التحضيرات بدأت خلال لقاء المصالحة في سان بطرسبورغ بين الرئيسَين اردوغان وبوتين في التاسع من شهر آب الماضي، وتزامن لقاء سان بطرسبورغ مع وصول وفد أمني سوري كبير ضم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وأحد كبار ضباط الشعبة، ومجموعة من ضباط المخابرات الجوية، ونائب مدير المخابرات العامة، واللواء علي مملوك رئيس مجلس الأمن الوطني.
ويشير حضور الوفد في موسكو خلال لقاء اردوغان- بوتين إلى شمول المفاوضات الروسية التركية لإنهاء القطيعة، الملفات الملتهبة كافة، بما فيها الملف الأبرز السوري، والتوصل إلى تفاهمات مبدئية بينهما، يجري اختبارها اليوم، لا سيما مع التدخل التركي في الشمال السوري.
وبحسب مصادر دبلوماسية روسية وغربية متقاطعة في موسكو وجنيف، فإن موعد اللقاء النهائي، سيحدده اللواء علي مملوك، خلال زيارته إلى العاصمة الروسية الثلاثاء المقبل، على ضوء المشاورات التي سيجريها مع مسؤولين روس وأتراك.
وتقول معلومات إن جدول الأعمال سيكتمل إعداده خلال زيارة سيقوم بها رئيس المخابرات التركية حقان فيدان إلى دمشق، ما بين الـ 10- 15 من أيلول الحالي.
وقد لا يكون في برنامج القمة الثلاثية أي مصافحات بين الرجلَين. الحرب الكلامية بينهما، تركت الكثير من الندوب، إذ لم يتوقف اردوغان عن وصف الأسد بـ "الطاغية"، والتعهد بأنه سيدخل دمشق ليصلي في الجامع الأموي، أما الرئيس الأسد، فبعد طول تحفظ خلال أعوام، فاجأ، في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب في السابع من حزيران الماضي، مَن سيلتقيه في موسكو، ووصفه بـ "الأزعر والإرهابي".
لكن الروس الذين يسابقون خروج الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض، ويسيطر عليهم هاجس الخوف من تصعيد الإدارة الكلينتونية المقبلة حرب استنزافهم في سوريا، قد بذلوا جهودا كبيرة لإعداد الملفات الخلافية كافة، وقدموا في المشاورات الأولية تصورا مقبولا لدى الأتراك وسلما للنزول عن الشجرة السورية العالية التي صعدوا إليها منذ خمسة أعوام بالتمترس خلف شعار إسقاط الأسد.
وقدم الروس مخرجا مقبولا للسعودية برعايتهم الحل الذي يستبعد أي دور رئيس لإيران، ولو شكليا. وتولت موسكو صياغة تصور، تقول مصادر روسية إنه بات شبه جاهز للتطبيق، وهو يستند إلى تسوية مركبة، من إعلان فيينا وخريطتها السياسية الأولى التي صدرت في الـ 14 من تشرين الثاني الماضي، في ذروة "عاصفة السوخوي"، ومن المطالب التي صاغتها ورقة المبادئ السورية للحل السياسي كما قدمها بشار الجعفري إلى مؤتمر "جنيف 3"، بالإضافة إلى بعض الأفكار الخلاقة التي تجسر الخلافات بين الطرفين، وتحفظ الدولة السورية واستمرارية مؤسساتها.
وتتضمن تسوية موسكو الثلاثية، حكومة وحدة وطنية مثلثة تضم مستقلين وممثلين عن المعارضة السورية المعتدلة، ووزراء موالين للرئيس بشار الأسد.
وخلال النقاشات، رفض الموفدون السوريون اقتراحات تركية بمحاصصة طائفية، وتم التوافق على احتفاظ الرئيس الأسد بصلاحيات الوزارات السيادية، وإشرافه على وزارات العدل، والداخلية، والمالية، والدفاع، والخارجية، فيما يتم تقاسم الوزارات التنفيذية مع المعارضة والمستقلين. ومن حيث المبدأ، سيتم تعيين ثلاثة نواب للرئيس، من دون نقل صلاحيات سيادية، على أن يكون اثنان منهم، من ممثلي المستقلين والمعارضة. وفي نهاية مرحلة تمتد 18 شهرا، تبدأ من لحظة التوافق على تنفيذ التسوية، من المفترض أن تعمد حكومة الوحدة الوطنية إلى إجراء تعديلات دستورية أساسية، لا تمس صلاحيات الرئيس وعلى أن تليها انتخابات تشريعية، ورئاسية.
وتقول المصادر الديبلوماسية إنه سيحق للرئيس الأسد خوض الانتخابات الرئاسية، ولكن لولاية رئاسية واحدة، يتنحى بعدها، وحصل السوريون على ضمانات روسية، بعدم فتح أي ملف في المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة أي من المسؤولين السوريين العسكريين أو الأمنيين أو الحكوميين.
ومن حيث المبدأ، سيتم دمج جزء من المجموعات المسلحة في الجيش السوري. وأعد الروس لائحة بتلك المجموعات تشمل خصوصا مَن وقَّع منها على الهدنة، وتعاون مع مركز حميميم الروسي للمصالحات.
وتعهد السوريون في الخطة أمام الروس، بإصدار عفو شامل عن الضباط المنشقين، لا سيما الذين لا يزالون يقيمون في المخيمات التركية، دون أن يقوموا بنشاطات معادية للجيش السوري. كما أن الجيش السوري لن يتعرض لأي عملية هيكلة، فيما لم ينجز النقاش حول ما إذا كانت الأجهزة الأمنية السورية ستخضع أم لا، لإعادة هيكلة، وهو أمر سيحسم في لقاء موسكو.
ومن المنتظر أن ينعقد في دمشق، وليس في جنيف، مؤتمر وطني سوري يضم معارضين من الداخل والخارج بضمانات أمنية روسية.