الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

خالد: الضفة ستتحول إلى جليل جديد في ظل العجز العربي

نشر بتاريخ: 29/08/2016 ( آخر تحديث: 29/08/2016 الساعة: 18:10 )
خالد: الضفة ستتحول إلى جليل جديد في ظل العجز العربي

رام الله- معا- دعا تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الى الدخول في مواجهة سياسية شاملة مع دولة الاحتلال على الأسس التي اتفقنا عليها في قرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده في آذار/مارس من العام الماضي، وذلك بوقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وإعادة بناء العلاقة مع إسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري، بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات وتدابير لفك الارتباط في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والإدارية.

جاء ذلك في حوار اجرته القدس العربي مع خال حول أضرار الجدار العنصري ودور الأمم المتحدة المنحاز نحو الرواية الإسرائيلية وتقرير اللجنة الرباعية.


- القضية الفلسطينية تمر الآن في مأزق خطير في ظل التغول الإسرائيلي وتسارع وتيرة الإستيطان والإنقسام الفلسطيني والانشغال العربي- فما هو تقييمكم للوضع في ظل هذه التطورات؟
• الحالة الفلسطينية تقف أمام أحد خيارين: إما الاستمرار في الرهان على تطوير النظام الفلسطيني نحو الدولة من خلال المفاوضات كخيار وحيد أو رئيسي، أو البحث عن خيارات أخرى تقودنا نحو التخلص من الاحتلال والاستيطان وتضع أقدامنا بثبات على طريق تمكين دولة فلسطين تحت الاحتلال، كما عبر عنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19/67 لعام 2012 من ممارسة سيادتها على جميع أراضيها. 

الخيار الأول جربناه منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو عام 1993 وأنتج ما نراه اليوم من أوضاع مأساوية يعيشها المواطن الفلسطيني. 

ويخطئ من يعتقد أن تكرار التجربة بالأساليب والأدوات نفسها يمكن أن يأتي بنتيجة مختلفة عن الوضع الذي نحن فيه. في ظل هذا الخيار سوف تواصل إسرائيل سياستها الاستيطانية والتهويد والتطهير العرقي كما يجري في القدس والأغوار الفلسطينية ومناطق جنوب محافظة الخليل وغيرها من المناطق في الضفة الغربية، لنصحوا على مأساة أن تتحول الضفة الغربية إلى جليل جديد في ظل حالة العجز العربي وصمت المجتمع الدولي وسياسة ازدواجية المعايير التي يسير عليها.

وعليه فليس أمامنا، إذا ما أردنا الحيلولة دون ابتلاع الضفة الغربية، سوى القطع مع هذا الخيار البائس والدخول في مواجهة سياسية شاملة مع دولة الاحتلال على الأسس التي اتفقنا عليها في قرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده في آذار/مارس من العام الماضي، وذلك بوقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وإعادة بناء العلاقة مع إسرائيل باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني ودولة ابارتهايد وتمييز عنصري، بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات وتدابير لفك الارتباط في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والإدارية بدءا باتفاق باريس الاقتصادي مرورا بسجل السكان والأراضي وانتهاء بحق دولة فلسطين في ممارسة سيادتها على جميع أراضيها المحتلة ورفض استمرار تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق على الطريقة الإسرائيلية هذه لك (مناطق A) وهذه لي (مناطق C) وهذه لي ولك (مناطق B)، ومواصلة التصرف وكأن هذه الأراضي مناطق متنازع عليها. هذا إلى جانب مواصلة التحرك والهجوم السياسي على المستوى الدولي ودعوة دول العالم إلى ملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية حتى تكف عن التصرف كدولة استثنائية وفوق القانون وتمتثل للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والتحضير في الوقت نفسه للدخول في عصيان وطني يدفع المجتمع الدولي للتدخل والبحث عن حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في إطار ورعاية دولية وسقف زمني محدد ومرجعية سياسية وقانونية لإنهاء الاحتلال على أساس آليات تنفيذ لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي .

أدرك جديا أن الانتقال من خيار الرهان على المفاوضات كخيار رئيسي أو خيار وحيد إلى خيار المواجهة السياسية الشاملة على أساس قرارات المجلس المركزي في دورة انعقاده الأخيرة لن يكون سهلا، ليس فقط بسبب العوامل الخارجية الاقليمية والدولية في وضع تعيش فيه المنطقة مخاضا محفوفا بالمخاطر على قضيتنا الوطنية، بل وبسبب عوامل داخلية تتصل بشرائح اجتماعية ترى مصالحها مهددة في حال الدخول في مواجهة شاملة مع دولة الاحتلال، غير أن خيار المواجهة هو الوحيد الذي من شأنه أن يعيد التوازن في مواقف القوى الإقليمية والدولية من قضيتنا الوطنية.

- التطرف الإسرائيلي أصبح مجتمعيا وقوى السلام تكاد تختفي- مقابل ذلك هناك تطبيع عربي وكل ذلك إنعكس على الوضع الفلسطيني حيث لم أجد خلال زياراتي المتعاقبة حالة من اليأس مثل هذه التي يعيشها معظم الناس وكأن فسحة الأمل تكاد أن تضيع. هل من مخرج لحالة اليأس؟
• نعم هذا صحيح، فالتطرف الإسرائيلي أصبح مجتمعيا، وما يسمى باليسار الصهيوني في تراجع مستمر بينما الفاشية في إسرائيل وباعتراف عدد غير قليل من السياسيين والعسكريين وقادة الرأي العام في حالة صعود. جميعنا يذكر تباين المواقف لدى عدد من هؤلاء السياسيين والعسكريين بعد جريمة الإعدام الميداني للمواطن الفلسطيني عبد الفتاح الشريف في الخليل نهاية آذار/مارس الماضي. أوساط سياسية بينها حكومية تبنت الجريمة ودافعت عنها وأخرى في إسرائيل رفعت صوتها محذرة من التحول المتسارع نحو الفاشية ليس فقط عند الأحزاب اليمينية والمتطرفة وأحزاب وأوساط المستوطنين بل في الأوساط الحكومية الرسمية. ميول الفاشية لم تعد ظاهرة عابرة وهامشية في الأوساط الشعبية والرسمية بقدر ما أصبحت حالة قائمة تجد تعبيراتها في الأعمال الاجرامية والإعدامات الميدانية التي يمارسها جيش الاحتلال على الحواجز العسكرية المنتشرة في طول الضفة الغربية وعرضها وعلى مفترقات الطرق وفي الأعمال الإرهابية التي يمارسها المستوطنون وخاصة سكان البؤر الاستيطانية، هذا إلى جانب القوانين العنصرية التي تصدر عن الكنيست والتحريض العنصري اليومي ضد المواطنين الفلسطينيين فضلا عن فتاوى حاخامات الكراهية. 

وفي المقابل تجري في محيطنا العربي مع الأسف الشديد عمليات انفتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي. ينبغي عدم الاستهانة بما يجري أو التقليل من خطورة انفتاح بعض الدول العربية وخاصة في الخليج العربي على إسرائيل، أو حتى الصمت على التصريحات، التي تصدر عن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين بشأن تطور العلاقات مع دول عربية محورية انطلاقا من تقاطع المواقف أو السياسات، التي تدعو لخريطة تحالفات جديدة في المنطقة لمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني الشيعي أو خطر المنظمات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي تقديري ان ما يجري يتجاوز التطبيع، لأن ما يجري أخطر من ذلك بكثير. ما يجري هو بصراحة دعوة لإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة باصطفافات وتحالفات جديدة لا مصلحة فيها للدول العربية وبالتأكيد لا مصلحة فيها للشعب الفلسطيني، بل إنها سوف تكون على حساب مصالحه وحقوقه.

هذا كله ينعكس بكل تأكيد على الاوضاع الفلسطينية وحالة المواطن.

-هل تعتقدون أن الحل القائم على دولتين أمر ممكن أو لنقل ما زال قابلا للتحقيق؟ وإذا إختفى هذا الخيار فما هو البديل؟
• فرص بقاء حل الدولتين على قيد الحياة ترتبط بالتطورات الجارية على الأرض وخاصة في الضفة الغربية والدروس التي على الجانب الإسرائيلي استخلاصها كلما أمعن في تقويض فرص التقدم نحو تسوية سياسية قاعدتها الرئيسية وليست الوحيدة طبعا حل الدولتين. ذلك لا يعني أن على الجانب الفلسطيني أن يكتفي بدور المراقب، بل ينبغي أن يكون دوره محوريا، خاصة وأن الامر يتعلق بمستقبله. وعلى العموم ما زالت الممارسات الاستيطانية هي التي توجه التطورات في كل ما يتصل بشؤون التسوية السياسية للصراع وطبيعتها، مرورا بسياسة هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين وخاصة في القدس ومحيطها وفي المناطق المصنفة حسب الاتفاقيات مناطق ( C ) وانتهاء بسياسة الترانسفير والتطهير العرقي الصامت التي تجري في القدس ومحيطها وفي مناطق الأغوار الفلسطينية ومناطق جنوب الخليل بشكل خاص وفي مختلف المناطق في الضفة الغربية بشكل عام، هذه السياسات بدأت تدفع ليس فقط بعض الأوساط الفلسطينية بل وكذلك الدولية، إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً. وفي إسرائيل ذاتها هناك من يشعر بالمخاوف ويرى أن إسرائيل تتجه أكثر فأكثر نحو المأزق كلما أوغلت في نشاطاتها الاستيطانية وانتهاكاتها لحقوق المواطن الفلسطيني، لأن بديل حل الدولتين بالنسبة لهؤلاء هو دولة فصل عنصري.

البعض يعتقد أن الأمور يمكن ان تسير والحالة هذه نحو الدولة الواحدة ثنائية القومية، غير أن إسرائيل تخشى ذلك، فبموجبه ستكون هناك أغلبية فلسطينية ما بين البحر والنهر لأن النمو الديموغرافي في صالح الفلسطينيين، الذين كما تشير المعطيات سوف يشكلون أغلبية سكانية ( بنسبة 52٪ ) في فلسطين التاريخية بحلول عام 2020 .

لا أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة اللاعودة على هذا الصعيد، فدائماً هناك خيار بديل، سواء بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي أو بالنسبة للجانب الفلسطيني. بالنسبة للجانب الفلسطيني فإن الخيارات محدودة، ويبقى الخيار الوطني البديل لدولة المعازل (عمليا دولة أو سلطة الحكم الذاتي الموسع للسكان دون الأرض ) هو خطوات جادة ومسؤولة بفك الارتباط في مختلف مناحي الحياة مع دولة الاحتلال والتحضير لعصيان وطني يفضي إلى تسوية شاملة متوازنة على أساس قرارات الشرعية الدولية ويوفر الفرص لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية دون اجحاف بالحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وفي المقدمة منها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. 

- الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أوغلا كثيرا في تهميش القضية الفلسطينية؟ كيف يمكن أن يصدر تقرير الرباعية بهذه الصيغة المنحازة للرواية الإسرائيلية لو كان هناك حضور فلسطيني فاعل؟ ماذا يمكن عمله في ظل وجود ممثل خاص للأمين العام نيكولاي ملادينوف يتبنى الرواية الإسرائيلية؟ كيف نعيد الاهتمام بالقضية في المحافل الدولية؟
• لا شك أن التطورات والأحداث الساخنة التي تجري في المنطقة قد ساعدت في دفع قضية الشعب الفلسطيني إلى الظل ومكنت الأمم المتحدة من إدارة الظهر للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والاكتفاء بدور المراقب لما يجري على الأرض من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والإنساني على أيدي سلطات وقوات الاحتلال والاكتفاء بالتعليق الخجول على تلك الانتهاكات. وكلنا يذكر الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث غابت فلسطين تماما في كلمات الزعماء بدءا بكلمة الرئيس الأمريكي وغيره من رؤساء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. 

هذا التجاهل لقضية الشعب الفلسطيني كان عاملا من العوامل التي دفعت الشباب الفلسطيني إلى النزول إلى الميدان في انتفاضة الشباب التي حركت المياه الراكدة ودفعت بعض الدول إلى التصرف بمسؤولية ودعوة الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها في البحث عن تسوية للصراع تنهي معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. ولسوء حظ الشعب الفلسطيني فإن القيادة الفلسطينية تخلفت عن مسؤولياتها في احتضان ورعاية وتوجيه انتفاضة الشباب وفضلت الاضطلاع بدور أثار سخطا واسعا في الأوساط السياسية الفلسطينية. وهكذا تراجع دور انتفاضة الشباب ومعه تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بالضرورة، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه في التقرير الذي قدمته الرباعية الدولية إلى مجلس الأمن الدولي مطلع شهر تموز/يوليو الماضي وما تضمنه من توصيات تمت صياغتها بالتنسيق والتوافق بين الخارجية الإسرائيلية والمندوب الأمريكي في الرباعية الدولية.

وجاءت التوصيات، التي تضمنها التقرير الذي قدمته الرباعية الدولية إلى مجلس الأمن الدولي تعكس حالة العجز والشلل، التي تعيشها الرباعية والمفروضة عليها منذ سنوات من الإدارة الأمريكية وسياستها المنحازة بشكل أعمى للسياسة الإسرائيلية. تلك التوصيات لم تكن متوازنة وجاءت تعكس سلسلة من الاملاءات على الجانب الفلسطيني وتعطي في الوقت نفسه الضوء الأخضر لحكومة بنيامين نتنياهو للاستمرار في مواصلة النشاطات الاستيطانية بعد أن رفضت الإدارة الامريكية بشكل قاطع إدانة تلك النشاطات ودعوة إسرائيل إلى وقفها وبعد أن نجح نتنياهو في إقناع الإدارة الأمريكية وبتواطؤ مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة نيكولاي ميلادينوف بشطب كل ما يتعارض مع سياستها ونشاطاتها الاستيطانية، بحجة أن ذلك يمكن ان يعزز الموقف الفلسطيني في حال طلب التدخل من المحكمة الجنائية الدولية بشأن الاستيطان.

وباختصار فإن التوصيات العشر، التي تضمنها تقرير الرباعية تنطوي على خطورة بالغة وعلى سلسلة من الإملاءات على الجانب الفلسطيني لا يمكن القبول بها، مثلما لا يمكن القبول بأن تتحول لغة التقرير والتوصيات إلى سقف جديد للموقف الدولي، كما تريد الإدارة الأمريكية وإسرائيل . ومن هنا دعونا ردا على تلك التوصيات إلى سرعة التحرك بالتنسيق مع الدول العربية والدول الصديقة والتوجه دون تردد إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يجرم الاستيطان ويدعو إسرائيل إلى وقفه دون قيد أو شرط، مثلما دعونا إلى نقل ملف الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية بطلب واضح من المدعي العام بإحالته إلى الشعبة القضائية في المحكمة باعتباره جريمة موصوفة وفقا للفقرة الثامنة من المادة الثامنة لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية. 

-أين وصلت جهود المصالحة بين السلطة وحماس؟ هل من مبادرات جديدة؟
• المصالحة الوطنية، أو بمعنى أدق جهود استعادة وحدة النظام السياسي في السلطة الوطنية، عالقة في الطريق بين المصالح الفئوية والأنانية الضيقة. وعلى هذا الأساس يتواصل الانقسام المدمر ويتعمق ولا تلوح في الأفق فرص حقيقية لطي صفحة هذا الانقسام والتوجه نحو تعزيز الوحدة الوطنية في إطار السلطة الفلسطينية، وهناك من يرى في هذا الانقسام المدمر وسيلة لتعزيز نفوذه ومكاسبه على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني. فرغم توقيع العديد من اتفاقيات وتفاهمات المصالحة، بعضها على مستوى ثنائي بين حركتي فتح وحماس وبعضها على مستوى وطني ضم جميع الفصائل الوطنية والديمقراطية والإسلامية، فضلا عن الشخصيات المستقلة، إلا أن جميع هذه الاتفاقيات ما زالت عالقة في طريق المصالح الفئوية الضيقة، لأن المصالحة عند البعض ما زالت تستند إلى حسابات المصالح والنفوذ والسيطرة والهيمنة في الأمور الصغيرة منها والكبيرة، ويجري التمترس وراء الانقسام بحجج مختلفة، في اعتداء على حق المواطن الفلسطيني في الممارسة الديمقراطية. وإذا استمرت الأمور على هذا الحال، فمن الطبيعي أن تعيش المؤسسات الرسمية حالة من التدهور على أوضاعها وعلى دورها ليتقدم المشهد في النظام السياسي حلول الحكم الاستبدادي محل حكم المؤسسات الدستورية كما هو الحال في الضفة الغربية أو سيطرة حكم الميليشيات كما هو الحال في قطاع غزة، وأعتقد أنه لا مخرج من هذا الانسداد في أفق المصالحة، سوى الخيار الديمقراطي واحترام حق المواطن في الممارسة الديمقراطية بعيدا عن الحجج والذرائع التي تسعى لتعطيل هذا الحق، أي الذهاب إلى انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وعلى قاعدة قانون انتخابات ديمقراطي وعصري يعتمد نظام القوائم والتمثيل النسبي الكامل واحترام نتائج الخيار الديمقراطي من ناحية والأخذ بالاعتبار أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني تتطلب الحفاظ على الائتلاف الوطني العريض ومغادرة سياسة الانفراد والتفرد في إدارة الشأن الوطني العام من ناحية ثانية، فنحن لا نملك ترف الحديث عن تداول سلمي للسلطة، ما دام الوضع الفلسطيني بأسره تحت سلطة الاحتلال.

-كيف تتوقعون أن تسير عملية الانتخابات البلدية المقبلة؟
• انتخابات المجالس البلدية والمحلية والقروية مطلب جماهيري وشكل من أشكال الممارسة الديمقراطية ولا ينبغي أن تخضع للمناورات أو للمساومات السياسية والتسييس.

من الضروري هنا احترام ما سمي بوثيقة الشرف، التي اتفقت عليها مختلف القوى والتي تنطلق من اعتبار العملية الانتخابية حقا شعبيا وضرورة وطنية وحاجة اجتماعية ملحة، ووسيلة لتفعيل المؤسسات الوطنية الفلسطينية واستعادة دورها في خدمة الشعب، والعمل في الوقت نفسه على توفير المناخات الإيجابية لإجراء الانتخابات وأن تكون لجنة الانتخابات المركزية هي المرجعية لكافة الإجراءات الإدارية والفنية والإجرائية، وأن يتم احترام دور محكمة البدايات في الضفة وغزة باعتبارها المرجعية القانونية للعملية الانتخابية استنادا للقانون الفلسطيني، هذا إلى جانب التزام الجهات الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بتوفير الحماية والأمن للجان الانتخابات وللمتنافسين ومقارهم الانتخابية واحترام الحكومة لنتائج الانتخابات، بما يلزمها التعاون قانونيا وإداريا وماليا مع المجالس المنتخبة، وأن تجري بشفافية وأن يسمح لمؤسسات المجتمع المدني المحلية بمراقبتها وأن يتم تسهيل مهمة المراقبين والصحافيين أثناء عملهم لمراقبة وتغطية الانتخابات بكافة مراحلها، هذا إلى جانب عدم إفسادها باستخدام المال السياسي أثناء العملية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

وعلى كل حال وفي ظل الأوضاع التي تعيشها الساحة الفلسطينية، فإن هذه الانتخابات يمكن أن تشكل رافعة من روافع تجاوز حالة الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني.