الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نمر يزبك غياب مبكر في رسالة عبر تاريخ الكشافة

نشر بتاريخ: 20/09/2016 ( آخر تحديث: 20/09/2016 الساعة: 16:09 )
نمر يزبك غياب مبكر في رسالة عبر تاريخ الكشافة
بقلم القائد : محمد عبد الوهاب
( أبو الوفا)
عضو اللجنة الفرعية العربية الكشفية لتقنية المعلومات

أطلق الاعلام الكشفي الفلسطيني مطلع عام 2010 "حملة توثيق التاريخ الكشفي الفلسطيني" وذلك توثيقاً لتاريخها وتمهيدا لاحتفالية مائة عام على وجودها وانتشارها متقدمة في هذا الأمر على الكثير من الدول العربية والعالمية. وقد أشرت في مقالتي في ذلك الوقت إلى تعاقب العديد من النكبات والصراعات على تاريخ فلسطين والتي أثرت في الكشافة وكذلك أثرت الكشافة فيها مما عرض الكثير من الصور والوثائق للضياع والتلف والتدمير وخاصة خلال حرب عام 1948 وأيضا عام 1967 وقد عمل الاحتلال الإسرائيلي على تدمير وإتلاف كل ما يربط الفلسطيني بأرضه من وثائق تاريخية وكان للكشافة نصيب من هذا التدمير..

وتوثيقا للتجربة دعونا في الإعلام الكل الكشفي العربي والفلسطيني للمشاركة في حملة توثيق التاريخ الكشفي الفلسطيني ووجهنا نداءنا إلى الفلسطينيين الذين حملوا أوراقهم و وثائقهم المهجرين قصراً تحت القصف والموت وفي الداخل والشتات وإلى الإخوة العرب الكشفيين الذين استضافوا اللقاءات الكشفية العربية القديمة أو شاركوا مع فلسطينيين ويملكون وثائق والى كل من يمللك ما هو مهم لتاريخ كشافتنا الفلسطينية أن يشارك في حماية التاريخ الكشفي الفلسطيني حيث يمكن لهم ارسال صورة ضوئية لأي وثيقة على الايميل الخاص بالجمعية.

وكان لنا اللقاء الأول تلفونياً مع الباحث الفلسطيني نمر يزبك، بحث عنا ولم نبحث عنه، كان يحمل مفتاح الخريطة وكلمة سرها، كان يؤمن بدور الإعلامي الأول للكشافة الفلسطينية الشاعر الفلسطيني مطلق عبد الخالق، مؤسس "مجلة كشاف الصحراء" هو ورفيق دربه القائد عاطف نور الله، جاء يزبك ليكمل رسالة الشاعر مطلق بعد أن غيبه الموت مبكراً، ولم يكن يعلم أن الموت سينال منه كما نال من صاحبه، جلسنا طويلاً ، تبادلنا الفكرة، أين نحن والى أين المسير، كان مولعاً بالكشفية وتاريخها، متحمساً لتفاصيلها ، وكان القرار من جمعية الكشافة والمرشدات بتوفير أرشيف الحملة كاملاً لهذا الباحث الذي لم يتوانى في الوصول الى أي معلومة أو صورة أو خبر.

كان أحياناً يتصل بي بعد منتصف الليل يزف لي خبر حصوله على وثيقة من هنا أو صورة مجلة من هناك ، فرحته كانت كما العقيم لحظة نبأ مولوده الأول، ويتكرر المشهد ويعزز دوره منطلقاً من منتدى مطلق عبد الخالق الثقافي الذي أسسه يزبك تخليدا لقريبه مطلق عبد الخالق، لم يعرف النوم ولا الثبات في مكان واحد، من مدينة إلى أخرى، ومن مفوضية إلى مجموعة كشفية، ومن قائد تاريخي إلى أبناء قائد مرحوم أو أرملة شخصية تاريخية ، لم يعرف الكلل ولا الملل، اعتبر نفسه في مهمة وطنية، هكذا كان يردد دوماً، تحمل نفقات تنقلاته وتوابع التأليف شخصياً ومن حر جيبه، يصل البيت متأخراً يشعل سيجارته ويلتصق بشاشة الحاسوب الكبيرة جداً لتناسب ضعف نظره، وظف بيته وأبنائه للعمل في التوثيق، فأم محمد الصابرة الفخورة بإنجاز زوجها كانت كثيرا ترافقه في زياراته، وابنه محمد الذي نما وكبر مع كل يوم تزيد فيه صفحات كتاب التاريخ للحركة الكشفية الفلسطينية، آه كم كان سعيداً حين ساعد طفلاً من الضفة أن يرى البحر والنور بعد فقدان البصر .

رافقته كثيراً شخصية احترمها وأقدرها وكان لها الأثر الكبير أيضا في الاندفاع القوي الذي سار به، إنه الباحث الأستاذ خالد عوض، ابن فلسطين المحتلة، كان محفزاً ومذللاً للمصاعب وناقداً وموجهاً وداعماً، أخذ الأديب نمر يزبك على عاتقه استكمال جمع الأرشيف الكشفي الفلسطيني فتواصلنا سوية مع الساحات في الشتات، وحصلنا على معلومات كثيرة وكبيرة، كان يحفظها بعدة أماكن خوفاً من تلفها أو ضياعها.

وكان لا بد للكتاب من غلاف، فأعد فريق الاعلام في وقتها مسابقة لغلاف كتاب " تاريخ الحركة الكشفية الفلسطينية - من التربية الوطنية إلى صقل الهوية .. 1912 - 2015" وقام بتصميم إعلان المسابقة ونشره القائد نعمان سلهب – أمين سر مفوضية الإعلام، وكان القائد الشهيد بهاء عليان عضواً في لجنة تقييم المسابقة، وفاز في المسابقة القائد الفنان محمد نصار من قطاع غزة عضو لجنة الاعلام الكشفي الفلسطيني.

كان يزبك وطنياً بامتياز، وقف على مسافة واحدة من كل المكونات الاجتماعية والدينية والسياسية والجغرافية الفلسطينية، كان فلسطينياً بما تعني الكلمة من معنى، ابن الناصرة ، ابن الثانوية ، المثقف، الشاعر، عضو جمعية السباط للحفاظ على التراث الفلسطيني.

قام يزبك بإعادة إصدار كتب عبد الخالق وتقديمه من جديد، حيث كان كتابا "الرحيل" و"ضجعة الموت" مكتوبان بخط اليد، وكانا عرضة للفناء.

"تاريخ الحركة الكشفية الفلسطينية - من التربية الوطنية إلى صقل الهوية .. 1912 - 2015" كتاب يحتوي على ما يزيد عن خمسين ألف كلمة تشكل معلومات جديدة مدفونة ً في صرة الثياب المهجرة بعيداً عن الوطن منها ما يقارب ألف صورة كشفية وثقت ما يزيد عن مئة عام، ويلفت يزبك أن الكتاب لا يكتفي بتوثيق تاريخ الكشافة الفلسطينية فقط، بل يتحدث عن تاريخ شعب من خلال حركته الكشفية العريقة، إذ جسدت الكشافة الفلسطينية نضالات الشعب الفلسطيني المتلاحقة، وعبرت عن كل الحقبات التاريخية التي مر بها.

وداعاً نمر يزبك "أبا محمد " نم قرير العين برفقة صاحبك مطلق

وكما قال شاعرنا محمود درويش: سنكون يوماً ما نريدُ .. لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى.

وسيكمل المشوار أبناؤك وأحبتك وسيكون تاريخ الحركة الكشفية الفلسطينية ممهوراً باسمك و وسمك فأشبال فلسطين الذين شاركتهم مخيماتهم واحتفالاتهم وبرامجهم، ولم تفارقهم يعرفون تماماً من هو نمر يزبك.