هنالك عدم توافق تاريخي بين الحارات، وهنالك روايات من الجدود وكبار السن عن عداء تاريخي كان يصل حد الشجار بينهما، وانعكس ذلك حتى على العمل الجماهيري والتنظيمي، فمثلا كانت كتائب العودة ناشطة في المنطقة الغربية ومنها القذافي وقفيشة، بينما الشرقية منها فرسان الليل الطابوق وحلاوة، ومن النادر أن يكون هنالك عمل أو نشاط مشترك ما بين الغربية والشرقية الا ما كان من شراكة في مواجهة الاحتلال اثناء بعض الاجتياحات للبلدة".

يسكن البلدة القديمة حوالي 15 الى 20 الف نسمة في منطقة جغرافية صغيرة، انخرط معظم شبابها بالعمل الوطني، وقدمت عددا كبيرا من الشهداء واستهدفت بقسوة من الاحتلال الاسرائيلي في اكثر من مناسبة، وبها عدد كبير من المعتقلين السابقين في سجون الاحتلال.

الرجوب حتى اخر الدنيا

والى اين تذهب الامور يرد محافظ نابلس اللواء الرجوب: "الامور ذاهبة لاعتقال اخر مشتبه به بإطلاق النار اتجاه القوى الامنية، وملاحقتهم اينما كانوا على الارض الفلسطينية، وفي اخر الدنيا للقصاص منهم وتقديمهم للعدالة مهما كان الثمن، وعلى كل من خطف حياة مواطن أن يدرك أن حياته مهددة بالخطر".

وحول بيان عائلة الاغبر الذي يشكك برواية الاجهزة الامنية فيما يتعلق بمقتل ابنهم المتهم، يقول اللواء الرجوب: "حاول البعض حتى استغلال الاطفال لإلقاء الحجارة على اجهزة الامن ضمن ثقافة وتربية عدوانية اتجاه رجال الامن، للإبقاء على حكم وسيطرة العصابات والفلتان وأن المتهمين رفضوا الانصياع لأوامر اجهزة الامن، وبدلا من تسليم انفسهم فتحوا نار اسلحتهم تجاه الامن، مما ادى الى رد طبيعي بالاشتباك ومقتلهم ومن حق عائلاتهم المطالبة بالتحقيق والتوجه للقضاء دون اسقاط حق الاجهزة الحكومية بإتباع كافة الاجراءات لحماية المواطن، وتطبيق القانون وفق اللوائح والأنظمة والتشريعات، ففي النهاية نحن نعمل وفق القانون وليس بمنطق العصابات".

الفلتان امتداد للعسكرة..

بعض الاشخاص الذين توجهنا لهم عبر التقرير، كانت لهم اراء حول جذور وتداعيات ما حصل:

السيد زهير الدبعي وهو مدير اوقاف نابلس سابقا وكاتب وخطيب، قال:" إن ما يحدث في نابلس هو امتداد لحالة العسكرة التي عاشتها البلدة اثناء الاجتياحات الاسرائيلية بعد عام 2000، والبقاء على بعض مظاهرها بحجة الاحتلال وخاصة التساهل مع ظاهرة انتشار تجارة وحمل السلاح، وكذلك غياب تطبيق القانون على الجميع، ووجود استثناء هنا وهناك وهذا فتح الباب للمغرضين للتصيد والعبث".

يتساءل دبعي عن مصدر السلاح ومصدر تمويله ومدى الرضى الاسرائيلي عنه، ويقول: "ألا تعرف اسرائيل عن هذا الكم الكبير والحديث من السلاح؟ لماذا لم تحاول مصادرته؟ وأي عاقل يقول إن هذا السلاح يخدم مصالح اسرائيل في تخريب البيت الداخلي الفلسطيني، ويمس بهيبة ونفوذ الاجهزة الامنية الفلسطينية ولذلك هي تبقي عليه".

عدم التقبل والحل امني مجتمعي

رائد الدبعي ناشط شبابي قال: "إن المشكلة بالأساس هي ثقافة بعض الشباب الذين ينخرطون بالعمل الوطني في ذروته، يشعرون ويتعاملون أنهم من يفرض السيادة والموقف، وبعد أن تهدأ الامور لا يتقبلون التعايش مع الامر الواقع، بان هنالك قانون وأنه اصبح مواطنا عاديا بلا امتيازات عن الاخرين، ويجد نفسه يرفض امر الشرطي أو المسؤول ويعتبر القبول بذلك امرا مهينا ومعيبا، وبالتالي وجدت مجموعة من الشباب نفسها خارجة عن القانون وفق هذا الفهم وهذه الثقافة، بالرغم من أن بعضهم له تاريخ مشرف وافراد عائلته دفعوا اثمانا وطنية غالية، ولكن نتيجة غياب الوعي والرقابة رويدا رويدا يتورطون في اعمال هنا وهناك، جعلتهم عرضة للخطر وتحولوا من معول وطني لمعول هدم وخراب".

الناشطة النسوية اريج الخليلي تقول: "إن ما يحدث في البلدة القديمة جزء منه صراع على النفوذ بين مجموعات منفلتة تحاول ان تجر اكبر قدر ممكن من الشباب لهذا المربع، وللأسف تورط في ذلك بعض الناشطين من ابناء الحركة الوطنية نتيجة امتدادات عائلية مما يتطلب من الحالة الوطنية والمجتمعية والتنظيمية العمل اكثر للتوعية على ان يكون الحل امني ومجتمعي وتنظيمي للخلاص من هذه الظاهرة".

ابو عصام ومعتز ..باب الحارة

احد الاشخاص الذين تحدثنا معهم قال: "إن ما يحدث في نابلس مثل مسلسل باب الحارة، وهنالك فعلا باب للحارة تم تركيبه قبل اشهر لحارة العقبة التي تسكنها عائلة حلاوة، وتم خلعه طبعا بالأمس من قبل الاجهزة الامنية اثناء مطاردة المطلوبين ليلا".
ويضيف: أن ثقافة الفتوة والرجولة والمرجلة بالبندقية وبالسلاح ثقافة متوارثة بنابلس، تشابه ثقافة مسلسل باب الحارة بوجود نماذج لابو عصام الرجل العقلاني والطيب والسخي والكريم مع الاخرين، وابنه معتز المنفلت سريع الغضب وردة الفعل والرافض لاي تدخل معتبرا نفسه وصيا على المحيط الذي يعيش فيه".

اسئلة تقفز..

من اين لعامل بسيط لم يصل العشرين من عمره مبلغ 100 الف شيقل ثمن بندقية "M16"؟ من أين يأتي الاطفال 16 و17 عاما بالبنادق الحديثة يتجولون فيها في الازقة؟ وهل هنالك مراكز قوى تحمي الفلتان وتموله؟ من هي الاصابع الخفية التي تحرك حالة الفلتان لخدمتها ؟ والى أي حد ساهمت سياسة غض البصر عن احداث جسيمة وقعت في مناطق جغرافية على تماس مع نابلس ودون حساب أو مساءلة في تشجيع الفلتان بالبلدة القديمة؟

في النهاية التقرير.. يتضح أن ثقافة "ازعر الحارة" و"خنجر باب الحارة" والفتوات والإتاوات كانت احد العوامل في تدحرج الامور الى ما وصلت اليه، وان الامور في نابلس لم تكن وليدة صدفة ولا بعفوية، وان علاجها ايضا لن يكون فقط ببعد امني خالص يخلص الناس هناك من ظاهرة الفلتان، بل ايضا رفع الغطاء التنظيمي والعائلي عن المنفلتين، ويتطلب تكاتفا مجتمعيا اهليا وطنيا تنظيميا اعلاميا وتربويا لعلاج ناجع يعود بالبلدة القديمة ونابلس لصدارة مشرقة اعتادت عليها فلسطين.

تقرير ومتابعة: محمد اللحام