نشر بتاريخ: 20/09/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
بقلم: فهد سليماننائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطينإذا كان مكان وتاريخ إنطلاق الإنتفاضة التي إندلعت شرارتها في ساحة المسجد الأقصى في 28/9/2000، موضع إجماع فلسطيني، فإن الصفة التي أضفيت عليها، بخلفية تحديد طبيعتها وأهدافها، تباينت وإختلفت، بين من ذهب إلى تسميتها بـ إنتفاضة الأقصى ، التي تجمع ما بين الرمزية الدينية بكل ما يحيط بها من حفز جهادي، وبين معنى القدس عاصمة دولة فلسطين، وآخر إعتمد تسمية إنتفاضة الإستقلال - وكنا من هذا الفريق- إنطلاقاً من الهدف المركزي الذي رسمته الإنتفاضة لنفسها، وتأكيداً على الطابع الوطني التحرري للحركة الفلسطينية؛ أو من إعتنق تسمية الإنتفاضة الثانية في إشارة واضحة لانتسابها إلى التراث الوطني المجيد الذي أرسته الإنتفاضة الأولى (1987 – 1993)، التي إرتفعت نوعياً بسوية النضال الوطني، وإن لم تدرك أهدافه.
غير أننا، مع مضي الوقت، وبنظرة إسترجاعية هادئة للأمور، بتنا ننحو لاعتبار التسمية الأنسب هي الإنتفاضة الثانية ، التي تضع هذا التطور المفصلي في المسار الوطني في سياق ما سبق – أي الإنتفاضة الأولى -، كما وفي وجهة ما سيلي – أي الإنتفاضة الثالثة-؛ الأمر الذي ينسجم تماماً مع طروحات مبكرة للجبهة الديمقراطية، التي عندما بادرت إلى إطلاق البرنامج المرحلي (دولة، عودة، حق تقرير المصير) في آب (أغسطس) 1973، طرحت معه وكجزء عضوي منه – وللمرة الأولى في تاريخ الفكر السياسي الفلسطيني – فكرة الإنتفاضة الشعبية الشاملة، باعتبارها ذلك الشكل المميّز من أشكال الحرب الشعبية، حرب الإستقلال الوطني الذي تتوفر متطلباته موضوعياً، والذي تسمح به شروط النضال الوطني التحرري الفلسطيني■
■■■
وعليه، فإن الفترة الزمنية التي يتناولها هذا الكتاب، من نهاية العام 2000 وحتى مطلع العام 2005، تغطي أربعة أعوام وأربعة شهور، هي عمر الإنتفاضة الثانية، التي إندلعت إثر وصول العملية التفاوضية في كامب ديفيد2 (تموز/ يوليو 2000)، إلى الطريق المسدود، وشهدت تطورات سياسية بالغة الأهمية، منها تلك العملية الإرهابية الفظيعة التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11/9/2001، بإنعكاساتها السلبية الهائلة على الأوضاع الإقليمية ومنها القضية الفلسطينية، وولادة المشروع المسمى حل الدولتين ، وولادة اللجنة الرباعية الدولية، المعنية بالموضوع الفلسطيني، وإطلاق خطة خارطة الطريق التي إختزلتها لاحقاً خطة فك الإرتباط ، وتعديل النظام السياسي الفلسطيني تحت الضغط الخارجي، بالفصل بين رئاستي السلطة الفلسطينية وحكومتها، وإنفجارات الأزمة داخل حركة فتح والنظام السياسي الفلسطيني ممثلاً بالسلطة وتعثراتها، ورحيل الرئيس ياسر عرفات وتقدم محمود عباس ليتولى المسؤوليات التي خلَّفها الراحل أبو عمار■
■■■
الكتاب في ثمانية فصول، خمسة منها، (من الفصل الثالث وحتى السابع)، أفردت لأعوام الإنتفاضة الأربعة، من نهاية العام 2000 وحتى مطلع العام 2005، بواقع فصل لكل عام، باستثناء العام 2003 الذي خصصناه بفصل إضافي تناول على حدة أزمة النظام السياسي الفلسطيني ، التي إنفجرت في ذلك العام على نحو غير مسبوق، إثر تشكيل الحكومة السادسة برئاسة محمود عباس على قاعدة الفصل بين رئاستي الحكومة والسلطة.
الفصل الأول هو بمثابة قراءة تمهيدية لمساعدة القاريء على إستعادة المواضيع الرئيسية التي يحملها الكتاب، الذي جاء عرضه مرة على شاكلة موضوعات، ومرة أخرى في أسلوب سرد تحليلي تناول الأحداث بتعاقبها الزمني.
الفصل الثاني من كامب ديفيد إلى طابا- مفاوضات تودع وإنتفاضة تتقدم ، يتناول مقدمات الإنتفاضة الثانية التي يعتبر فشل مفاوضات قمة كامب ديفيد الثلاثية أحد مسبباتها الرئيسية؛ كما يشير إلى أهم الوقائع السياسية التي تخللت الإنتفاضة في مرحلتها الأولى، ومقترحات الرئيس كلينتون لاتفاق سلام، ومحادثات طابا التي سعت لاستكمال مفاوضات كمب ديفيد على أساس هذه المقترحات.
أما الفصل الثامن فيكتفي بإلقاء نظرة على خط العمل العسكري في الانتفاضة على يد تجربة كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية ؛ ويختتم الكتاب بدليل مراجع من الأدبيات السياسية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، يتضمن فهرساً بمحتويات 13 كتاباً – سنأتي عليها بعد قليل – شكلت بتحليلاتها ووقائعها مصدراً مباشراً لهذا الكتاب.
حملت فصول الكتاب بملاحقها عدداً من الوثائق، بهدف إلقاء المزيد من الضوء على بعض الأحداث، بما يساعد القاريء والباحث على تعميق فهمه للنص، خاصة وأن الكتاب يحمل في طياته تطورات أو إشارة إلى تطورات ، قد تبدو تفصيلية في بعض جوانبها، وربما غابت عن الذاكرة المزدحمة بالأحداث، ومنها وقائع ما زالت تحمل في مضمونها مدلولاً سياسياً وإجتماعياً، ما زلنا نتلمس علاماتها وأثارها وتداعياتها، حتى في وقتنا الحالي، رغم مرور الزمن عليها.
الملاحق عموماً، كما والوثائق المدرجة في الكتب، أُخذت من الكتب الـ 13 المشار إليها، بإستثناء ما ورد بشأنه إشارة خاصة، علماً أنه لم يتم إيراد سوى عدد قليل منها – لضيق المساحة المتاحة -، بحيث إقتصرت على تلك التي تخدم النص بشكل مباشر، كما تم تمييز الملاحق والوثائق بخط أصغر من الخط المستخدم بشكل عام في الكتاب■
■■■
بما تضمنه من تحليل ووقائع في الفترة الزمنية التي يغطيها، والتي شهدت إندلاع الإنتفاضة الثانية في 28/9/2000، ومن ثم صعودها، فانحسارها، وحتى الإعلان الرسمي عن توقفها في 8/2/2005 أثناء إنعقاد قمة شرم الشيخ الخماسية (الولايات المتحدة، مصر، الأردن، إسرائيل، والسلطة الفلسطينية)، يستعيد هذا الكتاب المقدمات السياسية التي تصدرت خمسة كتب( ) من الأدبيات السياسية للجبهة الديمقراطية، صدرت في سلسلة يوميات الإنتفاضة.. يوميات الإحتلال ، وأضاءت على أحداث الإنتفاضة من مختلف زواياها. وإذا كان تاريخ إنطلاق الإنتفاضة الثانية لا يحتاج إلى توضيح، فإن الإعلان الرسمي عن توقفها في التاريخ المذكور أعلاه، يأتي على خلفية الإعلان الفلسطيني أحادي الجانب عن التهدئة (من خلال الرئيس محمود عباس) مع الجانب الإسرائيلي في 20/1/2005، الذي وافقت عليه حركة حماس فيما بعد، والذي ترسَّم في قمة شرم الشيخ الآنف ذكرها، وصادق على هذا الإعلان لاحقاً مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني الثالث المنعقد في القاهرة (15-17/3/2005) .
إلى ما ذكر نشير أيضاً إلى كتب أخرى، أيضاً من الأدبيات السياسية للجبهة الديمقراطية، صدرت ضمن سلسلة الطريق إلى الإستقلال ، تناولت بالتحليل الموثق التطورات السياسية والميدانية الأهم التي وقعت في زمن الإنتفاضة الثانية( )■
■■■
هذا الكتاب، بالطبع، لا يطمح أن ينافس الكتب الـ 13 (5 8) المشار إليها، إن من حيث تعدد عناوين المقاربة، أو شمولية التحليل على يد الوثائق الرسمية والشهادات الحية وغيرها، ناهيك عن تغطية وقائع الإنتفاضة الثانية على إمتداد أربع سنوات ونيّف من عمرها.
ولعل الغرض من إصدار هذا الكتاب، هو توخي الفائدة، من خلال تركيزه على جوانب مهمة من القضايا الرئيسية التي توقفت أمامها الكتب المذكورة، في إطار ملموس يقدم الإنتفاضة كمشهد سياسي مترابط الحلقات، بطموح الإضاءة على أهم ما مثلته الإنتفاضة الثانية، باعتبارها ذلك التطور المفصلي في مسار النضال الوطني التحرري لشعب فلسطين، الذي يفصل نوعياً ما بين مرحلتين:
■ مرحلة المسار المتعثر لإتفاقات أوسلو وتطبيقاتها التي إختتمتها عملياً محادثات كمب ديفيد (11-25/7/2000)، وفي إمتدادها المحادثات الإستلحاقية في طابا (21-27/1/2001) التي لم يتمخض عنها أي إتفاق رسمي.
■ المرحلة التي أعقبت الإنتفاضة منذ مطلع العام 2005، التي إنحسرت فيها أهمية العملية السياسية من خلال المفاوضات إلى حدود تقارب التلاشي، لأن شروط إستئنافها، بكل بساطة، لم تعد متوفرة – على خلفية غياب الدور الجدي الفاعل للمعادلة الخارجية، إقليمية كان أم دولية – لعدم حاجة أحد طرفي الصراع (أي الإسرائيلي المتنفذ) إلى المفاوضات؛ وبالمقابل، لقناعته بجدوى وإمكانية سياسة فرض الأمر الواقع بأفق حل آجل بعيد المدى، لا مكان فيه للحقوق الوطنية لشعب فلسطين في إطار العودة والسيادة والإستقلال الوطني■
■■■
إن إستعادة المشهد الملحمي للإنتفاضة الثانية، في يومنا هذا، يكتسي أهميته من زاوية القناعة التي باتت راسخة لدى عموم الشعب الفلسطيني، بالضرورة الوطنية القصوى لاعتماد إستراتيجية نضالية جديدة وبديلة لاستراتيجية المسار المزدوج، القائمة على ركيزتي بناء مؤسسات الدولة تحت الإحتلال (!) والمفاوضات الثنائية بالرعاية المتحيّزة لواشنطن.
الإستراتيجية البديلة والجديدة التي ترسخت مكانتها كخيار في الصف الوطني الفلسطيني بشكل عام، تقوم على عدة ركائز، أهمها الإنتفاضة الشعبية المتصاعدة بأفق العصيان الوطني الشامل للخلاص من الإحتلال والإستيطان. إن مثال الإنتفاضة الأولى (1987–1993) والثانية (2000-2005) هو المثال الذي تستلهمه الحركة الجماهيرية في هذه الأيام، التي نعيش فيها إرهاصات المرحلة الجديدة، التي خير ما يمثلها ويعبِّر عنها، هو إنتفاضة الشباب على الرغم من تموج حركتها بين مد وجزر.
وما نتوخاه من خلال المحطة التي يطمح إلى تمثيلها هذا الكتاب، هو التوقف أمام الدروس والعبر المستخلصة من الإنتفاضة الثانية، تحفيزاً لإنطلاقة الإنتفاضة الثالثة القادمة علينا بكل تأكيد، مهما طالت وتعرجت الطرق المفضية إليها■
■■■
أخيراً، هذا الكتاب ليس تأريخاً للحدث الفلسطيني خلال الفترة التي يتناولها في صفحاته، بل هو مراجعة سياسية تحليلية للحدث الفلسطيني – أو لمعظم جوانبه الرئيسية على الأقل – تحمل موقفاً واضحاً في تصوير هذا الحدث، وتحليله، وبالتالي تشكل قاعدة سياسية للنظر إلى أوضاع الحركة الوطنية الفلسطينية، في خضم معركة التحرر الوطني التي تخوض ضد الإحتلال والإستيطان، في ظرف إقليمي، أيضاً بانعكاسات التطورات الدولية عليه، ظرف ما إنفكت معادلاته تزداد تشابكاً وتعقيداً.
كما تشكل هذه المراجعة السياسية قاعدة للمراجعة النقدية لأوضاع النظام السياسي الفلسطيني، بمختلف تجلياته، عبر سلسلة من المحطات المتتابعة التي تؤكد، من ضمن ما تؤكده، ضرورة تحويل المراجعة النقدية للحالة الفلسطينية إلى عمل وطني جماعي، تشارك فيه القوى الفلسطينية كافة، وربما قوى من خارج الدائرة الفلسطينية، بعدما وصلت الأمور إلى مرحلة لم يعد فيها بالإمكان الحديث عن رابح وخاسر في معمعة الخلافات الداخلية الدائرة رحاها بلا توقف. مثل هذه الخلافات والإنقسامات تعيق إخراج الحالة الفلسطينية من أزمتها المركبة، بما هي أزمة برنامج وبنى تنظيمية، وتعطل إمكانية تجديد المؤسسات الوطنية وإطلاق عملية تطوير للبنى الثقافية ترقى بالوعي وتوسع مداركه، من خلال تبني سياسات جديدة وبديلة، في الحقل السياسي البحت وفي المضمار الإقتصادي والإجتماعي، كما وفي مجال البناء التنظيمي لأطر التعبئة والحشد للكفاح الوطني.
من هنا، يمكن إعتبار هذا الكتاب، وهو الحادي عشر من سلسلة في الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر ، مساهمة إضافية في الدعوة إلى المراجعة النقدية للحالة الوطنية، لصالح سياسة جديدة.
يبقى أخيراً التأكيد أن الجهد الجماعي الذي وقف خلف هذا الكتاب، هو الذي أدى إلى إخراجه إلى عالم النور■
نهاية أيلول (سبتمبر) 2016
بطاقة تعريف
الكتاب: الانتفاضة الثانية..
المؤلف: فهد سليمان ومعتصم حمادة
الناشر: الدار الوطنية الجديدة – دمشق
الفرات للنشر والتوزيع – بيروت
ط1/ كانون الثاني (يناير) 2016