رام الله - معا - أعلن رئيس الوزراء، د. رامي الحمد الله، اليوم الأربعاء، عن تشكيل إطار شراكة استراتيجية دائمة، تمثل شراكة الصمود والبناء الوطني، بحيث يضم ممثلين عن الأطراف الفاعلة في بناء وتطوير الاقتصاد الوطني لمأسسة وتفعيل التعاون بين الجميع، ومتابعة نتائج وتوصيات المؤتمر وضمان إدخالها إلى حيز التنفيذ الفعلي، مؤكدا الالتزام بتحمل المسؤوليات في تنفيذ ما يقره المؤتمر من سياسات اقتصادية ومالية أو برامج ومشاريع، وكل ما يتعلق بتحسين وتطوير بيئة الأعمال.
جاء ذلك خلال كلمة رئيس الوزراء في افتتاح معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، اليوم، أعمال مؤتمر ماس الاقتصادي لعام 2016، في فندق الموفنبيك برام الله وبالتوازي مع قطاع غزة من خلال الربط عبر تقنية الفيديو (بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة والزراعة في غزة). وذلك بمشاركة ما يُقارب 400 شخصية من الشخصيات القيادية الفلسطينية السياسية والوزراء وممثلي مؤسسات الدولة الاقتصادية، وشريحة واسعة من رجال الأعمال والاقتصاديين من الضفة وقطاع غزة، وممثلي المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية والأكاديمية والخبراء الفلسطينيين، بالإضافة إلى ممثلي السفارات والقنصليات والمؤسسات الدولية والمانحة.
وقال الحمد الله: "إننا نرى في مؤتمر ماس الاقتصادي فضاء رحبا وملتقى واسعا ومهما، للانطلاق نحو هدفنا جميعا في بلورة سياسات وخطط عمل تساهم في التخفيف من حدة هذه التحديات التي تثقل كاهل المواطن، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي واستيطانه التوسعي، من خلال استخدام خبرات وطاقات القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات وتطوير مفاهيم المسؤولية الاجتماعية لشركاته ومؤسساته".
وأكد أن الاحتلال وإجراءاته هو السبب الرئيسي في إعاقة العملية التنموية وتطور الاقتصاد الفلسطيني ودخوله مجددا في حالة من الركود، والتراجع الحاصل في معدلات النمو، مع تراجع في حجم الاستثمارات المحلية والخارجية، مشددا على أنه يجب علينا جميعا في القطاع الحكومي والخاص والأهلي توظيف طاقاته وإمكانياته المتنوعة كل حسب اختصاصه ووظائفه، لتجاوز المعيقات جميعها ورفع معدلات نمو اقتصادنا الوطني، وخلق المزيد من فرص العمل ودعم الرياديين والمبادرين والعمل معا على تحقيق تنمية مستدامة تحقق لأبناء شعبنا حياة كريمة تليق بنضاله وتضحياته.
وقال: "رغم الظلم والألم الذي يتعرض له شعبنا في كل مكان، إلا أنه أثبت قدرته على مراكمة الإنجازات والعمل والبناء، وواصلت الحكومة بلورة الأولويات والبرامج لاستنهاض اقتصادنا الوطني، وقد تمكنت على مدار السنوات الماضية، من مراكمة الكثير من الإنجازات، خاصة في مجالات تطوير بيئة المال والأعمال من خلال حزمة واسعة من التشريعات والقوانين المحفزة، مثل إقرار قانون تشجيع الاستثمار المعدل لعام 2014، الذي جاء بتوافق كامل مع مؤسسات القطاع الخاص، إضافة إلى تخفيض ضريبة الدخل".
وأضاف الحمد الله: لقد عملنا مع القطاع الخاص والدول المانحة على إقامة عدد من المناطق الصناعية، وبلورنا برامج متنوعة لتنمية الصادرات ودعم المنتج الوطني، وقمنا بإقرار الاستراتيجية الوطنية للتصدير، ونعمل حاليا من خلال وزارة الاقتصاد الوطني بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، على اعداد استراتيجية وطنية للتنمية الصناعية، ونحث الخطى بالتعاون مع سلطة النقد والقطاع المصرفي لتوسيع حجم التسهيلات المالية وتمويل المشاريع الإنتاجية والمشاريع الصغيرة عموما.
وتابع: "لقد نجحنا أيضا في تخفيض حجم المديونية وانتظمنا في تسديد مستحقات القطاع الخاص والبنوك، وفي صرف الرواتب الشهرية لموظفي الدولة، وقمنا بإقرار العديد من القوانين والتشريعات ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي، من ضمنها قانون الأموال المنقولة، وقريبا إن شاء الله قانون الضمان الاجتماعي، ووسعنا مكونات برنامج التمكين الاقتصادي للشعب الفلسطيني، ليشمل عناصر جديدة لتمكين المرأة وتشغيل الشباب الخريجين ورعاية الرياديين والمبدعين، وأطلقنا برنامجا وطنيا لرعاية الرياديين، وتم حشد الموارد المالية اللازمة له، وهو قيد التنفيذ".
وقال الحمد الله : "لتحقيق التنمية المستدامة، فإننا نسعى لبناء اقتصاد مستقل وقوي من خلال دعم المنتج الفلسطيني وتعزيز مقومات الاقتصاد الوطني وتكريس بيئة استثمارية ملائمة تساعد على تطوير الصناعة الفلسطينية وتوفير فرص عمل لائقة للجميع".
من جهته، ثمن مدير عام معهد "ماس"، د. نبيل قسيس اهتمام رئيس الوزراء بشكل خاص للبناء على هذه الجهود، وإعلان رئيس الوزراء عن تشكيل إطار شراكة استراتيجية دائمة لمتابعة توصيات المؤتمر، مما يشكل نواةً للشروع في العمل على تنفيذ مقترحات التدخلات والإجراءات، مشيداً بتفاعل كافة المؤسسات الشريكة منذ بدء الندوات التحضيرية للمؤتمر في شهر نيسان الماضي، والتي شملت المؤسّسات الحكومية المعنية، والمؤسسات الاقتصادية في القطاعين الخاص والأهلي، إضافة إلى الخبراء والمختصين والأكاديميين الفلسطينيين.
ودعا د. قسيس كافة الشركاء في الحكومة والقطاع الخاص والقطاعات الأخرى، لمتابعة العمل والشراكة الحقيقية لتبني التوصيات الواردة في وثيقة "أُطُر السياسات الاقتصادية" والتي تحوي الرؤية الاقتصادية الجديدة الهادفة إلى معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في هذا الظرف الاقتصادي الصعب بشكل متوازي، وأشرف على إعداد الوثيقة نخبة من الخبراء الفلسطينيين بمن فيهم خبراء معهد ماس، حيث تشمل الوثيقة 26 هدفاً اقتصادياً و86 سياسة مقترحة و290 تدخّلاً وإجراءً في قطاعات محدّدة مع تحديد المراحل الزمنية والجهات المسؤولة والشريكة في التنفيذ، بما يسهم في النهوض بالاقتصاد الفلسطيني في ظلّ الظرف الاقتصادي الصعب.
وأعرب د. قسيس عن شكره للشركاء في القطاع الخاص الذين قدموا رعاية أساسية للمؤتمر؛ ولغرفة تجارة وصناعة وزراعة غزة التي استضافت من طرفها المشاركين من هناك.
من جهته شدد أمين سرّ المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني، إبراهيم برهم على أهمية تحقيق التوصيات التي سيخرج بها المؤتمر، وخصوصا ان المواضيع المطروحة تحاكي الواقع وأن تنفيذ التوصيات ذات العلاقة ستساهم في إعادة توجيه الامور بشكل أكثر فعالية، فالكثير من المسؤوليات ملقاة على عاتق القطاع العام كما هو الحال تماما للقطاع الخاص وكذلك كافة الجهات ذات العلاقة، وحتى يقوم كل بدوره لتحقيق النتائج المرجوة يجب العمل معا لتحقيق هذه التوصيات. وهنا نؤكد أهمية ما تم الاتفاق عليه مع دولة رئيس الوزراء وهو وضع آلية واضحة مع تشكيل فريق عمل مشترك لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر لضمان تنفيذ ناجح ومدروس للتوصيات.
وأكد برهم أن القطاع الخاص على استعداد تام ليكون شريكا رئيسيا في تنفيذ توصيات هذا المؤتمر بما يخدم مصالحنا الوطنية، ويعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ويقوّي صمودنا أمام التحديات الإقتصادية والسياسية.
وأوضح منسق البحوث في "ماس" ومنسق المؤتمر، رجا الخالدي أنه ومن أجل إطلاع كافة شرائح وقطاعات المجتمع على الآلية والمنهجية التي اتبعها معهد ماس لرسم السياسات والتدخلات المقترحة، فقد أعدّ المعهد كتاباً خاصاً بالمؤتمر يشمل الأوراق التحضيرية للمؤتمر والدراسات الفنية والتي تمّت مناقشتها خلال الجلسات التمهيدية في الأشهر الماضية.
وبدأ مؤتمر ماس أعماله صباح اليوم الأربعاء بعقد أولى جلسات المؤتمر بعنوان (تحديات النمو الاقتصادية والاجتماعية وسبل معالجتها) وترأسها د.محمد اشتيه الرئيس التنفيذي للمجلس الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، تبعتها جلسة مخصصة لتطوير بيئة الأعمال، وأدار مداولاتها د.جواد الناجي عضو مجلس أمناء "ماس" ووزير الاقتصاد السابق، وواصل المؤتمر أعماله عبر تنظيم جلستين أخريين بالإضافة إلى الجلسة الختامية، حيث تناولت الجلسة الثالثة والتي ترأسها سمير حليله رئيس مجلس أمناء "ماس"، فتناولت قضايا تطوير القطاعات الإنتاجية. وتمحورت الجلسة الرابعة حول تطوير قطاع البنية التحتية والإسكان ورأسها د.محمد مصطفى رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، والتي تنعقد قبيل انعقاد الجلسة الختامية برئاسة الدكتور نبيل قسيس والتي ستستعرض تقارير الجلسات السابقة.
وكان معهد ماس قد نظّم مساء أمس الثلاثاء في فندق الموفنبيك حفل عشاء ومحاضرة قدمها د. جورج العبد الخبير الاقتصادي الفلسطيني المعروف ومحافظ سلطة النقد الفلسطينية الأسبق بعنوان "الاقتصاد الفلسطيني: الطريق إلى مستقبل أفضل"، حيث استعرض د. العبد بعض أهم الدروس من التجربة الاقتصادية خلال السنوات الـ 22 الماضية وسُبُل تحسين الواقع الاقتصادي في فلسطين وتعزيز الاقتصاد الوطني، مركزاً على محاور أساسية والتي في مجموعها ستساعد في دفع الاقتصاد الفلسطيني، ومنها الإصلاح المالي والإداري والتجاري والاستثماري والتربوي ما من شأنه تعزيز مقومات النمو وتخفيف البطالة والفقر ووضع أسس صلبة لاقتصاد وطني منتج.
وأبرز د. العبد في محاضرته بعض المحدّدات للنشاط الاقتصادي في هذا الظرف السياسي الصعب والتي شملت ثلاثة محاور هي الاحتلال والاستيطان، والوضع السياسي الداخلي، وضرورة تحقيق الوحدة الوطنية.