الخميس: 26/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

في الذكرى الخامسة - كيف غطى الاعلام الدولي سنوات الانتفاضة ؟؟

نشر بتاريخ: 28/09/2005 ( آخر تحديث: 28/09/2005 الساعة: 13:08 )
خاص معا - - لقد مرّت القضية الفلسطينية في سنوات الانتفاضة بالعديد من حالات المد والجزر في اوساط الرأي العالمي, واذا كان ولا بد من الحديث عن ذلك فلا بد ان هناك اسباب محلية واخرى عالمية تحكمت في منسوب الدعم العالمي للشعب الفلسطيني ومن ابرزها ان الاعلام العالمي نظر الى المراحل التي عاشتها الانتفاضة على النحو التالي :

مؤتمر ديربين:

وكان المؤتمر عقد في مدينة ديربين في جنوب افريقيا حيث شهدت المدينة اكبر تجمع معاصر للمنظمات غير الحكومية ومؤسسات حقوق الانسان وخرج ملايين البشر يطالبون امريكا واسرائيل برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وجاهروا بضرورة فرض العقوبات على اسرائيل ما احرج امريكا وجعل اسرائيل تترنح امام هذا الضغط الدولي واجيال من البشر لم تعد تر في دولة اليهود ضحية بقدر ما هي المجرم في تسبب الظلم التاريخي لشعب آخر.

مؤتمر كامب ديفيد:

وهو الرد الرسمي الامريكي الاسرائيلي على مؤتمر ديربن الشعبي بحيث تجند الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون واعلام البيت الابيض واسرائيل لتشويه سمعة الفلسطينيين وانهم هم الذين رفضوا الحلول السطحية ولجأوا الى العنف.

اندلاع الانتفاضة الشعبية وصورة الطفل محمد الدرة :

وكانت بمثابة الرد على الرد الامريكي وقد نجح الفلسطينييون لعدة اشهر في سحب اعتراف شعوب العالم بقضيتهم, وحتى الاعلام الاسرائيلي لم يعد قادرا على تبرير قيام القناصة بفتح النار على الاطفال الذين يرشقون الحجارة ويسقطون بالعشرات وقد ظلت الانتفاضة الشعبية سيدة الاعلام والمهمة الاولى المراسلين الصحافيين حتى تسلحت ولجأت الى قتل المدنيين الاسرائيليين.

قتل الجنديين في مخفر شرطة رام الله:

تعتبر حادثة قتل جنديين الاحتياط الاسرائيليين في مخفر شرطة رام الله في شهر آذار من العام 2001 نقطة تحول حقيقية في نظرة الاعلام العالمي والاسرائيلي للانتفاضة الشعبية الفلسطينية, وقد تمكن صحافي ايطالي من توزيع شريط الفيديو الذي يظهر كيف قام العشرات من الشبان الفلسطينيين بقتل الجنديين ومن ثم تمزيق جثتيهما والقائهما من نوافذ الطابق الثاني لمخفر الشرطة قبل دحرجتها في الشوارع داخل اطارات السيارات المشتعلة.
ولربما لم يعرف الكثير من الفلسطينيين بان هذه الصور كانت السبب الاكبر في خسارة الانتفاضة الشعبية سمعتها وتدمير حالة التضامن التي كانت تعاني بألم من صورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة في وسائل الاعلام العالمية وجدت ضالتها في صور مخفر رام الله وقامت ببذل جهود هائلة لاستخدامها اطول فترة ممكنة واشارت الى مراسلي وكالات الانباء العالمية بخطورة زيارة المدن الفلسطينية لتتمكن من الانفراد بهم لوحدها .

مرحلة اطلاق النار وتفجير الحافلات:

وامتدت من آذار 2001 وحتى آذار 2002 وهي مرحلة الجزر بالنسبة للدعم الشعبي والاعلامي الدولي حيث عاشت المدن الفلسطينية في غابة من البنادق واطلاق النار وتهاوت قدرات اجهزة امن السلطة بشكل احدث انقلاب نوعي في النظرة للانتفاضة, وقد ابرزت وسائل الاعلام الدولية البندقية والميليشيات المسلحة بشكل يخيف الجمهور العالمي قبل ان تبرز حق الشعب الفلسطيني.

11 سبتمبر اصابت الانتفاضة بجرح خطير:

جاءت احداث 11 سبتمبر 2001 والهجوم الانتحاري بالطائرات على مباني في الولايات المتحدة الامريكية لتغير وجه العالم والصراع الدولي, فأثر ذلك على انتفاضة الاقصى بصورة مباشرة واخرى غير مباشرة.

ورغم محاولات القيادة الفلسطينية استدراك الامر الا ان الادارة الامريكية الجديدة- آنذاك- بزعامة جورج بوش وحكومة اسرائيل الجديدة -آنذاك- بزعامة اريئيل شارون امسكتا بال وحولتاها ضد الانتفاضة, ما دبّ الذعر في قلي الشعوب العربية وجعلها ترتعد من فكرة الانتفاضة وامسك باقلام الصحافيين العالميين الذين صاروا يخشون من اتهامهم بالارهاب اذا ما أيدوا الانتفاضة وهو دعم كبير حظي به شارون في لحظة لم يتوقعها.

فوقفت القيادة الفلسطينية الرسمية ( التي كانت تريد ان تبقي نفسها هي قائدة الانتفاضة) في موقف محرج وعاجز لاكثر من سنة, وهو ما ضرب الخطاب السياسي للانتفاضة وفتّ في عضدها.

اجتياح الضفة الغربية:

وما تخللها من جرائم ارتكبها الاحتلال مثل تدمير المؤسسات والبنية التحتية وقصف المنازل المأهولة بالسكان بواسطة طائرات F16 وقتل العشرات من المدنيين العزل وهي جرائم مؤلمة لكنها اعادت الانتفاضة الفلسطينية الى صورة الضحية في وسائل الاعلام العالمية ونتج عنها صورتان:

الصورة الاولى - مجزرة جنين, وهي قضية خلافية في الاعلام الدولي لكنها تمكنت من تحقيق الاجهاض للمخطط الاعلامي الاسرائيلي, فهرع مراسلو وكالات الأنباء العالمية وحتى الأميريكية الى مخيم جنين دون أن ينصاعوا لأوامر المنع العسكرية الاسرائيلية.

الصورة الثانية - حصار كنيسة, وهي قضية هائلة نجح الفلسطينيون في استغلالها اعلامياً بشكل كبير, رغم أن الصحفيين الدوليين كانوا يشتكون من غموض الموقف الفلسطيني الرسمي تجاه شكل حل هذه الأزمة.

ويمكن القول أنه ومع انتهاء اذار 2002 كان الفلسطينيون نجحوا في استعادة ثقة الاعلام الدولي ولكن بشكل جزئي وبسيط, ولكن الاعلام الدولي الشرقي والغربي كان يقف ضد عمليات تفجير الحافلات والأسواق المدنية الاسرائيلية وتواصل ذلك طوال العام 2002 مع عدم نسيان " فضيحة " سفينة كارن A التي أحرجت الرئيس عرفات كثيراً.

عام 2003 هو عام عرفات:

لم تترك اسرائيل او امريكا يوما في العام 2003 الا وهاجمت فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات وحاصرت المقاطعة واهانت رئيس دولة عربية ينتظر من جندي الاحتلال ان يسمح بادخال الطعام له ,وهو امر ادى الى اقتصار الانتفاضة في شخص الزعيم عرفات اكثر مما مناقشة قضية الانتفاضة و صار المراسلون العالميون ينامون على بوابات مقاطعة رام الله اكثر مما يناموا في فراشهم.

عام 2004 والبحث عن حلول:

وجد رؤساء تحرير وسائل الاعلام في العالم انفسهم امام البحث عن حل لانتفاضة الاقصى لا سيما بعد حربي افغانستان والعراق فنشأت افكار مائعة للحل ما عزز دور حماس وابرز تجربة حزب الله لا سيما عملية تبادل الاسرى, فبدأت حماس هي المنافس الاقوى لعرفات في عناوين وسائل الاعلام العالمية وانتقلت ساحات الحرب الى قطاع غزة, فبات الكثير من الصحافيين ينقلون للعالم بان هذه الانتفاضة هي انتفاضة حماس وليس اكثر من ذلك.

وفاة عرفات نهاية 2004:

مع وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وانتخاب الرئيس محمود عباس بداية العام 2005 طفا على سطح المنطقة الخطاب السياسي الامريكي الذي تمثل في قمة بين شارون ومحمود عباس دون جدوى, وكان من المتوقع جداً للافكار الامريكية ان تفشل وهو مازاد من الاحباط واليأس السياسي, فتفاقمت الثور المسلحة ..

2005 عام حماس:

نجحت حماس في تكريس صورتها في كل نشرات الاخبار وصارت الانتفاضة ملخصا بسيطا من انجازات حماس, ودفع ذلك الى الاعتقاد بان قطاع غزة يتحول الى دولة حماسستان وهو امر اثبتت الايام صحته, فقد تحولت حماس في غزة الى دولة داخل دولة, وتفعل حماس بالسلطة في غزة الان ما فعلته فتح بدولة لبنان حين كانت فتح تحكم بيروت.

الانسحاب من المستوطنات وتحرير غزة:

نجح شارون في اظهار نفسه كبطل للسلام واثبت العالم مرة اخرى انه لا يعط لعنة ابدية ضد احد ووافق الاعلام الدولي على التعامل مع شارون كرجل سلام, وحتى ان جزء كبير من الاعلام العربي والاسلامي وافق على ذلك.
أما الفلسطينيون فلم ينجحوا في اثبات قدرتهم على ترسيخ سلطة واحدة في غزة, وانتشرت حوادث اختطاف الصحفيين الأجانب في قطاع غزة دون ان يتمكن المحللون حتى الآن من تفسير سبب انتشار الظاهرة, فدبّت الفوضى وانتشرت الفاقة والعوز والاغتيالات بين الناس و ليتحول التحرير الى صورة مشوهة من صوّرالانجاز الوطني وسط عجز الفصائل الوطنية والاسلامية عن ادارة نفسها أو الاتفاق دون مساعدة المخابرات المصرية وهو ما أضعف صورة أبو مازن في الاعلام الدولي لصالح شارون.


عام 2006 عام البرغوثي:

مهندس الانتفاضة مروان البرغوثي والذي زجت به قوات الاحتلال في السجن مع النائب حسام خضر وعشرات القياديين الآخرين في العام 2002, يتحولون هذه الايام الى مادة اعلامية ساخنة, وتكتب صحف دولية وحتى اسرائيلية عن ضرورة الافراج عن مروان البرغوثي لأنه " الوحيد " القادر على انقاذ سلطة أبو مازن والوقوف في وجه حماس, وهي اشارات خطيرة تدل على ان وسائل الاعلام الدولية تعالج موضوع الانتفاضة من خلال أشخاص وليس من خلال مبادىء, وأن وسائل الاعلام تفضل الحديث عن الشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي والزعيم عرفات أكثر مما تفضل الحديث خمس سنوات عن الانتفاض او عن شعب يرزح تحت الاحتلال منذ خمسن سنة .

كما أن وسائل الاعلام الدولية تفضل الحديث عن مروان البرغوثي وأبو مازن وأشخاص أكثر مما تفضل الحديث عن حلول جذرية وهي نقطة هامة يجب الانتباه لها بحيث أن الحلول الأميريكية لما تطلق عليه " بؤر التوتر " في العالم مثل القضية الايرلندية, والفلسطينية, قد آلت الى الفشل ما يعني أن استمرار وجود (22 ثورة توتر في العالم) بينها افريقيا والعراق ولبنان وأفغانستان وايرلندا وفلسطين والأكراد ستجعل من الثورات عناوين اخبارية أكثر منها قضايا مصيرية لحريات الشعوب وانسانيتها وهي نهج اعلامي خطير ينذر باستمرار عجز الأمم المتحدة عن طرح الحلول والتنازل لمحطات التلفزة الاحتكارية عن هذا الحق.