المرأة السعوديّة.. سعي إلى فكّ ولاية الرجل
نشر بتاريخ: 29/09/2016 ( آخر تحديث: 29/09/2016 الساعة: 10:46 )
بيت لحم- معا- في إطار حملة إسقاط ولاية الرجل على المرأة في السعودية، حاولت الناشطة عزيزة اليوسف إيصال عريضة إلى الديوان الملكي. وبعد رفض استلامها، أوضحت أنّها سوف ترسلها عبر البريد، مؤكدة أنّ الحملة مستمرّة حتى تحقيق أهدافها.
بعثت أكثر من 22 ألف امرأة سعودية عريضة إلى الديوان الملكي عبر نظام البرقيات الخاص، يطالبن فيها بإنهاء نظام ولاية الرجل على المرأة في البلاد، الذي يمنعها من العمل والدراسة والحصول على أوراق ثبوتية وجواز سفر، وكذلك من السفر إلى الخارج، من دون موافقة وتصريح من وليّ أمرها. وقد حظيت العريضة بدعم كبير من ناشطات حقوقيات على مواقع التواصل الاجتماعي ويستمرّ وسم #إسقاط_ولاية_الرجل منذ نحو ثلاثة أشهر.
أكثر من حملة قادتها ناشطات سعوديات لفكّ ولاية الرجل المقيّدة لهنّ منذ عام 1991، غير أنّ ما يميّز هذه الحملة التي أطلقت أخيراً هو أنّها أكثر جدية ومثابرة بالمقارنة مع ما سبقها، بالإضافة إلى أنّها قوبلت برضى حتى من بعض المنتمين إلى التيار الديني والحقوقيين. كذلك، حظيت باهتمام عالميّ.
تشدّد الحملة على أنّ النساء السعوديات يعانين من صعوبات كبيرة بسبب نظام الولاية المعمول به في البلاد. فالمرأة لا تستطيع الدراسة ولا العمل ولا الزواج ولا حتى الخروج من السجن بعد قضاء محكوميتها لارتكابها جرماً ما، إلا بموافقة وليّ أمرها. وهو ما تحاول الناشطات تغييره، من خلال التركيز على أنّ هذه الأنظمة لا تخضع لقوانين الشريعة الإسلامية من الأساس، إذ هي لا تتضمّن مسمّى “وليّ الأمر” للمرأة الراشدة.
وتعزّز دراسات أعدّها “مركز رؤية للدراسات الاجتماعية” ما تذهب إليه القائمات على الحملة، ومنها دراسة اجتماعية دلّت على أنّ 83 في المائة من الزوجات المعنّفات تعرّضن للعنف الجسدي، فيما أكّدت دراسة متخصصة أخرى أنّ ثلاث سعوديات من أصل خمس يتعرّضن لعنف منزلي وكذلك في مكان العمل. وتقول المتخصّصة الاجتماعية نوف العلي إنّ “المرأة سواء أكانت أماً أو أختاً أو ابنة تتعرّض للعنف، بسبب رواسب ثقافية مجتمعية منحت الرجل السلطة العليا. يأتي ذلك إلى جانب تدنّي مستوى دخل بعض الأسر، الأمر الذي يضطر المرأة إلى تحمّل العنف خوفاً من عواقب الطلاق، لعدم توفّر ملاذ آمن يحميها”.
أمّا أرقام “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية” فتدعم ما تلفت إليه الحملة، إذ تكشف أنّ الجمعية تلقت 111 قضية عنف كانت ضحيتها نساء في الأشهر الستة الأخيرة فقط، فيما سجّلت في العام الماضي 317 قضية عنف في حقّ امرأة واستقبلت المحاكم السعودية 11 ألفاً و130 قضية إعالة وولاية في مختلف المناطق. وتؤكّد الدكتورة ناهد باشطح وهي من الحقوقيات الداعمات للحملة، أنّ “الوقت حان للتحرّك جدياً في اتجاه تحقيق العدالة للمرأة ورفع الظلم الذي ما أنزل الله به من سلطان، إذ لم يعد من مجال للتعذّر بالأعراف في حصول المرأة على التمكين في المجتمع”.
مطالب مشروعة
تتركّز مطالب الناشطات على أنّ المرأة السعودية كاملة الأهلية، ولا بدّ من إلغاء كلّ ما يتطلب موافقة الرجل على ما يخصها. وكانت الحكومة قد أجرت بعض التغييرات التي تشجّع النساء على العمل وتزيد فرصهنّ التعليمية، وأصدرت قانوناً ضد العنف المنزلي في عام 2013. كذلك وافق مجلس الشورى السعودي قبل أربعة أشهر على إدخال بعض التعديلات على نظام الولاية ومنح المرأة الحقّ في السفر في حال رفض الوليّ ذلك. لكنّ الحقوقيات رأين تلك الخطوة قاصرة لأنّها ربطت ذلك بموافقة القاضي. وتقول الدكتورة لبنى القاسم: “أخذوا الحقّ من رجل ومنحوه لرجل آخر، كأنّ المرأة في حاجة دائمة إلى رجل ليقرّر عنها”. تضيف أنّ “تعديلات المجلس التي لا تصبح نافذة إلا بعد موافقة وزارة الداخلية عليها، لا تعالج لبّ المشكلة، وهي أنّ النظم لا تنظر بعين المساواة إلى المرأة، لأنّ من يناقش هذه المشكلة هم رجال أو نساء مرفّهات لا يشعرن بحجم المعاناة التي تعيشها نساء كثيرات بسببها. وقد اعترضت نساء من أمثال الدكتورة نورة العدوان على قرارات المجلس التي تصبّ في مصلحة المرأة، بحجّة أنّها تتعارض مع مبدأ الولاية والقوامة للرجل، من دون أن تحدّد ما هي شرعيّة هذه القوامة وحدودها”.
في هذا السياق، تشير عضو مجلس إدارة “الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية” الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد إلى أنّها تنتظر إقرار حقّ المرأة التي أتمّت العشرين من عمرها، في استصدار جواز سفرها وتجديده من دون اشتراط موافقة وليّ أمرها، مثلها مثل الرجل. وتقول: “نحن كنساء نطالب بحقّ المواطنة الكاملة. كم هو صعب على المرأة البالغة أن تُطالب بموافقة وليّ أمرها على استصدار جواز سفرها أو تجديده، مهما كانت سنّها ومهما كانت هوية الوليّ حتى ابنها أو حفيدها مهما كانت سنّه. المهمّ أن يكون ذكراً لتكون الأنثى تحت وصايته، مع أنّ المرأة كاملة الأهلية مثلها مثل الرجل تماماً، بدليل أنّه يُطبّق عليها القصاص والحدود والعقوبات والتعزيرات نفسها التي تُطبّق على الرجل، بل تكون في بعض الأحيان أشدّ عليها. أمّا في مسألة الحقوق، فتعامل كناقصة الأهلية”.
وتشدّد الناشطة السعودية هالة الراشد على أنّ المرأة السعودية تواجه تمييزاً على مستوى أعمق، في القانون والممارسة، وهي أمور تقف عائقاً أمام حصولها حتى على الأوراق الثبوتية الخاصة بها. وتقول: “ما زالت الأنظمة تشترط وجود وليّ رجل لكي يسمح للمرأة بالحصول على بطاقة هوية وطنية. ويلزم القانون الأبناء الذكور بالحصول على أوراق ثبوتية خاصة بهم عند بلوغهم الثامنة عشرة من عمرهم. أمّا البنات، فلا يحقّ لهنّ ذلك إلا إذا وافق الأب على الأمر”. تضيف: “في حال رفض ذلك، تصبح المرأة ضحية لسوء استخدام وليّ أمرها لمعلوماتها الشخصية، وقد يأتي بأي امرأة أخرى على أنّها هي. وكثيرة هي القصص التي تتحدّث عن أزواج سرقوا أرصدة زوجاتهم المصرفية، بعد اصطحاب امرأة أخرى بدلاً عنها. لا تتوفّر لها صورة في المصرف”.
لا خروج من السجن
من جهتها، تؤكّد الدكتورة في علم الاجتماع، نورة المانع، أنّ “حقّ اعتراض الوليّ الذكر يسيطر على كثير من خيارات السعوديات”. وتقول: “في النظام السعودي، لا بدّ من أن يكون للمرأة وليّ أمر، حتى لو كانت عالمة أو طبيبة. وهو إمّا الأب أو الزوج، وفي حال عدم وجودهما يكون الأخ. وفي أكثر الحالات سخرية يكون الابن، حتى لو كان يحصل على مصروفه من أمه”.
تكثر القصص التي يستغلّ فيها الرجال حقّ الولاية الذي منحهم إياه النظام للإضرار بالنساء. بدرية، كانت تحلم بدراسة الطب والابتعاث إلى الخارج. ومع أنّها حصلت على نسبة 98 في المائة في الثانوية العامة، إلا أنّها لم تكمل دراستها. ببساطة، رفض أخوها غير الشقيق الذي يعدّ قانوناً الوصيّ عليها بعد وفاة أبيها، توقيع الموافقة على الدراسة. تقول الشابة: “اجتزت كل اختبارات القبول في الجامعة، لكنّ أخي رفض. ولم تقبل الجامعة أن أدرس لأنّها تشترط موافقة وليّ الأمر”. تضيف: “انتهى مستقبلي، بكلمة واحدة”.
لا يقتصر الأمر على الدراسة أو العمل. بحسب النظام المعمول به في السعودية، عندما ترتكب امرأة جرماً ما وتدخل السجن، لا يمكن أن تخرج منه إلا بموافقة وليّها، حتى بعد انقضاء محكوميتها. وتقول زين العابدين حماد إنّ “مئات النساء انتهت محكوميتهنّ، لكنّهنّ ما زلن في السجن لأنّ أولياءهنّ رفضوا استلامهنّ. بالتالي، يحوّلن إلى دور للرعاية”. تضيف: “في حين يحتفل الذكور الذين يخرجون من السجن وتقام لهم الولائم، لدينا ملفات لمئات الإناث المحرومات من ذلك. ونحاول جاهدين منذ سنوات تغيير هذا النظام، من دون فائدة”.
“المخلوق الضعيف”
في تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” حول النساء السعوديات ومفهوم الوصيّ، شدّدت على أنّ الرجال يتحكّمون في النساء. والتقرير الذي عدّه القائمون على الحملة اعترافاً حقوقياً دولياً بمطالبهنّ، أوضح أنّ “الرجل يتحكم بحياة المرأة من المهد إلى اللحد. على كلّ امرأة سعودية أن يكون لها وصيّ، إمّا أب أو زوج في العادة، وفي بعض الحالات يكون أخاً أو حتى ابناً لها. وتكون له السلطة لتقرير قرارات مصيرية عدّة بالنيابة عنها”. ووصف التقرير المرأة السعودية بـ “المخلوق الضعيف” غير القادر على التحرّك بحرية.
وعرض التقرير لبعض حالات الضعف التي تعاني منها المرأة السعودية، لافتاً إلى أنّه “بالنسبة إلى المرأة، الوصيّ وصيّ عليها إلى الأبد. هو بالنسبة إليها عراب أو أب روحي يقف معها طوال الحياة في كل المسائل، وكثيراً ما يكون هذا الأب الروحي أباها الحقيقي فعلاً. لكنّها بمجرّد أن تتزوّج، يصبح زوجها الوصيّ المسؤول عنها”.
لكنّ السعوديات لسن راضيات بمجملهنّ عن الحملة، أو عمّا جاء في تقرير “هيومن رايتس ووتش”. وقد حاولت عديدات التقليل من ذلك. فكتبت ياسمين باجر وهي محرّرة في مجلة “تايم” الأميركية، ومن الصحافيات السعوديات اللواتي حصلن على تعليم عال في جامعة كولومبيا للصحافة، مقالاً للردّ على تقرير المنظمة الدولية. جاء فيه: “ليس الأمر تهيّؤات في خيالك. فالمرأة السعودية فعلاً تبدو في نظر الغرب إمّا مخفية أو خائفة أو مكسورة الجناح. أمّا الحقيقة فهي أعمق من ذلك وأكثر تعقيداً”. أضافت باجر: “ما ورد في تقرير المنظمة الحقوقية لا ينطبق على جميع النساء، فالهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي تسهم في تعريف الغرب إلى نساء سعوديات كثيرات وحقيقيات يتحلين بالإرادة”. لكنّها شدّدت على أنّ “النساء السعوديات لسن سواسية تماماً، مثل النساء الأميركيات اللواتي لسن سواسية. أنا أدرى بهنّ لأنني كثيراً ما أقتبس كلامهنّ في عملي، وأنا بنفسي امرأة سعودية. لسنا جميعنا حبيسات علب في بيوتنا، وكثيرات منّا يسرّنا الإدلاء بأسمائنا الكاملة عند إجراء لقاء أو مقابلة”.
في المقابل، أقرّت باجر بمعاناة سعوديات كثيرات لم يحصلن على أب متفهّم مثل أبيها. ودعت أن “يكفّ أولئك الأوصياء المستبدون المذكورون في تقرير هيومن رايتس ووتش عن حبس النساء في علب وصناديق وقماقم كأنهنّ رهائن. تلك حقيقة واقع كثيرات، وهذا أمر يستدعي الاهتمام والنظر. لكن من الضروري أيضاً أن يعي الجميع أنّ الفتيات والنساء السعوديات لا يعانين جميعهنّ من الاستبداد والقمع، وأنّ الرجال السعوديين ليسوا جميعهم مستبدين مستملكين”.
كلام باجر قوبل بنقد كبير من سعوديات اعتبرنها أنانيّة وغير واقعية. تقول رغد العبد العزيز: “لا يمكن أن تقول المرأة السعودية إنّها حرة فعلاً، فهي تعيش وفق الحدود التي يرسمها لها الأب أو الزوج، وهي غير حرة على الإطلاق. إذا كانت سعوديات عدّة قد حظين بحدود واسعة، إلا أنّ الغالبية تعيش في أفق ضيّق للغاية” تضيف بحدّة متوجّهة إلى رافضات الحملة: “لا تقلن أبداً أنكنّ تعشن بحرية. أنتنّ تعشن وفق حدود حدّدها لكنّ الذكر فقط”.
“العربي الجديد”