الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حكايات التهجير واللجوء والكتابة في معرض عمان الدولي للكتاب

نشر بتاريخ: 01/10/2016 ( آخر تحديث: 01/10/2016 الساعة: 13:34 )
حكايات التهجير واللجوء والكتابة في معرض عمان الدولي للكتاب

عمان - موفد معا - استضافت قاعة الندوات في معرض عمّان الدولي للكتاب، مساء الجمعة، وضمن فعاليات دولة فلسطين ضيف شرف المعرض، ندوة بعنوان "تداعيات النكبة في الرواية الفلسطينية"، شارك فيها الروائي والكاتب يحيى يخلف، والقاص والكاتب محمد علي طه، وأدارها د. خالد الحروب.


وانطلقت الندوة بتساؤل أطلقه الحروب حول مغزى ومعنى وتداعيات عنوان الندوة، وما إذا كان المقصود في الرواية الفلسطينية هو العمل الإبداعي أي الرواية الفلسطينية السردية حول النكبة وتداعياتها، أم الرواية بمفهومها الواسع، في نقاش نابع في غالبيته من التجربة الذاتية لكل من يخلف وطه.


وبدأ محمد علي طه مداخلته بالحديث عن حكاية والدته التي توفيت قبل ثلاثة أعوام عن عمر يناهز خمسة وتسعين عاماً، وكيف طلبت منه قبل رحيلها بثلاثة أشهر اصطحابها إلى بيتها، وكانت تعني بيتها الذي هجرت منه في "ميعار" العام 1948، والتي تحولت إلى "مستوطنة صهيونية تدعى ياعد"، لتجد البيت المنشود كوماً من الحجارة والأشواك، فتأملت المشهد، ومن ثم طلبت العودة إلى سريرها في البيت الذي تسكنه وإياه وعائلته منذ أربعين عاماً بالإيجار، لافتاً إلى أن حكاياته ووالدته تعبر عن واقع الفلسطينيين "الباقين في وطنهم"، وهو الواقع الذي يعيشه حوالي نصف مليون فلسطيني هم لاجؤون في وطنهم ممن لم يهاجروا كغيرهم سنة النكبة، التي اعتبرها سنة ميلاد كتاباته، حين كان في السابعة من عمره، حيث وصل برفقة أسرته إلى الحدود اللبنانية قبل أن يقرر والده العودة.


وتابع طه الحكاية بسؤاله لوالده في وقت لاحق عن سبب قراره بالعودة دون أقاربه، فأجاب الأب بأنه تذكر أن أكثر من عشرين لبنانياً كانوا يعملون في ميعار قبل النكبة، وأنه لو كان في لبنان مصدر رزق بديل لما جاءوا للعمل في بلدتهم الصغيرة بفلسطين المحتلة العام 1948، ليسكنوا هضبة في سخنين أسفل شجرة من تموز حتى تشرين الثاني، دون أدنى مقومات المعيشة الإنسانية، لافتاً إلى أن شقيقته توفيت تحت الشجرة، وبما أنه لا توجد مقبرة في المكان، حملها الأب ودفنها في سخنين .. "وحتى اليوم لا نعرف أين دفنت شقيقتي".


وأشار طه: لذلك كل ما أكتبه متأثر بالنكبة، فلا أستطيع أن أكتب قصة، وكتبت حتى الآن خمس عشرة مجموعة قصصية، وروايتين، وأربع مسرحيات، وست كتب عبارة عن مقالات، وعشرين كتاباً للأطفال، دون أن أخرج من أجواء النكبة، حتى في اللاوعي، مستعرضاً فصولاً من طفولته وصباه وشبابه وغيرها ما بين النكبة وميعار والكتابة.


بدوره وصف الروائي يحيى يخلف النكبة بالزلزال والتسونامي الذي حول الفلسطينيين من الحياة المدنية المتطورة، والريفية المنتجة إلى طوابير من اللاجئين، قبل أن يقدم شهادته الخاصة حول النكبة، متحدثاً في البداية عن مشهد إطباق الحصار من قبل قوات العصابات الصهيونية على بلدته المهجرة سمخ الواقعة على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبريا.


واستذكر يخلف: كان الرجال الذين يحملون بنادق عتيقة يرابطون عند مبنى سكة الحديد التي بناها العثمانيون، بعد أن قرروا إخلاء النساء والأطفال من البلدة إلى مكان آمن وكانت قرية "الحمّة" ذات الينابيع الساخنة عند الحدود الأردنية السورية، وتبعد حوالي عشرة أميال عن سمخ .. نقلوهم مؤقتاً بانتظار الجيوش العربية، وبالتالي فك الحصار، ومن ثم عودة المهجرين.


وتابع يخلف: رحّلت نساء العائلة وأطفالها في عربة يجرها حصان .. تكوّمنا في العربة وسط البكاء والعويل، وكنت أتشبث في ثوب أمي، وهي تحضنني لتمنحني بعض الدفء في ذلك اليوم الشتائي البارد، وكانت أمي ترتجف لا أعرف خوفاً أم برداً .. عندما كان الحصان يجر العربة المكتظة بصعوبة كنت أتشبث أكثر بثاب أمي، وأنظر في وجهها وكأنني أتساءل عما يسح من عينها، وما إذا كانت دموع أم قطرات مطر .. وبقي هذا المشهد عالقاً في ذاكرتي إلى اليوم، ويرافقني وخاصة في سنوات الشتات والرحيل من منفى إلى منفى، وما يحمله من حكايات ستبقى ماثلة في الوعي واللاوعي .. رحلة الشتات في عربة يجرها حصان عجوز رافقنا إلى رحلة اللجوء إلى مدينة إربد في الأردن، ومات لاجئاً ذات شتاء يشبه الشتاء الذي اختلطت فيه قطرات المطر بدموع أمي.
واستعرض يخلف حكايات أخرى تتعلق باللجوء تلو الآخر، وانعاكاسات النكبات المتتالية على أعماله الروائية وغيرها، مشدداً على أن ما تعمله في مدرسة العائلة يفوق بكثير ما تعلمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ومنها تشكلت رحلته مع الكتابة الإبداعية عبر أعماله المتعددة بداية بـ "تلك المرأة الوردة"، ومن ثم رواية "تفاح المجانين"، لافتاً إلى أنه وأبناء جيله مارسوا المقاومة الثقافية في ستينيات القرن الماضي، وأن هذا النوع من المقاومة سبق الكفاح المسلح.


واختتمت الندوة بملاحظات عدة للدكتور خالد الحروب من بينها انتقال رواية النكبة في السرد الفلسطيني من مرحلة البكائيات والتفجع والحسرة إلى مراحل أخرى كالعمل الفدائي والثورة، ومن ثم المأسسة الرسمية باتجاه الدولة، قائلاً: ما زلنا في نصف الطريق أو في مكان ما ما قبل أو بعد المنتصف، لافتاً إلى أهمية الانتباه إلى كيفية تحويل النكبة إلى مشروع سياسي فعّال، ربما أحد مكوناته رفض ما أنتجته هذه النكبة من واقع مأساوي يتواصل.